34/07/28
تحمیل
الموضوع:- الأقوال في المسألة ( هل يجري الاستصحاب في الشبهات الموضوعية والحكمية أو لا ؟ ) / الاستصحـاب / الأصول العملية.
إن قلت:- هذا صحيح ولكن بعدما يصير الحكم فعلياً بفعليّة موضوعه وذلك بأن نفترض أنه يوجد عندنا ماء متغير بالفعل ثم زال تغيّره من قبل نفسه إنه الآن صارت النجاسة فعليّة بمعنى الفعليّة الميرزائية التي هي عبارة عن صيرورة الحكم فعلياً بفعلية موضوعه إن هذه الفعلية مستمرّة إلى ما بعد زوال التغيّر من قبل نفسه أو لا فنستصحب هذه الفعليّة بالمعنى الميرزائي ، ثم في نفس الوقت نقول:- نحن بيننا ما بين الله نشك هل جعل الشارع النجاسة في الفترة المشكوكة أو لا فيجري استصحاب عدم الجعل الزائد وآنذاك سوف تحصل المعارضة.
وبكلمة أخرى:- نحن كنا نقول سابقاً إن فعليّة النجاسة في مقامنا هي بمعنىً آخر غير الفعليّة الميرزائية فإن الفعليّة التي نقصدها في المقام هي ملاحظة النجاسة بما هي وصفٌ للشيء الخارجي وللماء الخارجي فإن الفقيه حينما يجري الاستصحاب لا يوجد ماء خارجاً متغيّر ثم زال تغيره من قبل نفسه فكيف يجري إذن الاستصحاب ؟ إنه لابد وأن ينظر الى النجاسة بما هي وصفٌ للشيء الخارجي فيكون لها حدوث وبقاء ولو لم يكن هناك ماءٌ بالفعل ، إن الفعليّة التي كنا نقصدها سابقاً هي بهذا المعنى وبناءً على هذا التفسير سوف يأتي ما أشرنا إليه من أنه لا يمكن الجمع بين النظرتين فإما أن ننظر إلى النجاسة بما هي وصف للشيء الخارجي فيجري استصحاب الحكم الفعلي أو ننظر إليها بما هي جعلٌ وحكمٌ آنيٌّ وفعلٌ للمولى وليس وصفاً للشيء الخارجي فيجري استصحاب عدم الجعل الزائد ولا يمكن الجمع بين النظرتين هكذا كنا نقول سابقاً بناءً على الفعليّة بهذا المعنى.
أما الآن فقد تشكل وتقول:- إن المكلف لو كان عنده حقّاً ماءٌ متغيّر بالفعل ثم زال تغيّره فهنا حينما يبتلي بالواقعة حقاً فسوف يتعارض الاستصحابان وتعود المشكلة ويتم كلام السيد الخوئي(قده) فإن النجاسة سابقاً كانت فعليّة بفعليّة موضوعها بالمعنى الميرزائي النائيني فيجري استصحابها ونشك في الجعل الزائد فيجري استصحاب عدم الجعل الزائد فتحصل المعارضة . إذن ما أفاده السيد الخوئي(قده) يتم لو كانت الفعليّة فعليّة بالمعنى الميرزائي فالمجتهد حينما يكون جالساً في غرفته لا توجد معارضة إذا أن إحدى النظرتين هي المحكّمة ولكن بعدما يبتلي المكلف حقاً بالماء المتغيّر سوف تعود المعارضة بين استصحاب الفعليّة بالمعنى الميرزائي وبين استصحاب عدم الجعل الزائد وبذلك يتم ما أراده السيد الخوئي(قده) غايته سوف يتم لا عند الفقيه بل عند المكلف بعدما يحصل لديه ماءٌ متغيّر بالفعل بالنجاسة ثم يزول تغيره من قبل نفسه فننقل المعارضة من الفقيه إلى المكلف . هكذا قد يدافع في صالح السيد الخوئي(قده).
