33/04/26
تحمیل
الموضوع / الدوران بين الأقل والأكثر / تنبيهات / العلم الإجمالي / أصالة الاشتغال / الأصول العملية.
الدليل الخامس:-
وحاصله يتوقف على مقدمة وهي:- لو كان لدينا تكليفان وكانت النسبة بينهما هي العموم من وجه من قبيل ( أكرم عالماً ) و ( أكرم هاشمياً ) فان النسبة بين العالم والهاشمي هي العموم من وجه وعلى المكلف أن يحتاط بمثل ذلك ، بمعنى أن يأتي بإكرامين فيكرم العالم ويكرم الهاشمي بإكرامٍ أخر ، أو أنه يفتش عن شخصٍ هو مجمعٌ للعنوانين ويكرمه . اذن متى ما كانت النسبة بين التكليفين هي العموم من وجه فيلزم الاحتياط بهذا الشكل.
وبعد اتضاح هذه المقدمة نأتي الى مقامنا ونقول:- اننا نجزم بوجود أمر نفسي قد تعلق اما بالعشرة أو بالتسعة ، واذا أردنا أن نلاحظ الامتثالين - أي امتثال الأمر بالتسعة وامتثال الأمر بالعشرة - لوجدنا أن النسبة بينهما هي العموم من وجه ، واذا قبلنا بهذا - كما سوف نوضح - فليزم الاحتياط في مقامنا وذلك بالإتيان بالعشرة فان بها يصدق امتثال كلا الأمرين.
اما كيف أن النسبة بين الامتثالين هي العموم من وجه ؟
ذلك باعتبار أنه قد يتحقق امتثال الأمر بالتسعة وامتثال الأمر بالعشرة معاً وذلك بأن يأتي المكلف بالعشرة بقصد امتثال الأمر الواقعي فان كان هو الأمر بالعشرة فهو وان كان الأمر بالتسعة فهو أيضاً فان هذا هو المجمع ، وقد يتحقق امتثال التسعة دون امتثال الأمر بالعشرة وهذا واضح أيضاً وذلك بأن يأتي المكلف بالتسعة فانه يصدق امتثال أمرها مع عدم صدق امتثال الأمر بالعشرة ، والمهم هو الحالة الثالثة وهي كيف يتحقق امتثال الأمر بالعشرة من دون تحقق امتثال الأمر بالتسعة ؟ انه يمكن فرض ذلك فيما لو أتى المكلف بالعشرة بقصد امتثال أمرها - أي أمر العشرة - بنحو التقييد ، بمعنى أنه لو كان هناك أمر بالعشرة فهو يقصد الامتثال وأما اذا لم يكن الأمر متعلقاً بها بل كان متعلقاً بالتسعة فهو لا يقصد الامتثال فان له علاقة مع العشرة ويحبها مثلاً بنحو التقييد وأما العشرة فلا علاقة له بها .
اذن أمكن أن نتصور مورداً يتحقق فيه امتثال الأمر بالعشرة من دون تحقق امتثال الأمر بالتسعة ، وبذلك ثبت أن النسبة بين الامتثالين هي نسبة العمـوم والخصوص من وجـه أي نظيـر ( أكرم عالماً ) و ( أكرم هاشمياً ) فكما أن النسبة كانت هي العموم من وجه وسلمنا هناك بوجوب الاحتياك فيلزم أن نسلم هنا بوجوب الاحتياط أيضاً وذلك بالإتيان بالعشرة.
وجوابه:-
أولاً:- قد يناقش في أصل المبنى ويقال:- انه في حالات التقييد يتحقق قصد القربة أيضاً رغم أن المكلف يقصد التقييد ، فان الواجب في باب العبادات هو صدور الفعل مع أقل انتساب الى المولى ولم يدل دليل على لزوم الانتساب بأعلى مراتبه ، وفي مقامنا نقول:- حينما أتى المكلف بالتسعة بقصد امتثال أمرها - أي بقصد القربة - فقد أتى بالواجب وهي التسعة على تقدير كونها هي الواجب والقربة متحققة ولو بهذا المقدار - أي بقصده القربة على تقدير كون الأمر متعلقاً بالعشرة - وهذا المقدار يحقق الانتساب والقربة ولا دليل على اعتبار القربة بأكثر من هذا المقدار ، ومعه لا تعود النسبة بين الامتثالين نسبة العموم والخصوص من وجه بل تصير نسبة العموم والخصوص المطلق فلا يجب الاحتياط فان وجوب الاحتياط مبنى على كون النسبة هي العموم والخصوص من وجه.
