33/05/24
تحمیل
الموضوع :- الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف )/ واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
إن هذه الرواية دلت على أن المكلف إذا فرغ من طوافه فعليه أن يأتي مقام إبراهيم ويصلي ركعتين وهذا هو المطلوب فإنها دلت على وجوب صلاة ركعتين بمقتضى ظاهر الأمر.
نعم قد يشكل ويقال:- أن الرواية قد ذكرت جملة من المستحبات من قبيل ( واقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد وفي الثانية قل يا أيها الكافرون ) ومن قبيل ( وأحمد الله اثن عليه ) فان هذه مستحبات ونحن نعرف أن اقتران الرواية بمجموعة من المستحبات يزعزع ظهور بقية الأوامر في الوجوب وبالتالي يصير الأمر بالإتيان بركعتين مجملاً ، فانه لو خُلّي وحده فهو ظاهر بالوجوب بيد أن اقترانه بهذه المستحبات يزعزع ظهوره في الوجوب وهذه مشكلة سيّالة تواجهنا في كثير من الروايات.
وواضح أن أصحاب مسلك العقل في استفادة الوجوب في راحة من هذا الإشكال إذ يجيبون بأن الحاكم بالوجوب والاستحباب هو العقل إذ الأمر مستعملٌ في الطلب فقط من دون خصوصية الوجوب والاستحباب ، وحيث أنه قد اقترن بتلك الأوامر الأخرى ما يدل على الترخيص في الترك - ولو هو الإجماع والتسالم على أن قراءة سورة التوحيد في الأولى وسورة الكافرون في الثانية ليس أمراً لازماً وهكذا حمد الله عز وجل والثناء عليه وغيرها - فنحكم فيها بالاستحباب ، بينما الأمر بالركعتين لم يقترن بذلك فيحكم العقل فيه بالوجوب ولا يختل بذلك السياق الواحد . هكذا يجيب أصحاب مسلك العقل ولا يرد عليهم هذا الإشكال.
أما نحن الذين نبني على مسلك الوضع تبعاً لصاحب الكفاية حيث يذهب إلى أن الوجوب مدلولٌ وضعيٌ وليس حكماً عقلياً - أعني أن الأمر بصيغته وهكذا بمادته
[1]
قد وضع لإفادة الطلب الوجوبي - فسوف يتزعزع ظهور بقيّة الأوامر في الوجوب بسبب هذا الاقتران فكيف التخلص من هذه المشكلة ؟
انه من حسن الصدفة أن هذه الرواية قد نقلها صاحب الوسائل في بابٍ آخر
[2]
عن مصدر آخر مع زيادةٍ حيث نقلها هكذا ( إذا فرغت من طوافك فاتِ مقام إبراهيم فصلّ ركعتين وهاتان الركعتان هما الفريضة ليس يكره لك أن تصليهما في أي الساعات شئت عند طلوع الشمس وعند غروبها ... ) فان فقرة ( وهاتان الركعتان هما الفريضة ) هي واضحة في أن هاتين الركعتين واجبتان ، وعليه فلا مشكلة من هذه الناحية.
نعم هناك مشكلة أخرى:- وهي أن هذه الرواية مع تلك هل هما رواية واحدة ؟ بمعنى أن الصادر من الإمام عليه السلام هل هو متعدد أو أنه واحد لبعد صدور حديثين من الإمام بمضمونٍ وألفاظٍ واحدة ؟
فان بنينا على التعدّد - كما هو مذاق السيد الخوئي ولعله المشهور - فالأمر واضح ولا مشكلة فيقال في ذلك الصادر:- ان الإمام عليه السلام لم يذكر أنهما فريضتان بينما في هذا الصادر ذكر أنهما فريضتان فلا مشكلة.
