36/01/29
تحمیل
الموضـوع:- أحكام
المصدود - مسألة ( 439 ).
ولأجل هذه الرواية لا يبعد أنه(قده) أضاف إضافةً في بعض الطبعات المتأخّرة لمناسك الحج فإنه في الطبعة القديمة ذكر أنّ الأحوط ضمّ أحد الأمرين إلى الهدي إمّا الحلق أو التقصير حيث جاء في عبارة بعض الطبعات القديمة هكذا:- ( المصدود عن العمرة يذبح في مكانه ويتحلّل به والأحوط ضمّ التقصير أو الحلق إليه )[1]، وهذا الاحتياط - أي ضمّ أحد الأمرين - هو لأجل ما بينّاه في مستند القول الأوّل والقول الثاني من الأقوال الثلاثة لأنّا ذكرنا أنّ العامة نقلوا روايةً وهي أنه صلّى الله عليه وآله في صلح الحديبية قصّر إضافةً إلى الرواية التي نقلناها عن ابن قدامة، ونقلنا أيضاً في مستند القول الثاني روايةً لحمران ومرسلةً للمفيد وأنهما دلّتا على أنّه حلق، فبما أنه يوجد قولٌ وروايةٌ ولو غير معتبرةٍ فالاحتياط يكون شيئاً وجيهاً.
ولكن الإضافة التي حصلت هي أنّه يوجد تفصيلٌ بين ما إذا ساق الهدي فالأحوط أن يحلق - خصوص الحلق - وإذا لم يسق الهدي فعليه التقصير، ومستند هذه الإضافة هو رواية تفسير القمّي لأنها تدلّ على هذا المضمون، لأنها تدلّ على أنّ من ساق الهدي يحلق لأنه صلى الله عليه وآله ساق الهدي وحلق وقال ( رحم الله المحلّقين ) وبعد ذلك بالنسبة إلى من لم يسق الهدي طُلِبَ منه فترحّم على المقصرين، والاضافة التي ذكرها في بعض الطبعات هي:- ( بل الأحوط اختيار الحلق إذا كان ساق معه الهدي للعمرة المفردة )، ومستند هذا الاحتياط بتعيّن الحلق وضمّه إلى الهدي هو رواية تفسير القمّي.
وعلى أيّ حال نعود إلى صلب الموضوع ونقول:- هل رواية تفسير القمّي يمكن أن يستفاد منها التخيير بين الحلق والتقصير أو لا ؟
والجواب:- يمكن أنّ يقال:-
أوّلاً:- إنّه صلى الله عليه وآله وإن ترحّم بعد ذلك على المقصّرين إلا أنّ هذا لا يدلّ على أنّ التقصير هو أحد فردي الواجب فلعله مستحب وليس بواجب ومن أتى به يستحق الترحّم عليه لأنه أتى بمستحب.
إذن مجرد الترحّم لا يمكن أن يستفاد منه الوجوب . وهذه مناقشة لأصل من يقول بالقول الثالث وأنّه يجب ضمّ أحد الأمرين فالترحّم على المقصّرين لا يدلّ على أنّ التقصير أحد فردي الواجب بل لعلّه مستحب فلا بأس حينئذٍ بالترحم عليهم.
وإذا قلت:- إنّ هذا نفسه يأتي في الحلق فيقال إنّ ترحّمه صلى الله عليه وآله على المحلّقين لا يدلّ على وجوبه، فلا هذا واجب ولا ذاك واجب بعد الالتفات إلى أنّ فعله صلى الله عليه وآله لا يدلّ على الوجوب، ففعله لا يدلّ على الوجوب والترحّم - على ما ذكرنا الآن - لا يدلّ على الوجوب، فإذن يلزم أن نقول ذلك بالنسبة إلى الحلق أيضاً.
قلت:- إنّه بالنسبة إلى الحلق توجد قرينة يستفاد منها الوجوب وهي عبارة:- ( لأنّ من لم يَسُق هدياً لم يجب عليه الحلق )، إنّها واضحة في أنّ من ساق الهدي يجب عليه الحلق.
نعم قد يناقش في هذه القرينة بإبراز احتمال أنّ هذه الفقرة ليست من كلام الامام وإنما هي إضافةً من القمّي أو غيره إلا أن يقال إنّ هذا مخالف للظاهر.
