32/10/22


تحمیل

 هذا ولكن المثال المذكور لا يخلو من تأمل لأنه إذا شككنا أن هذا السائل خمر أو لا فالشبهة المذكورة هي موضوعية ولكنها موضوعية بلحاظ الموضوع - أي متعلق المتعلق - وليس بلحاظ الشرب الذي هو المتعلق وكلامنا الآن في الشبهة الموضوعية بلحاظ المتعلق وإلا فبلحاظ الموضوع سوف تأتي إنشاء الله تعالى ، ولذلك نبدل المثال الذكور بمثال آخر ، يعني نبقي نفس المثال المذكور وهو ( يحرم شرب الخمر ) ولكن نفترض أن شخصاً زرَّق الخمر بواسطة الإبرة في الوريد وشك في أن ذلك شرب أو ليس بشرب للخمر ، ان هذه شبة موضوعية بلحاظ الشرب - أي بلحاظ المتعلق - إذن المثال نفسه ولكن لم نفترض أننا اشتبهنا أن هذا خمر أو لا ، كلا بل قل نحن شككنا في أن هذا شرب أو ليس بشرب كما لو أخذ الخمر واستنشق به ، وهذه شبهة موضوعية بلحاظ المتعلق ، فيأتي كلامنا السابق من أن المناسب هو البراءة لنفس البيان السابق لأن العرف يفهم حينما يقال ( يحرم شرب الخمر ) أنه ان كان الشرب صادقاً وللخمر فيحرم عليك ، فالاتصاف بكونه شرباً أخذ قيداً في التحريم ، فعند الشك في صدق الشرب سوف يُشك في ثبوت الحرمة فتجري البراءة آنذاك . هذا تصحيح مهم لما سبق.

 ومن خلال هذا يتضح التأمل فيما ذكره الشيخ النائيني(قده)[1] فانه ذكر أن الحكم إذا لم يكن له موضوع بأن كان له متعلق فقط كما لو فرض أنه قيل ( يحرم الكذب ) فان هذا الحكم له متعلق وهو الكذب ولكن ليس له متعلق المتعلق - أي موضوع - أو كان له موضوع والموضوع محرز مثل ( لا تشرب الخمر ) ونعلم أن هذا خمر جزماً ففي مثل هذه الحالة يكون الحكم بالحرمة فعلياً وليس مشروطاً بشرط إذ الفرض أن لا موضوع للحكم أو أن الموضوع محرز التحقق فحتما سوف يصير الحكم فعلياً وبالتالي سوف يصير الشك شكاً في الامتثال ، ففي قولك ( يحرم الكذب ) بعدما فرض عدم وجود موضوع فالحرمة فعلية وحينما تشك فشكك سوف يكون في الامتثال لفرض فعلية الحكم.

 وأضاف في فوائد الأصول هذه الإضافة حيث قال بل لا تتصور الشبهة الموضوعية في هذا النحو - أي إذا كان الحكم ليس له موضوع أو له موضوع ولكنه محرز التحقق - وبالتالي يتعين أن يكون الشك شكاً في امتثال الحكم الفعلي فهو مجرى للاشتغال . هذا ما أفاده (قده).

 وقد اتضح لك أنه يمكن تصور الشك حتى في مثل ( لا تكذب ) فان المفهوم من ذلك كما قلنا أن الخبر متى ما كان كاذباً فيحرم عليك ، فاتصاف الخبر بالكذب قيد في الحرمة وبالتالي سوف لا يكون الحكم بالحرمة فعلياً بل يكون هناك شرط وهو اتصاف الخبر بالكذب ، وحيث أنا نشك في ثبوت هذا الاتصاف فنشك في فعلية الحرمة وبالتالي يتضح أن الشبهة الموضوعية بلحاظ المتعلق يمكن تصورها وذلك بان أشك أن هذا الإخبار كاذب أو ليس بكاذب ، ان هذه شبهة موضوعية بلحاظ المتعلق فكيف يقول ان الحكم إذا لم يكن له موضوع فالشبهة الموضوعية لا يمكن تصورها ؟! وكيف يقول ان الحكم دائماً سوف يكون فعلياً.

 وأأكد ان القضية المهمة التي أشرنا إليها وغابت على الشيخ النائيني(قده) من أن المفهوم عرفاً حينما يقال ( يحرم الكذب ) هو إن اِتصف الخبر بكونه كذباً فيحرم ، انه إذا قبلنا هذا فسوف يصير الحكم بفعلية الحرمة مشروطاً باتصاف الخبر بكونه كذباً وبالتالي يمكن تصور الشبهة الموضوعية ، والشيخ النائيني(قده) اما أنه لم يلتفت الى ما ذكرناه أو ينكره ، والظاهر أن إنكاره شيء صعب فلا أقل كان يشير إليه ثم ينكره فان فهم العرف لذلك يكاد يكون واضحاً.

 وعلى أي حال هذه قضية ظريفة ومهمة جداً بها أمكن تحويل المورد من الشك في الامتثال الى الشك في أصل التكليف.

[1] أجود التقريرات ، و فوائد الأصول.