وأما إذا بنينا على الوحدة - كما نحن نميل إليه - ببيان أن سيرة العقلاء لا نجزم بانعقادها على الحكم بالتعدد فيما إذا كان يلوح من القرائن الوحدة بحيث كان احتمال الوحدة احتمالاً وجيهاً ، فكيف نحلّ هذه المشكلة إذ لعل الصادر من الإمام عليه السلام هو النقل الأول الفاقد لهذه الفقرة ؟
والجواب:- ان فرض أنا كنّا نبني على أصالة عدم الزيادة - بمعنى أن الزيادة واقعة في موقعها المناسب ولم تذكر عفواً - هي أصل عقلائي يبني عليه العقلاء وقد انعقدت عليه السيرة في حالة تردد بعض الألفاظ بين كونها قد ذكرت كزيادةٍ عفوية وخطأية وبين أن تكون قد ذكرت في موقعها المناسب فيصير الخلل في ذلك النقل الفاقد لتلك الزيادة - أي يكون فيه نقيصة - فانه سوف يدور الأمر بين احتمال أن تكون هذه الفقرة زائدة وأن النقل الصحيح هو الفاقد لها وبين العكس ، فلو بنينا على أن الأصل العقلائي هو أصالة عدم الزيادة المشكلة منحلّة أيضاً إذ بأصالة عدم الزيادة نُثبت أن هذه الفقرة واقعةٌ في موقعها المناسب فيثبت ما نريد
ولكن قد تقدم منّا في أبحاث سابقة التعرض إلى هذا الأصل وقلنا ان الأصل الذكور لم يثبت على إطلاقه وبعرضه العريض - أي لا يمكن أن نقول كلما دار الأمر بين هذين الاحتمالين فالعقلاء حتماً ومن دون تفصيل يبنون على عدم الزيادة ، انه بناءً على هذا كيف نحلّ المشكلة ؟
يمكن أن نجيب:- صحيح أن العقلاء لم يثبت عندهم هذا الأصل المذكور بعرضه العريض ولكن بالتالي هم يأخذون بما يلوح من القرائن فهي أحياناً تساعد على أن الزيادة قد وقعت في موقعها المناسب فيبنون على أصالة عدم الزيادة ، وأخرى لا يلوح من القرائن ذلك فلا يبنون على ذلك ، فالمسألة تعود إلى ملاحظة القرائن.
وفي مقامنا نقول:- ان مثل هذه العبارة التي هي ليست حرفاً واحداً أو كلمة ًواحدةً حتى يقال من المحتمل أنه صدر هذا في الرواية الأخرى من باب العفو الخطأ والغفلة ، كلا فان الزائد جملةٌ كبيرة مثل جملة ( وهاتان الركعتان هما الفريضة ... ) فان احتمال أن الرواية ذكرت كل هذا عفواً شيء بعيد فان العفوية مقبولة في حرف أو كلمة واحدة لا في مثل هذه الجملة . إذن مثل هذا المورد هو مورد لأصالة عدم الزيادة أي يبني على أنها قد وقعت في موقعها المناسب.
والخلاصة من كل هذا:- ان التمسك بهذه الرواية على المطلوب شيء وجيهٌ بعد ضمّ أصالة عدم الزيادة بالبيان الذي أشرنا إليه فيكون التمسك بها شيئاً وجيهاً ودليلاً تاماً.
وأما الدليل الثالث:- فهو روايات الناسي - أعني من نسى الركعتين - فقد روى الصدوق بإسناده عن عمر بن يزيد عن أبي عبد الله عليه السلام فيمن نسي ركعتي الطواف حتى ارتحل من مكة ( قال:- ان كان قد مضى قليلاً فليرجع فليصلهما أو يأمر بعض الناس فليصلهما عنه )
[3]
، وهكذا صحيحة محمد بن مسلم عن ،حدهما عليه السلام ( سئل عن رجل طاف طواف الفريضة ولم يصلِّ الركعتين حتى طاف بين الصفا والمروة ثم طاف طواف النساء ولم يصلّ لذلك الطواف حتى ذكر وهو بالأبطح ، قال:- يرجع إلى المقام فيصلي ركعتين )
[4]
، وعلى المنوال المذكور صحيحة عبيد بن زرارة
[5]
وصحيحة عمر بن يزيد
[6]
وصحيحة حنان بن سدير
[7]
وروايات أخرى ، ودلالتها واضحة على أن الأداء بعد ارتفاع النسيان شيءٌ واجبٌ فتدل على المطلوب.
