32/06/24
تحمیل
ملاحظتان :-
الملاحظة الأولى :- إنا ذكرنا فيما سبق أن الواجب في الكفارة هي شاة لمن ظلل ، وقد دلت على ذلك أكثر من رواية ، ومنها صحيحة ابن بزيع كما ذكرنا .
ولكن قد يشكل ويقال:- أنا لو رجعنا إلى هذه الصحيحة بل وجميع الروايات الأخرى التي ذكرت الكفارة لوجدناها أنها واردة في صاحب العذر ، فالشخص يكون معذوراً لسبب وآخر والإمام عليه السلام يقول له ( ظلل وعليك كفارة وهي شاة ) ، والسؤال أن هذه الروايات أقصى ما تدل عليه أن المعذور تجب عليه الكفارة ، أما غيره - أي المختار من دون عذر - فلم تدل على وجوب الشاة في حقه .
اللهم إلا أن يتمسك بفكرة الأولوية فيقال إذا وجبت الشاة في حق المعذور فبالأولى تجب في حق غيره ، وهذه الطريقة قد تمسك فيها السيد الخوئي (قده) في أبحاث سابقة ، ونحن أوردنا عليه وقلنا أن هذه الأولوية مرفوضة شرعاً ، ففي باب قاتل الصيد مثلاً تجب عليه الكفارة في المرة الأولى والثانية ، ولكن في الثالثة لا تجب عليه بل ينتقم الله منه.
إذن من كان فعله أشد قد لا يثبت الشارع في حقه الكفارة بل يعود عقابه إلى الله عز وجل ، انه ما دام قد قبلنا هذه الفكرة في الصيد فذلك يعني أن فكرة الأولوية لا يمكن تطبيقها ، وعليه ففي المقام لا يمكن التمسك بالأولوية ويدعى أنه إذا ثبتت الشاة في حق المعذور فسوف تثبت في حق غيره بالأولوية . هذا شيء.
وشيء آخر :- تقدم عندنا أيضا أن من ظلل في إحرامه فهل تتكرر الكفارة في حقه بعدد ما صدر منه من تظليل أو أنه يجب عليه كفارة واحدة لكل إحرام ؟ ونحن ذكرنا في هذا المجال أن القاعدة وان اقتضت التعدد بتعدد أفراد التظليل ولكن دلت صحيحة ابن راشد على أن الواجب لكل إحرام كفارة واحدة مهما صدر من تظليل ، والذي نريد أن نقوله الآن انه ربما يقال صحيح أن رواية ابن راشد دلت على أن الواجب كفارة واحدة للإحرام الواحد ، ولكن هذه واردة في صاحب العذر ، فلعل صاحب العذر يتساهل في أمره ويكتفى في حقه بكفارة واحدة ما دام الإحرام واحداً ، وهذا لا يستلزم أن غير المعذور يكون أمره كذلك ، بل المناسب المصير إلى ما تقتضيه القاعدة وهو لزوم تعدد الكفارة بعدد أفراد التظليل ، فان التداخل على خلاف القاعدة ولا يصار إليه إلا بدليلٍ والدليل مختص بصاحب العذر ، أما غيره فحيث أنه لم يرد على التداخل في حقه دليلٌ فنتمسك بقاعدة عدم التداخل.
هذان تساؤلان يرتبطان بما تقدم
والجواب:- إن ما ذكر وان كان وجيهاً إلا انه يمكن التغلب على المشكلة في كلا الموردين بضم قضية أخرى ، وهي قضية عدم فهم العرف لخصوصية المورد ، وهذه قضية أخرى غير قضية التمسك بالأولوية
فيقال بالنسبة إلى التساؤل الأول:- صحيح أن دليل الكفارة وارد في حق المعذور ولكن العرف لا يفهم خصوصية للمعذور وإنما يفهم أن من ظلل فعليه كذا - أي الشاة - ومورد السؤال وان كان هو المعذور ولكنه لا خصوصية له عرفاً .
وهكذا يقال بالنسبة إلى التساؤل الثاني:- أي يقال صحيح أن التداخل قد دل عليه الدليل في صاحب العذر ، ولكن العرف لا يفهم خصوصية لصاحب العذر.
إذن بضم إلغاء الخصوصية عرفاً في المورد يمكن إثبات التعميم .
