32/07/10
تحمیل
الوجه الثالث:- ان الأمر لا يدور بين تحقق غفلتين أما الغفلة بالزيادة أو الغفلة بالنقيصة كما كنا نفترض ذلك في الوجه الثاني ، بل هنا نفترض ان الأمر يدور بين الغفلة على أحد التقديرين وبين عدم الغفلة على التقدير الثاني ، وذلك بأن يقال ان الزيادة لو تحققت من الراوي فهي عادةً لا تنشأ إلا من الغفلة فهو يغفل فتتحقق منه الزيادة ، وما دام المنشأ هو الغفلة فيمكن نفيها أو نفي احتمال الزيادة بأصالة عدم الغفلة ، وهذا بخلافه في النقيصة ، فان منشأها لا ينحصر بالغفلة بل ان الناقل حينما ينقص فقد ينقص بسبب الغفلة أو بسبب أخر ، كما إذا كان طالباً للاختصار ، فان الذين سليقتهم الاختصار في الكلام قد يحذفون بعض الكلمات وهذا الحذف ليس وليد الغفلة بل هو وليد طلب الاختصار ، وربما يكون السبب هو اعتقاده بان القيد توضيحي وليس احترازياً ، يعني ان ذكره وعدم ذكره لا يؤثر على المعنى شيئاً فلأجل ذلك حذفه. إذن سبب النقيصة لا ينحصر بالغفلة بل له مناشئ أخرى .
وعليه نقول:- لو كان منشأ النقيصة هو احتمال الغفلة فيمكن نفي ذلك بأصالة عدم الغفلة ، ولكن حيث انه توجد مناشئ أخرى غير الغفلة وتلك المناشئ لا يمكن نفيها بأصالة عدم الغفلة فيعود بذلك احتمال النقيصة بلا وجود أصل ينفيه ، وهذا بخلاف احتمال الزيادة فان منشأه ينحصر بالغفلة وأصالة عدم الغفلة تنفي ذلك.
والخلاصة :- ان احتمال الزيادة ينحصر منشأه بالغفلة ، وأما احتمال النقيصة فمنشأه لا ينحصر بالغفلة فقد يكون هو الغفلة أو يكون هو طلب الاختصار أو غير ذلك .
فإذا سلمنا ذلك فحينئذ يمكن ان نقول ان الزيادة قد وقعت في موقعها المناسب باعتبار جريان أصالة عدم الغفلة ، أما النقيصة بما أنها لها أسباب كثيرة فإن كانت الغفلة فيمكن نفيها بأصالة عدم الغفلة ، أما إذا كان السبب غير ذلك فاحتمال النقيصة لا يمكن نفيه بأصالة عدم الغفلة.
والفارق بين هذا الوجه وبين الوجه السابق هو انه في الوجه السابق كنا نقول ان الأمر يدور بين غفلتين بين غفلة موجبة لتحقق الزيادة وبين غفلة الموجبة لتحقق النقيصة ولكن بما ان الأقوى والغالب في الإنسان انه يغفل فينقص لا انه يزيد فحينئذ يكون المناسب والأقوى هو ان الزيادة قد وقعت في موقعها المناسب ، أما في هذا الوجه لم نجعل الأمر دائراً بين غفلتين ، بل قلنا منشأ الزيادة ينحصر بالغفلة أما منشأ النقيصة فلا ينحصر بها ، وما دام منشأ الزيادة ينحصر بالغفلة فنفي احتمال الزيادة بأصالة عدم الغفلة ، وأما النقصية بما ان السبب لا ينحصر بالغفلة فالمناشئ الأخرى لا يمكن نفيها بأصالة عدم الغفلة وما دام لا يمكن نفيها فاحتمال النقيصة سوف يبقى بلا وجود أصل ينفيه ، فيكون المناسب على انه قد تحققت نقيصة من ذلك الراوي اشتباهاً ، وأما احتمال الزيادة فهو منفي بأصالة عدم الغفلة.
وفيه:-
أولا:- انه ذكر في المقدمة الأولى ان منشأ الزيادة ينحصر بالغفلة ، ونحن نقول كما اشرنا إلى ذلك سابقاً ان الزيادة لا ينحصر أمرها بالغفلة ، فالناقل حينما يذكر كلمة زائدة ربما يكون منشأ ذلك هو الغفلة كما ربما يكون منشأ ذلك شيئاً أخر من قبيل النقل بالمعنى ، فان النقل بالمعنى يستدعي الزيادة تارة والنقيصة أخرى ، أو من باب أن إضافة هذا القيد توضيح زائد وجيد فأضافه من باب قصد التوضيح للناس .
إذن منشأ الزيادة لا يلزم أن يكون سببه منحصراً بالغفلة حتى يقال انه بأصالة عدم الغفلة ننفي أن الناقل قد غفل فأزاد ، فتكون الزيادة قد حصلت في موقعها المناسب من دون غفلة بل لسبب صحيح مقبول ، كلا فان منشأ الزيادة ربما يكون شيئاً آخر غير الغفلة ، وتلك الأسباب الأخرى لا يمكن نفيها بأصالة عدم الغفلة ، إذن ما ذكر في المقدمة الأولى شيء مرفوض.
