33-12-22
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
33/12/22
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 354 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
حكم الساهي:-
وأما حكم الساهي فقد اتضح من خلال ما سبق فإن الروايات الأربع السابقة قد دلت على أنه لا شيء عليه ويتم عمله وهذا مطلب واضح والظاهر أنه لا خلاف فيه بين الفقهاء وإنما الكلام في نقطتين جانبيتين:-
النقطة الأولى:- هل أن الشخص المذكور بعد أن التفت إلى أنه أحرم قبل التقصير عليه يتدارك ما سبق بمعنى أنه يقصّر ثم يشرع من جديد في إحرام الحج ؟ أو أنه يواصل طبق إحرامه الذي حصل منه قبل التقصير بلا حاجة إلى إعادة التقصير ثم إعادة الإحرام بعد ذلك ؟
والجواب:- يظهر من كلمات السيد الخوئي(قده) في التقرير أنه يحتاج إلى ذلك ، فالعمرة محكومة بالصحة ولا تفسد خلافاً لحالة العمد غايته أن عليه التقصير حيث لم يقصّر ثم يعيد إحرامه.
وهذا محل تأمل واضح:- فإن الروايات الأربع قد حكمت بأنه يتم ويستغفر الله عز وجل ولا شيء عليه فلو كان التقصير لازماً ومن ثم عليه إعادة الإحرام كان على الامام عليه السلام التنبيه على ذلك والحال أنه لم ينبه عليه فسكوته وحكمه بأنه لا شيء عليه يدل على أنه يمضي على إحرامه الذي حصل منه . والغريب أنه(قده) في باب العمد - أي لو أحرم قبل التقصير عامداً قد حكم بأن الإحرام الثاني صحيح لأن سكوت الامام عليه السلام يدل على الإمضاء فما عدى مما بدى بأن حكمت بأن الإحرام الثاني صحيح في العمد ولم تقبل بذلك في حالة السهو والحال أنه يوجد تأكيد أكثر في حالة السهو بأنه لا شيء عليه !!
وعلى أي حال لم ينقل خلاق في هذه المسألة أي لم ينقل من أحد أن على المكلف التقصير ثم إعادة الإحرام فمن المحتمل أن هذا قد صدر هفوة من المقرر وإلّا فصدوره منه(قده) شيء بعيد.
النقطة الثانية:- إنه ورد في موثقة أو صحيحة اسحاق بن عمار أن ( عليه دم يهريقه ) بينما ورد في صحيحة معاوية أنه ( لا شيء عليه ) فيحصل تهافت بين الفقرتين فماذا نفعل ؟
قد يقال:- إن ما ورد في صحيحة معاوية من قبيل العام أو المطلق ، يعني إن المقصود هو أنه لا شيء عليه من حيث العقاب ولا شيء عليه من حيث الإعادة والقضاء ولا شيء عليه من حيث الكفارة ، فتعبير ( لا شيء عليه ) له جنبة شموليّة وعموم فيخصَّص بالرواية الثانية وتصير النتيجة هي أنه لا شيء عليه من سائر الحيثيات غير حيثية الكفارة أما من ناحية الكفارة فتجب عليه ، فرواية اسحاق تصير مخصصة لعموم ( لا شيء عليه ) وبذلك حافظنا على ظهور رواية اسحاق التي قالت ( عليه دم يهريقه ) في الوجوب ولكن أعملنا المجازيَّة في صحيحة معاوية وذلك بتخصيص العموم.
وفي المقابل قد يبرز احتمال آخر وهو أن يقال:- إن المناسب حمل رواية اسحاق على الندب فانها أظهر في ذلك بعد ورود ( لا شيء عليه ) في صحيحة معاوية بن عمار فنتصرف في ظهور رواية اسحاق وذلك بالحمل على الاستحباب من دون تصرف في ظهور صحيحة معاوية.
إذن يوجد احتمالان في المقام وهذا ما يصطلح عليه بتعارض الأحوال - أي يحصل تعارض بين هذه الحالة وهي تخصيص العموم في صحيحة معاوية كما هو مقتضى الاحتمال الأول وبين الحال الثاني وهو التصرف في ظهور ( عليه دم يهريقه ) بالحمل على الاستحباب - وذكروا في باب تعارض الأحوال عدة مرجِّحات لتقديم هذا على ذاك أو بالعكس وقد أطال صاحب القوانين(قده) الكلام فيها ولكن كلها استحسانات والمرجح ليس إلا الظهور ، وقد عقد صاحب الكفاية(قده) أمراً قصيراً في مقدمات الكفاية باسم ( تعارض الأحوال ) قال فيه بأنهم ذكروا وجوها لتقديم هذا على ذاك وكلها استحسانية وانهى الموضوع.