وعلى أيّ حال بالنسبة إلى الحلق يوجد ما يستند إليه في دعوى الوجوب.
هذا مضافاً إلى أنه صلى الله عليه وآله قال في صدر الرواية:- ( انحروا بدنكم واحلقوا رؤوسكم )[2]، فهناك إذن أمرٌ بالحلق.
وهذه العبارة أقوى من صاحبتها وإن كان في العبارة التي قرأتها تعبير ( وجوب ) ولكن قلنا لعلّ هذا التعبير من القمّي أو غير.
إذن بالنسبة إلى وجوب الحلق لا يأتي هذا الإشكال ولكن بالنسبة إلى وجوب التقصير فهو يأتي.
ثانياً:- إنّ هذه الرواية يمكن أن يقال هي معارضة بصحيحة معاوية بن عمّار فإنّه ورد فيها أنّه صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية نحر وعاد إلى المدينة ولم يذكر أنه حلق أو قصّر فإن التعبير كان هكذا:- ( فإن رسول الله حيث صدّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة ).[3]إذن لم يُذكَر الحلق أو التقصير فتكون معارضةً للرواية المذكورة - لو تمّت - فلا يمكن الحكم بوجوب ضمّ الحلق أو التقصير.
إن قلت:- لم لا نطبق فكرة أصالة عدم الزيادة بأن يقال توجد عندنا روايتان نقلتا فعل النبي صلى الله عليه وآله - الذي هو فعلٌ - وأحدهما قالت نحر ورجع في صلح الحديبية والرواية الثانية تقول ( وحلق ) وهي رواية تفسير القمّي فحينئذ نشكّ أنّ هذه - أي عبارة ( وحلق ) - هل هي زيادة حصلت سهواً أو أنها ليست زائدة وإنما وقعت في موقعها المناسب، فإذا قبلنا بأصالة عدم الزيادة ولو في بعض الموارد فلنطبّق ذلك في المقام وبالتالي يثبت أنّ هذه الاضافة - أي إضافة عبارة ( وحلق ) - قد وقعت في موقعها المناسب.
وهذا إشكالٌ سيّالٌ بالنسبة إلى كلّ ما ذكرناه من موارد المعارضة مع صحيحة معاوية بن عمّار فإن هذا الكلام يأتي - بأنه نطبّق أصالة عدم الزيادة - وبالتالي سوف يثبت بهذا الأصل العقلائي أنّ هذه الاضافة ليست زيادة بل وقعت في موقعها المناسب.
قلت:- إنّه في خصوص المورد لا يمكن تطبيق الأصل المذكور وذلك لما أشرنا إليه عند توضيح المقصود من صدر صحيحة معاوية بن عمّار حيث ذكرنا أنّ صدرها اشتمل على مطلبٍ قد ينتابه الخفاء وهو:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرسل بالهدي تطوعاً، قال:- يواعد أصحابه يوماً يقلّدون فيه فإذا كانت تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم ... )، حيث ذكرنا أنّه يحتمل أنَّ المقصود من هذا الصدر هو ما أشارت إليه بعض الروايات وعقد له صاحب الوسائل(قده) باباً مستقلاً وهو أنّ من لم يحج وأراد أن يحصل على ثواب الحج يرسل هدياً مع أصحابه فإذا حلّ يوم النحر أحلَّ - وواضحٌ أنه في اليوم الذي يواعد أن يقلّدوه هو يجتنب ما يجتنبه المحرم وإذا حلّ يوم النحر فهو يحلّ كما هم يحلّون لو ذبحوا -، فقلنا لعلّ الصدر يشير إلى هذا المطلب، فحينئذٍ كيف نوجّه الربط بين الذيل والصدر ؟ قد بيّنا وقلنا إنّ وجه الربط هو أنّه قد يأتي إلى الذهن أنّ النحر وحده لا يكفي في حصول التحلّل وإنما التحلّل كما نعرف يحتاج إلى نحرٍ مع حلقٍ أو تقصيرٍ فإذا هو لم يحج فإنّه يحتاج إلى حلقٍ فيكف حينئذٍ يحلّ من دون حلقٍ ؟! فاستشهد الإمام بأنه أحياناً يمكن حصول التحلّل من دون حلقٍ، يعني ليس دائماً يلزم شرعاً في التحلّل ضمّ الحلق كما صنع النبي صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية، إنّه بناءً على هذه القرينة سوف يتعيّن أن تكون كلمة ( الحلق ) غير موجودة كي يتحقّق الارتباط الذي أشرنا إليه والإشكال الذي أشرنا إليه، فهو صلى الله عليه وآله واكتفى بالنحر في صلح الحديبية . إذن كلمة ( حلق ) ليست موجودة وإلا إذا كانت موجودة فسوف يسقرّ الاشكال حينئذٍ لا أنّه يندفع، فإذن هذه قرينةٌ على أنّ كلمة ( الحلق ) ليست موجودة.
