34/07/21
تحمیل
الموضوع:- الأقوال في المسألة ( هل يجري الاستصحاب في الشبهات الموضوعية والحكمية أو لا ؟ ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
واضيف إضافة:- وهي أنه من هذا يمكن أن يدّعى أن الأحكام التكليفية هي أربعة وليست خمسة فإن الاباحة ليست مجعولةً فالأحكام المجعولة تكون أربعة لا خمسة . أجل هذا وجيه إذا كانت الاباحة لا اقتضائية - أي ليست ناشئة من ملاك - فهي لا تحتاج إلى جعلٍ بل عدم جعل الحرمة أو الوجوب يكفي لثبوتها ، وأما إذا كانت اقتضائية - أي أنها ناشئة من ملاك - فآنذاك يمكن أن ندّعي أنها مجعولة فالشارع يجعلها لأجل وجود ملاكٍ فيجعل الرخصة لأجل ذلك الملاك . وعلى هذا الأساس إذا سؤلنا عن عدد الأحكام التكليفية وهل هي خمسة أو أربعة ؟ فنجيب بأنها أربعة لو كانت الاباحة اقتضائية لأنها لا تحتاج إلى جعل وخمسة إذا كانت الاباحة اقتضائية لأنها تحتاج إلى جعل ، وهذه قضية جانبية.
المورد الثالث للاستثناء:- الأحكام الوضعية إذا كان مضمونها مضموناً ترخيصياً كالطهارة مثلاً فإن استصحاب الطهارة يجري بلا معارض فلو فرض أنه كان لذينا ماء وأصابه متنجس وشككنا أن المتنجس هل ينجس أو لا ؟ فهنا نستصحب طهارة الماء وبقاءه على الطهارة ، إنه استصحاب حكميّ للطهارة ولا يعارَض ذلك باستصحاب عدم الجعل الزائد - أي عدم جعل الشارع للطهارة بعد ملاقاة الماء للمتنجس - والوجه في ذلك هو أن الطهارة مضمونها مضمونٌ ترخيصيّ وليس الزامياً ومعه لا تحتاج إلى جعلٍ فالأشياء كلّها على الطهارة حتى يثبت المنع . نعم هذا وجيه بالنسبة إلى النجاسة كما في الماء المتغيّر فإنه نجس فإذا زال تغيّره من قبل نفسه وشككنا في بقاء النجاسة فاستصحاب النجاسة الفعليّة لا يجرى للمعارضة باستصحاب عدم الجعل الزائد للنجاسة - يعني في الفترة المشكوكة - أي في فترة ما بعد زوال التغير من قبل نفسه نشك هل جعلت النجاسة للماء أو لا ؟ فنستصحب عدم جعل النجاسة.
والنتيجة:- إن المعارضة تامّة فيما لو كان الحكم الوضعي الذي نريد أن نستصحبه مثل النجاسة الذي مضمونه مضمونٌ الزاميّ دون ما إذا كان مثل الطهارة فإنه لا تتحقق المعارضة.
خلاصة ما تقدم:- إن الاستصحاب لا يجري في الأحكام الكليّة لمعارضة استصحاب بقاء الحكم الفعلي باستصحاب عدم الجعل بالمقدار الزائد ويستثنى من ذلك موارد ثلاثة هي الشبهة الموضوعية فإنها ليس فيها جعل ، والحكم الترخيصي - يعني الاباحة - فان استصحابها يجري أيضاً لأنه ليس فيها جعل ، وهكذا الحكم الوضعي إذا كان مضمونه ترخيصياً فيجري استصحابه بلا معارضة ، والنكتة في هذه الاستثناءات الثلاثة واحدة وهي عدم كونها مجعولة وإلّا فلا توجد نكتة أخرى.
مناقشة التفصي المذكور:-
المناقشة الأولى:- ما أشار إليه الشيخ النائيني(قده)
[2]
وحاصله:- إن استصحاب عدم الجعل بالمقدار الزائد لا يجري
[3]
والوجه في ذلك هو أن استصحاب عدم الجعل لا ثمرة فيه ولا فائدة إذ المقصود منه هو إما إثبات أن الحكم الفعلي ليس باقياً إذ مادام لا جعل في الفترة المشكوكة فلا حكم فعليّ فيها ولا بقاء للحكم الفعلي فيها ، وإما أن يكون المقصود هو إثبات أنه لا جعل فقط وفقط لا أكثر.
وعلى الأول يكون المورد من الأصل المثبت فإن الملازمة بين عدم وجود الجعل في الفترة المشكوكة وعدم بقاء الحكم الفعلي فيها هي ملازمة عقلية فإن لازم عدم تحقق الجعل في الفترة المشكوكة هو أن لا يكون الحكم الفعليّ باقياً فيها فيكون المورد من الأصل المثبت وإلا فلا يوجد نصّ يقول ( يا أيها الذين آمنوا إذا لم يكن الجعل ثابتا في الفترة المشكوكة فالمجعول يعني الحك الفعلي ليس بثابت فيها ) وهذا ليس أثراً شرعياً وإنما هو أثراً عقلياً فالاستصحاب عدم الجعل بالمقدار الزائد لا يجري.
