34/06/17
تحمیل
الموضوع:- الدليل الثالث للاستصحاب ( التمسك بالأخبار ) / أدلة الاستصحاب / الاستصحـاب / الأصول العملية.
وإن شئت قلت:- إن الرواية إما أن يراد منها كبرى الاستصحاب أو يراد منها كبرى قاعدة اليقين ولا شق ثالث في البين وعلى كلا التقديرين يأتي الإشكال فكما أن شرط جريان الاستصحاب وجود شكٍ ما بعد اليقين - أي شكٌ في البقاء لا يقين بالانتقاض - كذلك يلزم في قاعدة اليقين أن يحصل شكٌ في صحّة أصل اليقين السابق أما إذا جزم ببطلان اليقين السابق فهذا ليس مورداً لقاعدة اليقين والمفروض أن زرارة قد جزم بأن هذه النجاسة كانت موجودة سابقاً فإننا نتكلم على هذا التقدير وهذا الفرض ومع جزمه المذكور فكما لا يمكن أن يجري الاستصحاب كذلك لا يمكن أن تجري قاعدة اليقين فإن شرطها الشك في صحّة اليقين السابق لا الجزم ببطلانه.إذن الإشكال ثابت على كلا التقديرين . نعم لو كان الإشكال يأتي على تقدير إرادة الاستصحاب ولا يأتي على تقدير قاعدة اليقين فيكون هذا الإشكال موجباً لحمل الرواية على قاعدة اليقين دون الاستصحاب ولكن لمّا كان يأتي على كلا التقديرين فيتم ما ذكرناه - يعني أن العجز عن معرفة وجه تطبيق الكبرى على الصغرى لا يضرّ بأصل الكبرى - وهذا المطلب قد تبنّاه الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية
[1]
حيث قال(قده):- ( مع أنه لا يكاد يوجب الإشكال فيه
[2]
والعجز عن التفصّي عنه إشكالاً في دلالة الرواية على الاستصحاب فإنه لازم على كل حال كان مفاده
[3]
قاعدته أو قاعدة
[4]
اليقين مع بداهة عدم خروجه منهما
[5]
)
[6]
. إذن على كلا التقديرين الإشكال آت . فإذن العجز عن الجواب ومعرفة كفيفة التطبيق لا يضرّ بأصل الكبرى.
وفيه:-
أولاً:- إننا نسأل ونقول:- إذا عجزنا عن معرفة كيفية التطبيق فكيف يبرّر هذا حمل الرواية على الاستصحاب فلعل المقصود منها قاعدة اليقين والحال هو(قده) قال إن هذا الإشكال لا يضّر بدلالتها على حجيّة الاستصحاب ؟
ولم يذكر(قده) علاجاً وجواباً لهذا وهو(قده) يحتاج إلى ضمّ مقدّمة حتى يتم ما أفاده وهي أن الرواية بقطع النظر عن هذا الإشكال لا يمكن حملها على قاعدة اليقين لما أشرنا إليه سابقاً من أن تطبيق قاعدة اليقين فرع تماميّة أركانها وأحد ركنيها هو اليقين السابق الذي يقبل التزلزل ولم يفترض زرارة في الرواية اليقين المذكور إلا من خلال تعبيره ( ظننت أنه أصابه ففحصت فلم أرَ ) وقلنا إن هذا التعبير لا يلازم فرض حصول اليقين فبالتالي زرارة لم يفترض حصول اليقين من خلال هذا التعبير ، وعلى هذا الأساس حيث أن أركان قاعدة اليقين ليست بتامّة بخلاف أركان الاستصحاب فإنها تامّة فيتعين حمل الرواية على الاستصحاب ولا يحتمل أن يكون المقصود منها قاعدة اليقين والعجز عن معرفة كيفية التطبيق لا يضر بدلالتها على حجيّة الاستصحاب . إذن كان من المناسب للشيخ الخراساني(قده) ضمّ هذه الضميمة ولعله لم يذكرها لشدّة وضوحها.
