32/06/10
تحمیل
النقطة الخامسة :- لا فرق في حرمة التظليل بين أن يكون المحرم راكباً أو يكون ماشياً على قدميه من دون اختصاص لها على الأحوط بخصوص الراكب ، خلافاً لما نسبه صاحب المدارك إلى جده الشهيد الثاني (قده) من تخصيص الحرمة بخصوص الراكب ، وهو - أي صاحب المارك - مال إلى ذلك أيضاً حيث قال (قده) ( هو لا يخلو عن قرب )[1] . وممن اختار ذلك الشيخ النراقي[2] .
والمناسب التعميم باعتبار أن بعض روايات المسالة وان اختصت بالراكب كرواية القبة والكنيسة إلا أن البعض الآخر من الروايات يوجد فيه إطلاق يمكن التمسك به لإثبات التعميم من قبيل صحيحة عبد الله بن المغيرة ( قلت لأبي الحسن الأول عليه السلام ، أظلل وأنا نحرم ؟ قال: لا ) انه عليه السلام لم يستفصل بين كون السائل أركبا أو ماشياً فيدل ذلك على التعميم ، ومن قبيل صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق ( سالت أبا عبد الله عليه السلام هل يستتر المحرم من الشمس ؟ فقال : لا ، إلا أن يكون شيخاً كبيراً ) .
فانه لو كان يجوز التظليل للماشي لكان من المناسب أن يقول له ( نعم إذا كان ماشيا ولا إذا كان راكبا ) إن الإطلاق في مقام الجواب بكلمة ( لا ) يدل على عمومية الحكم.
اللهم إلا أن يدعى الانصراف إلى كون السؤال هو عن حالة الركوب ، ولكن لا نعرف منشأً لهذا الانصراف فهو لا وجه له . إذن المناسب هو التعميم .
وأما من خالف وذهب إلى اختصاص الحرمة بحالة الركوب فقد يستدل له بالوجهين التاليين:-
الوجه الأول :- الرواية الواردة في ظل المحمل وانه يجوز للمحرم أن يتظلل بظل المحمل ، فلاحظ صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع ( كتبت إلى الرضا عليه السلام ، هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل ؟ فكتب : نعم )[3] ،الرواية.ل ذكر من باب المثالية ولا خصوصية له ، فالشخص الذي يمشي على الأرض يجوز أن يتظلل بظل المحمل - أي محمل الدابة - فيسير تحت ظل محمل الدابة ، وحيث لا خصوصية لمحمل الدابة فيدل ذلك على أن كل ماش على قدميه يجوز له التظليل من دون فرق بين أن يكون ذلك بواسطة ظل المحمل أم بغيره . هذا ما تقرب به الرواية .
والجواب واضح :- فان الجزم بعدم الخصوصية لظل المحمل أمر مشكل ، فلعله توجد خصوصية له في مقابل أن يقبض الماشي بالمظلة ويتظلل بها أثناء مشيه ، أنه لا يمكن أن يقول إذا جاز ذاك جاز هذا حتماً لعدم الخصوصية ، كلا انه شيء بعيد .
نعم سوف يأتي إنشاء الله تعالى أنه يمكن التعدي من ظل المحمل إلى ظل السيارات في زماننا ، فإنها تقوم مقام الدابة في ذلك الزمان فظلها كظل المحمل يكون السير تحته جائز ، أن هذا وجيه ، أما أن نتعدى منه إلى التظليل بالمظلة مثلا فهو مشكل .
الوجه الثاني :- رواية الطبرسي في الاحتجاج التي تنقل الحوار الذي جرى بين الإمام موسى عليه السلام وتلميذ أبي حنيفة يعني محمد بن الحسن الشيباني ، والرواية هكذا ( سأل محمد بن الحسن[4] أبا الحسن موسى عليه السلام بمحضر من الرشيد وهم بمكة ، فقال له : أيجوز للمحرم أن يظلل عليه محمله ؟ فقال له عليه السلام: لا يجوز له ذلك مع الاحتيار ، فقال له محمد بن الحسن: أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختاراً ؟ فقال له : نعم ، فتضاحك محمد بن الحسن من ذلك ، فقال له أبو الحسن عليه السلام: أتعجب من سنة النبي وتستهزئ بها أن رسول الله صلى الله عليه واله كشف ظلاله[5] في إحرامه ومشى تحت الظلال وهو محرم ، أن أحكام الله يا محمد لا تقاس)[6] ، بتقريب أن ظاهر الرواية بعد تقرير الإمام عليه السلام أن المشي تحت الظلال شيء جائز حيث سأل الشيباني بقوله ( أفيجوز أن يمشي تحت الظلال مختاراً ؟ ) والجواب ( نعم ) أن هذا يدل على أن الممنوع من التظليل هو خصوص حالة الركوب دون حالة المشي ، وعليه فالمستفاد من هذه الرواية أن التظليل حالة المشي شيء جائز .
والجواب:-
أولاً :- إنها ضعيفة السند ، باعتبار أنها واردة في الاحتجاج ، والطابع العام في روايات هذا الكتاب الإرسال ، فأحاديثه بشكل عام مرسلة ، نعم إذا فرض أن فقيهاً حصل له الاطمئنان أن ما سجله الطبرسي في كتابه هو وان كان مرسلاً ولكن يمكن تحصيل الاطمئنان بصحة رواياته نتيجة تجميع قرائنٍ من هنا وهناك وواحدة من تلك القرائن المهمة هي جلالة الرجل - أعني الشيخ الطبرسي - بيد أن هذا كلام ينفع صاحبه - أي من يحصل له الاطمئنان - وإلا فالأمر مشكل .
