34/03/22
تحمیل
الموضوع / التنبيه السابع / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
الوجه السادس:- ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية وحاصله:- إن الجمع أو التوفيق العرفي يقتضي ذلك - يعني تقديم حديث لا ضرر - فإنه ناظر إلى العنوان الثانوي - أعني الضرر - وأدلة الأحكام الأولية ناظرة إلى العناوين الأولية والعرف حينما يجتمع لديه حكمان من هذا القبيل يحكم بأن الحكم الثابت للعنوان الثانوي هو الحكم الفعلي وذاك حكم اقتضائي فالعرف يفهم من حديث لا ضرر أن الحكم الفعلي هو عدم وجوب الوضوء الضرري وما دل على وجوب الوضوء يحمل على الحكم الاقتضائي ، فنكتة التقديم هي هذه دون النظر كما قيل
[1]
.
وبالجملة:- إن الشيخ الخراساني(قده) يريد ان يقول:- كلما اجتمع عنوانان أولي وثانوي فالعرف يحمل الحكم الثابت للعنوان الثانوي على الفعلية وذاك على الاقتضاء ، ومن أمثلته دليل وجوب الوفاء بالنذر أو باليمين عند اجتماعه مع الحكم الأولي فالحكم الأولي يقول ( يجوز شرب الشاي والقهوة وغيرهما ) ولكن لو حلفت أو نذرت أن أشرب مثلاً فيصير واجباً فهو بمقتضى العنوان الأوّلي مباح وبمقتضى العنوان الثانوي واجب فأيهما المقدم ؟ إن الشيخ الخراساني يقول إن الوجوب بسبب النذر أو اليمين هو المقدم فإن العرف يرى أن الحكم الفعلي هو الثابت بعنوان اليمين والنذر - أي وجوب الوفاء - وذاك يحمله على الحكم الاقتضائي ونصّ عبارته كما يلي:- ( ومن هنا لا تلاحظ النسبة بين أدلة نفيه وأدلة الأحكام وتقدم أدلته على أدلتها مع أنها عموم من وجه حيث إنه يوفق بينهما عرفاً بأن الثابت للعناوين الأولية اقتضائي يمنع عنه فعلاً ما عرض عليها من عنوان الضرر بأدلته كما هو الحال في التوفيق بين سائر الأدلة المثبتة أو النافية لحكم الأفعال بعناوينها الثانوية والأدلة المتكفلة لحكمها بعناوينها الأولية ...... هذا ولو لم نقل بحكومة دليله على دليله لعدم ثبوت نظره إلى مدلوله كما قيل )
[2]
.
وقبل أن نعلق نطرح سؤالين:-
السؤال الأول:- لماذا لم يصر الشيخ الخراساني إلى فكرة الحكومة والنظر والحال أنه ملتفت إلى ذلك كما دلت عليه العبارة ؟
ربما يقول قائل:- إنه لم يصر إلى ذلك من باب أنه لا يفسّر كلمة الضرر بالحكم الضرري ، يعني ليس المقصود من لا ضرر هو أنه لا حكم ينشأ منه الضرر كما صار إلى ذلك الشيخ الأعظم(قده) فلو كان يفسر الحديث هكذا لكان لازم ذلك النظر والحكومة فيقول الحديث ( لا يوجد حكم ينشأ منه الضرر ) فهو ينظر إلى الأدلة الأولية المثبتة للأحكام ويقول إذا نشأ منها الضرر فهي منتفية ، ففكرة النظر بناءً على هذا تكون واضحة ، ولكنه لا يفسره كذلك وإنما يفسره بالموضوع كما تقدمت الإشارة إلى ذلك فكلمة الضرر يفسرها بالموضوع الضرري - أعني نفس الوضوء - والحديث ينفي الموضوع من قبيل ( لا ربا بين الولد وولده ) بقصد نفي الحكم لا أنه ينفي الحكم ابتداءً ، فلأجل أنه لا يفسر الضرر بالحكم بل يفسره بالموضوع لم يصر إلى فكرة النظر والحكومة .
