34/04/01
تحمیل
الموضوع / التنبيه السابع / تنبيهات / قاعدة لا ضرر / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
وهناك أربع حالات للصورة المذكورة وقد أشار إليها الشيخ الأعظم(قده) في رسائله
[1]
وهي:-
الحالة الأولى:- أن نفترض أن المالك لو لم يتصرف في داره فسوف يتضرر هو أيضاً فالأمر يكون دائراً بين ضرره أو ضرر جاره.
الحالة الثانية:- أن لا يتضرر مالك الدار بعدم حفر البالوعة بيد أنه يفوت عليه الانتفاع بداره فهو ينتفع بحفر البالوعة دون أن يتضرر بعدم حفرها ولكن المفروض أن جاره يتضرر بحفرها.
الحالة الثالثة:- أن لا يتضرر بعدم الحفر كما لا تفوت عليه منفعة وإنما يحب أن يتصرف هذا التصرف بقصد الميل النفساني لا أكثر والمفروض أن الجار يتضرر لو حفر.
الحالة الرابعة:- نفس الحالة الثالثة مع إضافة أن يكون حفر البالوعة لا بقصد الميل النفساني بل بقصد الإضرار بالجار.
إذن في جميع الحالات الأربع قد فرضنا فيها أن الجار يتضرر بالحفر بيد أنه في الحالة الأولي إذا لم يحفر المالك فنفسه سوف يتضرر ، بينما في الحالة الثانية لا يتضرر بل تفوت عليه منفعة مهمّه ، وفي الثالثة لا يلزم تضرر ولا فوات منفعة وإنما يفوت الميل والمحبة النفسانية لا أكثر ، وفي الرابعة نفترض أنه يفعل ذلك من دون هو أن يتضرر بالترك وإنما الداعي هو الإضرار بجاره لا أكثر.
بعد هذا نقول:- أما الحالة الرابعة فلا إشكال في حرمتها جزماً فإن المفروض هو أن المالك لا يتضرر بترك الحفر ولا تفوت عليه منفعة مهمة وإنما يفعل ذلك ليس إلا للإضرار بجاره ومعلوم أنه يحرم على الانسان أن يفعل فعلاً يوجب تضرر الآخرين وبقصد إضرارهم وذلك إما لأنه مورد اتفاق بين الفقهاء ، أو لاستفادته من بعض الروايات الواردة في حرمة الإضرار بالمؤمن وقد نقل بعضها صاحب الوسائل(قده) في الأبواب المناسبة ، أو نتمسك بفقرة ( لا ضرار ) وليس بفقرة ( لا ضرر ) فإن الضرار كما قلنا عبارة عن الإضرار بالآخرين فإن هذا هو المفهوم منه وحينما ينفي الشرع الإضرار أو الضرار في الشريعة الاسلامية فنستفيد بالدلالة الالتزامية النهي من هذا النفي وأن الشارع قد حرّم الإضرار إذ لو لم يُحرِّم الإضرار وأبقى الباب مفتوحاً لمن يريد أن يضرّ غيره فلا يصحّ نفي الضرار والإضرار في الاسلام إذ يكون هذا تهافتاً . إذن نفي الضرار والإضرار يدل بالالتزام على سدِّ باب الإضرار في الاسلام وسدّ الباب يكون بالنهي لأن من أحد الأبواب المهمة هو النهي . إذن يتعين أن نستفيد النهي ، أو نتمسك بفقرة ( لا ضرر ) بلا حاجة إلى التمسك بفقرة ( لا ضرار ) فإن فقرة ( لا ضرر ) تنفي كل حكم ضرري فلو كان يجوز الإضرار بالآخرين - أي يجوز حفر البالوعة بقصد الاضرار بالآخرين - فهذا معناه أنه يوجد حكم ضرري في الاسلام والمفروض هو نفي كل حكم ضرري فيفهم من ذلك أن جواز حفر البالوعة بقصد الإضرار منفي في الشريعة بفقرة ( لا ضرر ) بلا حاجة إلى الانتقال إلى فقرة ( لا ضرار ) . إذن ينبغي إخراج هذه الحالة عن حريم النزاع فإن الحرمة فيها ينبغي أن تكون مسلمة.
وهكذا الأمر بالنسبة إلى الحالة الثالثة فإنه ينبغي الحاقها بالصورة الرابعة ، والمهم إذن هو الحالة الأولى والثانية - أو بالأحرى الحالة الأولى - إذن نضع الحالة الأولى أمام أعيننا الآن ونقول:- هل يجوز للمالك أن يحفر بالوعة مثلاً والتي لو تركها تضرر ولو حفرها تضرر الجار ؟ والمهم هو نتكلم هنا في هذه الحالة.
