33/07/22
تحمیل
الموضوع:- مسألة ( 340 ) / الواجب الرابـع مـن واجبات عمرة التمتع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
مسألة ( 340 ):- يجوز الجلوس على الصفا أو المروة أو فيما بينهما للاستراحة وان كان الأحوط ترك الجلوس فيما بينهما .
الكلام تارة يقع في الجلوس على نفس الصفا أو المروة وأخرى في الجلوس ما بينهما:-
أما بالنسبة إلى الأول فله حالتان:- الأولى أن يكون للاستراحة وأخرى أن لا يكون لذلك.
أما إذا كان للاستراحة:- فقد ذكر في الجواهر أن الجواز ( بلا خلاف أجده فيه بل الإجماع بقسميه عليه )
[1]
ووجه هذا الإجماع هو اتفاق الروايات على ذلك ، وواضح أنه لابد وأن نلتفت منذ البداية إلى أن محلّ الكلام هو فيما لو بنينا على اشتراط الموالاة في السعي أما إذا كنّا نبني على عدم الاشتراط فالجواز يكون على طبق القاعدة بلا حاجة إلى دليل ورواية . إذن المفروض الآن هو أنا نبني على اشتراط الموالاة كما كان يبني على ذلك السيد الماتن فانه بناءً على هذا ينفتح لنا مجال الحديث ونقول ان الدليل على جواز الجلوس على نفس الصفا أو المروة لأجل الاستراحة هو الروايات ، من قبيل صحيحة الحلبي ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح ؟ قال:- نعم ان شاء جلس على الصفا والمروة وبينهما فليجلس )
[2]
، وصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام ( لا تجلس بين الصفا والمروة إلا من جهد )
[3]
وهي تنهى عن الجلوس فيما بين الصفا والمروة إلا من جهد ، وقد يفهم منها أن الجلوس على الصفا أو المروة يجوز مطلقاً فضلاً عن حالة الاستراحة والجهد ، وصحيحة علي بن رئآب ( قلت لابي عبد الله عليه السلام:- الرجل يعيي في الطواف أله أن يستريح ؟ قال:- نعم يستريح ثم يقوم فيبني على طوافه في فريضة أو غيرها ويفعل ذلك في سعيه وجميع مناسكه )
[4]
. إذن جواز الجلوس على نفس الجبلين تدل عليه الروايات بوضوح فلا موجب للتوقف من هذه الناحية ، ولم يحصل توقف.
وأما الجلـوس عليهما لا للاستراحة فيمكن أن يقال بجوازه أيضاً لدلالة بعض الروايات على ذلك ، من قبيل صحيحة معاوية بن عمار ( قلت لأبي عبد الله عليه السلام:- الرجل يدخل في السعي بين الصفا والمروة فيدخل وقت الصلاة أيخفف أو يصلي ، أو يصلي ثم يعود ، أو يلبث كما هو على حاله حتى يفرغ ؟ فقال:- أوليس عليهما مسجد له ، لا ، بل يصلي ثم يعود ، قلت:- ويجلس على الصفا والمروة ؟ قال:- نعم )
[5]
، وصاحب الوسائل نقل الذيل فقط أعني ( يجلس على الصفا والمروة ؟ قال:- نعم )
[6]
ونحن انما نقلناها بالكامل لدفع احتمال أن نظر الرواية إلى الجلوس على الجبلين لا في حالة السعي بل في الحالات العادية فانه بملاحظتها بالكامل يضعف هذا الاحتمال ، بل هو ضعيف في حدّ نفسه إذ لا معنى لأن يسأل السائل ويقول ( هل يجوز أن يجلس الشخص في الحالات الاعتيادية على الجبلين أو لا ؟ ) فذلك واضح بأنه جائز ، فنفس هذا الاحتمال ضعيف بلا حاجة إلى أن نقرأ الرواية بالكامل.
نعم من حقك أن تشكل وتقول:- لعل المقصود من ( يجلس على الصفا والمروة أثناء السعي ) هو فيما إذا حلّ وقت الصلاة واشتغل الناس بصلاة الجماعـة فمعـاويـة بـن عمـار يسـأل ويقـول ( هل يجوز لي أن أترك السعي والجماعة وأبقى على الجبل ؟ ) نعم ان هذا محتمل ولكنه ليس لنا من جواب إلا أن نقول هذا مخالف للظاهر.
وجاء في حديث المنقري ( قال لي أبو عبد الله عليه السلام:- ان أردت أن يكثر مالك فأكثر الوقوف على الصفا )
[7]
وهو مطلق فيشمل حالة السعي ولا يختص بغيرها ، وعلى أي حال ان جواز الوقوف على الصفا أو المروة لا لأجل الاستراحة أمر لا ينبغي التوقف فيه.
وأما الوقوف فيما بينهما:- فان فرض أنه لا للاستراحة فهو لا يجوز كما تقدم منّا وذلك باعتبار أن صحيحة عبد الرحمن قالت ( لا يجلس بين الصفا والمروة إلا من جهد ).
وإنما الكلام في أن الجلوس للاستراحة هل يجوز مطلقاً أو بشرط وصول حالة المكلف إلى حدّ الاعياء الذي هو عبارة عن التعب بمرتبته العالية التي قد لا يتمكن الشخص معها من المزاولة والاستمرار ؟
والجواب:- نسب إلى الحلبيَّينِ أنهما منعا من ذلك إلا مع الاعياء ، ووجه ذلك واضح وهو أن صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قيدت وقالت ( إلا من جهد ) والجهد هو عبارة عن الاعياء بالمرتبة العالية.
