33/03/19
تحمیل
الموضوع :-
مسألة ( 303 ) / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
مسألة ( 303 ) / واجبات الطواف / باب الطواف / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وهذه الرواية تدل على جواز الطواف خارج الحدِّ المذكور وعدم التقيُّد به ولكن على كراهة ، وترتفع هذه الكراهة إذا كانت هناك ضرورة فانه عليه السلام قال ( ما أحب ذلك ) أي الطواف خلف المقام وهذا التعبير حيادي - أي أنه كما يلتئم مع اللزوم يلتئم مع الرجحان أيضاً - ومن هنا فنحن لا نتمسك به ولا نقول انه ظاهر في الكراهة كما ربما يجري ذلك في كلمات بعض وإنما المهم هو التعبير الثاني حيث جاء هكذا ( وما أرى به بأساً ) وهذا واضح في الجواز ، ثم قال عليه السلام ( فلا تفعله ) يعني وان لم يكن به بأس ولكن لا أحبه - أي هو مكروه - فنفسر ( لا أحبه ) بالكراهة لوجود قرينة في خصوص المورد وهي قوله عليه السلام ( وما أرى به باساً ) . إذن قال عليه السلام هو مكروه ( الا أن لا تجد منه بداً ) أي فيجوز بلا كراهة.
وبالجملة:- الرواية المذكورة واضحة في جواز الطواف خلف المقام ولكن على كراهة.
هذا من حيث روايات المسالة.
وأما من حيث الفتوى:-
فقد نسب إلى الأصحاب أنه يلزم الطواف في الحدِّ المذكور ولم ينسب الخلاف الا إلى اثنين أحدهما أبو علي الاسكافي(قده) فقد نسب إليه جواز الطواف خارج الحدِّ المذكور ولكن بقيد الضرورة ، والثاني - الذي أمكن أن ينسب إليه الخلاف - هو الصدوق(قده) فانه لم يصرِّح في الفقيه بجواز الطواف خارج الحدِّ حتى ينسب إليه الخلاف بنحو الجزم وإنما ذكر موثقة الحلبي في كتابه ( الفقيه ) فإذا ضممنا إلى ذلك ما ذكره في مقدمة الفقيه من ( إني لا أذكر رواية في هذا الكتاب الا ما أفتي به ويكون حجة بيني وبين ربي ) فيمكن أن يفهم من ذكر الرواية في كتابه أنه يذهب إلى ذلك.
واعتبر المحقق(قده) في كتاب الشرائع أن يكون الطواف بين البيت والمقام ، وعلَّق صاحب المدارك بقوله ( هو المعروف من مذهب الأصحاب ) [1] ثم نقل رواية محمد بن مسلم وقال ( ان في طريقها ياسين الضرير وهو لم يوثق ) ثم نقل عن ابن الجنيد أنه جوَّز الطواف خارج المقام عند الضرورة ثم ذكر موثقة الحلبي ثم قال ( وظاهر الصدوق الإفتاء بمضمونها وهو غير بعيد الا أن المشهور أولى ) ، ويظهر من قوله ( وهو غير بعيد ) أنه يميل إلى الجواز ، وقال في الجواهر ( لا خلاف معتد به أجده في وجوب ذلك بل عن الغنية الإجماع عليه ) [2] أي على أنه لابد وأن يقع في الحد المذكور ، ثم قال ( ولكن عن أبي علي الاجزاء خارج المقام مع الضرورة ) ، ثم نقل ما عند الصدوق ثم قال ( انه يجوز خارج المقام للتقية أما غيرها فمشكل بل ظاهر ما سمعته من النص والفتوى ومعقد الإجماع عدم الاجزاء مطلقاً ) . وبهذا اتضحت روايات المسألة واتضح رأي الفقهاء أيضاً وأن المشهور بل ربما يدعى الإجماع على اعتبار ذلك.