إن قلت:- هذا الذي ذكرته وإن كان له وجاهة ولكنه مجرد احتمال وجيهٌ لا أنّه شيءٌ يمكن أن يُستظهر ويُبنى عليه ويقال إنّه حتماً هذا هو المقصود، يعني أنّ هذه القرينة تتمّ إذا فرض أنّا استظهرنا أنّ المقصود من الصدر هذا المعنى، ولكن كيف تستظهر ؟!! إنّ الاستظهار صعبٌ وإنما هو مجرد احتمال.
قلت:- إنَّ الاحتمال يكفيني أيضاً في مثل هذا المورد لأنه بالتالي سوف يكون المورد مقترناً بما يحتمل أن يكون وجهاً لعدم وجود كلمة ( الحلق ) ومادام هذا احتمالاً وجيهاً فأصالة عدم الزيادة التي مدركها السيرة العقلائية لا نجزم بتطبيقها في المورد المذكور الذي نحتمل فيه وجود قرينة تساعد على عدم وجود هذه الكلمة وأن إضافتها زائدة، ففي مثل هذه الحالة نشكّ في انعقاد السيرة فلا نجزم بانعقادها على أصالة عدم الزيادة.
ثالثاً:- إنّ هذه الرواية موجودة في تفسير القمّي ونحن لنا تأمّلٌ في هذا التفسير أشرنا إليه أكثر من مرّة، وأنا الآن أريد أن أشير إلى بعض التأملات التي ترتبط بمحلّ كلامنا ولا أريد أن أشير إلى كلّ التأملات في هذا التفسير.
وتوضيحه:- هناك بعض التأمّلات في قبول الكتاب - والكلام المذكور لا ترتبط بمحلّ كلامنا -:-
من قبيل:- إنّ الراوي لهذا الكتاب هو تلميذ علي بن إبراهيم الذي اسمه أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام فلاحظ تفسير القمّي تجد التعبير هكذا:- ( قال أبو الفضل العباس بن محمد قال علي بن ابراهيم )[4]، فالراوي لهذا الكتاب هو هذا الرجل وهو مجهول الحال، ومعه كيف نأخذ بالتفسير المذكور؟!!
وواضحٌ أنّ من يبني على أنّ أحفاد الأئمة القريبين هم من الثقاة الأجلّة فبها ونعمت، ولكن قلنا إنّه ليس لنا مثل هذه النفس الطيبة فولد الإمام لا يلزم أن يكون ثقةً إلّا أن تضمّ ضميمةً وهي أن تقول إنّ ولد الامام ولو غير الصلبي - يعني ولو بالواسطة أو بالواسطتين أو الثلاثة - إذا لم يذكر بقدحٍ فهذا يكفي لاستظهار وثاقته لأنه ابن شخصيّة وعادةً إذا كان في ابن الشخصيّة مغمزٌ فإنه يشار إليه فعدم الإشارة إلى مغمزٍ يصير بنفسه قرينة على وثاقته.
وهذا نظير ما يقال في الرواة المشهورين فإن بعض الرواة عندنا هو من المشهورين ولم يرد في حقهّم غمزٌ فهناك رأيٌ يقول إنّه مادام هذا الشخص مشهوراً فهذا يكفي لإثبات وثاقته فلو كان فيه مغمزٌ فلأجل أنّه مشهورٌ ينبغي ذكر هذا المغمز فعدم ذكره يدلّ على أنّه ليس فيه مغمز.
فإن تمّت هذه الكبرى فبها ولكنها ليست واضحة.
وعلى أي حال هذا الرجل مجهول الحال ومعه كيف نعتمد على التفسير المذكور ؟! هذا إشكالٌ ولكنه لا يرتبط بمقامنا بالخصوص وقد أشرنا إليه في كتابنا ( دروس تمهيدية في القواعد الرجالية ) وذكرنا جواباً عنه.
