33/08/05
تحمیل
الموضـوع:- مسـألــة ( 343 ) / أحكــام السـعي / الواجـب الرابـع مـن واجبـات عمـرة التمـتع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وبعد اتضاح كل هذا نعود إلى الروايات لنرى ماذا تقتضي ؟
وفي هذا المجال نقول:-
أما الصحيحة الأولى
[1]
:- فهي واضحة الدلالة في أن التأخير إلى الغد لا يجوز فانه سأل ( عن رجل طاف بالبيت فأعيا أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة إلى غد ؟ قال:- لا ) إذن دلالتها على عدم جواز التأخير إلى غدٍ في حق من أعيا فضلاً عما إذا لم يكن كذلك لا تأمل فيها. ضح.
بيد أن الرواية الثانية
[2]
التي جاء فيها ( سألته عن الرجل يقدم مكة وقد اشتد عليه الحرّ فيطوف بالكعبة ويؤخر السعي إلى أن يبرد ؟ فقال:- لا بأس به ) قد يدعى بأنها تدل على جواز التأخير شريطة وجود العذر كالحرّ فلو فرض أنه يوجد العذر المذكور فيجوز التأخير أما إذا لم يكن هناك عذر من القبيل العذر المذكور فلا يجوز التأخير وبذلك تكون منافية للرواية الأولى فان الأولى لم تجوّز التأخير إلى غدٍ حتى إذا كان له عذر بينما هذه يستفاد منها أن التأخير إنما يجوز فيما إذا كان هناك عذر دون ما إذا لم يكن ، يعني حتى إذا فرض أن الغد بعدُ لم يتحقق كما إذا طاف الشخص عصراً فلا يجوز له أن يؤخّر الطواف إلى الليل لأجل أن هذه الرواية جوّزت عند وجود العذر فإذا لم يكن هناك عذر - مثل الحرّ - فلا يجوز التأخير وبالتالي يحصل تقييد وتضيق آخر غير مسألة الغد فالتأخير إلى الغد لا يجوز بل لا يجوز حتى التأخير قبل عنوان الغد مادام لا يوجد عذر وإنما الذي يجوز هو ما إذا فرض وجود عذرٍ . هكذا قد يتصور.
والجواب:- إن هذا وجيه فيما إذا فرض أن القيد المذكور كان مأخوذاً في كلام الامام عليه السلام بأن كان يقول ( إذا اشتد الحر على الطائف فيجوز تأخير السعي إلى أن يبرد ) فانه في هذه الحالة يمكن أن ينعقد مفهوم ما دام القيد قد ورد في كلام الامام فلا يجوز حينئذ التأخير إذا لم يكن هناك عذر حتى قبل الغد ، ولكن المفروض أن القيد المذكور قد ورد في لسان السائل فهو قد سأل عن هذه الحالة وكان من المناسب للإمام عليه السلام أن يجيبه بالجواز ولكن هذا لا يعني أنه إذا لم يكن له العذر المذكور فلا يجوز التأخير ، كلا ان المفهوم لا ينعقد مادام القيد قد ورد في كلام السائل ، وهذا مطلب واضح وحاصله ان المفهوم انما ينعقد فيما إذا كان القيد وارداً في كلام الامام دون كلام السائل ، وهذا مطلب نذكره بشكل عام . نعم ربما تكون له شواذ لخصوصيات في المقام ولكن بشكل عام الأمر كما ذكرنا . وعليه فيبقى القيد واحداً وهو أنه لا يجوز التأخير إلى الغد أما قبل أن يحلّ الغد فيجوز سواء كان هناك عذر أو لا.
وتبقى الرواية الثالثة التي جاء فيها ( سألت أحدهما طاف بالبيت فأعيا أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة ؟ قال:- نعم ) فانها كالسابقة ، أي أن القيد قد ورد في كلام السائل فلا ينعقد لها مفهوم.
نعم كلتا الروايتين بمقتضى اطلاقهما تدلان على أن صاحب العذر يجوز له التأخير حتى ولو تجاوز العذر الغد فان مقتضى الإطلاق هو ذلك ولكن نطبّق قانون الإطلاق والتقييد وتصير النتيجة هي أن التأخير إنما يجوز فيما لو لم يطرأ عنوان الغد والّا فلا يجوز . هذه هي النتيجة التي لابد وأن ينتهى إليها من خلال الروايات والتي أفتى المشهور على طبقها.
إن قلت:- ان هذا القيد - أعني قيد أن لا يطرأ الغد - سوف يلغي خصوصية العذر - أي خصوصية الاعياء - والحال أن كلتا الروايتين قد أخذتا هذا العنوان.
والجواب:- إن المفروض أن القيد لم يأخذه الامام عليه السلام حتى يقال إن ظاهر أخذ الامام له وجود خصوصية له ، كلا بل ما دام قد أخذ في كلام السائل ولم ينعقد له مفهوم فوجوده كعدمه.