قلت:- إن النجاسة عند المكلف - أي حينما يكون الماء موجوداً بالفعل - كيف نقول إنها كانت ثابتة سابقاً والآن نشك في بقائها إذ كيف نعبِّر ونقول هكذا والحال أن النجاسة هي حكم شرعي آنيّ الحدوث فكيف نقول إن هذه النجاسة كانت ثابتة في هذا الماء سابقاً والآن نشك في بقائها ؟! إنه يلزم أن نلاحظ النجاسة بما هي وصفٌ للماء الخارجي إذ لو لم نلحظها كذلك فلا نتمكن أن نقول إن النجاسة كانت فعليّة بالمعنى الميرزائي والآن هي باقية ؟! إن وصفها بالبقاء لا يمكن إلا إذا لوحظت وصفاً للماء الخارجي ومع ملاحظتها وصفاً للماء الخارجي كيف يمكن ملاحظتها في نفس الوقت آنيّة الحدوث - أي بما هي جعل - ؟! فعاد الإشكال من جديد الى بيت المكلف . إذن هذا الإشكال مندفع.
إن قلت:- إنه بناءً على ما ذكرت يلزم عدم إمكان استصحاب الجعل ودائماً ينحصر الاستصحاب باستصحاب الحكم المجعول - أي الحكم الفعلي - ولا يجري استصحاب بقاء الجعل أو عدم الجعل لأن الحكم دائماً ينظر إليه بناءً على الذي ذكرناه بالنظرة الارتكازية المتشرعيّة وهي بما أن النجاسة وصفٌ للشيء الخارجي فاستصحاب الجعل أو عدم الجعل سوف لا يجري.
قلت:- توجد صورتان للشك فمرّة نعلم بالجعل ونشك في سعة المجعول وضيقه كما في مثال النجاسة فإنا نعلم أن الشارع قد جعل النجاسة للماء ولكن لا ندري هل جعلها في فترة التغيّر فقط أو جعلها لفترة أكبر - أي لما بعد زوال التغيّر من قبل نفسه - فأصل الجعل هنا معلوم والشك هو في سعة ما جُعِل - أي النجاسة المجعولة - وأنها وسيعة أو ضيّقة ، وأخرى نشك في أصل الجعل وليس في سعة المجعول بأن لا نعلم أن الشارع هل جعل النجاسة للأرنب أو لا ؟ هل جعل النجاسة للعصير الزبيبي والتمري إذا غلى أو لا ؟ فهنا الشك في أصل الجعل لا أنا نعلم بأصل الجعل ونشك في سعة المجعول وضيقه والذي ذكرنا يتمّ فيما اذا كان في الأوّل - يعني إذا كان الجعل معلوماً والمجعول يدور أمره بين السعة والضيق - فإنه في هذه الحالة توجد نظرتان للنجاسة فيمكن أن ننظر إليها بما هي وصفٌ للشيء الخارجي ويمكن أن ننظر إليها بما هي آنيّة الحدوث وحيث لا يمكن الجمع بين النظرتين فلابد من تحكيم أحداهما وبالتالي يجري أحد الاستصحابين . وأما إذا كان أصل الجعل مشكوكاً فهنا لا توجد نظرتان بل لا يمكن أن تحصل إلا نظرة واحدة ولا معنى للنظر إلى النجاسة بما هي وصفٌ للشيء الخارجي إذا المفروض أن شكّنا هو في أصل جعلها - يعني الذي هو آنيّ ودفعيّ الحدوث - إنه هنا لا توجد إلا نظرة واحدة فتكون هي المحكّمة وبالتالي يجري استصحاب عدم تحقّق الجعل ، يعني بتعبير آخر:- إن هذا الجعل لم يصدر سابقاً والآن نشك هل صدر أو لا ؟ فهنا شكٌ في أصل صدوره وليس شكّاً في قابليّة الجعل للبقاء وعدمه فيجري استصحاب عدم صدوره.
إذن لا يلزم مما ذكرناه أن الاستصحاب لنفي أصل الجعل لا يجري كلا بل هو يجري إذا كان الشك في أصل تحقّقه وكلامنا الذي نقول بأنه لا يمكن أن يجري هو فيما إذا كان أصل الجعل معلوماً والشك في سعة وضيق المجعول فهنا نقول للسيد الخوئي(قده) إنه لا يمكن تحكيم كلتا النظرتين ، وحيث أن محلّ الكلام هو هنا - يعني فيما لو كان أصل الجعل معلوماً والشك في سعة المجعول وعدمه - فحينئذ يتم ما أشرنا إليه.