والمناسب ان يقال:- يوجد طريقان فقهيان في هذه المسألة وما شاكلها ولابد من انتخاب أحدهما "وهذه قضية سيالة لا تختص بالمقام":-
الأول:- أن نبني على حجية الشهرة والإجماع المنقول ونسير وراء ذلك بل قد نطرح الرواية إذا خالفت ، وأما إذا وافقت ذلك فنأخذ بها حتى إذا كانت ضعيفة السند.
ولعل نسبة هذا الطريق إلى مشهور الفقهاء ممكنة وأنهم يسيرون وراء الشهرة والإجماع المنقول وربما تعلمنا هذا من الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب فقد ذكرت أكثر من مرة أن الشيخ في الرسائل يصير أصولياً ويقول ان الشهرة والاجماعات المنقولة لا دليل على حجيتها -وواضح أني استثني " ولابد وأن يكون هذا هو مقصوده " وهو الا إذا تشكل من خلال ذلك اطمئنان للفقيه ولكن هذا مطلب آخر فان الاطمئنان حجة أما إذا لم يحصل اطمئنان فلا قيمة لذلك هذا ما تعلمناه منه في الرسائل - ولكن كان سيره في المكاسب على العكس فهو يسير وراء الشهرة الفتوائية والاجماعات المنقولة ويحذر من مخالفة ذلك ، فإذا كنّا نسير هذا السير فالموقف واضح ، أي لابد من الأخذ برواية محمد بن مسلم الدالة على لزوم الطواف في الحدِّ المذكور وضعف سندها ينجبر بالشهرة وتسقط موثقة الحلبي عن الاعتبار لمخالفتها للشهرة.
والثاني:- أن نرفض الاجماعات المنقولة والشهرات - كما رفض ذلك السيد الخوئي(قده) - وكما شيد أركان ذلك ، نعم نعطيها اعتباراً كمالياً أي نحتاط لأجلها لا أن نفتي على طبقها ، وبناء على هذا الطريق أمامنا خياران:-
- أن نقول بأن رواية محمد بن مسلم ضعيفة السند باعتبار ياسين الضرير فيبقى الأمر منحصراً بموثقة الحلبي من دون معارض وحينئذ تكون النتيجة هي جواز الطواف خارج الحد المذكور تمسكاً بموثقة الحلبي ، - بل أنا أضيف وأقول:-وبالمطلقات أيضا مثل ( وليطوفوا بالبيت ) - وهذا ما سلكه السيد الخوئي(قده) في المعتمد فانه أنهى المسألة بهذا الشكل قال توجد روايتان والأولى ضعيفة فنأخذ بالثانية ، وهذا طريق جيد ولكنه مبني على طرح رواية محمد بن مسلم عن الاعتبار.
- ان نبني على حجية رواية محمد بن مسلم بشكل وآخر إما باعتبار توثيق ياسين الضرير لرواية الأعاظم عنه أو غير ذلك فتكون عندنا روايتان في المقام فماذا نفعل تجاههما ؟ ربما يقال بأنا نحمل الأولى على الكراهة بقرينة الثانية فان الثانية أفادت بأن الطواف خارج المقام مكروه لأنها قالت ( لا أحبه ولا أرى به بأسا ) فانه يستفاد منها الكراهة فنحمل رواية محمد بن مسلم على الكراهة بعد تصريح موثقة الحلبي بذلك كسائر الموارد التي يجمع فيها بين الروايتين بحمل المانعة على الكراهة بقرينة المجوِّزة.
ولكن يرد ذلك بأنه توجد في المقام نكتة خاصة يلزم لأجلها رفض الجمع المذكور وتلك النكتة هي أن رواية محمد بن مسلم لا تقبل الحمل على الكراهة فان تعابيرها تأبى عن ذلك فانه جاء فيها ( إذا خالف كان طائفاً بغير البيت ولا طواف له ) ان هذا التعبير وما يقرب منه لا يتحمَّل الحمل على الكراهة ومعه يحصل التعارض المستقر بين الروايتين فتسقطان وبالتالي نرجع إلى إطلاق ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) فانه لم يقيّد بالحدّ المذكور ، ومع التنزّل وعدم فرض الإطلاق المكور يكفينا أصل البراءة إذ نشك أن ذمتنا هل اشتغلت بطواف المقيَّد بكونه في الحدِّ المذكور أو لا فنجري البراءة عنه . إذن وصلنا إلى نفس النتيجة غايته من طريق آخر .