وثانياً:- إن العجز عن معرفة كيفية التطبيق يوجب الظن لنا بوجود خللٍ في النقل وإن كنّا لا نشخّص مركز الخلل وأين هو لكن نظن بوجوده إذ لا نحتمل أن الإمام عليه السلام يبين قاعدةً لا يمكن تطبيقها على المورد فيحصل الظن بوجود خللٍ في النقل ومادام الأمر كذلك نضمّ مقدمة أخرى وهي أن الظهور في المورد الذي يظن فيه بوجود خللٍ في النقل هل هو حجّة بعد فرض أننا نظنّ بوجود خلل في النقل أو لا ؟ إن حجيته محلّ إشكال فإن مدرك حجيّة الظهور هو السيرة العقلائية وهي دليل لبّي والقدر التيقن من انعقاد السيرة هو المورد الذي لا يظن فيه بالخلل أما إذا ظن بالخلل فهل انعقدت السيرة على العمل بالظهور أيضاً في المورد المذكور ؟ إن هذا لا يُجزم بانعقاد السيرة عليه وبهذا يسقط الظهور المذكور عن الحجيّة ، وإشكالنا العلمي والمهم هو هذا.
هذا كله بالنسبة إلى المقطع الثالث من هذه الرواية الذي هو المورد الأول للاستدلال بهذه الصحيحة وننهي كلامنا فيه وقد اتضح أن الاستدلال به تامٌ ما دمنا نبني على الجواب الرابع من الأجوبة التي ذكرناها في دفع الإشكال المتقدم - يعني أن زرارة لم يذكر أني أجزم أن النجاسة التي رأيتها هي عين النجاسة السابقة فإنه قال فرأيت وبالتالي حينئذ حيث لا نجزم فلا إشكال - فإذا قبلنا هذا ولو بعد إصلاحه بما تقدّم فحينئذ تكون دلالة الرواية على الاستصحاب تامّة ولا إشكال فيها.
وأما في بقيّة فقرات الرواية:-
ففي السؤال الرابع سأل زرارة الإمام عليه السلام عمّن علم إجمالاً بأن النجاسة أصابت ثوبه ولكنّه لم يشخّص الموضع وأجابه عليه السلام بلزوم غسل المساحة التي يحتمل تحقق الإصابة فيها - يعني من باب منجزية العلم الإجمالي - وهذا لا يهمكنا . وفي السؤال الخامس سأل زرارة عن لزوم الفحص فيما إذا ظنّ أن النجاسة قد أصابت ثوبه وقال:- ( فهل عليَّ إن شككت في أنه أصابه شيء أن أنظر فيه ) والإمام عليه السلام أجابه بالنفي ويا ليته سأل الإمام وقال ( ولمَ ) فلو كان يسأل هنا هكذا لكان يصير عالماً بذلك المستوى العالي لا أن يُشكِل على الإمام ولكن يظهر أن جواب الإمام عليه السلام يتوافق مع مرتكزاته أو لا أقل لا يتنافى مع مرتكزاته ولذلك لم يسأل وكان من المناسب أن يسأل ووجهه هو إما الاستصحاب بأن يقال إن الإصابة لم تكن متحققة سابقاً جزماً ثم شك في تحققها بعد ذلك فيجري الاستصحاب لنفيها ، وإما أن الوجه هو أصل الطهارة يعني بالتالي نحن نشك أن الثوب الآن - أي عند الشك في الإصابة - هل هو طاهر أو هو نجس ؟ ومقتضى ( كل شيء لك نظيف حتى تعلم أنه قذر ) هو الحكم بطهارته ، إن المستند إما هذا أو ذاك ، ولعل الأنسب فنيّاً هو الاستصحاب من باب أنه أصلٌ موضوعي ينقح الموضوع - يعني عدم الإصابة - ومعه لا تصل النوبة إلى الأصل الحكمي - أعني أصل الطهارة - بناءً على ما أسّس في علم الأصول من أن الأصل الموضوعي مقدّم على الأصل الحكمي حتى في حالة توافقهما ، وأما إذا بنينا على أنه في حالة التوافق يجري كلاهما فبالإمكان الاستناد إلى كليهما.
وبهذا يتضح أن الإنسان إذا كان يسير في الشارع واتفاقاً أريق ماء نجس ولا يدري أنه أصاب ثوبه أو لا ؟ فيمكنه أن يجري استصحاب عدم الإصابة أو يجري أصالة الطهارة.
فالمقصود أنه لا مشكلة من هذه الناحية والمهم هو السؤال السادس.
[1] يعني ذكر أن العجز عن معرفة وجه التطبيق لا يضرّ بأصل الكبرى مادام الاشكال آتٍ على كلا التقديرين.
[2] أي في توجيه التطبيق.
[3] أي صحيحة زرارة.
[4] أي قاعدة الاستصحاب.
[5] أي الحديث ليس فيه سق ثالث بل لا يعدو إما الاستصحاب وإما قاعدة اليقين.
[6] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص395، ط آل البيت.