جلسة 152
كفارات الصوم
الوجه الثالث: التمسّك بذيل صحيحة الحلبي المتقدّمة حيث جاء فيه: «... فإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر»، ثم قال: «إنّ أبي كان ليلة يصلّي وأنا آكل، فانصرف فقال: أمّا جعفر فأكل وشرب بعد الفجر، فأمرني فأفطرت ذلك اليوم في غير شهر رمضان» [1] ، فإنّ ما ذكر واضح في أنّ تناول المفطر بعد الفجر في غير شهر رمضان موجب للإفطار وعدم تحقق الامتثال.
ويرده: أنّ الصحيحة لو لوحظت بكاملها فيمكن تفسيرها بشكل آخر لا يتمّ معه المطلوب، وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ صاحب (الوسائل) ـ قدّس سرّه ـ قد قطّعها ووزعها على بابين [2] ، وهذا من أحد عيوب التقطيع، فالرواية إذا لوحظت كاملة فربّما يُفهم منها شيء مغاير لما يُفهم حالة التقطيع، وإذا لاحظنا المصادر الحديثية نجد أنّها ذُكرت بشكل كامل في (الكافي) [3] ، و(التهذيب) [4] ، و(الاستبصار) [5] ، مع اختلاف يسير بين المصادر المذكورة لا يؤثّر على المعنى، فقد ذكرها صاحب (الكافي) ـ قدّس سرّه ـ كما يلي: عن الحلبي، عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ أنّه سئل عن رجل تسحّر ثم خرج من بيته وقد طلع الفجر وتبيّن قال: «يتمّ صومه ذلك ثم ليقضه، فإن[6] تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر [7] أفطر»، ثم قال: «إنّ أبي كان ليلة يصلّي وأنا آكل فانصرف فقال: أمّا جعفر فقد أكل وشرب بعد الفجر، فأمرني فأفطرت ذلك اليوم في غير شهر رمضان».
ونلاحظ أنّه في المقطع الأول تعرّض ـ عليه السلام ـ لحكم المسألة في شهر رمضان، حيث أوجب إتمام الصوم والقضاء بعد ذلك، وفي المقطع الثاني تعرّض لحكم المسألة في غير شهر رمضان، فذكر أنّ الثابت هو الإفطار فقط، بمعنى عدم تحقق الامتثال به من دون ثبوت الإتمام، فإنّ ذلك خاصّ بشهر رمضان، ومن دون ثبوت القضاء أيضاً إذ ربّما يكون الصوم استحبابياً وآنذاك يتحقّق الإفطار من دون لزوم القضاء. نعم، قد يكون الصوم قضائياً أو بنحو الكفّارة وآنذاك يجب الإتيان بصوم يوم آخر، ولكن لا بعنوان القضاء، بل لأنّه لم يتحقق الامتثال بالأوّل فيلزم تحقيقه بالثاني.
وتبقى الصحيحة دالة على أنّ من تناول المفطر بعد الفجر في غير شهر رمضان فصومه باطل، وهذا هو المدّعى الذي نريد إثباته، فالصحيحة تامّة الدلالة على المطلوب. هكذا يمكن أن يُدعى.
ولكن يمكن الجواب بأنّ المقطع الأول ناظرٌ إلى شهر رمضان، وهو وإن دلّ على لزوم القضاء ولكن بقرينة موثقة سماعة خصّصنا ذلك بحالة عدم المراعاة، وكلّ الفقهاء الذين قبلوا موثقة سماعة قيّدوا المقطع الأوّل في صحيحة الحلبي الناظر إلى شهر رمضان بحالة عدم المراعاة، وإذا قبلنا هذا فسوف يكون تقيّد المقطع الأوّل في صحيحة الحلبي بحالة عدم المراعاة موجباً لتقيّد المقطع الثاني، فكلا المقطعين يكون خاصّاً بحالة عدم المراعاة، ولا أقل من إجمال المقطع الثاني لاحتفافه بما يصلح للقرينية على التقييد، فكما أنّه في شهر رمضان يكون الإفطار بعد الفجر موجباً للقضاء فيما إذا لم تتحقّق المراعاة يلزم أن يكون الحكم بالإفطار فيمن تسحّر بعد الفجر في غير رمضان خاصّاً بحالة عدم المراعاة أيضاً، وهذا ليس هو المدّعى، إذ المدعى أنّ الحكم في غير شهر رمضان يختلف عنه في شهر رمضان، فمن تناول المفطر بعد الفجر في غير شهر رمضان يبطل صومه حتى مع المراعاة، بخلافه في شهر رمضان فإنّ الإفطار يختصّ بحالة عدم المراعاة.