هذا ولكن يمكن أن يقال:- يجوز الجلوس وان لم تصل حالة المكلف إلى حدّ الاعياء وذلك اما بأن نفسّر الجهد الوارد في صحيحة عبد الرحمن بالتعب ، فصحيح أنه لغةً قد يطلق على التعب بمرتبته العالية ولكن في نفس الوقت يستعمل أيضاً للتعبير عن مطلق التعب ، وعليه فلو كان المراد منه هو التعب بمرتبه العالية لاحتاج ارادة بيان ذلك إلى تقييد وبيان أكثر . إذن تعبير الامام المذكور لا يبعد أن يفهم منه مطلق التعب وبذلك يحصل تلاؤم بين هذه الصحيحة وبين تينك الصحيحتين لا أن هذه الصحيحة تصير مقيدة لهما بحيث تقيّد الاستراحة بما إذا كانت لأجل الاعياء.
أو يقال:- ان احدى الصحيحتين السابقتين آبية عن التقييد - وأعني بذلك صحيحة الحلبي - حيث ورد فيها التعبير بفقرة ( ان شاء ) حيث سأل الحلبي ( عن الرجل يطوف بين الصفا والمروة أيستريح ؟ قال:- نعم ان شاء جلس على الصفا والمروة وبينهما فليجلس ) فان التعبير بفقرة ( ان شاء فليجلس ) - أي للاستراحة - يأبى مثله عن التقييد بحالة الجهد والاعياء وبالتالي يصير هذا الاباء قرينة اما على أن المقصود من الجهد هو مطلق التعب أو نحمل هذا النهي في هذه الصحيحة على الكراهة لأجل أظهرية صحيحة الحلبي في الجواز للتعبير بـ( ان شاء ).
ويمكن أن نضيف شيئاً
[8]
وذلك بأن يقال:- انه من البعيد من مذاق الشريعة أن تضيّق على المكلف بحيث يقول له ( حتى مع التعب لا حقّ لك في الجلوس إلا إذا بلغ الغاية والمرتبة القصوى ) فان هذا قد يوجب اطمئنان الفقيه بأن النهي المذكور في صحيحة عبد الرحمن اما أن يكون المقصود منه هو مطلق التعب أو نحمله على الكراهة والّا فمن البعيد جداً أن يقول له الشرع انه لا يجوز الجلوس حتى للاستراحة. والخلاصة هي أن الجلوس لأجل الاستراحة لا اشكال فيه لما ذكرناه خلافاً للحلبيَّينِ حيث قيّدا بالإعياء.
يبقى أن السيد الماتن(قده) قال:- ( الأحوط أن لا يجلس بين الصفا والمروة ) - يعني ولو للاستراحة - ولا يبعد أن مقصوده هو أنه إذا لم يبلغ المكلف حالة الاعياء - والا فإذا بلغها فلا معنى للاحتياط بترك الجلوس - فكان من المناسب أن يقيّد العبارة ويقول ( وان كان الأحوط ترك الجلوس بينهما إذا لم يبلغ التعب حدّ الاعياء ) فلابد وأن يكون هذا هو مقصودة إذ لو بلغ حدّ الاعياء فصحيحة عبد الرحمن صريحة في التجويز ولا توجد رواية ثانية منافية لها . إذن في حالة الجهد لا اشكال في الجواز وحتى الحلبيَّينِ يجوزونها. وعلى أي حال ان هذه العبارة موهمة جداً. هذا شيء
والشيء الآخر الذي أريد التنبيه عليه هو أنه بعد أن جوّزنا الجلوس على نفس الصفا أو المروة اما مطلقا أو لأجل الاستراحة وهكذا لو جوّزنا الجلوس في البين لأجل الاستراحة مطلقاً أو بقيد الاعياء فهل تتقدر الفترة بمقدار محدّد أعني بما لا تفوت معه الموالاة أو يجوز مطلقاً ؟ المناسب هو الجواز مطلقاً حتى بناءً على اعتبار الموالاة أخذاً بإطلاق الدليل المجوّز فان الدليل المجوّز لم يقيّد جواز الجلوس بما إذا لم تفت الموالاة فنأخذ بإطلاقه
[9]
ولا ينبغي أن تقيدنا الصناعة والقاعدة ونحكم مقتضى القاعدة على إطلاق النص فنقول يجوز الجلوس بمقدار لا تفوت معه الموالاة والّا اختل شرط الموالاة وبطل الطواف فان هذا لا وجه له . إذن المناسب هو الحكم بالجواز مطلقا أخذاً بإطلاق الدليل المجوز.
[1] الجواهر 19 428.
[2] الوسائل 13 501 20 من أبواب السعي ح1.
[3] المصدر السابق ح4.
[4] الوسائل 13 388 46 من أبواب الطواف ح1.
[5] الفقيه 2 258.
[6] الوسائل 13 501 20 من أبواب السعي ح3.
[7] الوسائل 13 479 75 من أبواب السعي ح1 وعلى منواله ح2.
[8] ولكنه ليس علمياً وإنما هو ما وراء الصناعة والفن.
[9] فلو كان الجلوس للاستراحة يستغرق وقتا طويلاً كساعة أو أكثر جاز ذلك وان اختلت الموالاة ، أما إذا حصلت الاستراحة بوقت قصير كخمس دقائق مثلاً فلا يجوز البقاء جالساً بعد ذلك إذ المدار في جواز الجلوس على الاستراحة وليس على الموالاة . هذا ما ذكره سماحة الشيخ الاستاذ عند سؤاله بعد انتهاء الدرس.