33/05/23
تحمیل
الموضوع :- الواجب الثالث من واجبات عمرة التمتع ( صلاة الطواف )/ واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
الدليل الرابع:- الروايات الدالة على أن لا يحصل فاصل بين الطواف والصلاة فهذا يدل على أن الصلاة واجبة وإلا فلا معنى لهذا الشرط.
وأنا لم أذكر هذه الأدلة الأربعة من باب الحصر بل لعله بالمراجعة يجد أدلة أخرى.
أما الدليل الأول:- فقد ذكرنا أنه يمكن أن نتمسك بثلاثة تقريبات لإثبات دلالة الآية على وجوب ركعتي الطواف:-
التقريب الأول:- التمسك بظاهرها ، بمعنى أنه لو كنّا نحن وظاهر الآية الكريمة من دون ضمّ رواية تفسّرها فمن القريب أن تكون ناظرة إلى صلاة الطواف إذ من البعيد أن يكون المقصود من الصلاة والمصلّى هو المعنى اللغوي - يعني واتخذوا من مقام إبراهيم مكاناً للدعاء أثناء الحج - فهذا بعيدٌ لم يحتمله أحد ، وهكذا من البعيد أن يكون المقصود هو اتخذوا من مقام إبراهيم مصلى يعني قبلةً في صلاتكم فهذا خلاف ما ذهب إليه المسلمون فان الكعبة قبلتنا وليس مقام إبراهيم ، وهكذا لو كانت هناك احتمالات أخرى فهي منفيَّة وينحصر أن يكون المقصود هو اتخاذ مقام إبراهيم مكاناً لصلاة الطواف فانه لا يوجد احتمال وجيه غير هذا.
إذن بهذا التقريب بقينا نحن والآية الكريمة واستظهرنا منها إثبات المطلوب بلا أي ضميمة وهذا طريق وجيه وجيد . نعم هو يتوقف على عدم وجود احتمال وجيه آخر يعارضه فلو وجد ذلك فلا يمكن التمسك به.
التقريب الثاني:- لو رجعنا إلى الروايات لوجدنا أن مجموعة منها تفسّر الآية الكريمة بذلك - أي بأن مقام إبراهيم يجب عنده أداء صلاة الطواف - فيثبت المطلوب بعد ضم الروايات إلى الآية الكريمة ، وإلا فالآية وحدها لا تنفعنا في الوصول إلى المدعى.
وهذه الروايات هي وان كانت ضعيفة السند ولكن حيث أنها متعددة كما سوف نلاحظ فبضم بعضها إلى بعضٍ ربما يحصل للفقيه الاطمئنان بالمطلوب وأن المقصود من ( واتخذوا مقام إبراهيم مصلىً ) يعني بلحاظ صلاة الطواف ، وبناءً على هذا فسوف تعود الحجّيّة إلى الاطمئنان ، وواضحٌ أنه كلما فحصنا أكثر فقد نعثر على روايات أكثر وبذلك يحصل الاطمئنان بسرعة.
ونذكر ثلاث روايات في هذا المجال:-
الرواية الأولى:- رواية صفوان بن يحيى عمن حدثه عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ( ليس لأحد أن يصلي ركعتي طواف الفريضة إلا خلف المقام لقول الله عز وجل "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" فان صليتها في غيره فعليك إعادة الصلاة )
[1]
، وهي كما ترى ضعيفة السند بسبب الإرسال فان صفوان ينقلها عمن حدثه.
ومن باب الفائدة الجانبية:- قد تقول ان صفوان هو من أحد المشايخ الثلاثة الذين قيل عنهم أنهم لا يروون عن ثقة.
قلت:- ذلك صحيح ولكن بشرط أن يصرحوا باسم من يروون عنه فان بعض من يروي عنه هؤلاء الثلاثة قد عورض بتضعيف الغير - أي النجاشي - ولو واحداً أو اثنين ممن يروي عنه هؤلاء ونحتمل أنه يكون هذا الشخص الذي ضعّفه النجاشي وبذلك لا يصح التمسك بهذه الشهادة في المقام لكونه تمسكاً بالعام في الشبهة الموضوعية وهو لا يجوز ، وهذا بخلاف ما إذا صرح باسم الشخص فانا نحرز من خلال التصريح باسمه بأنه ليس ذلك الشخص الذي ضعَّفه النجاشي ، وهذه قضية سيّالة ينبغي الالتفات إليها في جميع هؤلاء المشايخ الثقاة الثلاثة فان الشهادة الذكورة تنفع فيما لو ذكر اسم من يروون عنه.
الرواية الثانية:- رواية أبي عبد الله الأبزاري والتي ورد في سندها محمد بن سنان ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي فصلى ركعتي طواف الفريضة في الحِجر ، قال:- يعيدهما خلف المقام لأن الله تعالى يقول واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى عنى بذلك ركعتي طواف الفريضة )
[2]
.
الرواية الثالثة:- ما رواه الشيخ الطوسي مرسلا بقوله ( قال ابن مسكان:- وفي حديث آخر إن كان جاوز ميقات أهل أرضه فليرجع وليصلّهما فان الله تعالى يقول "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" )
[3]
. وربنا بالتتبع نحصل على روايات أكثر تفسر الآية الكريمة بصلاة الطواف.
