33/06/07
تحمیل
الموضوع :- الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف )/ واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وإذا رجعنا إلى فتوى الأصحاب فالمنقول عنهم أنه عند تعذر الخلفيّة يصلي في أي موضعٍ من مواضع المسجد ولم يشيروا إلى قضية الأقربيَّة فلاحظ ما ذكره صاحب المدارك(قده) حيث قال ( هذا كله مع الاختيار ، أما مع الاضطرار فيجوز التباعد عنه مع مراعاة الوراء مع أحد الجانبين مع الإمكان . ولو تعذر ذلك كلّه وخيف فوت الوقت فقد قطع جمعٌ من الأصحاب بسقوط اعتبار ذلك وجواز فعلها في أي موضع شاء من المسجد ، ولا بأس به )
[1]
. وممن أشار إلى عدم اعتبار الأقربية أيضاً الشيخ النراقي(قده)
[2]
. هذا من حيث الفتوى.
وذكر السيد الخوئي(قده)
[3]
كلامين:-
الأول:- ان المناسب بمقتضى القاعدة عند تعذر الصلاة خلف المقام هو سقوط الصلاة رأساً فلا حاجة إلى أن يصلي صلاة الطواف.
والوجه في ذلك:- ان المطلوب هو الصلاة خلف المقام فعنوان الخلفيّة قد أخذ مقوّماً للواجب فإذا تعذرت فذلك معناه تعذر أداء الواجب فتسقط الصلاة.
وأنا أضيف شيئاً وهو:- بل ويلزم سقوط أصل الحج فانه واجب ارتباطي ، أي ان مطلوبية كل جزءٍ منوطة بفعل الجزء الآخر فإذا تعذر فعل الجزء الآخر فلا مطلوبية لبقية الأجزاء . إذن المناسب لو خلينا والقاعدة سقوط الصلاة بل أصل الحج .
ولكن عرفنا من الخارج - ولنصطلح على هذا بالقاعدة الثانويَّة - أنه لا يحتمل سقوط أصل الصلاة ولو لأجل الضرورة والإجماع والارتكاز - وسمِّه كيف شئت - كما لا يحتمل سقوط أصل الحج وعليه يبقى وجوب الصلاة على حاله ويحق للمكلف أن يؤدي الصلاة في أي المواضع من المسجد بعد تعذر الخلفية.
الثاني:- هل تلزم مراعاة الأقربيّة إلى المقام ؟ المناسب هو العدم فان هذا يحتاج إلى دليل ولا دليل على ذلك سوى قاعدة الميسور فيقال:- ان الأقرب إلى المقام يُعدُّ ميسوراً بالنسبة إلى الواجب المتعذر - وهو الصلاة خلف المقام - والميسور لا يسقط بالمعسور.
ولكن يرد عليه:- ان قاعدة الميسور ليست ثابتة صغرىً ولا كبرىً.
أما من حيث الكبرى:- فلما ذكر في محلّه من أن مستند القاعدة المذكورة ضعيف السند فانه نقل ذلك عن أمير المؤمنين عليه السلام بشكل مرسل . على أنه من المحتمل أن يكون ذلك ناظراً إلى الميسور الأفرادي دون الميسور الأجزائي ، فلو فرض أنه في شهر رمضان تعذّر على المكلف أن يصوم جميع الشهر بل كان يتمكن أن يصوم بعضه ونحن نعرف أن وجوبات الصوم لكل يوم هي استقلالية فإذا تعذر امتثال بعض هذه الوجوبات فلا مبرر لسقوط وجوب صوم بقية الأيام إذ ذلك لازم الاستقلالية ، وكما هو الحال في باب الكفارة فالذي عليه كفارة شهرٍ وليس عنده ما يكفّر به عن مدّة شهر إذا أراد أن يطعم أو أراد أن يصوم شهرين عن كل يومٍ ولكن كان بامكانه أن يكفّر عن يومٍ واحدٍ أو يومين فلا يسقط هذا الممكن بتعذر ذلك فان الوجوبات استقلالية .
فقاعدة الميسور لا يبعد أن تكون ناظرة إلى ذلك وليس ناظرة إلى الميسور الأجزائي - أي إذا تعذر عليك أن تصوم اليوم بكامله ولكنك تمكنت من صوم ثلاثة أرباع اليوم فلا يسقط صوم هذا البعض الممكن بتعذر ذاك - كلا ان القاعدة يحتمل أنها ناظرة إلى الأول بالخصوص دون ما يعمّ الثاني ، ويكفينا ضعف السند . هذا من حيث الكبرى.
وأما من حيث الصغرى:- فيمكن أن يقال:- ان الصلاة في المكان البعيد عن المقام ولكنه أقرب إليه بمقدار جزئي لا يُعدُّ ميسوراً بالنسبة إلى الصلاة خلف المقام بل هو مباين له عرفاً فان الصلاة المذكورة ليست صلاة خلف المقام حتى من بُعدٍ بل هي شيءٌ مباينٌ لها عرفاً.
إذن حتى لو سلّمنا بالكبرى يبقى الإشكال من حيث الصغرى ، نظير ما لو قيل لشخص اصنع لنا ( عصيراً ) فجاء بالماء وقال الميسور لا يسقط بالمعسور فيقال له ان هذا ليس بميسورٍ بل هو شيءٌ مباين.
ولكن من باب الاحتياط تكون مراعاة الأقرب فالأقرب شيئاً حسناً ولا يحتاج إلى دليل.
