33-11-29
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
33/11/29
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 350 ) / الـواجـب الخامس مــن واجبـات عمـرة التمتع ( التقصير) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
ثم إنه يوجد في هذا المجال رأي للشهيد في الدروس نقله صاحب الحدائق وهو أن المكلف لو حلق نصف رأسه فهل يجزي ذلك في تحقق التقصير والتحلّل ؟ ذهب الشهيد(قده) إلى الاجزاء ونصّ عبارته هكذا:- ( لو حلق بعض رأسه أجزأ عن التقصير )
[1]
وقد نقله صاحب الحدائق ولم يعلق عليه مما يدل على قبوله.
والمناسب أن يقال بالنفي وأنه لا يجزي:- باعتبار أن ذلك إن لم يجزم بعدم كونه من التقصير فلا أقل من الشك في ذلك
[2]
ومعه فلا يجزي فإن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.
إن قلت:- إذا لم يصدق التقصير فهل يصدق الحلق فإن الجزم بصدقه مشكل أيضاً ؟
قلت:- ما المانع من أن نقول إنه لا يصدق هذا ولا ذاك ويكون أشبه بالخلف المشكل ولا مانع من ذلك والمهم أن الجزم بصدق عنوان التقصير شيء مشكل ، ومعه لا يمكن الحكم بالاجزاء.
النقطة الثانية:- يحرم الحلق في حدّ نفسه . ومقصودنا ليس هو تحريم الحلق أثناء الإحرام فإن من المسلمات أن من محرمات الإحرام إزالة الشعر الذي منه الحلق وإنما كلامنا في أنه هل يحرم الإتيان بالحلق بعنوان أنه محلّل وبدلٌ للتقصير وكمخرجٍ من الإحرام أو لا ؟
والجواب:- قد يستدل على ذلك برواية أبي بصير ( سألت أبا عبد الله عليه السلام:- المتمتع أراد أن يقصّر فحلق رأسه ، قال:- عليه دم يهريقه فإذا كان يوم النحر أمَرَّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق )
[3]
فانها دلّت على ثبوت الكفارة في حق من لم يلتفت وحلق بدل أن يقصّر في عمرة التمتع وإذا ثبتت الكفارة فذلك دليل التحريم وإذا ثبت التحريم في حالة الجهل والغفلة فيثبت في حالة العمد بالأولوية كما هو واضح أو بلا حاجة إلى الأولوية.
وفيه:-
أولاً:- إن الرواية يشتمل سندها على محمد بن سنان وحجيتها تتبع المبنى في هذا الرجل.
وثانياً:- إنها دلت على الحرمة بواسطة ضمّ الملازمة بين ثبوت الكفارة وبين الحرمة ونحن قلنا في لأبحاث سابقة بأننا نتردد ولا نجزم بالملازمة بينهما ويكفينا التردد ، ومما يساعد على التردد هو أن مورد الرواية هو الغفلة والجهل الذي لا تثبت فيه الحرمة والإمام عليه السلام أثبت الكفارة رغم ذلك وهذا معناه أن ثبوت الكفارة لا يلازم التحريم فالملازمة ليست واضحة.
وثالثاً:- إن موردها هو الجهل والجاهل لا كفارة في حقه.
إذن لا يمكن الالتزام بمضمونها في موردها فكيف نريد أن نثبت من خلال الملازمة الحرمة في غير موردها - أي في حالة الالتفات - ؟!
الرواية الثانية:- رواية الصدوق بسنده عن جميل بن دراج ( سأل أبا عبد الله عليه السلام عن متمتع حلق رأسه بمكة ، قال:- إن كان جاهلاً ليس عليه شيء ، وإن تعمّد ذلك في أوّل شهور الحج بثلاثين يوماً فليس عليه شيء وإن تعمّد بعد الثلاثين يوماً التي يوفَّر فيها الشعر للحج فإن عليه دماً يهريقه )
[4]
فإنه بضم فكرة الملازمة بين الكفارة والحرمة تثبت حرمة حلق الرأس في عمرة التمتع.
وفيه:-
أولاً:- إن سند الصدوق إلى جميل يشتمل على البطائني وهو فيه كلام كمحمد بن سنان.
وثانياً:- إنها مبنيّة على ضمّ الملازمة بين الكفارة والحرمة وقد تقدم أنها محلّ تأمّل عندنا.
وثالثاً:- من المحتمل أن تكون ناظرة إلى الحلق قبل الإحرام بأن يكون المقصود هو أن الإمام عليه السلام يقول ( تارة يحلق هذا المكلف قبل مضي ثلاثين يوماً على الشهر الأول من أشهر الحج - أي شوال - ففي شهر شوال يحلق فإذا كان الأمر هكذا فليس عليه شيء وأما إذا فرض أنه حلق بعد مضي ثلاثين يوماً - أي في شهر ذي القعدة - فحيث يلزم فيه توفير الشعر فيكون الدم لأجل أنه حلق في شهر ذي القعدة ) إذن الرواية ناظرة الى مسألة توفير الشعر وأن الكفارة لأجل أنه لم يوفّر شعره وحيث أن ثبوت الكفارة لأجل توفير الشعر ليست بلازمة جزماً فتحمل الرواية على الاستحباب وتكون أجنبية عن المقام ، وعليه فيكون التمسك بها مشكل.