وهناك إشكال آخر في تفسير القمّي لا يرتبط بمقامنا:- وهو أنّه في المقدّمة ذكر عبارة استفاد منها صاحب الوسائل والسيد الخوئي توثيق كلّ من ورد في الكتاب المذكور وهي:- ( ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم وأوجب ولايتهم )[5]، إنه استفاد من تعبير ( وثقاتنا ) حيث قيل إنّه عطفُ تفسيرٍ على المشايخ فبهذا يثبت أنّ كلّ من ورد في أسناد تفسير القمّي هم من الثقاة بشهادة عليّ بن ابراهيم القمّي، هكذا قيل.
وهناك إشكالٌ على ما ذكره السيد الخوئي وصاحب الوسائل:- وهو أنّه في نفس المقدّمة وبعد هذه العبارة توجد عبارة ثانية وهي:- ( قال ابو الحسن علي بن إبراهيم الهاشمي القمي فالقرآن منه ناسخ ومنه منسوخ )[6] فإنّ هذه العبارة قد توحي بأنّ السابق ليس من كلام القمّي وإنما الذي هو من القمّي هو هذه العبارة، ومعه كيف نعتمد على العبارة المتقدّمة ؟!!
ومن الغريب أنّ السيد الخوئي(قده) لم يشر إلى هذا الاشكال وإلى جوابه وكان من المناسب أن يذكره ثم يدفعه.
وهذا إشكالٌ لا يرتبط بمحلّ كلامنا أيضاً وقد ذكرنا جوابه في كتابنا ( دروس تمهيدية في القواعد الرجالية ).
والذي أريد أن أقوله الآن ويرتبط بمحلّ كلامنا:- هو أنّ تفسير القمّي توجد فيه بعض العبائر التي قد توحي بأنّ بعضه ليس من القمّي نفسه، وحيث كان الأمر كذلك فكلّ عبارةٍ تأتي فسوف يأتي فيها احتمال أنها من إضافات الغير وليست من القمّي نفسه، أمّا ما هي تلك الموارد ؟
من قبيل أنه يقول:- ( رجعٌ إلى تفسير علي بن إبراهيم )، وفي موردٍ آخر يقول:- ( رجعٌ إلى رواية علي بن إبراهيم ) ، وفي بعض الموارد الأخرى يقول:- ( رجع الحديث إلى علي بن إبراهيم ) وفي مورد آخر يقول:- ( في رواية علي بن إبراهيم )[7]، وهذا الأمر قد سكت عنه السيد الخوئي(قده) أيضاً ولم يشر إليه.
وبالتالي إنّ هذا التفسير الموجودٌ بأيدينا لا نتمكّن أن نجزم بأنه من القمّي كلّه فإنّه في كلّ عبارة يأتي احتمال أنها ليست من القمّي.
بل أصعّد اللهجة وأقول:- من قال إنّ هذا الكتاب المطبوع هو نفس التفسير الأصلي للقمّي ؟ فنحن نسلّم أنّ القمّي له تفسير حيث ذكره الشيخ الطوسي والنجاشي أمّا من قال إنّ هذا المطبوع يطابق ذاك الأصل ؟ إنّ هذا شيءٌ وجيهٌ، ولا يأتي هذا الإشكال في الكتب الأربعة وما شاكلها ممّا هو متداول فإن الكتب الأربعة لو كان فيها مغمزٌ - يعني زيادات - لاشتهر وشاع لأنّ الانظار منصبّة عليها أمّا تفسير القمّي فليس كذلك فكيف نثبت أنّ هذا المطبوع هو عين الأصل ؟ وهذا الإشكال يأتي بقطع النظر عن كلمة ( رجعٌ ) أو ( رَجَعَ ) أو غير ذلك فبقطع النظر عن ذلك يكون هذا إشكالٌ سيّالٌ، وحيث إنّ هذه الرواية موجودة في التفسير المتداول ولم ينقلها مثل صاحب الوسائل(قده) وأمثاله حتى نقول إنّ له طريقاً معتبراً إلى القمّي لا يمرّ بأبي الفضل وغيره فتكون مورداً للتشكيك وبالتالي يكون قبواها محلّ إشكال ؟!!