وبالجملة: إنّ صاحب (الوسائل) ـ قدّس سرّه ـ ذكر المقطع الثاني مستقلاً عن المقطع الأوّل، فإذا أخذ المقطع الثاني بانفراده يمكن أن يُفهم منه الإطلاق في قوله ـ عليه السلام ـ: «.... فإن تسحّر في غير شهر رمضان بعد الفجر أفطر»، أي سواءً راعى أم لم يراعِ فصومه باطل. ولكن إذا نظرنا إلى هذا المقطع منضمّاً إلى المقطع الأوّل الوارد في شهر رمضان فهو وإن كان مطلقاً وحكم فيه بالإتمام والقضاء من دون تفصيل بين المراعاة وعدمها، ولكن حيث قُيّد المقطع المذكور بخصوص حالة عدم المراعاة بقرينة موثقة سماعة فسوف لا ينعقد الإطلاق في المقطع الثاني لاحتفافه بما يصلح للقرينة.
وبهذا اتضح أنّ الوجوه الثلاثة قابلة للمناقشة بأجمعها.
والأولى أن يتمسك بوجه آخر، وهو موثقة إسحاق بن عمّار، قال: قلت لأبي إبراهيم ـ عليه السلام ـ: يكون عليّ اليوم واليومان من شهر رمضان فأتسحّر مصبحاً، أفطر ذلك اليوم وأقضي مكان ذلك يوماً آخر، أو أُتم على صوم ذلك اليوم وأقضي يوماً آخر؟ فقال: «لا، بل تفطر ذلك اليوم لأنّك أكلت مصبحاً، وتقضي يوماً آخر» [8] ، فإنّها واضحة في أنّ من تناول المفطر بعد الفجر في الصوم القضائي فصومه باطل ويجب عليه الإتيان بيوم آخر مكانه، ولكنّها خاصّة بالصوم القضائي ولا تعمّ غيره. إلاّ أنّه يمكن التغلّب على ذلك بالتمسّك بعموم التعليل، فإنّه ـ عليه السلام ـ علل بقوله: «لأنّك أكلت مصبحاً»، وهذه العلّة لا تختصّ بالصوم القضائي بل تعمّ غيره كما تعم حالة المراعاة أيضاً، غايته خرج شهر رمضان بالدليل الخاصّ، وهو موثقة سماعة.
إذن حكم المشهور على هذا الأساس يكون وجيهاً.
نعم، إذا كان الصوم صوماً معيناً كالمنذور المعيّن فمقتضى الاحتياط إتمامه ثم القضاء بعد ذلك، بخلاف غير المعيّن فإنّه لا يحتاج إلى إتمام.
ووجه الاحتياط إمّا صحيحة معاوية بن عمّار المتقدمة [9] فإنّها كما قلنا صالحة لشمول الصوم المعين، أو أن يُدعى أنّ نفس تعيّن الصوم في ذلك اليوم يدعو إلى الاحتياط بإتمامه لفرض تعيّنه بذلك.
هذا كلّه في المورد الرابع من الموارد الخمسة التي يجب فيها القضاء.
_________________________
[1] الوسائل 10: 116 ـ 117، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب45، ح1.
[2] حيث ذكر صدرها في الباب 44 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ح1 ص115، وذيلها في الباب 45 من نفس الأبواب ح1 ص116 ـ 117.
[3] الكافي 4: 98/ 1.
[4] التهذيب 4: 235/ 5.
[5] الاستبصار 2: 152/ 2.
[6] في التهذيب والاستبصار: وإن تسحّر... .
[7] في التهذيب: بعد طلوع الفجر... .
[8] الوسائل 10: 117، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب45، ح2.
[9] الوسائل 10: 118، أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك، ب46، ح1.