وجوابه واضح:- فإن نفي الموضوع لا يقصد منه إلا نفي الحكم ولكن الطريق والاسلوب هو عدم نفي الحكم مباشرة بل نفيه بشكل غير مباشري من خلال نفي الموضوع ، وهذا أسلوب جميل من أساليب اللغة العربية . إذن بالتالي الحديث ينفي الحكم الضرري غايته لا بالمباشرة بل بالواسطة ومادام ينفي الحكم الضرري فلا فرق إذن بين أن نفسر كلمة الضرر بالحكم أو بالموضوع فأن الحديث بالتالي ينفي الحكم . إذن ليست هذه النكتة التي دعت الشيخ الخراساني لرفض فكرة الحكومة.
ولعل النكتة في ذلك والله العالم هو أنه تخيل أن النظر والحكومة يختصان بالنظر بنحو التفسير بمثل كلمة ( أعني ) و (أقصد ) فإن نظر أحد الدليلين إلى الآخر يكون بالشكل المذكور أحياناً من قبيل ما لو قيل ( أكرم العالم ) ثم قيل ( وأقصد من العالم أو أعني من العالم من كان عالماً بفقه أهل البين عليهم السلام دون كل عالم من جهة من الجهات ) ، إنه لعله تصور أن النظر يختص بهذه الحالة والتي هي حالة لعلها قليلة في الروايات بل تكاد تكون معدومة . نعم قد يمثل لذلك برواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( سألته عن رجل لم يدر ركعتين صلى أم ثلاثاً ، قال:- يعيد ، قلت:- أليس يقال لا يعيد الصلاة فقيه؟ فقال:- إنما ذلك في الثلاث والأربع )
[3]
إن الحكومة في هذا الحديث حكومة بنحو التفسير بمثل كلمة ( أعني ) حيث قال عليه السلام ( إنما ذلك .... ) وهذه الفقرة من الواضح أنها ناظرة بنحو التفسير إلى فقرة ( لا يعيد الصلاة فقيه ) ، إن صاحب الكفاية لعله تصور إن النظر ولحكومة يختصان بهذه الحالة ، وبناءً على هذا يتم انكاره ويكون وجيهاً فإن حديث لا ضرر ليس مفسراً بمثل كلمة ( أعني ) لأدلة الأحكام الأولية فإن مفاده ليس هو التفسير بالنحو المذكور.
ولكن نحن نقول للشيخ الخراساني:- إن حصر النظر في هذه الدائرة الضيقة شيء في غير محله فإن النظر أوسع من ذلك ومن مصاديقه المقام فإنه لا معنى لنفي الحكم الضرري إلا بأن نفترض وجود أحكامٍ شرعيةٍ في المرحلة السابقة حتى يأتي الحديث وينفيها في حالة الضرر فهو ناظر إليها ، أما إذا لم يكن هناك نظر بل الحديث يقول ابتداءً ( أيها الناس لا حكم ضرري ) بلا نظر للأدلة الأولية فيلزم أن يكون النبي قصاصاً ومخبراً والمفروض أنه مشرِّع وهذه قضية ثانية.
والذي أريد أن أقوله:- هو أن النظر بهذا المعنى الوسيع شيء مقبول ولا معنى لأن يرفضه صاحب الكفاية(قده) . إذن هو تخيل أن المقصود من النظر في باب الحكومة هو النظر بنحو التفسير بكلمة ( أعني ) لأجل ذلك قال في ذيل العبارة المتقدمة ( لعدم ثبوت نظره إلى مدلوله ) أي إلى دليل الأحكام الأولية ، هذه قضية جانبية أردت بيانها.