نعم يختلف هذا الطريق عن سابقه ، فبناء على ما سبق كان الحكم هو كراهة الطواف خارج الحدِّ المذكور ، بينما على هذا الطريق بعد فرض سقوط الروايتين والرجوع إلى الأصل اللفظي أو العملي يثبت الجواز من دون كراهة ، ولكن ذلك أمر ليس بمهم.
والخلاصة:- ان الحكم هو الجواز في المسألة ولكن بهذا البيان ، أي أنه يحصل تساقط فنرجع إلى الأصل.
ثم ان الأصحاب قد نسبوا إلى الاسكافي(قده) أنه جوَّز الطواف خارج الحدِّ المذكور لأجل الضرورة وهذا يفهم منه أنهم لا يوافقونه على ذلك - أي حتى عند الضرورة لا يكتفى بالطواف خارج الحدِّ المذكور - بل لابد أن يكون مقصودهم - بعد فرض وجود الضرورة - هو أن هذا الطواف لا يُجتزأ به وبالتالي لا يجتزأ بالحج المذكور ويبقى المكلف مشغول الذمة إلى العام المقبل كمن لم يتمكن من الطواف رأساً ، أما إذا فرضنا الواقع الذي عليه في زماننا هذا فالالتزام بهذه النتيجة شيء مشكل ، ففي زماننا قد بلغ الحجاج عدداً كبيراً بحيث لا يسعهم الطواف بين المقام والكعبة والاحتمالات في ذلك متعددة:-
فإما أن نقول لكل الناس ( لابد عليكم أن تطوفوا في الحد المذكور ولو بأن يضرب بعضكم بعضاً ) وهذا احتمال بعيد جداً فانه لا نحتمل أن الشرع يكلّف هذا الخلق الكثير بأن يطوفوا في الحد المذكور ، فأن هذا معناه هو أن المظروف أصبح أكبر من الظرف.
أو أن نقول لابد من الانتظار وترتيب الأمر فطائفة تطوف الآن في الحدِّ المذكور وبعد أن تنتهي تأتي الطائفة الثانية فتطوف ..... وهكذا ، وهذا شيء وجيه ولكنه مجرد اقتراح نظري وليس عملياً لمن شاهد ذلك.
أو أن نقول انه لا يُجتزأ به في هذه السنة وعليه الحج في السنة الثانية ، وهذا ليس بمحتملٍ أيضاً باعتبار أنه على الأقل ان السنة الثانية هي كالأولى ولا تختلف عنها ، وإذا كان هناك شق رابع فهو قريب من هذه الشقوق الثلاثة في الوهن والبطلان.
وعليه يتعين على الفقيه أن يحكم بالتوسعة وأنه يجوز الطواف خارج المقام بعد بطلان هذه الشقوق ، وعلى الأقل نقول بذلك في حالة عدم التمكن من الطواف داخل الحدِّ المذكور أما إذا أمكن فلا يتم هذا البيان.
إذن البيان المذكور خاص وضيِّق بالحالة المتداولة في زماننا هذا والتي لا يمكن فيها الطواف داخل الحدِّ.
إذن مادام هناك ضرورة فينبغي أن نحكم بالجواز بالبيان المذكور ، ولعل ذلك هو مقصود الاسكافي(قده) ، وذا كان ذلك هو مقصوده فينبغي أن يوافقه جميع الأعلام على ذلك لا أن يُجعَل رأياً خاصاً به .
وعليه لا ينبغي التأمل في جواز الطواف خارج الحد المذكور ولا أقل في حالات الضرورة بالبيان المذكور.
[1] المدارك 8 - 130.
[2] الجواهر 19 295.