نعم تبقى مشكلة لابد من علاجها:-وهي أنه لو لاحظنا رواية العلاء بن رزين - التي هي بيت القصيد والمهم في المقام - لوجدنا أن فيها مشكلة وهي أن الرواية الثالثة التي رواها محمد بن مسلم يمكن أن نقول هي عين رواية العلاء فان رواية العلاء كما ذكرنا قد رواها الشيخ الصدوق بسنده إلى العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم ، نعم الكليني والشيخ لم يروياها عن محمد بن مسلم ولكن الصدوق رواها بسنده الى العلاء عن محمد بن مسلم ومضمون السؤال واحد ( شخص طاف فأعيا ) ومن البعيد أن محمد بن مسلم سأل الامام مرتين عن واقعة واحدة إلا إذا طرأ عليه نسيان ، فما دمنا نحتمل بدرجة وجيهة - ولا نريد أن ندعي الجزم- أن الرواية واحدة فعلى هذا الأساس نقول:- حيث لا يُعلم أن الصادر من الامام عليه السلام هو الأول أو الثاني فان الصادر في الرواية الأولى هو عدم جواز التأخير إلى الغد بينما الصادر في الرواية الثانية أنه يجوز التأخير من دون تقييد بالغد فقيد ( الغد ) وأنه لا يجوز التأخير إلى غدٍ سوف لا يمكن الجزم بصدوره من الامام عليه السلام إذ لعل الجواب الصادر منه هو الثاني - أي ( سألت أحدهما عن رجل طاف بالبيت فأعيا أيؤخر الطواف بين الصفا والمروة ؟ قال:- نعم ) - فالصادر هو جواز التأخير من دون تقييد إلى الغد والمفروض كما قلنا مراراً أن السيرة العقلائية لا نجزم بانعقادها على الحكم بالتعدد في موارد وجاهة احتمال الوحدة.
ولا يمكن أن يرد علينا رادّ قائلاً:- إن ما ذكرته مجرد احتمال أي يحتمل ان تكون الرواية واحد ولا نجزم بالوحدة.
فإنا نجيب:- إنا لا نريد الجزم بالوحدة بل ندعي الاحتمال ولكن إذا كان احتمال الوحدة بدرجة وجيهة فلا نجزم بانعقاد السيرة على الحكم بالتعدد والمدرك للحكم بالتعدد ليس إلا السيرة إذ لا دليل على ذلك ، ولا يبقى مخلص من هذه المشكلة إلا أن يدعى أنه يوجد ما يبعد احتمال الوحدة وذلك باعتبار أن السؤال في الأخيرة لم يؤخذ فيه عنوان الغد بل السؤال عن أصل التأخير وأن من أعيا هل يجوز له التأخير أو لا ؟ فلم يذكر عنوان الغد ، بينما الرواية الأولى كان السؤال فيها عن التأخير إلى الغد فما أخذ في السؤال في إحدى الروايتين لم يؤخذ في الرواية الأخرى الأمر الذي يقرّب أن محمد بن مسلم قد سأل مرتين من دون تكرار فمرة سأل عن أصل جواز التأخير لمن أعيا فقال عليه السلام ( نعم ) ومرة ثانية سأل عن جواز التأخير لمن أعيى إلى الغد بحيث أضاف قيد الغد فأجاب عليه السلام بالنفي وأنه لا يجوز . إذن لا يلزم حصول تكرار في سؤال محمد بن مسلم ، وهذا مما يقرب التعدد.
وهناك قرينة ثانية قد تساعد على التعدد وهي أن الجواب في إحدى الروايتين بـ( لا ) بينما الجواب في الثانية بـ( نعم ) ، فعلى هذا الأساس يوجد ما يقرّب التعدد ومعه لا موجب لدعوى إجمال ما هو الصادر عن الامام عليه السلام ، فان تمّ هذا الذي ذكرناه وكان موجباً لقوّة احتمال التعدد فلا محذور آنذاك لما صار إليه المشهور ونحكم بأن التأخير إلى الغد لا يجوز ، وأما إذا فرض أن ما ذكرناه لم يكن مقنعاً فلا يمكن حينئذ المصير إلى ما صار إليه المشهور بل المناسب أن نصير إلى الاحتياط فنقول ( الأحوط عدم جواز التأخير إلى الغد ) ولا نحكم بذلك بنحو الفتوى باعتبار أن صحيحة العلاء حصلت فيها خدشة ولكن ليست تلك الخدشة قد اسقطتها عن الاعتبار بشكل كامل حتى نترك المصير إلى الاحتياط.
والخلاصة من كل هذا:- إن التأخير إلى الغد إن لم يجز بنحو الفتوى فالمناسب أن يصار إليه بنحو الاحتياط.
[1] أي صحيحة العلاء بن رزين.
[2] أعني صحيحة ابن سنان.