33/07/07
تحمیل
الموضوع:- مسألة ( 332 ) / الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف ) / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
يمكن التمسك بأحد التقريبين:-
التقريب الأول:- دعوى الإطلاق ، وذلك بأن يقال:- ان المقصود في قوله عليه السلام ( ان الجاهل في ترك الركعتين ) يراد منه الجاهل الذي ترك الركعتين بالنحو المقرر شرعاً والذي هو عبارة عن الركعتين مع القراءة الصحيحة ، وهذا له مصداقان فقد يترك الركعتين رأساً وقد يأتي بهما ولكن لا على الوجه المقرر شرعاً ، وإذا فسرنا العبارة هكذا فيكون لها إطلاق آنذاك وتعم المقام.
ولكن من حقك أن تدعي الانصراف إلى من ترك الركعتين رأساً فنتمسك آنذاك بالتقريب الثاني.
التقريب الثاني:- دعوى الجزم بعدم الخصوصية ان لم تدعى الأولوية وذلك بأن يقال:- انه لا فرق بين من يترك الركعتين رأساً وبين من يأتي بهما بنحو ملحون فان هذا ليس أسوأ حالاً من ذاك فلا نحتمل الخصوصية للتارك رأساً في مقابل هذا بل ربما تدّعى الأولوية ، ولكن لا نحتاج إلى تصعيد اللهجة ودعوى الأولوية بل يكفينا الجزم بعدم الخصوصية للتارك رأساً فنتعدى إلى المقام . هذا كله بالنسبة إلى توضيح المسألة المذكورة.
يبقى شيء وهو:- هل قاعدة ( لا تعاد ) تعم الجاهل أو تختص بالناسي ؟ وعلى تقدير عمومها للجاهل فهل تختص بالقاصر أو تعم المقصر أيضاً ؟ هذان السؤالان لا بأس بالتعرف على جوابهما بإجمال واختصار لأهمية ذلك:-
أما بالنسبة إلى السؤال الأول:- فقد ادعى الشيخ النائيني(قده) في كلماته
[1]
ادعى أن قاعدة لا تعاد تختص بالناسي ولا تعم الجاهل ، وبناءً على هذا سوف تتضيق دائرة الاستفادة من حديث ( لا تعاد ).
أما لماذا تختص بالناسي ؟ قال:- ذلك باعتبار أن الجاهل يوجد في حقه تكليف فان الأحكام الواقعية تعم الجاهل ولا تختص بالعالم ، والجاهل لم يمتثل ذلك الحكم فانه لو أتى بالصلاة ملحونة فهو لم يمتثل فالمناسب أن يقال له في مقام الطلب ( اات ) أو ( لا تأت ) ولا يقال له ( أعد ) أو ( لا تعد ) فان من لم يمتثل التكليف الثابت في حقه - كمن دخل عليه الوقت ولم يصل - يقال له ( اات بالمكلف به ) أو ( امتثل التكليف ) وأما التعبير بالإعادة وعدم الاعادة فلا معنى له إذ هو لم يمتثل رأساً ، وهذا بخلاف الناسي فانه لا تكليف في حقه إذ لا يمكن تكليفه في حالة النسيان فما ذكرناه لا يأتي في حقه وهذا بخلاف الجاهل إذ يوجد في حقه تكليف واقعاً وهو لم يمتثله فالمناسب التعبير بـ ( اات ) أو ( لا تأتِ ) لا بـ( أعد ) أو ( لا تعد ) ، إذن حديث لا تعاد يختص بالناسي دون الجاهل.
وفيه:- انه بناءً على هذا يلزم أن لا يشمل الحديث الناسي أيضاً إذ الناسي مادام لا تكليف في حقه واقعاً - حسب اعتراف الشيخ النائيني - فما معنى أن يخاطب بلسان أعد أو لا تعد بعدما لم يكن هناك تكليف في حقه واقعاً فانه أولى بعدم صحة المخاطبة معه بهذا الخطاب ، وهذا نقض عليه.