وقد نقل الشيخ(قده) في الرسائل أن المشهور هو الحكم بالجواز بل نقل عن بعضٍ الاتفاق على ذلك ، قال(قده):- ( حكي عن الشيخ والحلبي وابن زهرة دعوى الوفاق عليه )
[2]
، ثم بعد ذلك نقل عن ملا محمد باقر السبزواري صاحب كتاب ( الكفاية والذخيرة ) أنه يمكن أن نحكم بالمنع وذلك للمعارضة بين حديث نفي الضرر وحديث السلطنة فإن حديث نفي الضرر يحرم هذا التصرف لأنه إضرار بالجار وحديث السلطنة يجوّز ذلك فيحصل المعارضة بينهما ، هذا ما نقله(قده) عنه حيث قال:- ( نعم ناقش في ذلك
[3]
صاحب الكفاية
[4]
مع الاعتراف بأنه المعروف بين الأصحاب لمعارضة عموم التسلط لعموم نفي الضرر... ) ، ثم نقل الشيخ عن صاحب الرياض أنه قال لصاحب الذخيرة إنا سلمنا المعارضة بينهما ولكن النتيجة تصير ليس هي المنع بل تبقى هي الجواز إذ بعد التعارض والتساقط نرجع إلى أصل البراءة.
وعلى أي حال الكلام يقع أوّلاً في أدلة جواز التصرف ، ويمكن أن يستدل عليه بعدة أدلة وهي:-
الدليل الأول:- ما يمكن استفادته من كلام صاحب الرياض(قده) والذي أشرنا إليه قبل قليل وذلك بأن نقول إنه تحصل معارضة بين حديث السلطنة وحديث لا ضرر فحديث لا ضرر يمنع المالك من التصرف بحفر البالوعة لأنه مضر بالجار وحديث السلطنة يجوّز له الحفر فيتعارضان ويتساقطان فنرجع إلى أصل البراءة ، إن هذا الدليل يمكن أن نستفيده من رد صاحب الرياض على السبزواري.
وهذا الدليل كما ترى يعتمد على قضيتين:-، الأولى إن حديث السلطنة يقتضي جواز تصرف المالك في داره بالحفر ، والثانية:- إن حديث لا ضرر يمنع من ذلك.
الكلام في حديث السلطنة:- أما بالنسبة إلى حديث السلطنة فالتمسك به محلّ إشكال لعدة أمور:-
الأمر الأول:- إن قاعدة السلطنة لم تثبت بحديث معتبر من حيث السند وإنما نقل صاحب عوالي اللآلي بشكل مرسل عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:- ( الناس مسلطون على أموالهم ) وهذا كما ترى مرسل والاعتماد عليه مشكل ، ولكن رغم ذلك نسلم بأصل قاعدة السلطنة وذلك للسيرة العقلائية فإنها انعقدت على أن كل إنسان له الحق في أن يتصرف في مالة بما شاء ، فلو فرض أن شخصاً كانت عنده أموال ويريد أن يسافر بها فهل يحق لأحد من الزاوية العقلائية أن يمنعه من ذلك ؟ كلا ، ..... إلى غير ذلك من الأمثلة . إذن مضمون قاعدة السلطنة هو مضمون انعقدت عليه السيرة العقلائية وحيث أنه لا ردع عنها فتكون ممضاة وبذلك تثبت قاعدة السلطنة ولكن من خلال السيرة العقلائية الممضاة بعدم الردع وليس بحديث عوالي اللآلي ، وإذا قبلنا بهذا نقول:- إن القدر المتيقن من السيرة العقلائية هو أن المالك يجوز له التصرف في ماله بما شاء فيما إذا لم يكن ذلك مستلزماً لتضرر غيره كالجار في مقامنا وإلا فانعقاد السيرة أمر مشكوك وحيث إن السيرة دليل لبي وهو لا إطلاق له فيقتصر على القدر المتيقن وهو أن الإنسان مسلط على التصرف في حالة عدم تضرر الآخرين.
الاشكال الثاني:- لو سلمنا ثبوت قاعدة السلطنة بحديث ( الناس مسلطون على أموالهم ) رغم إرساله بدعوى أنه منجبر بعمل الأصحاب فنقول:- إن غاية ما يستفاد منه هو أن التصرف إذا كان مشروعاً في حدِّ نفسه وثبتت شرعيته في حدِّ نفسه فلا يحق للآخرين الحيلولة دون ذلك التصرف كما لو فرض أن الأب في حياته أراد أن يهب نصف أمواله لبعض أولاده فيأتي حديث السلطنة ويقول لا حق لبقية الأولاد من الاعتراض عليه فيقول ( الناس مسلطون على أموالهم ) ، وهكذا الحال في مسالة أموال الزوجة فلو كانت عندها أموال وأرادت أن تبني بها حسينية فلا يحق للزوج الاعتراض عليها إذ يأتي هنا ( الناس مسلطون على أموالهم ) ، أما إذا كان أصل التصرف مشكوك الشرعية في حدّ نفسه فلا يمكن إثبات جواز التصرف بحديث السلطنة وقد أشار إلى ذلك الشيخ الخراساني(قده) في حاشيته على الرسائل ، ومقامنا من هذا القبيل فإن المفروض هو أنا نشك في أصل جواز تصرف المالك في حفر البالوعة باعتبار أنه مضرّ بالجار فأصل شرعيته محلّ إشكال فلا يمكن إثبات الشرعية بحديث السلطنة.
[1] الرسائل، في الطبعة الجديدة من تراث الشيخ الأنصاري تسلسل الكتاب، ج25، ص469.
[2] الرسائل، تراث الشيخ الأنصاري التسلسل 25، ص468.
[3] اي الجواز الذي بنى عليه المشهور.
[4] اي كفاية الذخيرة .