33/07/29
تحمیل
الموضوع:- تكملة مسألة ( 340 ) ، ( 341 ) / أحكام السعي/ الواجب الرابـع من واجبات عمرة التمتع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
النفطة الثالثة:- إذا فرض أن المكلف ترك السعي عمداً فلا يبعد أنه يبطل إحرامه بشكل قهري - أي بلا حاجة إلى قلبه إلى عمرة مفردة أو إلى حج إفراد بل بمجرد أن يفوت السعي بحيث لا يمكن الإتيان به بشكل صحيح فيبطل الإحرام وينحل - وقد تقدم وجه لك في بعض الأبحاث السابقة وحاصله كما أشار إليه صاحب الجواهر
[1]
هو أن مطلوبية أجزاء الحج أو العمرة مطلوبية ارتباطية ، يعني أن كل جزء هو مطلوب شريطة انضمامه إلى بقية الأجزاء وأما إذا لم ينظم إليها فهو من البداية لا يقع مطابقاً للأمر إذ لا أمر به فان الأمر قد تعلّق به بنحو الحصة - أي السعي المقترن ببقية الأجزاء - لا السعي المطلق فإذا فرض أن بقيّة الأجزاء لم تتحقق فذلك يكشف عن عدم وقوع الإحرام صحيحاً منذ البداية فهو لم ينعقد حتى يحتاج إلى محلل.
نعم هو قد انعقد انعقاداً ظاهرياً ولكن بعد عدم انضمام بقيّة الأجزاء - أعني السعي - فذلك يكشف عن عدم مطلوبيته فيكون باطلاً في حدّ نفسه بلا حاجة إلى محلل.
النقطة الرابعة:- الأحوط الأولى العدول إلى الأعم من حجّ الإفراد والعمرة المفردة فيأتي ببقيّة الأعمال التي تتناسب مع هذين العملين فانه في النقطة السابقة وإن انتهينا إلى الانحلال القهري وانكشاف بطلان الإحرام من البداية ، ولكن حيث نحتمل أن الشرع في مثل هذه الحالة يريد اكمال العمل من خلال اتمامه حجّ إفرادٍ أو عمرةٍ مفردةٍ حيث نحتمل ذلك واقعاً وهذا الاحتمال ليس هناك ما يثبته فلذلك لا نصير إلى الفتوى به أو الى الاحتياط الوجوبي وإنما هو مجرد احتمال واقعي فمن المناسب آنذاك المصير إليه بنحو الاحتياط الاستحبابي ، وهذا شيء جيد وقد صار إليه (قده) في أكثر من مورد.
مسألة ( 341 ):- لو ترك السعي نسياناً أتى به حيثما ذكره وان كان تذكره بعد فراغه من أعمال الحج فان لم يتمكن منه مباشرة أو كان فيه حرج ومشقة لزمته الاستنابة ويصح حجّه في كلتا الصورتين.
..........................................................................................................
محصل المسألة واضح وهو يرتبط بناسي السعي خلافاً لما تقدم فانه كان ناظراً إلى من تعمّد ترك السعي ، وبالنسبة إلى الناس يقال بنحو مختصر أنه متى ما تذكّر أتى به بالمباشرة وان لم يمكنه أو كان حرجاً فبالنيابة.
وقد تعرض إلى ذلك صاحب الشرائع حيث قال ( السعي ركن من تركه عامداً بطل حجّه ولو تركه ناسياً وجب عليه الإتيان به فان خرج عاد ليأتي به فان تعذر عليه استناب فيه ) وهو نفس ما أشار إليه السيد الماتن ، وعلقّ صاحب الجواهر بقوله ( بلا خلاف أجده في شيء من ذلك بل عن الغنية الإجماع عليه )
[2]
. إذن من حيث الفتوى لا خلاف في الحكم المذكور.
وإذا رجعنا إلى الروايات وجدنا روايتين صحيحتين في هذا المجال
[3]
احداهما لمعاوية بن عمار والثانية إلى محمد بن مسلم.
أما الصحيحة الأولى:- فهي لمعاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( قلت له رجل نسي السعي من الصفا والمروة ، قال:- يعيد السعي ، قلت:- فانه خرج ، قال:- يرجع فيعيد السعي ان هذا ليس كرمي الجمار ان الرمي سنّة والسعي بين الصفا والمروة فريضة )
[4]
فانها دلّت على لزوم الإتيان به.
وأما الصحيحة الثانية:- فهي لمحمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام ( سألته عن رجل نسي أن يطوف بين الصفا والمروة ، قال:- يطاف عنه )
[5]
.