وعلى أي حال هي وان كانت ضعيفة السند ولكن يمكن حصول الاطمئنان بثبوت المضمون نتيجة كثرة الروايات المذكورة.
التقريب الثالث:- التمسك ببعض الروايات التي الصحيحة السند والتي تفسر الآية الكريمة بذلك ، وهنا لا نحتاج إلى الاستعانة بفكرة الاطمئنان بل حتى لو فرض أن الرواية كانت واحدة فهي بالتالي تثبت لنا المطلوب وأن المقصود من الآية الكريمة هو صلاة الطواف:-
الرواية الأولى:- صحيحة أبي بصير ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يصلي ركعتي طواف الفريضة خلف المقام وقد قال الله تعالى "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" حتى ارتحل ، قال:- إن كان ارتحل فاني لا أشق عليه ولا آمره أن يرجع ولكن يصلي حيث يذكر )
[4]
وموضع الشاهد هو أن هذه الصحيحة قالت ( وقد قال الله تعالى "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" ) فإنها فسّرت المقصود من كلمة ( مصلى ) في الآية الكريمة بأنه مصلى لركعتي الطواف وهذا معناه وجوب الركعتين عند مقام إبراهيم . وهي وان كانت واردة في كلام الراوي والسائل دون الإمام عليه السلام ولكنه يظهر من الرواية أن هذا المطلب كان من الواضحات بين المسلمين والإمام عليه السلام أقرَّ هذا الوضوح والارتكاز وبذلك يثبت المطلوب.
والفت النظر إلى أن هذا الرواية تصلح للتمسك من جنبتين ، فمن جنبة يصلح ضمّها إلى روايات التقريب السابق التي كانت ضعيفة السند وبذلك يتقوّى حصول الاطمئنان بسرعة ، ومن جنبة أخرى يصلح أن ننظر إليها بشكل مستقل ولو لم يحصل اطمئنان وبذلك تكون تقريباً ودليلاً مستقلاً.
الرواية الثانية:- صحيحة أبي الصباح الكناني ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل نسي أن يصلي الركعتين عند مقام إبراهيم في طواف الحج والعمرة ، فقال:- إن كان بالبلد صلى ركعتين عند مقام إبراهيم فان الله عز وجل يقول "واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى" ، وان كان قد ارتحل فلا آمره أن يرجع )
[5]
، ودلالتها على المدعى واضحة.
وقد تقول:- ان التقريب الثاني والثالث يرجع حاصلهما إلى الاستعانة بالروايات ، فبالتالي يكون الدليل هو الروايات دون الآية الكريمة والمفروض أن التمسك بالروايات سوف نذكره كدليل ثانٍ في عرض الآية الكريمة ؟ فعلى هذا الأساس سوف يكون سلوك هذا الطريق محلاً للإشكال من الجنبة الفنية إذ هو يرجع إلى التمسك بالروايات دون الآية الكريمة.
والجواب:- نحن بعد أن نثبت من خلال الروايات دلالة الآية الكريمة على المطلوب فسوف تثبت دلالة الآية الكريمة على المطلوب ونبقى حينئذ نتساير مع دلالة الآية الكريمة ونقول يستفاد منها هكذا أو هكذا .. فإن الثمرة تظهر هنا - أي في التمسك بالظواهر الثابتة للآية الكريمة -.
وبكلمة أخرى:- تارةً نقصد إثبات أصل وجوب الركعتين من خلال الروايات المذكورة فيرد آنذاك الإشكال وأن هذا تمسك بالروايات ، وأخرى نقصد أن نثبت دلالة الآية على كونها ناظرة إلى ركعتي الطواف ثم نستفيد الوجوب من الآية بعد أن ثبت كونها ناظرة إلى صلاة الطواف ، فأصل النظر إلى صلاة الطواف نثبته من الروايات أما الوجوب فلا نثبته من الروايات وإنما نثبته من الآية الكريمة ، وهكذا المداليل الأخرى وأن مقام إبراهيم مثلاً ينبغي أن يصلّى بالقرب منه أو خلفه أو ما شاكل ذلك فإن هذه مضامين نستفيدها من الآية بعد أن ثبت نظرها إلى صلاة الطواف. إذن دور الروايات هو فقط إثبات أن الآية ناظرة إلى صلاة الطواف ، أما حيثية الوجوب والحيثيات الأخرى فنرجع فيها إلى ظاهر الآية آنذاك ، وهذه طريقة فنيّة ظريفة لا يلزم منها إشكال.
وأما الدليل الثاني:- صحيحة معاوية بن عمار - التي قلنا هو الروايات الدالة على وجوب الركعتين - ( قال أبو عبد الله عليه السلام:- إذا فرغت من طوافك فات مقام إبراهيم عليه السلام فصلِّ ركعتين واجعله إماماً واقرأ في الأولى منهما سورة التوحيد قل هو الله أحد وفي الثانية قل يا أيها الكافرون ثم تشهد وأحمد الله واثنِ عليه وصلِّ على النبيّ واسأله أن يتقبل منك ... )
[6]
.
[1] الوسائل 13 - 425 - ب72 من أبواب الطواف ح1.
[2] المصدر السبق ح2.
[3] الوسائل 13 - 431 - 74 من أبواب الطواف ح15.
[4] المصدر السابق ح10
[5] المصدر السابق ح16.
[6] الوسائل 13 - 423 - 71 من أبواب الطواف ح2.