ولأجل هذه الرواية لا يبعد أنه(قده) أضاف إضافةً في بعض الطبعات المتأخّرة لمناسك الحج فإنه في الطبعة القديمة ذكر أنّ الأحوط ضمّ أحد الأمرين إلى الهدي إمّا الحلق أو التقصير حيث جاء في عبارة بعض الطبعات القديمة هكذا:- ( المصدود عن العمرة يذبح في مكانه ويتحلّل به والأحوط ضمّ التقصير أو الحلق إليه )[1]، وهذا الاحتياط - أي ضمّ أحد الأمرين - هو لأجل ما بينّاه في مستند القول الأوّل والقول الثاني من الأقوال الثلاثة لأنّا ذكرنا أنّ العامة نقلوا روايةً وهي أنه صلّى الله عليه وآله في صلح الحديبية قصّر إضافةً إلى الرواية التي نقلناها عن ابن قدامة، ونقلنا أيضاً في مستند القول الثاني روايةً لحمران ومرسلةً للمفيد وأنهما دلّتا على أنّه حلق، فبما أنه يوجد قولٌ وروايةٌ ولو غير معتبرةٍ فالاحتياط يكون شيئاً وجيهاً.
ولكن الإضافة التي حصلت هي أنّه يوجد تفصيلٌ بين ما إذا ساق الهدي فالأحوط أن يحلق - خصوص الحلق - وإذا لم يسق الهدي فعليه التقصير، ومستند هذه الإضافة هو رواية تفسير القمّي لأنها تدلّ على هذا المضمون، لأنها تدلّ على أنّ من ساق الهدي يحلق لأنه صلى الله عليه وآله ساق الهدي وحلق وقال ( رحم الله المحلّقين ) وبعد ذلك بالنسبة إلى من لم يسق الهدي طُلِبَ منه فترحّم على المقصرين، والاضافة التي ذكرها في بعض الطبعات هي:- ( بل الأحوط اختيار الحلق إذا كان ساق معه الهدي للعمرة المفردة )، ومستند هذا الاحتياط بتعيّن الحلق وضمّه إلى الهدي هو رواية تفسير القمّي.
وعلى أيّ حال نعود إلى صلب الموضوع ونقول:- هل رواية تفسير القمّي يمكن أن يستفاد منها التخيير بين الحلق والتقصير أو لا ؟
والجواب:- يمكن أنّ يقال:-
أوّلاً:- إنّه صلى الله عليه وآله وإن ترحّم بعد ذلك على المقصّرين إلا أنّ هذا لا يدلّ على أنّ التقصير هو أحد فردي الواجب فلعله مستحب وليس بواجب ومن أتى به يستحق الترحّم عليه لأنه أتى بمستحب.
إذن مجرد الترحّم لا يمكن أن يستفاد منه الوجوب . وهذه مناقشة لأصل من يقول بالقول الثالث وأنّه يجب ضمّ أحد الأمرين فالترحّم على المقصّرين لا يدلّ على أنّ التقصير أحد فردي الواجب بل لعلّه مستحب فلا بأس حينئذٍ بالترحم عليهم.
وإذا قلت:- إنّ هذا نفسه يأتي في الحلق فيقال إنّ ترحّمه صلى الله عليه وآله على المحلّقين لا يدلّ على وجوبه، فلا هذا واجب ولا ذاك واجب بعد الالتفات إلى أنّ فعله صلى الله عليه وآله لا يدلّ على الوجوب، ففعله لا يدلّ على الوجوب والترحّم - على ما ذكرنا الآن - لا يدلّ على الوجوب، فإذن يلزم أن نقول ذلك بالنسبة إلى الحلق أيضاً.
قلت:- إنّه بالنسبة إلى الحلق توجد قرينة يستفاد منها الوجوب وهي عبارة:- ( لأنّ من لم يَسُق هدياً لم يجب عليه الحلق )، إنّها واضحة في أنّ من ساق الهدي يجب عليه الحلق.
نعم قد يناقش في هذه القرينة بإبراز احتمال أنّ هذه الفقرة ليست من كلام الامام وإنما هي إضافةً من القمّي أو غيره إلا أن يقال إنّ هذا مخالف للظاهر.
وعلى أيّ حال بالنسبة إلى الحلق يوجد ما يستند إليه في دعوى الوجوب.
هذا مضافاً إلى أنه صلى الله عليه وآله قال في صدر الرواية:- ( انحروا بدنكم واحلقوا رؤوسكم )[2]، فهناك إذن أمرٌ بالحلق.