وان قلت :- انه (قده) ذكر في مقدمة كتابه أنه أسقط روايات بعض الكتب ولم ينقلها كالتفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام باعتبار انه لم يثبت له سند الكتاب وهذا يدلل على أن الرجل محقق ومدقق لا انه يسجل الغث والسمين كما حاول ذلك الشيخ المجلسي (قده) ، فانه أراد أن يجمع التراث بعد خوفه عليه من الضياع - وجزاه الله خير الجزاء - وإلا لضاع علينا الكثير الكثير وترك التحقيق للمراجع ، أما الطبرسي فليس أمره كذلك من خلال ما ذكره في المقدمة .
وجوابه واضح:- فان هذا ليس أعلى مضموناً مما ذكره الشيخ الصدوق (قده) في مقدمة كتابه فانه قال ( لا أذكر إلا ما أفتي به وأحكم بصحته ويكون حجة بيني وبين ربي ) أن ما قاله الطبرسي ليس بأرقى مما ذكره الشيخ الصدوق ، وقد قلنا أن كتاب الفقيه لا يمكن التمسك برواياته إذا لم ندقق في السند ، فان اعتقاد الشيخ الصدوق بحجية رواية لا يلازم أن تكون حجة عندنا ، فلعله استند إلى قرائن لو اطلعنا عليها لرفضناها ، فان المباني والمسالك في القضايا الرجالية ليست موحَّدة ، ونفس هذا الكلام نقوله بحق الاحتجاج ، هذا سنداً .
ومضافاً إلى ذلك يمكن المناقشة دلالة:- باعتبار وجاهة أن تكون الرواية ناظرة إلى الظل الثابت ، فالمقصود من قول الشيباني ( أفيجوز أن يمشي تحت الظلال ؟ ) هو المشي تحت ظل الأشجار والجدران والسقوف وما شاكل ذلك مما هو ثابت لا المشي تحت الظل المتحرك كما في التظليل بالمظلة مثلاً .
أن قلت :- لنتمسك بالإطلاق ، فان الشيباني لم يخصص سؤاله بظلٍ دون ظلٍ والإمام عليه السلام أيضاً أجاب بالجواز من دون أن يستفصل .
قلت :- أن هذا لا وجه له ، باعتبار انه يكفي لنقض الشيباني على الإمام عليه السلام أن يقول النظر إلى حالة معينة وهي السير تحت الظل الثابت ، وكأنه يريد أن يقول إذا جوزتم هذا يلزمكم أن تجوزوا ذاك ، فهو لا يريد أن يقول إنكم جوزتم السير تحت الظل الثابت والمتحرك معاً حتى نتمسك بالإطلاق أو بعدم الاستفصال ، وهكذا لا يلزم على الإمام عليه السلام في مقام الجواب حينما قال له ( نعم يجوز ) أن يقيد ويقول نعم يجوز تحت الظل الثابت ، فان هذا التقييد لا يدفع الإشكال الذي وجهه الشيباني على الإمام عليه السلام فيبقى من حق الشيباني أن يقول إذا جوزتم هذه الحالة فجوزوا بقية الحالات طبقاً للقياس ، ولا يوجد لفظ مطلق ومفهوم مطلق ليمكن التمسك بإطلاقه .
وبالجملة:- الرواية ضعيفة سنداً ودلالةً ، ومعه تبقى الاطلاقات المتقدمة التي أشرنا إليها في صحيحة إسماعيل بن عبد الخالق وصحيحة عبد الله بن المغيرة على حالها .
والسيد الماتن (قده) في عبارة المتن لم يفتِ بالتعميم بل احتاط ، يعني عبر بكلمة ( الأحوط ) ولم يعبر بالأظهر أو الأقوى حتى تصير فتوى ، حيث قال هكذا ( ولا فرق في حرمة التظليل بين الراكب والراجل على الأحوط) ، وقد اتضح من خلال بياننا أن المناسب أن يقول ( بل هو الأظهر ) فان الإطلاق في الروايات متين ، وما يمكن التمسك به للشهيد (قده) ضعيفٌ كما لاحظنا.
النقطة السادسة :- الأحوط بل الأظهر حرمة التظليل من الجوانب أيضاً وعدم اختصاها بما يكون فوق الرأس ، فتارة يأخذ المحرم المظلة بيده ويرفعها فوق رأسه وهذا تظليل من فوق الرأس ، وأخرى يأخذها من أحد الجانبين أن هذا تظليل من أحد الجانبين ، والأحوط بل الأظهر تعميم الحرمة لمثل هذا ، خلافا لما نسب إلى العلامة والشيخ من تخصيص الحرمة بما يكون فوق الرأس حيث قال في الجواهر ( وعن الخلاف والمنتهى جوازه بلا خلاف بل في الأخير نسبته إلى جميع أهل العلم )[7] ، وممن اختاره من المتأخرين الشيخ النائيني (قده) في مناسكه ، فلاحظ المتن المذكور في دليل الناسك حيث قال ( و لا باس به للنساء ....... وفي حال السير أيضا إذا كان الظل من احد الجانبين )[8] ، وعبارته واضحة في الجواز ، وإنما قيَّد بقوله ( وفي حال السير أيضا ) لأنه في انتهاء السير والوصول إلى المنزل كالخباء أو شقة السكن فانه جائز بلا كلام كما قلنا ، وإنما والكلام والخلاف هو في حال السير . هذا ما ذكره هؤلاء الأعلام .
[1] المدارك 7 - 364
[2] مستند الشيعة 12 30
[3] الوسائل 12 524 67 تروك الإحرام ح1.
[4] أي الشيباني تلميذ أبي حنيفة .
[5] أي رفع القبة والكنيسة
[6] الوسائل 12 523 66 تروك الإحرام ح6
[7] الجواهر 18 - 399
[8] دليل الناسك -170