هذا كله مضافاً إلى قضية أخرى لا أقصد من ذكرها عرض جواب جديد ، وإنما أقصد بيان أن هذه الإثارة التي ذكرناها إثارة علمية ، وإلا فعملاً ربما لا تكون لها أهمية إذ أن المؤمن لا يصدر منه التظليل عادة إلا لعذرٍ ، أما المختار غير المعذور فلا يظلل عادةً ، فمحل الابتلاء هو المعذور ، والمفروض أن الروايات ثابتة فيه وقد دلت على ثبوت الشاة في حقه وأنها تتداخل عند تكرر التظليل منه ، ولكن من الزاوية العلمية لا بأس بهذه الإثارة ، وقد عالجناها بضم إلغاء الخصوصية عرفاً .
الملاحظة الثانية:- أن الواجب على ما عرفنا في التظليل هو الشاة وسؤالنا هو:-
أولا:- ما هو عمر الشاة ؟
وثانياً:- هل يكفي الذكر والأنثى ؟ بل وهل يكفي غير الغنم ، كالسخال مثلاً ؟
أما بالنسبة إلى الأول :- فجوابه واضح ، إذ يقال انه لم يرد تحديد شرعي للشاة من حيث العمر فالمدار على الصدق العرفي كسائر الموارد التي لا يوجد فيها بيان شرعي لتحديد المصداق حيث يرجع إلى العرف فهنا يقال كذلك أيضاً ، إذن لا يوجد عمر محدد للشاة بل المدار على صدق العنوان المذكور لا أكثر ، وإذا كان بعضٌ يحدد بستة أشهر أو ما شاكل ذلك فهو تحديد عرفي وليس شرعياً ، فلو فرض أن شخصاً ادعى أن عنوان الشاة يصدق على الأقل من ستة أشهر عرفاً كفى ذلك .
وأما بالنسبة إلى كفاية الأنثى المعبر عنها بـ( النعجة ) فالظاهر انه لا ينبغي التوقف فيه ، فان الشاة كما تصدق على الذكر تصدق على الأنثى أيضاً ، وإنما الكلام في كفاية غير الغنم م كالماعز أو السخال مثلاً ، وهنا لو رجعنا إلى أهل اللغة وحصل منهم الاطمئنان بالعموم وأن الشاة تصدق على الجميع أخذنا بذلك ، وإذا حصل الاطمئنان بعدم العموم وان الشاة تختص بالغنم فقط فنأخذ بذلك أيضاً ، أما إذا فرض أن كلماتهم لم تكن واضحة ولم يحصل لنا الاطمئنان بهذا ولا ذاك - كما لا يبعد أن يكون الواقع كذلك فانه جاء في القاموس ( والشاة الواحدة من الغنم للذكر والأنثى أو يكون من الضأن والمعز والضباء والبقر والنعام وحمر الوحش ) وقريب من ذلك ما جاء في تاج العروس ، انه إذا لم تكن كلمات أهل اللغة واضحة في هذا أو ذاك فالأصل ماذا يقتضي ؟
أن الأصل يقتضي اعتبار صدق الشاة بنحو الجزم ، فان الواجب هو ذلك - أي الشاة - فلا بد من إحرازه فان الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ، وذلك لا يتحقق إلا بما يجزم بصدق عنوان الشاة عليه.
أن قلت :- صحيح أن النصوص قد أخذت عنوان ( الشاة ) إلا أن هذا العنوان قد أُخذ بما هو طريق إلى واقعه ، ومعه فالمدار على واقع الشاة وليس على العنوان المذكور ، وحيث أنه يشك هل الذمة تقيدت بخصوص هذا الواقع أو بالأعم فتجري البراءة عن التقيد بخصوص هذا ويكفي آنذاك الأعم .
قلت:- صحيح أن الذمة قد اشتغلت بواقع الشاة ، ولكن بالتالي يلزم إحراز أنه شاة وواقع الشاة ، وبما أن الإتيان بالأفراد الأخرى كالماعز مثلاً لا يحرز أنه من واقع الشاة فالاجتزاء به يحتاج إلى دليل .
إذن لا بد من تحقيق ذلك لغةً ، فان اطمأننا بأحد الطرفين فهو ، وإلا فالاجتزاء بما يشك بأنه شاة حيث أنه مشكوك فلا يجتزأ به . هذا كله في هذه المسألة
المحضور ( 22 ) من محضورات الإحرام :- إخراج الدم من البدن.