وهذه العبارة أقوى من صاحبتها وإن كان في العبارة التي قرأتها تعبير ( وجوب ) ولكن قلنا لعلّ هذا التعبير من القمّي أو غير.
إذن بالنسبة إلى وجوب الحلق لا يأتي هذا الإشكال ولكن بالنسبة إلى وجوب التقصير فهو يأتي.
ثانياً:- إنّ هذه الرواية يمكن أن يقال هي معارضة بصحيحة معاوية بن عمّار فإنّه ورد فيها أنّه صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية نحر وعاد إلى المدينة ولم يذكر أنه حلق أو قصّر فإن التعبير كان هكذا:- ( فإن رسول الله حيث صدّه المشركون يوم الحديبية نحر بدنة ورجع إلى المدينة ).[3]إذن لم يُذكَر الحلق أو التقصير فتكون معارضةً للرواية المذكورة - لو تمّت - فلا يمكن الحكم بوجوب ضمّ الحلق أو التقصير.
إن قلت:- لم لا نطبق فكرة أصالة عدم الزيادة بأن يقال توجد عندنا روايتان نقلتا فعل النبي صلى الله عليه وآله - الذي هو فعلٌ - وأحدهما قالت نحر ورجع في صلح الحديبية والرواية الثانية تقول ( وحلق ) وهي رواية تفسير القمّي فحينئذ نشكّ أنّ هذه - أي عبارة ( وحلق ) - هل هي زيادة حصلت سهواً أو أنها ليست زائدة وإنما وقعت في موقعها المناسب، فإذا قبلنا بأصالة عدم الزيادة ولو في بعض الموارد فلنطبّق ذلك في المقام وبالتالي يثبت أنّ هذه الاضافة - أي إضافة عبارة ( وحلق ) - قد وقعت في موقعها المناسب.
وهذا إشكالٌ سيّالٌ بالنسبة إلى كلّ ما ذكرناه من موارد المعارضة مع صحيحة معاوية بن عمّار فإن هذا الكلام يأتي - بأنه نطبّق أصالة عدم الزيادة - وبالتالي سوف يثبت بهذا الأصل العقلائي أنّ هذه الاضافة ليست زيادة بل وقعت في موقعها المناسب.
قلت:- إنّه في خصوص المورد لا يمكن تطبيق الأصل المذكور وذلك لما أشرنا إليه عند توضيح المقصود من صدر صحيحة معاوية بن عمّار حيث ذكرنا أنّ صدرها اشتمل على مطلبٍ قد ينتابه الخفاء وهو:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يرسل بالهدي تطوعاً، قال:- يواعد أصحابه يوماً يقلّدون فيه فإذا كانت تلك الساعة من ذلك اليوم اجتنب ما يجتنبه المحرم ... )، حيث ذكرنا أنّه يحتمل أنَّ المقصود من هذا الصدر هو ما أشارت إليه بعض الروايات وعقد له صاحب الوسائل(قده) باباً مستقلاً وهو أنّ من لم يحج وأراد أن يحصل على ثواب الحج يرسل هدياً مع أصحابه فإذا حلّ يوم النحر أحلَّ - وواضحٌ أنه في اليوم الذي يواعد أن يقلّدوه هو يجتنب ما يجتنبه المحرم وإذا حلّ يوم النحر فهو يحلّ كما هم يحلّون لو ذبحوا -، فقلنا لعلّ الصدر يشير إلى هذا المطلب، فحينئذٍ كيف نوجّه الربط بين الذيل والصدر ؟ قد بيّنا وقلنا إنّ وجه الربط هو أنّه قد يأتي إلى الذهن أنّ النحر وحده لا يكفي في حصول التحلّل وإنما التحلّل كما نعرف يحتاج إلى نحرٍ مع حلقٍ أو تقصيرٍ فإذا هو لم يحج فإنّه يحتاج إلى حلقٍ فيكف حينئذٍ يحلّ من دون حلقٍ ؟! فاستشهد الإمام بأنه أحياناً يمكن حصول التحلّل من دون حلقٍ، يعني ليس دائماً يلزم شرعاً في التحلّل ضمّ الحلق كما صنع النبي صلى الله عليه وآله في صلح الحديبية، إنّه بناءً على هذه القرينة سوف يتعيّن أن تكون كلمة ( الحلق ) غير موجودة كي يتحقّق الارتباط الذي أشرنا إليه والإشكال الذي أشرنا إليه، فهو صلى الله عليه وآله واكتفى بالنحر في صلح الحديبية . إذن كلمة ( حلق ) ليست موجودة وإلا إذا كانت موجودة فسوف يسقرّ الاشكال حينئذٍ لا أنّه يندفع، فإذن هذه قرينةٌ على أنّ كلمة ( الحلق ) ليست موجودة.