وثانياً:- إن ما ذكر في المقدمة الثانية من أن النقيصة قد تحصل من الغفلة كما وقد تحصل من غير الغفلة شيء مقبول وصحيح ، ولكن ذكر بعد هذا أن المنشأ إذا كان هو عدم الغفلة فيمكن نفيه بأصالة عدم الغفلة التي منشأها السيرة ، فان سيرة العقلاء جرت على أن من يتكلم يحملون كلامه على انه ملتفت وقاصد وليس بغافل ، ولو أردنا أن نعير للغفلة احتمالاً ومجالاً فلا يمكن حينئذ الاعتماد على أي متكلم .
إذن نحن نسلم انه لو كان المنشأ للنقيصة هو احتمال الغفلة فيمكن نفيه بأصالة عدم الغفلة ، ولكن ما ذكر بعد ذلك من انه ربما يكون المنشأ غير ذلك كالنقل بالمعنى الذي يستدعي النقيصة أو الزيادة أحياناً وهذه الأسباب لا يكمن نفيها بأصالة عدم الغفلة وهذا في الجملة صحيح يعني لا يمكن نفي الأسباب الأخرى بأصالة عدم الغفلة ولكن توجد أصول أخرى عقلائية يمكن من خلالها نفي الأسباب الأخرى للنقيصة من قبيل انه يقال هذا قد قصد النقل بالمعنى فانقص اشتباهاً فتجري أصالة عدم الاشتباه العقلائية أو انقص عمداً فتجري أصالة عدم الخيانة في الناقل.
والذي نريد أن نقوله:- هو أن أي سببٍ يمكنك أن تفترضه للنقيصة فانه حتماً يوجد لكل سببٍ أصل عقلائي ينفي كل سبب من هذه الأسباب وإلا يلزم أن لا نستفيد من كلام أي شخص عادي ، إذ يوجد احتمال النقيصة من أسباب مختلفة وهي عشرة مثلاً ، فإذا لم يمكن نفي هذه المناشئ بأصل من الأصول العقلائية يلزم أن لا نستفيد من أي كلام . إذن من هنا نستنتج ان مناشئ النقيصة نسلم أنها متعددة ولا تنحصر بالغفلة ، إلا انه كما يمكن نفي الغفلة بأصالة عدم الغفلة العقلائية يمكن نفي المناشئ الأخرى بأصول أخرى عقلائية ، وإذا سألتني ما اسمها ؟ قلت لا ادري ولكن هي موجودة حتماً وإلا سوف لا نستفيد من كلام أي متكلم.
وثالثاً:- انه مع التنزل عن كل ما ذكرناه يمكن أن يقال: ان مجرد قوة أحد الاحتمالين بالنسبة إلى الاحتمال الآخر ما لم يفترض وجود سيرة عقلائية في البين كما هو المفروض الآن - فان المفروض الآن عدم وجود سيرة عقلائية - فان السيرة سوف نتمسك بها في الوجه الرابع والآن نفترض قطع النظر عن السيرة ومعه يكون مجرد ان احتمال الزيادة يوجد له أصل نافٍ ، أما احتمال النقيصة يوجد له مناشئ ولبعضها يوجد أصل ينفي بينما البعض الآخر لا يوجد له ما ينفيه ، أن مجرد هذا المقدار لا يكفي للوصول إلى النتيجة وهي ان الزيادة قد وقعت في موقعها المناسب ، بل لابد وان يضم إلى ذلك شيء من قبيل السيرة لكي تكون هي المستند للحجية وللحكم بأن الزيادة قد وقعت في موقعها المناسب ، أما هذا المقدار من الكلام من دون ضم السيرة فلا يصلح لذلك ز
نعم إذا ادعينا وجود السيرة فهذا شيء سوف نذكره في الوجه الرابع.
الوجه الرابع:- أن يدعى وجود سيرة عقلائية على انه كلما دار الأمر بين الزيادة والنقيصة فهي منعقدة على الحكم بأن الزيادة قد وقعت في موقعها المناسب ، نعم حيث ان السيرة ليست فيها قضايا تعبدية بل حتماً حينما يبني العقلاء على شيء فلابد من وجود نكاتٍ وخلفياتِ كشفٍ عقلائية قد استند العقلاء إليها ، فلا يبعد ان يدعى ان منشأ هذه السيرة هو ان الإنسان عادةً يغفل فينقص لا ان يغفل فيزيد ، ان هذه النكتة أو ما شاكلها قد تكون هي المنشأ لانعقاد السيرة ، ولا نريد ان نحصر المنشأ بهذه النكتة بل نقول حتماً توجد نكتة فلعلها هذه ولعلها غيرها وهذا ليس مهماً ، وإنما المهم هو انعقاد سيرة عقلائية على ان الزيادة قد وقعت في موقعها المناسب ، وبعد انعقادها لا يهمنا التعرف على المنشأ ، وبعد ان سلمنا بانعقاد السيرة نضم فكرة الإمضاء المكتشفة من عدم الردع ، فننتهي آنذاك إلى ان هذه السيرة مقبولة لدى الشارع المقدس وهو المطلوب .
إذن في هذا الوجه تشبثنا بالسيرة وجعلنا ما ذكرناه في الوجوه السابقة منشأً محتملاً للسيرة لا ان تلك المناشئ قد جعلناها هي الوجه الأساسي هنا ، كلا بل الوجه الأساسي هنا هو انعقاد السيرة .