والخلاصة:- لو خلينا والقاعدة فالمناسب سقوط أصل الصلاة ، ولكن حيث عرفنا من الخارج أنها لا تسقط رأساً بل يبقى وجوبها ولكن في أي مكان في المسجد ، والأقربية لا دليل على اعتبارها سوى قاعدة الميسور التي هي ضعيفة من حيث الكبرى ومن حيث الصغرى معاً.
ويمكن أن يشكل بلحاظ كلا الكلامين:-
أما ما أفاده من كلامه الأول:- فهو شيء وجيه لو فرض أن الواجب كان واحداً وقد أخذ بنحو التقييد ، ولكن يمكن أن يدّعى أن الواجب متعدد فأصل الصلاة واجب والخلفيّة واجب ثانٍ ضمن الواجب الأوّل أو مع الواجب الأوّل فإذا تعذر الواجب الثاني فلا موجب لسقوط الواجب الأوّل. إذن القاعدة تقتضي عدم السقوط بعد فرض تعدد الواجب.
أما كيف نثبت أن الواجب متعدد ؟ ذلك باعتبار أن الدليل متعدد ، فهناك دليل على أصل الصلاة وأنها واجبة حيث قال تعالى ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) فان الآية أمرت بأصل الصلاة من دون أخذ الخلفية بعين الاعتبار فأصل الصلاة واجب ودلّ دليل آخر من قبيل صحيحة الحلبي المتقدمة على أنه يلزم الإتيان بها خلف المقام وهذا معناه أنه يوجد عندنا دليلان دليلٌ على أصل الواجب ودليلٌ على لزوم الخلفية ، وعلى هذا الأساس قد يستظهر من هذين الدليلين تعدد الواجب ، وعليه فلو تعذر الواجب الثاني يبقى الواجب الأوّل على حاله ، وعليه فدعوى أن القاعدة تقتضي سقوط الصلاة رأساً محل إشكال بعد فرض تعدد الدليل .
نعم لو استظهرنا من هذين الدليلين أن المطلوب والواجب شيء واحد وليس متعدداً تم ما أفاده( قده) آنذاك ، أما بعد فرض تعدد الدليل فربما يقال:- ان تعدد الدليل يكشف عن تعدد الواجب فلو تعذر الثاني فلا موجب لسقوط الأوّل.
نعم يمكن أن يشكل على ما أفدناه:- بأن دليل مطلوبية عنوان الخلفيّة مطلقٌ كدليل أصل وجوب الصلاة فكلاهما مطلق . نعم لو كان الثاني مختصّاً بحالة المُكنة والقدرة أو كان القدر المتيقن منه ذلك وهو ساكت عن حالة عدم المكنة تمكنّا آنذاك من أن نتمسك بإطلاق الدليل الأوّل ، أما بعد أن كانا مطلقين فمن المناسب آنذاك بمقتضى القاعدة هو ما أفاده(قده) - أي سقوط أصل الصلاة - إذ الفرض أن الخلفية مطلوبة بنحو مطلق فإذا تعذرت لزم سقوط أصل الواجب.
والخلاصة:- ان ما أفاده(قده) وجيه لو انتهت النوبة إلى الأصل العملي فان الأصل العملي يقتضي ذلك ، أي بعد عدم التمكن من الأداء خلف المقام نشك في أصل الوجوب فنجري البراءة ، أما إذا فرض وجود دليلين فلا بد من ملاحظتهما ولعل مفاد الثاني ليس مطلقاً فيعود التمسك بإطلاق الأوّل شيئاً وجيهاً.
وغرضنا من وراء هذا لفت النظر إلى هذه القضية العلميَّة وأن المسألة ليست صافية من الإشكال ، ويكفينا الجزم من الخارج بأن أصل الصلاة لا يحتمل سقوطها ، ولذلك فالتطويل من هذا الناحية قد لا يكون نافعاً.
وأما كلامه الثاني:- فيمكن أن يقال نفس ما ذكرناه في باب الطواف ، فانّا ذكرنا في الطواف أن المطلوب بمقتضى الآية الكريمة هو الطواف والتطوّف بالبيت ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) وإذا كان المطاف فارغاً فالطواف بالبيت يصدق إذا لم يبتعد الشخص واقترب من لكعبة ، أما إذا فرض أن المطاف كان مزدحماً بالطائفين فالطواف بالبيت يصدق عرفاً ما دام خط الطائفين متصلاً بالبيت . إذن وجود الزحام وعدمه يؤثران عرفاً في صدق عنوان الطواف بالبيت .
ونفس الشيء ننقله إلى محلّ كلامنا فيقال:- إذا لم يفترض وجود زحام خلف المقام فلابد من الاقتراب خلف المقام ولا تصدق الصلاة خلف المقام إلا بالاقتراب ، وأما إذا فرض وجود زحام وكان الحط متصلاً فيصدق آنذاك الصلاة خلف المقام رغم الابتعاد عنه .
والنكتة الفارقة كما قلنا هي الصدق العرفي ولا تلحظ الدقة في القضية وإنما يلحظ فيها العرف ، وعلى هذا الأساس تكون الأقربية معتبرة ما دام خط المصلين خلف المقام متصلاً ، ولكن حيث أن هذه النكتة التي أشرنا إليها وتلك النكتة التي أشرنا إليها في كلامه الأوّل ليستا نكتتين يستند إليهما الفقيه مع كامل الاطمئنان فالمناسب هو المصير إلى الاحتياط الوجوبي وأنه يلزم مراعاة الأقرب فالأقرب بنحو الاحتياط الوجوبي وليس بنحو الفتوى.
[1] المدارك 8 - 143.
[2] المستند 12 - 141 ، 142.
[3] المعتمد 5 - 37.