إن قلت:- هذا الذي ذكرته وإن كان له وجاهة ولكنه مجرد احتمال وجيهٌ لا أنّه شيءٌ يمكن أن يُستظهر ويُبنى عليه ويقال إنّه حتماً هذا هو المقصود، يعني أنّ هذه القرينة تتمّ إذا فرض أنّا استظهرنا أنّ المقصود من الصدر هذا المعنى، ولكن كيف تستظهر ؟!! إنّ الاستظهار صعبٌ وإنما هو مجرد احتمال.
قلت:- إنَّ الاحتمال يكفيني أيضاً في مثل هذا المورد لأنه بالتالي سوف يكون المورد مقترناً بما يحتمل أن يكون وجهاً لعدم وجود كلمة ( الحلق ) ومادام هذا احتمالاً وجيهاً فأصالة عدم الزيادة التي مدركها السيرة العقلائية لا نجزم بتطبيقها في المورد المذكور الذي نحتمل فيه وجود قرينة تساعد على عدم وجود هذه الكلمة وأن إضافتها زائدة، ففي مثل هذه الحالة نشكّ في انعقاد السيرة فلا نجزم بانعقادها على أصالة عدم الزيادة.
ثالثاً:- إنّ هذه الرواية موجودة في تفسير القمّي ونحن لنا تأمّلٌ في هذا التفسير أشرنا إليه أكثر من مرّة، وأنا الآن أريد أن أشير إلى بعض التأملات التي ترتبط بمحلّ كلامنا ولا أريد أن أشير إلى كلّ التأملات في هذا التفسير.
وتوضيحه:- هناك بعض التأمّلات في قبول الكتاب - والكلام المذكور لا ترتبط بمحلّ كلامنا -:-
من قبيل:- إنّ الراوي لهذا الكتاب هو تلميذ علي بن إبراهيم الذي اسمه أبو الفضل العباس بن محمد بن القاسم بن حمزة بن الإمام موسى بن جعفر عليه السلام فلاحظ تفسير القمّي تجد التعبير هكذا:- ( قال أبو الفضل العباس بن محمد قال علي بن ابراهيم )[4]، فالراوي لهذا الكتاب هو هذا الرجل وهو مجهول الحال، ومعه كيف نأخذ بالتفسير المذكور؟!!
وواضحٌ أنّ من يبني على أنّ أحفاد الأئمة القريبين هم من الثقاة الأجلّة فبها ونعمت، ولكن قلنا إنّه ليس لنا مثل هذه النفس الطيبة فولد الإمام لا يلزم أن يكون ثقةً إلّا أن تضمّ ضميمةً وهي أن تقول إنّ ولد الامام ولو غير الصلبي - يعني ولو بالواسطة أو بالواسطتين أو الثلاثة - إذا لم يذكر بقدحٍ فهذا يكفي لاستظهار وثاقته لأنه ابن شخصيّة وعادةً إذا كان في ابن الشخصيّة مغمزٌ فإنه يشار إليه فعدم الإشارة إلى مغمزٍ يصير بنفسه قرينة على وثاقته.
وهذا نظير ما يقال في الرواة المشهورين فإن بعض الرواة عندنا هو من المشهورين ولم يرد في حقهّم غمزٌ فهناك رأيٌ يقول إنّه مادام هذا الشخص مشهوراً فهذا يكفي لإثبات وثاقته فلو كان فيه مغمزٌ فلأجل أنّه مشهورٌ ينبغي ذكر هذا المغمز فعدم ذكره يدلّ على أنّه ليس فيه مغمز.
فإن تمّت هذه الكبرى فبها ولكنها ليست واضحة.
وعلى أي حال هذا الرجل مجهول الحال ومعه كيف نعتمد على التفسير المذكور ؟! هذا إشكالٌ ولكنه لا يرتبط بمقامنا بالخصوص وقد أشرنا إليه في كتابنا ( دروس تمهيدية في القواعد الرجالية ) وذكرنا جواباً عنه.