وأما الحل:- فنقول التعبير بالإتيان أو عدم الاعادة ليس هو بلحاظ الأمر ووجوده وليس المصحح له وجود الأمر واقعاً أو عدم وجوده ، كلا بل المصحح لهذا التعبير والمنظور إليه فيه هو أن المكلف حسب الفرض قد أتى بالصلاة على مستوى الصورة والشكل والوجود الخارجي وبهذا الاعتبار يخاطب بلسان أعد أو لا تعد فان المصحح للتعبير المذكور هو هذا وليس ذاك وهذا ثابت في حق الجاهل والناسي معاً فكلاهما قد أتيا بصورة الصلاة خارجاً فيصح أن يخاطبا بلسان أعد أو لا تعد ، وأما إذا لاحظنا الأمر الواقعي فكلاهما لا يصح التعبير في حقه بلسان أعد أو لا تعد ، أما الجاهل فلأنه وان كان هناك تكليف في حقه ولكن لم يمتثله ، وأما الناسي فلأنه لا تكليف في حقه حسب اعتراف الشيخ النائيني(قده).
إذن المصحح لهذا التعبير هو الإتيان بالشكل الظاهري للصلاة وهذا مصحح في حق الاثنين معاً - الجاهل والناسي - ومعه فلا ينبغي التأمل في شمول الحديث للجاهل.
وبعد أن قبلنا شمولها للجاهل نسأل السؤال الثاني:- هل هي تعم الجاهل المقصر أيضاً أو أنها تختص بالجاهل القاصر ؟
ذكر السيد الخوئي(قده)
[2]
أنها تختص بالجاهل القاصر ، ومن هنا نرى أنه في الرسالة العملية يُفصَّل بين القاصر والمقصر ، فمن كان في قراءته لحن أو كان يأتي بالتشهد بشكلٍ مغلوط أو غير ذلك أو يأتي بالصلاة من غير طمأنينة - أي من غير الأركان - يفصل في مقام الجواب هكذا ( انه ان كان قاصراً فلا اعادة ، والمستند هو حديث لا تعاد ، وان كان مقصراً فيعيد لأن حديث لا تعاد لا يشمل المقصّر ) فمنشأ هذا التفصيل في الجواب هو أن حديث لا تعاد يختص بالجاهل القاصر - وواضح هذا في خصوص بباب الصلاة ، أي حديث الاتعاد يختص بباب الصلاة -.
أما لماذا يختص حديث لا تعاد بالجاهل القاصر دون المقصر ؟ والجواب:- يمكن أن يستخلص من كلماته(قده) ثلاثة وجوه:-
الوجه الأول:- ان الشخص إذا كان مقصراً كما لو فرض أنه كان متردداً في أن الصحيح هل هو القراءة بهذا الشكل أو بذاك وكان بإمكانه أن يتعلم ، فهذا جاهل مقصر ومثله مخاطب عقلاً بأنه يلزمك التعلم ولا يكفيك ما تأتي به حتى إذا لم يتضح لك أن ما أتيت به باطل فانه يلزمك عقلاً الجزم بالموافقة للمأمور به أو على الأقل المطابقة مع الحجّة الشرعية وأنت لست كذلك فيجب عليك الفعل من جديد ، ومثل هذا لا يشمله حديث ( لا تعاد ) إذ هو مخاطب بالإعادة بحكم العقل من البداية والحديث منصرف عنه فلا يشمله بعد فرض مخاطبته عقلاً بلزوم الاعادة حتى وان لم ينكشف الخلاف.
وهذا بخلاف القاصر فانه ليس مخاطباً عقلاً بلزوم الاعادة إذ هو قاصر حسب الفرض فلا مانع من شمول الحديث له.