وعلى الثاني فإنه قد يقول قائل أنا لا أريد أن أثبت عدم بقاء الحكم الفعلي في الفترة المشكوكة بل أريد أن أثبت أنه لا جعل في الفترة المشكوكة فقط ولا أريد أن أثبت أشياء أكثر من ذلك ففيه أن هذا لا ثمرة فيه إذ أي فائدة من جريان أصل - كجريان استصحاب عدم الجعل بمفرده - من دون أن نستفيد منه في نفي الحكم الفعلي إذ أن هذا لا فائدة فيه والتعبد به يكون لغواً هذا حاصل ما أفاده ؟! قال(قده):- ( إنه لا أثر لاستصحاب عدم الجعل إلا باعتبار ما يلزمه من عدم المجعول ، وإثبات عدم المجعول باستصحاب عدم الجعل يكون من الأصل المثبت ).
وفيه:- إنه يمكن أن نقول إن استصحاب عدم الجعل له أثر فإن العقل يقول إنه تلزم الاطاعة إذا كان الجعل ثابتاً والموضوع الذي أخذ في الجعل - كالبلوغ والعقل وغيرهما - كان ثابتاً إنه يكفي في لزوم الاطاعة ، وإذا لم يكن ثابتاً - يعني استصحبنا عدم الجعل - فلا تجب الاطاعة حتى لو كان الموضوع فعلياً . إذن استصحاب عدم الجعل له ثمرة وفائدة وفائدته هي نفي وجوب الإطاعة ، وفي مقامنا نقول إنّا لو استصحبنا عدم الجعل الزائد لوجوب الجمعة في زمن الغيبة فنتيجته هي أنه لا تجب الإطاعة والاتيان بصلاة الجمعة في فترة الغيبة . إذن هذا أثر مهم . نعم إذا أردنا أن نتساير مع مصطلحات الشيخ النائيني(قده) ومبانيه فربما يكون ما أفاده وجيهاً فإنه يبني على أن الإطاعة تجب إذا ثبت الجعل وثبت المجعول - أي الفعلية - فآنذاك تجب الإطاعة فوجوب الإطاعة ليس فرع الجعل بل فرع الفعليّة واستصحاب الجعل من دون إثبات الفعليّة لا يكفي لوجوب الإطاعة وإذا أردنا أن نثبت الفعليّة باستصحاب بقاء الجعل صار أصلاً مثبتاً . إذن على منبى الشيخ النائيني(قده) الذي يرى أن وجوب الإطاعة فرع الفعليّة فقد يكون ما ذكره تاماً أما ، إذا قلنا بأن وجوب الإطاعة عقلاً لا يدور مدار هذه المصطلحات وإنما يدور مدار وجود جعلٍ مع تحقّق الموضوع فإذا ثبتا يحكم العقل بلزوم الاندفاع والامتثال فإنه إذا بنينا على هذا فلا نحتاج إلى أن نثبت هذه الحلقة الوسط وهي الفعليّة بل مادام الجعل ثابتاً والموضوع متحقّق كفى ذلك لترتّب الأثر آنذاك.
بل يمكن أن نصعّد اللهجة ونقول:- إنه حتى لو سلّمنا بمصطلحات الشيخ النائيني(قده) - من أن وجوب الاطاعة فرع الفعلية واستصحاب بقاء الجعل لإثبات الفعليّة ومن ثم إثبات وجوب الاطاعة يكون مثبتاً - ولكن نقول إن هذا يتم إذا أردنا أن نستصحب الجعل ، أما إذا أردنا أن نستصحب عدم الجعل فلا نحتاج إلى إثبات عدم الفعليّة حتى تقول إن الأصل يصير مثبتاً.
إذن من جانب وجوب الاطاعة نسلّم الحاجة إثبات الفعليّة وأما من ناحية عدم وجوب الإطاعة فلا نحتاج إلى نفي الفعليّة حتى تقول إنه يصير أصلاً مثبتاً ، بل يكفي عدم ثبوت الجعل في نفي وجوب الإطاعة عقلاً.
والخلاصة من كل هذا:- إن ما أفاده(قده) قابل للتأمل لما أشرنا إليه.
[1] وهذه المناقشات الثلاث مرفوضة.
[2] فوائد الأصول، النائيني، ج4، 447، وأجود التقريرات، ج4، 113.
[3] وواضح أن الشيخ النائيني(قده) ذكر هذا في مقام الردّ على الشيخ النراقي(قده) لأنه أوّل من تبنّى هذا التفصيل.