ولكن هذه المناقشة مبنائية وانما ذكرتها لأنها تتضمن مطلباً علمياً وقُصِد من ذلك الاشارة الى أن القربة المعتبرة شرعاً يكفي فيها هذا المقدار ولا دليل على اعتبار ما هو أزيد من ذلك من جهة أن دليل اعتبار القربة في العبادات ليس دليلاً لفظياً بل هو ارتكاز المتشرعة المتوارث يداً بيد فان من المرتكزات الواضحة المرتكزة في أذهان المتشرعة هو أن الصلاة يعتبر فيها قصد القربة والصوم كذلك ..... وهكذا باقي العبادات ، وهذا الارتكاز ليس ناشئاً من الفتاوى اذ ننقل كلامنا الى نفس المجتهدين ونقول:- ان نفس الفقهاء قد ارتكز في اذهانهم ذلك فمن أين لهم هذا الارتكاز ؟ ولا يحتمل نشوؤه من النصوص الشرعية من قبيل ( وما أمروا الّا ليعبدوا الله مخلصين له الدين .... ) وما شاكل ذلك فان هذا الارتكاز أوضح بكثير من دلالة هذه الآية وما شاكلها ، ولا يحتمل أن يكون الأمر الواضح قد استند الى ما هو ليس بتلك الدرجة من الوضوح فان المعلول يتبع العلة في الوضوح ولا يمكن أن يكون أوضح من العلة.
والخلاصة:- ما دام المستند هو الارتكاز - وهذه مسألة فقهية وليست أصولية - فيتمسك بالقدر المتيقن وهو وجود القربة بأدنى المراتب ، وأدنى المراتب متحقق في مقامنا فالمكلف مادام قد قصد امتثال الأمر بالعشرة ولو بنحو التقييد فقد تحققت القربة والاضافة الى الله عز وجل فلو كان الواجب هو التسعة صدق أنه أتى بالواجب مع التقرب ، وهذا المقدار يحقق ما يقتضيه الارتكاز فانه لم يثبت من الارتكاز اعتبار أكثر من هذا المقدار . وعلى أي حال هذه مناقشة مبنائية ليست بمهمة والمهم هو المناقشة الثانية.
وثانياً:- ان المهم ليس هو ملاحظة النسبة بين الامتثالين بل هو ملاحظة النسبة بين نفس التكليفين بقطع النظر عن حيثية الامتثال فان الذي تنشغل به الذمة هو التكليف - يعني الأمر بالتسعة والأمر بالعشرة - والامتثال تفريغ لما في الذمة لا أن الذمة تنشغل به ، وعليه فلابد من ملاحظة النسبة بين هذا الشغل للذمة وذلك الشغل للذمة بقطع النظر عن مسألة الامتثال ، واذا لاحظنا شغل الذمة فالمناسب حينئذ الاكتفاء بالتسعة فان ذمتنا قد اشتغلت بالتسعة جزماً وعلى سبيل العلم التفصيلي اذ هي واجبة بالوجوب النفسي جزماً غايته اما الضمني أو الاستقلالي وقد قلنا أن الضمنية والاستقلالية هما حدّان وعلامتان ولا تنشغل بهما الذمة ، وعليه فما اشتغلت به الذمة هو التسعة بنحو التفصيل وأما الجزء العاشر فيشك في اشتغال الذمة به فلا حاجة حينئذ الى الاحتياط.
هذا كله بالنسبة الى الادلة على وجوب الاحتياط في مسألة الشك في الجزئية.
وهناك دليلان قد يستدل بهما أيضاً على وجوب الاحتياط ولكن لا في جميع موارد الشك في الجزئية بل في خصوص باب الصلاة ولا يأتيان في باب الحج ولا غير ذلك وهما:-
الدليل الأول:- أن يقال:- اذا شككنا في جزئية شيء وبعدم جزئيته - أي بنحو الوجوب - فحينئذ سوف يتردد الأمر بين الوجوب والحرمة - أو بالأحرى بين الجزئية والمانعية - اذ لو كان جزءاً واقعاً وفي علم الله فيلزم الاتيان به بقصد الجزئية ويكون واجباً ، واذا لم يكن جزءاً في علم الله فيكون الاتيان به محرماً فانه زيادة ومانع والصلاة كما تبطـل بالنقيصـة تبطـل بالزيـادة للـروايـة ( من زاد في صلاته أعاد ) ، ومثل هذا اللسان لا يوجد في بقية العبادات وانما هو خاص بباب الصلاة ولذلك صار هذا الدليل خاصاً بباب الصلاة ، نعم لو ورد مثله في باب الحج أو غيره لعمَّ ، ولكن بالتالي لا يأتي في مطلق الواجبات والموارد بل في خصوص الموارد التي فيها رواية تدل على أن الزيادة مانعة ومبطلة. اذن موردنا يدور الأمر فيه بين الجزئية الواجبة وبين المانعية المبطلة - أي يدور الأمر بين المحذورين - وأصالة البراءة عن الجزئية معارض بأصالة البراءة عن المانعية فيلزم الاحتياط.