32/04/23
تحمیل
وفيه :- إنا لو سلمنا ما أفاده (قده) لكنه لا ينتج ما أراده ، حيث ذكر أن الصناعة تقتضي التخيير في نتف الإبط الواحد بين الشاة وبين إطعام ثلاثة مساكين ، بل نقول إن هذا المفهوم شيء محتمل وليس جزمياً ، يعني أن المنفي تعين الشاة عند نتف الإبط الواحد وتثبت شاة واحدة بنحو التخير ، يحتمل أن يكون كذلك أي ثبوت الشاة على نحو التخيير بينها وبين الإطعام ، ولكن في نفس الوقت يحتمل انتفاء الشاة رأساً ، إن المفهوم يلتئم مع الاثنين أي مع نفي الشاة بنحو كامل - أي بنحو التعيين وبنحو التخير - ويلتئم أيضا مع نفي الشاة بنحو التعيين مع ثبوتها بنحو التخير لا انه يلتئم فقط مع نفي التعيين وافتراض ثبوت التخير كما أراد (قده) ، انه لو كان المفهوم ينحصر بهذا كان لما أفاده وجه ، بيد أن المفهوم حيادي من هذه الناحية ، ومعه فلا يمكن أن نقول أن الصناعة تقتضي ذلك انه عند نتف الإبط الواحد تكون الكفارة مخيرة بين الشاة والإطعام بل إن ذلك شيء محتمل ولا يمكن أن يجزم به ويدعى انه مقتضى الجمع والصناعة ، بل يمكن أن نصعد اللهجة ونقول إن الصناعة تقتضي انتفاء الشاة مطلقا أي بنحو التعيين والتخيير عند نتف الإبط الواحد لا أنها تقتضي نفيها بنحو التعيين دون التخيير .
والوجه في ذلك:- إن ظاهر منطوق الرواية الأولى التي قالت ( إذا نتف الرجل إبطيه فعليه دم ) هو تعين الشاة عند نتف الإبطين ، وظاهر الرواية الثانية لابن جبلة تعين الإطعام عند نتف الإبط الواحد حيث قالت ( محرم نتف إبطه ، قال : يطعم ثلاثة مساكين ) ومع اختلاف الحكمين وظهور كل منهما في التعيين ، والمفروض أن الموضوع قابل للاختلاف ، فالأولى ناظرة إلى الإبطين ، والثانية قابلة لأن تكون ناظرة إلى الإبط الواحد ، فمع ظهور كل منهما في التعيين ، أي تعين الشاة في الإبطين والإطعام في الإبط الواحد فلا معنى لان يجمع برفع اليد عن الظهورين بالتعيين ويحملان على التخيير ، إذ المفروض أن الموضوع قابل لأن يكون مختلفا ، نعم إذا كان متحدا جزما فسوف نرفع اليد عن ظهورهما في التعيين ونحمله على التخيير ، إما بعد فرض إمكان اختلافهما في الموضوع ، فنحافظ على ظهور كل منهما في التعيين فتكون النتيجة كما أراد المشهور ، يعني أن الشاة تثبت عند نتف الإبطين أو نتف الواحد ، ونحمله على الإبط الواحد - بقرينة الظهور في تعين الإطعام يكون الثابت هو الإطعام ، وما أفاده بالتخيير لا وجه له إلا في حالة الجزم بوحدة الموضوع ، أما مع احتمال الاختلاف وظهور كل منهما في التعيين فلا معنى للجمع بالتخيير .
والنتيجة :- انه إذا فرض أن الوارد في الرواية الأولى هو الإبطان بنحو التثنية فالمناسب ما ذهب إليه المشهور، فان ظاهر الأولى تعين الشاة في الإبطين وظاهر الثانية تعين الإطعام في الإبط فيحمل الإبط على الواحد بقرينة تعين الإطعام فتكون النتيجة ما ذهبوا إليه ، وبالتالي يكون مفهوم الرواية الأولى هو نفي الشاة عند انتفاء نتف الإبطين وتحقق نتف الإبط الواحد تكون الشاة منتفية تعيينا وتخيرا لا أنها منتفية نعيينا لا تخييرا كما أفاد هو (قده) ، هذا كله فيما إذا كان الوارد هو كلمة (إبطين ) بنحو التثنية.
وإما لو ترددنا ولم ندر هل إن الوارد هو بالتثنية أو بالإفراد كما هو واقع الحال فان ما سبق كان مجرد افتراض علمي فانه بناءً على هذا يكون المناسب ثبوت التخيير في نتف الإبط الواحد بل في نتف الإبطين معا ، فان رواية ابن جبلة قد ورد فيها لفظ الإبط بنحو الإفراد وأثبتت إطعام ثلاثة مساكين والرواية الثالثة أيضا ورد فيها لفظ الإبط بنحو الإفراد والثابت فيها هو الشاة والموضوع واحد حسب الفرض وهو إبط بنحو الإفراد مع ظهور كل منهما في التعيين ، فنرفع اليد عن الظهور في التعيين ونحمل ذلك على التخيير ، فرواية ابن جبلة حينما ذكرت أن في نتف الإبط إطعاما نحمل ذلك على انه يجوز له الإطعام حيث أن الثالثة ذكرت الشاة ، والإنسان قد يتسامح فيذكر احد فردي التخيير ويسكت عن الفرد الثاني ، فيحمل الإطعام على التخيير وهكذا الشاة ، وأما الرواية الأولى فهي محايدة لان المفروض عدم الجزم بأن الوارد فيها هو لفظ ( الإبط ) بنحو الإفراد أو بنحو التثنية ، فيبقى ظهور الأخيرتين ليس معارضا للأولى والمفروض أن الموضوع واحد ،والظهور في الجزاء في التعيين ، فيحمل على التخيير كجمعٍ عرفي .
ونلفت النظر إلى إن السيد الخوئي (قده) ذكر من جملة كلماته أن الجمع بالحمل على التخيير مشروط باستبعاد ثبوتهما معا من الخارج إذ لو لم يكن كذلك لصار الجمع بالتخيير أشبه بالترجيح بلا مرجح ، إذ يمكن الجمع بكون هذا جزء الواجب والآخر هو الجزء الثاني له ، ولذلك نحتاج إلى ضميمة من الخارج في جميع موارد الجمع بالتخيير وهي ما ذكره (قده) .
والذي أريد قوله :- هو أن العرف يجمع بالتخيير بلا حاجة إلى هذه المقدمة ، فحتى لو كنا نحتمل من الخارج ثبوتهما معا فلا نحتاج إلى جزم من الخارج ، بل حتى لو كنا نحتمل ذلك فإننا نبني على التخيير.
والوجه في ذلك :- إن الإنسان العرفي قد يتسامح ويذكر احد فردي التخيير ويرجئ الفرد الآخر كما لو سألنا شخص وقال ( إني أفطرت على محلل ) فقلنا له اطعم ستين مسكينا وسكتنا عن البدل التخييري وهو صيام ستين يوما ، ولكن لا يتساهل الإنسان العرفي ويذكر بعض الواجب ويرجئ بيان البعض الآخر، كما لو سألني عن كفارة الإفطار على المحرم في شهر رمضان فان الواجب لو كان هو الجمع فلا يصح أن اذكر الإطعام واترك الفرد الآخر .
إذن نبني على التخيير فيما إذا اتحد الموضوع واختلف الحكم وكان ظاهر الحكم في التعيين ، انه نرفع اليد عن التعيين إلى التخيير بلا حاجة إلى استبعاد التعيين من الخارج .