الرواية الثالثة:- صحيحة زرارة التي مرّت في مسألة ( 260 ) وهي ( سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول :- من نتف إبطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه ناسياّ أو جاهلاً فليس عليه شيء ومن فعله متعمّداً فعليه دم شاة )
[5]
فإنها دلّت على أن من حلق رأسه وهو محرم
[6]
وكان جاهلاً أو ناسياً فلا شيء عليه وأما إذا كان متعمّداً فعليه الكفارة وبذلك يثبت المطلوب.
وفيه:- إن هذه مبنية على فكرة الملازمة بين ثبوت الكفارة وبين الحرمة وقد تقدم التأمل في ذلك . مضافاً إلى أنها ناظرة إلى الإتيان بالحلق حالة الإحرام ومحلُّ كلامنا هو من حلق قاصداً بذلك التحلّل لا أنه من حلق حالة الإحرام قبل أن يحصل التحلل فان من حلق قبل أن يحصل التحلل لا اشكال في أنه فعل حراماً وعليه الكفارة وإنما كلامنا كما قلنا في البداية ناظر إلى الإتيان بالحلق كمحلّل وهي ليست ناظرة إلى ذلك إلا على بيان سنذكره بعد قليل.
الرواية الرابعة:- أن يتمسك بالروايات الدالة على أن المحرم حالة إحرامه لا يجوز له الحلق فانها بإطلاقها تشمل كل حلق بما في ذلك ما يؤتى به كمحلّل فانه حلق حالة الإحرام فإطلاق تلك الأدلة يشمله غايته خرج من ذلك الإطلاق حالة الحج فان الدليل قد دلّ على أن الإتيان بالحلق حالة الحجّ جائز وأما غير حالة الحج فتكون باقية تحت الإطلاق فالإتيان بالحلق كمحلّل في عمرة التمتع يكون مشمولاً بإطلاق هذه الروايات وبذلك يثبت التحريم ، ومن هذا القبيل الآية الكريمة ( وأتموا الحج والعمرة لله فان أحصرتم فما استيسر من الهدي ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محلّه )
[7]
فانه يستفاد منها حرمة الحلق على المحرم وعلى الحاج وبمقتضى الإطلاق يثبت أن هذا محرَّم في دائم الحالات ومنها مقامنا.
وإذا أشكل في الآية فلدينا الروايات وهي من قبيل صحيحة الحلبي ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المحرم يحتجم ؟ قال:- لا ، إلا أن لا يجد بدّاً فليحتجم ولا يحلق مكان المحاجم )
[8]
فأنها تدل على أن حلق مكان المحاجم لا يجوز مادام مُحرِماً وحيث أنه لا خصوصية لمكان المحاجم فيعمم ذلك إلى حلق الرأس ، فهي إذن لها إطلاق يشمل جميع حالات الإحرام.
ومن هذا القبيل صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام ( لا يأخذ المحرم من شعر الحلال )
[9]
فإنها دلّت على أن المحرم لا يجوز له أن يأخذ من شعر المحلِّ وبإلغاء الخصوصية أو بالأولوية يثبت أن المُحرِم لا يجوز أن يأخذ من شعر نفسه ككل أخذٍ للشعر من نفسه يكون محرَّماً بمقتضى هذه الرواية وبذلك يثبت المطلوب وهو أن المحرم لا يجوز له أخذ الشعر وحلق نفسه غايته خرج من الإطلاق الحج أما العمرة فإذا أراد أن يحلق بدل التقصير فيكون مشمولاً لهذا الإطلاق ، وعليه فلا ينبغي التشكيك في حرمة الحلق إذا أتي به بديلاً عن التقصير.
النقطة الثالثة:- إن من حلق تثبت عليه كفارة شاة . والمدرك في ذلك صحيحة زرارة المتقدمة فانها دلّت على أن من نتف إبطه أو قلّم ظفره أو حلق رأسه ناسياً أو جاهلاً فليس عليه شيء ومن فعله متعمداً فعليه شاة . إذن هي قد دلت بوضوح على أن من فعل ذلك متعمداً فعليه شاة وهذا بإطلاقه يشمل المقام وعليه فيثبت أن من فعل ذلك متعمداً عليه دم شاة - هذا في حالة التعمد - وأما في حالة الجهل والنسيان فالرواية قد نفت الكفارة.
يبقى أن السيد الماتن(قده) قال:- ( والأحوط مطلقاً ) وما هو منشأ هذا الاحتياط بعد فرض أن صحيحة زرارة قد خصّصت الكفارة بالعالم المتعمد ؟
والجواب:- إن الاحتياط هو لأجل رواية أبي بصير ورواية جميل بن دراج اللتين نقلناهما في النقطة الثانية فان سندهما وإن كان محلّ تأمل وهناك إجماع على عدم ثبوت الكفارة في حق الجاهل ولكن لأجل الاحتياط الاستحبابي يكون الركون إليهما شيءٌ لا بأس به ، وعليه فالأحوط استحباباً ثبوت الكفارة في حقّ الناسي والجاهل أيضاً.
[1] الحدائق 16 301.
[2] أي في صدق عنوان التقصير على من حلق نصف رأسه.
[3] الوسائل 13 510 4 من أبواب التقصير ح3.
[4] المصدر السابق ح5.
[5] الوسائل 13 160 10 بقية كفارات الاحرام ح6.
[6] والمقصود هو هذا جزماً بقرينة الروايات الأخرى حيث نقلت بطرق أخرى وذكرت لفظ ( وهو محرم ).
[7] البقرة 196.
[8] الوسائل 12 513 62 من أبواب تروك الاحرام ح1.
[9] الوسائل 12 515 62 من ابوا تروك الاحرام ح1.