وأما الدليل الرابع - أعني ما دلّ على لزوم الموالاة بين الصلاة والطواف فهو من قبيل صحيحة محمد بن مسلم ( سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة وفرغ من طوافه حين غربت الشمس ، قال:- وجبت عليه تلك الساعة الركعتان فليصلهما قبل المغرب )
[8]
وعلى منوالها صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله عليه السلام ( سألته عن ركعتي طواف الفريضة ، قال:- لا تؤخرهما ساعة ، إذا طفت فصلِّ )
[9]
، والمقصود من قوله ( ساعة ) أي الوقت ، فالساعة عندما تستعمل في لغة العرب يراد بها الوقت أي لا تؤخرهما وقتاً ، والدلالة على وجوب الركعتين شيء واضح.
والخلاصة من كل هذا:- لدينا أربعة وجوه لإثبات وجوب صلاة الطواف وكان أوّل تلك الوجوه هو الآية الكريمة وقد ذكرنا لدلالتها ثلاثة تقريبات وكان التقريب الأوّل هو التمسك بظاهرها بقطع النظر عن ضمّ رواية إليها.
وقد يشكل ويقال
[10]
:- من المحتمل أن يكون المقصود من الآية الكريمة ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلىً ) يعني مكاناً للصلاة إذا أردتم الصلاة ، فهي لا تدل على أن الصلاة واجبة بل غاية ما يستفاد منها هو أنه ينبغي أن يكون هذا المكان مكاناً لصلاة الطواف وهذا كما يلتئم مع وجوب صلاة الطواف يلتئم مع عدم وجوبها ، نظير أن يقال ( اتخذ هذا المكان من الأرض مزبلة ) فان المقصود هو ( ان كانت عندك قمامة فضعها في هذا المكان ) لا أنه يلزمك أن تُوجد القمامة ..... وهكذا في أمثلة أخرى من هذا القبيل . هكذا قد يشكل على دلالة الآية الكريمة.
والجواب:- ان الآية الكريمة لم تذكر شرطاً وقيداً ، أي لم تقل ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلىً فيما إذا أردتم أن تصلوا ) فأن هذا التقييد يحتاج إلى دليل ، وظاهر الكلام عند عدم ذكر هذا القيد أن هذا الحكم ثابتٌ بنحو الفعليّة وليس حكماً معلّقاً ومشروطاً بإرادة الصلاة . نعم أحيانا يكون الحكم مشروطاً ولا يُصرَّح بالشرط على مستوى الألفاظ ولكن يُعتمد على وضوح المطلب - أي على القرينة العرفية الواضحة - ولو كانت تلك القرينة هي أن الشيء مما تقتضيه العادة كوجود القمامة فان العادة تقتضي جودها فلا حاجة حينئذ إلى ذكر القيد بل لعل ذكر القيد يكون لغواً ، أما إذا فرض عدم وجود عادةٍ بل الطبع كان على العكس وأنه يميل إلى العدم كما هو الحال في الصلاة فإنها كبيرة إلا على الخاشعين فالطبع لا يميل إلى الصلاة والعادة لا تقتضي الصلاة فهنا يحتاج إلى ذكر القيد لو فرض أنه لم يكن لازماً بل لعل عدم ذكره يفهم منه أن الوجوب واللزوم شيء مفروغ عنه وإنما الكلام في تعيين أداء ذلك الواجب وأنه في هذا المكان.
وعلى أي حال قد يشكك في دلالة الآية من هذه الناحية ولكن قد عرفت الجواب بما ذكر . هذا كله في الحكم الأول من الأحكام التي تشتمل عليها النقطة الأولى من نقاط المتن.
[1] وقلت ( وهكذا بمادته ) لكي لا تتوهم أن الاثنين بقيد المجموع يدلان على الطلب الوجوبي.
[2] الوسائل 13 - 301 - 3 من أبواب الطواف.
[3] الوسائل 13 - 427 - 74 من أبواب الطواف ح1.
[4] المصدر السابق ح5.
[5] المصدر السابق ح7.
[6] المصدر السابق ح8.
[7] المصدر السابق ح11.
[8] الوسائل 13 - 434 - 76 من أبواب الطواف ح1.
[9] المصدر السابق ح5.
[10] وهذا استدراك على التقريب الأول من الدليل الأول - اي الاستدلال بظاهر الاية بقطع النظر عن ضم رواية لها.