32/05/09
تحمیل
ومن هذا يتضح الحال في نفس جهاز الموبايل فيجوز وضعه على إذن المحرم ، فانه فيما سبق كنا نتحدث عن السماعة التي توضع على الأذن والآن نقول اتضح الحال في وضع نفس جهاز الموبايل على الأذن فانه لا محذور فيه ، إذ ما يتصور كونه مانعاً هو الروايتان السابقتان ؛-
والرواية الأولى - اعني صحيحة عبد الرحمن - قد ورد فيها عنوان تغطية الأذن من جهة البرد فانه لا يجوز ، ووضع الجهاز على الأذن ليس تغطية لها ، ولا اقل يشك في كونه تغطية للأذن ، فلا يمكن التمسك آنذاك بهذه الرواية لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المفهومية أو المصداقية وكلاهما لا يجوز .
ولو تنزلنا وقلنا انه يصدق عنوان التغطية عرفاً ، ولكن مورد السؤال هو عن التغطية من البرد ووضع الجهاز على الأذن ليس تغطية تقي من البرد ، فحينئذ لا يكون مشمولا للرواية المذكورة - المانعة - .
وأما الرواية الثانية - اعني رواية سماعة - فقد تقدم أنها ضعيفة السند ، ومع التنزل فهي ناظرة إلى وضع القطن في الأذن ، وموردنا ليس فيه وضع للقطن في الأذن ، ومناسبات الحكم والموضوع لا يمكن تطبيقها ، فالقطن يسد المنافذ ولا يتسرب الهواء ولا البرد آنذاك بخلاف الجهاز على الأذن فانه لا يقوم بهذا الدور حتى نقوم بتحكيم مناسبات الحكم والموضوع .
نعم إذا كان الجهاز سنخ جهاز يقوم بالدور المذكور - أي بوضعه على الأذن يكون كالقطن في سد المنفذ والوقاية من الحر والبرد - تم ما ذكر ، ولكن الذي يهون الخطب هو ان الرواية ضعيفة السند كما ذكرنا .
الملاحظة الثانية :- هل يجوز للمحرم تغطية رأسه حالة النوم ؟
وهذا السؤال ينحل إلى سؤالين :-
الأول :- هل يجوز وضع الرأس على الوسادة حالة النوم ؟
والثاني :- لو جوزنا وضع الرأس على الوسادة ، فهل يجوز سحب البطانية مثلا على الرأس بشكل يستره في حالة النوم ؟
أما بالنسبة إلى السؤال الأول :- فقد أشرنا إلى جوابه فيما سبق ، ونكرر ونقول نعم يجوز لوجوه ثلاثة :-
الوجه الأول :- التمسك بروح الشريعة ، فانا نقطع بان الشريعة هي ذات لين وسمحة سهلة ولا نحتمل أنها تقول للمحرم ابق يقضاً ولا تنم وإذا أردت النوم فابق جالساً ولا تضع راسك على الأرض أو الوسادة .
وإذا قال قائل ان هذا تمسك بقاعدة لا ضرر أو لا حرج ؟
أجبنــا :- ان المسلم يقطع ان الشريعة لا يحتمل ان تمنع المحرم من النوم بقطع النظر عن مسالة الحرج ، ولو فرضنا ان فقيهاً لا يستفيد من لا ضرر أو لا حرج في الأحكام الضررية أو الحرجية كشيخ الشريعة الأصفهاني الذي يقول ان مفاد لا ضرر النهي التكليفي أي لا يجوز لك أنت ان تضر الآخرين أو ما شاكل ذلك ولا تدل على نفي الأحكام الضررية كما استفاد ذلك الشيخ الأعظم ، انه حتى مثل شيخ الشريعة لا يحتمل ان الإسلام بني على الصعوبة مع أتباعه بحيث يقول لهم لا تناموا أيها المحرمون حالة إحرامكم .
ونضيف شيئا وهو ان لا زم التمسك بلا حرج ولا ضرر الدوران مدار صدق ذلك - أي صدق الضرر والحرج - فمتى ما وصل الحد إلى الضرر والحرج كأن كان المحرم متعباً جدا ويقع في الضرر والحرج ما لم ينم ، فنقول له يجوز لك ان تنام ولكن بمقدار ارتفاع الضرر والحرج ، ان الاستناد إلى هاتين القاعدتين يلزم التقيد بهما بهذا الشكل ، وهذا غير محتمل أيضا .
إذن الدليل الأول هو القطع الخارجي.
الوجـه الثاني :- السيرة الخارجية فإنها قد انعقدت جزما في زمن المعصوم عليه السلام على النوم ولا نحتمل أنهم لم يكونوا ينامون على الوسادة أو على الأرض وإلا لكان ذلك ظاهرة بارزة تستحق النقل .
وذا قلت :- صحيحٌ ، نقبل هذه السيرة المتشرعية ، ولكن ما هو وجه حجيتها ؟
قلـت :- ما دمت قد فرضتها متشرعية فمعنى ذلك أنها متلقاة من الشرع وكان يفعلها مثل زرارة ومحمد بن مسلم ، فهم أما تلقوا فعلاً من الإمام عليه السلام يدل على ذلك أو تقريراً ، والفعل والتقرير هما سنة ، فتكون جحة ، وبالتالي تكون مخصصة لإطلاق ما دل على حرمة ستر الرأس للمحرم .