القضية الثانية التي أريد بيانها:- هي أن الشيخ الخراساني(قده) كيف انتقل ذهنه إلى هذا الجمع الذي ذكره - أعني حمل حديث لا ضرر على بيان الحكم الفعلي وتلك على بيان الحكم الاقتضائي ؟ - وصار إليه وما هو المنشأ ؟
والجواب:- لعله تصور أن الضرر علّة لنفي الحكم ومادام علّة فلابد وأن يكون الحكم الفعلي مطابقاً معه لا مع الحكم الأوّلي ونظير ذلك يقال في دليل وجوب النذر إذا اجتمع مع دليل الحكم الأوَّلي فالنذر يحمل على العليّة - أي علة لوجوب الوفاء - فيصير الحكم الثابت لعنوان النذر حكماً فعلياً لأن النذر علة لوجوب الوفاء وبالتالي يلزم حمل الدليل الأوَّلي على الاقتضاء ، فلا يبعد أن يكون المنشأ إذن لانتقاله إلى هذا الجمع العرفي هو فهمه كون الضرر علة للنفي لعلية النذر واليمين لوجوب الوفاء ولازم العلية حمل الحكم على الفعل وبالتالي حمل الحكم الآخر المنافي والمعارض على الاقتضاء.
ولكن يرد عليه:-
أولاً:- سلمنا أن عنوان الضرر أو عنوان النذر علة كما أفاد(قده) وهو شيء قريب ، ولكن لا يلزم من ذلك حمل الأدلة الأخرى على الحكم الاقتضائي وإنما تصير النتيجة أن الحكم الأوّلي حكم فعلي كالحكم الثانوي فكلاهما فعليان غايته فعلية العنوان الأولي خاصة بغير حالة الضرر أو اليمين أو النذر وفعلية العنوان الثانوي خاصة بحالة الضرر أو اليمين أو النذر فلا معنى للاستعانة بفكرة الحكم الاقتضائي بل النتيجة هي أن كل منهما يكون حكماً فعلياً غايته في مساحته الخاصة به فمساحة الحكم الأوَّلي هي حالة ما إذا لم يكن ضرر أو يمين أو ... فهو فعلي في هذه الحالة ومساحة الحكم الثانوي هي ما إذا كان العنوان الثانوي طارئاً ، وهذا ما يقوله أصحاب فكرة الحكومة والنظر فإنه حينما يقال إن حديث لا ضرر ناظر إلى أدلة الأحكام الأولية يراد أن يقال إن فعلية الحكم الأولي خاصة بغير حالة الضرر وأما في حالة الضرر فالحكم الفعلي ليس هو وجوب الوضوء مثلاً وإنما وجوب الوضوء ينتفي وينتقل إلى شيء آخر ، فإذن نحن نسلم فكرة العلية ولكن ليس لازمها ما أراده(قده).
وثانياً:- لازم ما ذكره(قده) أن دليل الحكم الأوّلي قد استعمل في معنيين - يعني دليل وجوب الوضوء ( يا أيها الذين امنوا إذا قمتم للصلاة فاغسلوا .... ) - فهو مستعمل في الوجوب الاقتضائي في حالة الضرر وفي الوجوب الفعلي في حالة عدم الضرر وجزماً لا يفهم من هذا الدليل الواحد هذان المعنيان معاً لا من باب استحالة الاستعمال في معنيين وإنما نريد أن ندعي أن هذا وإن كان ممكناً ولكن لا نفهم كلا هذين المعنيين بحيث تكون الآية مشيرة إلى حكمين اقتضائي وفعلي.
وثالثاً:- إنه لا معنى للحكم الاقتضائي في حدِّ نفسه إذ لا معنى لذلك فإن الشريعة تنزل بالأحكام الفعلية ، أما بيان الأحكام الاقتضائية بمعنى أنه يوجد اقتضاء لوجوب الوضوء ولكن حيث أنه يوجد مانع - وهو الضرر - فلا يثبت هذا الحكم فهذا لا معنى لأن يبعث الرسول لبيان حكم من هذا القبيل . إذن الجمع الذي ذكره(قده) لا يمكن قبوله.
[1] ويشير بذلك إلى الشيخ الأعظم فإنه قدم الحديث لكونه حاكماً وناظراً.
[2] 382 طبعة مؤسسة آل البيت عليهم السلام.
[3] الوسائل 8 215 9 من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ح3.