وهناك إشكال آخر في تفسير القمّي لا يرتبط بمقامنا:- وهو أنّه في المقدّمة ذكر عبارة استفاد منها صاحب الوسائل والسيد الخوئي توثيق كلّ من ورد في الكتاب المذكور وهي:- ( ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا ورواه مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم وأوجب ولايتهم )[5]، إنه استفاد من تعبير ( وثقاتنا ) حيث قيل إنّه عطفُ تفسيرٍ على المشايخ فبهذا يثبت أنّ كلّ من ورد في أسناد تفسير القمّي هم من الثقاة بشهادة عليّ بن ابراهيم القمّي، هكذا قيل.
وهناك إشكالٌ على ما ذكره السيد الخوئي وصاحب الوسائل:- وهو أنّه في نفس المقدّمة وبعد هذه العبارة توجد عبارة ثانية وهي:- ( قال ابو الحسن علي بن إبراهيم الهاشمي القمي فالقرآن منه ناسخ ومنه منسوخ )[6] فإنّ هذه العبارة قد توحي بأنّ السابق ليس من كلام القمّي وإنما الذي هو من القمّي هو هذه العبارة، ومعه كيف نعتمد على العبارة المتقدّمة ؟!!
ومن الغريب أنّ السيد الخوئي(قده) لم يشر إلى هذا الاشكال وإلى جوابه وكان من المناسب أن يذكره ثم يدفعه.
وهذا إشكالٌ لا يرتبط بمحلّ كلامنا أيضاً وقد ذكرنا جوابه في كتابنا ( دروس تمهيدية في القواعد الرجالية ).
والذي أريد أن أقوله الآن ويرتبط بمحلّ كلامنا:- هو أنّ تفسير القمّي توجد فيه بعض العبائر التي قد توحي بأنّ بعضه ليس من القمّي نفسه، وحيث كان الأمر كذلك فكلّ عبارةٍ تأتي فسوف يأتي فيها احتمال أنها من إضافات الغير وليست من القمّي نفسه، أمّا ما هي تلك الموارد ؟
من قبيل أنه يقول:- ( رجعٌ إلى تفسير علي بن إبراهيم )، وفي موردٍ آخر يقول:- ( رجعٌ إلى رواية علي بن إبراهيم ) ، وفي بعض الموارد الأخرى يقول:- ( رجع الحديث إلى علي بن إبراهيم ) وفي مورد آخر يقول:- ( في رواية علي بن إبراهيم )[7]، وهذا الأمر قد سكت عنه السيد الخوئي(قده) أيضاً ولم يشر إليه.
وبالتالي إنّ هذا التفسير الموجودٌ بأيدينا لا نتمكّن أن نجزم بأنه من القمّي كلّه فإنّه في كلّ عبارة يأتي احتمال أنها ليست من القمّي.
بل أصعّد اللهجة وأقول:- من قال إنّ هذا الكتاب المطبوع هو نفس التفسير الأصلي للقمّي ؟ فنحن نسلّم أنّ القمّي له تفسير حيث ذكره الشيخ الطوسي والنجاشي أمّا من قال إنّ هذا المطبوع يطابق ذاك الأصل ؟ إنّ هذا شيءٌ وجيهٌ، ولا يأتي هذا الإشكال في الكتب الأربعة وما شاكلها ممّا هو متداول فإن الكتب الأربعة لو كان فيها مغمزٌ - يعني زيادات - لاشتهر وشاع لأنّ الانظار منصبّة عليها أمّا تفسير القمّي فليس كذلك فكيف نثبت أنّ هذا المطبوع هو عين الأصل ؟ وهذا الإشكال يأتي بقطع النظر عن كلمة ( رجعٌ ) أو ( رَجَعَ ) أو غير ذلك فبقطع النظر عن ذلك يكون هذا إشكالٌ سيّالٌ، وحيث إنّ هذه الرواية موجودة في التفسير المتداول ولم ينقلها مثل صاحب الوسائل(قده) وأمثاله حتى نقول إنّ له طريقاً معتبراً إلى القمّي لا يمرّ بأبي الفضل وغيره فتكون مورداً للتشكيك وبالتالي يكون قبواها محلّ إشكال ؟!!