الوجه الثالث :- بعض الروايات كصحيحتي زرارة الآتيتين فانه سأل عن المحرم إذا أراد ان ينام هل يجوز ان يغطي رأسه ووجهه ، والإمام عليه السلام جوز تغطية الرأس في إحدى الروايتين ولم يجوزه في الأخرى ، انه يستفاد منهما ان وضع الرأس على الوسادة شيء جائز بلا كلام وإنما السؤال عن جواز تغطية الوجه والرأس .
وأما السؤال الثاني :- أعني سحب البطانية مثلا ، فالمناسب عدم الجواز ، بل قال في الجواهر[1] ( ان ذلك مما لا إشكال فيه ) -أي في عدم جوازه - ويمكن ان يقرر ذلك صناعيا :- بالتمسك بإطلاق صحيحة عبد الله بن ميمون حيث قالت ( إحرام الرجل في رأسه ) وهذا مطلق يشمل حالة النوم أيضا ، فلا يجوز سحب الغطاء وتغطية الرأس عند إرادة النوم بمقتضى هذا الإطلاق.
نعم توجد صحيحتان لزرارة إحداهما تجوز والأخرى تمنع :-
أما الرواية غير المجوزة فهي :- ( قلت لأبي جعفر عليه السلام ، الرجل المحرم يريد ان ينام يغطي وجهه من الذباب ؟ قال : نعم ، ولا يخمر رأسه ، والمرأة لا بأس أن تغطي وجهها كله )[2]
وأما الرواية الأخرى المجوزة فهي :- صحيحته عن احدهما عليهما السلام ( في المحرم ، قال : له أن يغطي رأسه ووجهه إذا أراد ان ينام )[3]
إذن واحدة تمنع والأخرى تجوز.
وهناك احتمالان في هاتين الروايتين:-
فيحتمل :- أنهما روايتان في موضوع واحد وهو تغطية الرأس إحداهما تجوزه والأخرى تمنع منه ، وبناءا على كونهما روايتين كما هو القريب يتعارضان ويتساقطان ونرجع آنذاك إلى إطلاق صحيحة ابن ميمون التي تقول ( إحرام الرجل في رأسه ) ويحتمل أنهما رواية واحدة لبعد سؤال زرارة مرتين في قضية واحدة ولكن خانته الذاكرة فنقل مرة على الإمام عليه السلام انه يجوز ونقل مرة أخرى انه لا يجوز ، أو ان الناقل عن زرارة المباشري أو غير المباشري حصل عنده اشتباه فنقل روايتين ، انه بناءا على هذا الاحتمال تصير الرواية واحدة ولكن لا يدرى ان الإمام عليه السلام أجاب بالجواز أو أجاب بالمنع ، فيسقط النقل المذكور عن الاعتبار ونأخذ بإطلاق صحيحة ابن ميمون القاضي بعدم الجواز .
إذن النتيجة لا تتغير سواء بنينا على أنهما روايتان أو رواية واحدة ، انه على كلا التقديرين نتمسك بصحيحة ابن ميمون لأنه بلا مزاحم .
ان قلت :- ان إحدى الروايتين يمكن التشكيك في سندها .
قلـت :- ان هذا لا يؤثر ما دامت الرواية الضعيفة السند هي المجوزة فانه ، فبالتالي تصير المانعة - التي هي صحيحة السند - داعمة لإطلاق صحيحة ابن ميمون وبذلك لا يتغير الحال .
نعم إذا كانت الضعيفة هي المانعة والصحيحة النسد هي المجوزة فحينئذ تتغير النتيجة كما هو واضح ، إذ تصير المجوزة مخصصة لإطلاق صحيحة ابن ميمون ، ولكن الظاهر ان سند كلتا الروايتين لا إشكال فيه وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية .
ان قلت :- انه إذا كانت هاتان روايتين فقد ذكرنا أنهما يتساقطان ونرجع إلى إطلاق صحيحة ابن ميمون ، ولكن قد تسال وتقول لماذا لا ندخل صحيحة ابن ميمون في المعارضة ، فلماذا نحيناها جانباً وأوقعنا المعارضة بين هاتين وبعد ان تساقطتا رجعنا إلى إطلاق صحيحة ابن ميمون
قلــت :- إننا أشرنا في بعض الأبحاث انه متى ما كانت لدينا روايات متعارضة وكان بعضها في رتبة واحد يعني يتعرض إلى موضوع معين بخصوصه واحدهما ينفي والآخر يثبت بينما البعض الآخر ليس ناظرا إلى ذلك الموضوع بخصوصه بل هو ناظر إلى ما هو أوسع فالسيرة قد جرت على تخصيص المعارضة بما كان في رتبة واحدة من دون إدخال ذلك الأعم في المعارضة ، ومقامنا من هذا القبيل ، فان صحيحتي زرارة ناظرتان إلى تغطية الرأس حالة النوم وإحداهما تجوز والأخرى تمنع فهما ناظرتان إلى موضوع واحد ، بينما صحيحة ابن ميمون ليست ناظرة إلى هذا الموضوع الخاص وإنما قالت ( إحرام الرجل في رأسه ) فهي ناظرة إلى قضية عامة ومطلقة ، فتختص المعارضة بما كان في رتبة واحدة ويكون ذلك المطلق مرجعا وليس طرفا في المعارضة ، وقد جرت سيرة الفقهاء على ذلك - أي تخصيص المعارضة بما كان في رتبة واحدة - وقد ذكرنا ان سيرة العقلاء التي هي مدرك الحجية لا يبعد ان تكون كذلك .
[1] الجواهر 18 - 388
[2] الوسائل 12 505 ب55 تروك الإحرام ح5
[3] الوسائل 12 507 ب 56 تروك الإحرام ح2