32/11/25
تحمیل
الجواب الرابع:- وهو ما ذكره السيد الخوئي(قده)
[1]
وأشار إليه الشيخ عبد الكريم الحائري(قده)
[2]
أيضاً وحاصله:- ان تطبيق فكرة التخيير المشروط يلزم منها الترخيص في المخالفة القطعية وذلك قبيح ويستحيل على الحكيم ، أما كيف يلزم منها ذلك ؟
وذلك باعتبار أن المكلف لو أتى بكلتا الصلاتين - الظهر والجمعة - فسوف يكون من حقه تطبيق دليل الأصل عليهما معاً فهو مرخص في ترك الظهر لأن المفروض أنه قد أتى بالجمعة وهو مرخص في ترك الجمعة لأنه قد أتى بالظهر ، فيوجد في حقه ترخيصان - أي ترخيص بترك هذا لتحقق شرطه وترخيص بترك ذاك لتحقق شرطه أيضاً - ومعلومٌ أن الترخيص في ترك كلا الفردين هو ترخيص في المخالفة القطعية وهو لا يجوز وقبيح بل يستحيل على الحكيم ، هذا إذا كانت الشبهة وجوبية.
وأما إذا كانت تحريمية فالكلام هو الكلام ، فلو كان لدينا إناءان نعلم أن أحدهما خمر وفرض أن المكلف تركهما معاً فسوف يكون مرخصاً في ارتكاب الاول لأنه قد ترك الثاني ويكون مرخصاً في ارتكاب الثاني أيضا لأنه قد ترك الاول فيلزم اجتماع ترخيصين وهو ترخيص في المخالفة القطعية.
ان قلت:- ان هذا الترخيص في المخالفة القطعية ليس قبيحاً وليس مستحيلاً لنكتة خاصة في المقام وهي أنه لا يمكن للمكلف تحقيق المخالفة العملية القطعية - وأأكد المخالفة العملية القطعية يعني سوف يلزم من ناحية المولى الترخيص في المخالفة القطعية ، ولكن من جانب المكلف لا يمكن أن تتحقق منه المخالفة العلمية القطعية ، ولماذا ؟ لأنه بمجرد أن يطبق أحد الترخيصين ويستفيد منه كما لو طبقه على صلاة الظهر وتركها فسوف لا يثبت الترخيص لصلاة الجمعة.
إذن هو لا يمكن أن يستفيد عملاً من كلا الترخيصين ، فالمخالفة العملية من المكلف لا يمكن أن تتحقق وما دام لا يمكن أن تتحقق فلا محذور في صدور ترخيصين من المولى يرجع مآلهما إلى الترخيص في المخالفة القطعية ولكن لا يلزم من هذا الترخيص القطعي من زاوية المكلف مخالفة عملية انه ليس بقبيح ، والقبيح هو أن يصدر ترخيص في كلا الطرفين بحيث يمكن الاستفادة عملاً من كليهما ، أما إذا لم يمكن الاستفادة من كلا الترخيصين عملاً فلا محذور في اجتماعها ،.
قلت:- إني لا أقبل ذلك ، أي ان صدور الترخيص بارتكاب كلا الطرفين قبيح حتى إذا لم يمكن للمكلف الاستفادة عملاً من تينك الترخيصين ، يعني ان نفس صدور الترخيصين من المولى قبيح فانه ترخيص قطعي في المخالفة وهو قبيح سواء أمكن للعبد أن يستفيد منه أم لا ، والشاهد على ما أقول انه لو فرض أن المكلف كان يعلم أنه يحرم عليه التواجد في أحد مكانين في ساعة معينة ، كما لو حلف أنه لا يتواجد في مسجد الشيخ الأنصاري أو في مسجد الهندي في الساعة الثامنة مثلاً ولكن لا يشخص هل حلف على هذا بخصوصه أو ذاك بخصوصه والساعة ساعة واحدة مضبوطة ويفترض أن الحلف كان راجحاً انه في مثل هذه الحالة هل يمكن أن يجري الأصل عن حرمة الوجود في الساعة الثامنة في مسجد الشيخ الأعظم وفي نفس الوقت يجريه عن حرمة الوجود في مثل هذه الساعة في مسجد الهندي ، أي هل يمكن أن يجري كلا الأصلين ؟ كلا لا يمكن للمولى أن يرخصه في ذلك فانه ترخيص في المخالفة القطعية رغم أنه لا يلزم منه مخالفة عملية قطعية لأنه على رأس الساعة الثامنة لا يمكنه أن يكون في كلا المكانين ، فالمخالفة العملية القطعية من جانب المكلف ليست ممكنة ورغم عدم إمكانها نشعر بالوجدان أنه لا يمكن للمولى أن يرخصه بتطبيق الأصل في كلا الطرفين وهذا شاهد ومنبه وجداني على أن الترخيص القطعي بالمخالفة في كلا الطرفين لا يمكن صدوره من المولى حتى إذا لم يلزم من زاوية المكلف المخالفة العملية القطعية.
وفيه:- انه يوجد فارق بين الموردين - أي بين محل كلامنا وبين المثال الذي استشهد به - ففي مقامنا انه بمجرد استفادة المكلف من الترخيص المولوي في أحد الطرفين يلزم منه انتفاء الترخيص القطعي في كلا الطرفين بقطع النظر عن مسألة ضيق قدرة المكلف ، بل بمجرد أن يطبق المكلف الترخيص على صلاة الظهر ويريد أن يتركها فالترخيص الثاني في الجمعة سوف ينتفي.
إذن الترخيصان قد صيغا بشكلٍ لا يمكن للمكلف أن يستفيد منهما معاً لا من جهة ضيق قدرته ، بل نفس صياغتهما صياغة مشروطة يلزم منها عدم إمكان الاستفادة منهما معاً بل يمكن الاستفادة من أحدهما لا أكثر ، وما دام الترخيصان بهذه المثابة فقبح مثل الترخيص المذكور هو أول الكلام إذ هو سنخ ترخيص لا يمكن أن يكون ترخيصاً في المخالفة عملاً لقصورٍ في نفس الترخيصين إذ بمجرد تطبيق أحد الترخيصين والاستفادة منه يلزم منه انتفاء الثاني.
وأما النقض الذي ذكره(قده) فهو مع الفارق ، فانه في المثال المذكور قد فرض أن القصور جاء من ناحية المكلف فهو لا يمكنه أن يوجد في المكانين لا أن نفس صياغة الترخيص تستلزم عدم إمكان الاستفادة منهما معاً بل عدم إمكان الاستفادة هو من جهة ضيق قدرة المكلف ، فهنا قد نلتزم بقبح مثل الترخيصين.
إذن قياس مقامنا على المثال المذكور قياس مع الفارق ، ففي مقامنا نفس صياغة الترخيصين تستلزم عدم إمكان الاستفادة منهما معاً في مقام العمل وقبح هذا أول الكلام ، بخلافه في المثال الذي ذكره فان عدم إمكان الاستفادة من الترخيص هو لضيق القدرة لا لأن صياغة الترخيص هي بنفسها تقتضي ذلك.
[1] الدراسات 3 361.
[2] الدرر 459.