إذن إحدى الروايتين قالت يأتي بالسعي متى ما نساه - أي بنفسه -والثانية قالت ينيب شخصاً ليسعى عنه ، وهذا المقدار كما ترى لا يدل على تلك الفتوى المشهورة لأن الفتوى المشهورة قالت ( ان أمكنه أتى به بنفسه والّا أناب ) بينما الروايتان فأحدهما تقول يأتي به والأخرى تقول يستعين بالنائب وهذا ليس هو التفصيل المنسوب إلى المشهور ، فكيف نستفيد التفصيل المشهور بعد عدم دلالة الروايتين عليه ؟
وعلى أي حال قد يستدل على وجوب التدارك إذا أمكنه بنفسه - بقطع النظر عن الروايات - بوجوه أخرى:-
الوجه الأول:- ما أفاده صاحب المدارك
[6]
حيث ذكر أن ذلك هو مقتضى توقف الامتثال عليه ، يعني أنه مأمور بالعمل المشتمل على السعي ولأجل أن يتحقق امتثال ذلك فلابد وأن يأتي بالسعي بنفسه - أي لو أمكنه - بلا حاجة إلى رواية حيث قال:- ( أما وجوب الاتيان به مع النسيان والعود لاستدراكه فظاهر لتوقف الامتثال عليه ، ولما رواه معاوية بن عمار .... ) . إذن هو يريد أن يقول ان هذا الحكم يمكن أن نصير إليه بلا حاجة إلى رواية فالرواية تدل عليه والقاعدة تقتضيه ويقصد من القاعدة هو توقف الامتثال عليه.
وجوابه:- ان هذا تام إذا فرض أنه لم يَفُتْ موقعه الشرعي المناسب أما إذا فات - كما هو محل الكلام بأن تذكره بعد أن فرغ من كل الاعمال وأراد السفر إلى بلده - فلو لم يكن عندنا رواية فلا يمكن أن نقول يلزمه الاتيان به الآن لتوقف الامتثال عليه إذ نقول هذا ليس بامتثال فان الامتثال يتحقق لو أتي به في الموقع المناسب والمقرر له والاتيان به بعد تمام الأعمال مثلاً ليس اتياناً به في الموقع المناسب فلا يمكن أن يكون هو مقتضى القاعدة ، بل القاعدة تقتضي وجوب اعادة العمل - الحج أو العمرة - في السنة الثانية لا أنه يأتي بالسعي متى ما ذكر.
الوجه الثاني:- وقد يستدل على لزوم الإتيان به متى ما تذكر بما ذكره صاحب الجواهر حيث قال ( مضافاً إلى الأصل ورفع الخطأ والنسيان والحرج والعسر وحسن معاوية وصحيح ابن مسلم المتجه الجمع بينهما بما عرفت )
[7]
، فالوجه الأول عنده على ما ذكره هو الإجماع الذي ادعاه صاحب الغنية ، ومضافاً له يدل عليه الأصل و ... و ... ، ولعل مقصوده من الأصل بعد الالتفات إلى أنه جعله عِدلاً لرفع الخطأ والنسيان هو التمسك بفقرة ( ما لا يعلمون ) يعني أصل البراءة ، فيريد أن يقول نتمسك بفقرة ( ما لا يعلمون ) وذلك إذا كان جاهلاً أو بفقرة رفع النسيان إذا كان ناسياً أو بفقرة رفع الخطأ إذا كان مخطئاً .... ، ويحتمل أن مقصوده هو التمسك بـ( رفع ما لا يعلمون ) لإثبات عدم وجوب الاعادة بل يكفيه هذا إذ لا نعلم بوجوبها فيرتفع وجوبها بحديث ( رفع ما لا يعلمون ).
وعلى أي حال قد أشرنا في أبحاث سابقة إلى أن هذه الفقرات لا يمكن التمسك بها فان اللازم بحكم العقل بعد أن فرض أن المكلف لم يأتِ بالمأمور به على وجهه هو لزوم الاعادة بضرس قاطع لا أن هناك شكاً حتى تصل النوبة إلى حديث ( رفع ما لا يعلمون ) بل لا شك هنا . نعم لو كان حديث الرفع يثبت الاجزاء وأن المأتي به يجزي عن المأمور به ما دام المكلف جاهلاً أو ناسياً أو غير ذلك ، ولكن أجبنا غير مرة أن حديث الرفع هو حديث رفع لا إثبات . إذن لا معنى للتمسك بحديث ( رفع ما لا يعلمون ) أو رفع الخطأ أو رفع النسيان .
وهكذا الكلام بالنسبة إلى قاعدة نفي العسر والحرج فانها قاعدة نافية لا قاعدة مثبتة ، أي أنها لا تقول ( ان ما أتيت به هو مجزٍ عن المأمور به ) ، نعم هي تقول ( لو لم يمكنك أو كان عليك عسر في الاعادة فلا تجب ) لا أن ما أتيت به مجزٍ ، وعليه يكون التمسك بالوجوه المذكورة في غير محلّه ، وإنما المناسب هو التمسك بالرواية مثل صحيحة معاوية التي دلّت على أنه يأتي به متى تذكر.
وأما اذا لم يمكنه فيستعين بالنيابة فقد قالوا ان وجهه هو الجمع بين الروايتين إذ أن واحدة تقول يأتي به بنفسه والأخرى تقول ينيب غيره وجمعاً بينهما نقول يأتي بنفسه ان أمكنه وينيب ان لم يمكنه ذلك.
وهذا كما ترى جمع تبرعي فانه من أين لك حمل هذا على صورة المُكنة وذاك على صورة عدم المكنة ؟ ومن هنا حاول السيد الخوئي(قده) أن يستعين ببيان أو بيانين لإثبات التفصيل المذكور:-
[1] الجواهر 19 373.
[2] الجواهر 19 430.
[3] وواضح أنه توجد غيرهما.
[4] الوسائل 13 485 8 من أبواب السعي ح1.
[5] المصدر السابق ح3.
[6] المدارك 8 212.
[7] الجواهر 19 430.