وقد يقال بتقديم الاحتمال الأول وقد يقال بتقديم الاحتمال الثاني ، وقد اختلف كلام صاحب الجواهر ففي موردٍ قدّم الاول وفي مورد آخر قدم الثاني ، فمثلا قال في موردٍ بتقديم الاحتمال الأول - أي قال بتخصيص العموم وتصير النتيجة هي وجوب الكفارة فقال ما نصه ( لقاعدة التخصيص التي هي أولى من الحمل على الندب إن لم يكن المراد من نفي الشيء بالأوّل العقاب )
[1]
، وقوله ( إن لم يكن المراد نفي العقاب ... ) إشارة إلى أنه لو كان المقصود من قوله عليه السلام ( لا شيء عليه ) في صحيحة معاوية نفي العقاب فقط فلا نحتاج آنذاك الى فكرة التخصيص بل كل منهما يتعرض إلى قضية غير التي تتعرض إليها الأخرى فصحيحة معاوية ناظرة إلى العقاب فلا عقاب عليه وموثقة اسحاق ناظرة إلى أن عليه دم . إذن نحتاج إلى التخصيص فيما إذا قلنا أن ( لا شيء عليه ) يقصد منه العموم لا أن يقصد منه نفي العقاب.
وعلى أي حال هذا الذيل ليس مهمّاً وإنما المهم هو أنه قال إنا نعمل التخصيص ، ولماذا ؟ قال:- لأنه أولى من حمل ( عليه دم ) على الندب والاستحباب.
ولكن في موضع آخر ذكر أن حمل موثق اسحاق على الاستحباب أظهر بل هو المشهور بينهم فيرجّح حينئذ على مجاز التخصيص
[2]
. إذن اختلف كلامه(قده).
والذي نقوله:- إن المورد ليس من هذا ولا ذاك فإن فقرة ( لا شيء عليه ) دالة على نفي الكفارة بنحو القدر المتيقن فالقدر المتيقن عرفاً من ( لا شيء عليه ) نفي الكفارة - إن لم نفهم نفي الكفارة فقط فلا أقل نفي الكفارة يكون هو القدر المتيقن - وما دام قدراً متيقناً فلا معنى حينئذ لتطبيق فكرة التخصيص إذ أن تخصيص القدر التيقن واخراجه من العموم خلف كونه قدراً متيقناً ، والامر واضح جداً .
إذن ادخال المقام في مسألة تعارض الأحوال ليس في محلّه بعد الالتفات إلى أن نفي الكفارة هو قدر متيقن من فقرة ( لا شيء عليه ) ، وبهذا اتضح أن الكفارة ليست بواجبة . نعم من باب الاحتياط الاستحبابي فهي شيء جيد ، ومن الغريب أن الذي يظهر من عبارة السيد الماتن(قده) أن الاحتياط وجوبي ، ولكن المناسب أن يكون استحبابياً بعد البيان الذي أشرنا إليه.
بقي شيء:- وهو أنه (قده) لم يتعرض إلى حكم الجاهل وإنما تعرض إلى حكم العامد والناسي وكان من المناسب عقد المسألة من البداية بلحاظ الجاهل وصبّ الأضواء عليه ثم يلحق به العامد فإن الحالة المتعارفة هي حالة الجهل فالذي يحرم للحج قبل التقصير يصدر منه ذلك عن جهل عادةً وإلّا فصدوره عن عمدٍ فهو شيء بعيد ، فكان من المناسب تسليط الأضواء على الجاهل ثم نقول:- ومنه يتضح حال العامد وأن حكمه كذا بالأولوية مثلاً لا أنه يذكر حال العامد ويسكت عن الجاهل.
والمناسب أن يكون حكم الجاهل حكم العامد وذلك باعتبار أن الروايتين السابقتين - أعني رواية الفضيل بن العلاء وموثقة أبي بصير - هما شاملتان لجميع أفراد المكلف - أي العامد والجاهل والناسي - وأخرجنا الناسي بالروايات الأربعة فالجاهل مشمول لهما ، ونحن حاولنا من البداية أن نجعلها غير ناظرة إلى العمد وهذا الكلام نحن قلناه ولكن الآن نحن نمشي على مسلكه(قده) فالروايتان شاملتان للعامد والجاهل فحكم الجاهل حكم العامد فكان من المناسب له أن يعقد المسألة في الجاهل ثم يقول ( وبالأولى يكون حكم العامد كذلك ).
وهناك شيء آخر:- وهو أن المكلف أحياناً قد ينسى ويحرم قبل السعي أو قبل إكمال السعي أو قبل إكمال الطواف كما لو فرض أن شخصاً رأى الطواف أو السعي متعباً له فتركه في نصفه فإذا ترك الطواف أو السعي من النصف أو من البداية وأحرم بعد ذلك للحج فما هو حكمه في هذه الحالة فإنه إن لم يحرم يأتي بالطواف وبالسعي ثم يقصّر ثم يحرم للحج أما لو فرض أنه أحرم للحج قبل إكمال الطواف أو السعي أو تركهما فما هو الحكم ؟ وهذا لم يتعرض إليه(قده) فما هو المناسب ؟
والجواب:- إن الروايتين السابقتين ناظرتان إلى من أكمل الطواف والسعي ولكنه قبل أن يقصّر سهى أو تعمد فأحرم أما إذا فرض أنه ترك قسماً من السعي أو كلّه أو بعض الطواف أو كلّه وأحرم للحج فهذا ليس مشمولاً للروايتين إذ هما قاصرتان عن الشمول لذلك فنتمسك آنذاك بمقتضى القاعدة وهي تقتضي أنه مع سعة الوقت يلزم الإتيان بما لم يأتِ به ويواصل ويقصّر ثم بعد ذلك يحرم للحج.
[1] الجواهر 20 456.
[2] الجواهر 18 251.