وفيه:- ماذا يقصد من القاصر والمقصّر ؟ فان كان يقصد من المقصّر من كان متردداً وهو الذي نعبر عنه بالمصطلح المنطقي بـ( الجاهل البسيط ) فالحق معه ونسلم ما أفاده فان المتردد لا يشمله الحديث وهو منصرف عنه كما قال(قده) ، أما إذا فرض أنّا فسرناه بمن لا يكون معذوراً وذلك بسبب تركه للتعلم وربما يحصل له أحياناً القطع بخلاف الواقع فيكون جاهلاً مركباً كما هو الحال في حق كثير من الناس فهم لا يتعلمون فيحصل لهم الجهل المركب والقطع بخلاف الواقع أو يفترض أنه غافل ، فاذا كان يقصد من المقصّر ما يعم هذا فمثله يشمله حديث ( لا تعاد ) إذ هو عقلاً لا يخاطب من البداية بلزوم الامتثال من جديد بعدما فرض أنه قاطعٌ بصحة ما يأتي به أو يفترض أنه غافل فلا معنى لدعوى انصراف الحديث عنه ولا مانع من شمول الحديث له فانه لا مجال لدعوى الانصراف وأنه وليس مخاطباً عقلاً بلزوم الامتثال من جديد بعدما فرض أنه قاطع بالصحة أو أنه غافل . ولا استبعد أن مقصوده من المقصّر هو المتردد وبذلك يحصل وفاق بيننا وبينهم ، ولكن بعض كلماته
[3]
قد يفسر المقصّر بالثاني - أي حتى بمن كان قاطعاً بالصحة ما دام ذلك القطع ناشئاً من تقصير وعدم تعلم -.
وعلى أي حال ينبغي التأمل من هذه الناحية فان المطلب مهم ، وإذا قبلنا بهذا التعميم فبإمكاننا أن نصحح كثيراً من أعمال الناس الذين يأتون بالصلاة بشكل خاطئ.
الوجه الثاني:- إذا قلنا بعدم وجوب الاعادة في حق الجاهل المقصّر وأن حديث ( لا تعاد ) يشمل الجاهل المقصّر فسوف تصير الأحكام الشرعية الواقعية مختصّة بخصوص العالمين بها ولا تعمّ الجاهلين بها وهذا خلف ضرورة الاشتراك في الأحكام بين العالم والجاهل.
وفيه:- النقض بالجهر والاخفات والقصر والاتمام فانه قيل هناك ان من أخفت في موضع الجهر أو عكس فلا تلزمه الاعادة وليكن باب أجزاء الصلاة - غير الاركان - من هذا القبيل فإذا أمكن الحكم بعدم لزوم الاعادة فيمن جهر بدل الاخفات أو بالعكس فيمكن أيضاً في جميع أجزاء الصلاة غير الأركان ويكون ذلك تخصيصاً في قاعدة الاشتراك بتوجيه علمي إذا قبلناه في الجهر والاخفات يلزم أن نقبله في المقام أيضاً.
هذا مضافاً إلى أنه يمكن أن يكون المورد من باب العفو عن الاعادة ، بمعنى أن الحكم ثابت في حقه واقعاً - أي أن القراءة الصحيحة واجبة في حقه واقعاً وليست مختصة بالعالم - ولكن لو غفل وأتى بها بشكل ملحون فيتساهل معه وهذا لا يلزم منه اختصاص الاحكام الواقعية بخصوص العالم بل هي تعم الجاهل ولكن يتساهل معه في مقام الاعادة.
الوجه الثالث:- دعوى الإجماع ، بأن يقال:- هناك اجماع بين الفقهاء على اختصاص حديث ( لا تعاد ) بالجاهل القاصر وعدم شموله للمقصّر.
وهذا ان تمّ فهو شيء وجيه ، ولكن كيف تحصيل مثل هذا الإجماع في كلمات المتقدمين من الأصحاب ؟ ولا تنفعنا كلمات المتأخرين بل المهم في باب الإجماع هو اتفاق المتقدمين وتحصيل اتفاقهم في هذا المجال شيء صعب ، وعليه فالمناسب شمول الحديث للجاهل المقصر أيضاً.
[1] تقريرات الكاظمي - كتاب الصلاة 2 - 194.
[2] مستند العروة الوثقى 6 18 ط قديمة.
[3] صراط النجاة.