لا يجوز للمحرم إخراج الدم من جسده وان كان ذلك بحكٍ بل بالسواك على الأحوط . ولا بأس به مع الضرورة أو دفع الأذى . وكفارته شاة على الأحوط الأولى.
..........................................................................................................
في البداية نلفت النظر إلى قضية فنية ليست مهمة ، وهي انه كان (قده) في سائر المحضورات التي أشار إليها سابقاً يذكر رقم المحضور ثم بعد ذلك يقول ( مسألة ) ويذكر ما يرتبط بذلك المحضور ، بينما هنا أعطى رقم المحضور وهو( 22 ) ولكن لم يذكر تحته مسألة ، وهذه قضية ليست مهمة ، ولكن لا بد وان يكون النسق واحداً.وتشتمل المسألة المذكور على النقاط التالية:-
النقطة الأولى:- هل يحرم على المحرم إخراج الدم ؟
أن ذلك وقع محلاً للخلاف بين الفقهاء ، فمنهم من ذهب إلى الكراهة كصاحب الشرائع والمدارك[1] حيث اختار الكراهة ، ومنهم من اختار التحريم كالشيخ في النهاية والمفيد في المقنعة والمرتضى وابن إدريس وغير هؤلاء . نعم الشيخ في الخلاف اختار الكراهة خلافاً لما في النهاية .
وعلى أي حال المسألة محل خلاف من هذه الناحية كما سيتضح ذلك عند مراجعة المدارك[2] والجواهر[3] .
ومنشأ الخلاف هو اختلاف الروايات حيث توجد بعض الروايات تنهى عن إخراج الدم في حق المحرم إلا إذا كان ذلك مما لا بد منه - أي لضرورة - من قبيل صحيحة الحلبي ( سالت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يحتجم ؟ قال : لا ، إلا أن لا يجد بداً فليحتجم ولا يحلق مكان المحاجم )[4] وعلى منوالها صحيحة زرارة[5] ، هذه هي الطائفة الأولى.
وفي المقابل صحيحة حريز أي الطائفة الثانية - عن أبي عبد الله عليه السلام ( لا باس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر )[6] ، هذا هو مهم روايات المسالة .
وهناك روايات أخرى ذكرت أن الإمام الحسن عليه السلام احتجم وهو محرم[7] ، أو أن أبا الحسن عليه السلام احتجم وهو محرم[8] ، أو أن الرسول صلى الله عيه واله وسلم احتجم وهو صائم وهو محرم[9] ، أن مثل هذه الروايات يجدر حذفها من الحساب لأنها ضعيفة السند أولاً ، كما وأنها ترتبط بفعل الإمام عليه السلام ثانياً ، ونحن نعرف أن الفعل مجمل وأقصى ما يدل على الجواز ، ولكن لعل ذلك كان لأجل ضرورة يعيشها الإمام عليه السلام ، فلا يمكن أن نفهم منها الجواز في غير حالة الضرورة كما هو واضح ، وهكذا ينبغي أن نحذف من الحساب رواية يونس بن يعقوب ( سالت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يحتجم ؟ قال: لا أحبه )[10] أن هذه الرواية لو تمت سنداً فهي قد عبرت بلفظ ( لا أحب ) والتعبير المذكور يتلاءم مع الكراهة والحرمة ولا يختص بالكراهة .
إذن المهم هو ما أشرنا إليه فيما سبق ، وماذا نصنع اتجاه ذلك ؟
ذكر جمع منهم الشيخ الطوسي ، وهكذا السيد الخوئي[11] أن المورد من قبيل المطلق والمقيد ، فالأولى التي نهت استثنت حالة ما إذا كان ذاك لابد منه حيث قالت ( لا ، إلا أن لا يجد بداً ) أي يجوز في حالة الضرورة ، والرواية الثانية قالت ( لا بأس ) فنحملها على حالة الضرورة ، لأن السابقة قد قيدت الجواز بحالة الضرورة ، فتحمل الثانية على الجواز في خصوص حالة الضرورة ، هكذا ذكر الشيخ الطوسي والسيد الخوئي (قده) .
[1] المدارك 7 - 367
[2] المدارك 7 - 366
[3] الجواهر 18 - 407
[4] الوسائل 12 512 62 تروك الإحرام ح1
[5] المصدر السابق ح2
[6] المصدر السابق ح5
[7] المصدر السابق ح3
[8] المصدر السابق ح6
[9] المصدر السابق ح10
[10] المصدر السابق ح4
[11] المعتمد 4 - 250