33-11-20
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
33/11/20
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- الشك في السعي / أحكـام السعي / الـواجـب الرابــع مــن واجبــات عمــرة التمتــع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وفيه:-
أولاً:- صحيح أن حرمة المعلول لا تلازم حرمة العلة فبإمكان المولى أن يجعل الحرمة على المعلول من دون أن يجعلها على العلة ، وذكرنا أيضاً لتتميم هذا المطلب أنه ليس المقصود من عدم جعل الحرمة على العلة جعل الإباحة - وهذه قضية مهمة - كلا فان ذلك يلزم منه محذور اللغوية أو أكثر منها إذ كيف تُجعل العلة مباحة ولكن المعلول يجعل محرمّاً فلا يمكن ذلك للزوم محذور اللغوية أو أكثر منها !! وإنما المقصود هو أنه من ناحية حرمة المعلول لا يُجعل حرمة للعلّة فلا تكون العلّة محكومة بالحرمة ولكن في نفس الوقت ليست محكومة بالإباحة - وأأكد بأن المقصود هو أنه لا يجعل هذا ولا هذا من زاوية حرمة المعلول فبسبب حرمة المعلول لا يلزم جعل حرمة للعلة أو إباحة لها بل يكون ذلك الحكم الأوّلي الثابت هو المستمر والحكم الأوّلي للطواف والسعي هو الوجوب فذلك يكون هو الثابت من دون جعل حكم ثانوي جديد بسبب حرمة المعلول وهذه نكتة أرجو الالتفات إليها أذكرها توضيحاً لمطلب السيد الخوئي(قده) وإن لم يذكرها هو
إننا نسلم كل هذا ولكن نقول:- هناك ملازمة في مرحلة المبغوضية وإن لم تكن موجودة من ناحية جعل الحكم ، فالمولى قد لا يجعل حرمة على العلة ويكتفي بحرمة المعلول وإذا حرم المعلوم يتعين عقلاً ترك العلّة المؤدية إلى ذلك المعلول المحرّم ويكتفي المولى بهذا الحكم لعقلي وليس من الضروري أن يجعل حرمة للعلة بسبب حرمة المعلول ، ولكن من زاوية المبغوضية سوف تكون تلك العلّة التي وجودها لا ينفك عن وجود المعلول فإن الحركة الطوافية لا ينفك وجودها عن حركة الثوب فانه قهراً سوف يتحرك الثوب بتبع حركة البدن في الطواف أو السعي فحركة البدن علّة لا ينفك وجودها عن وجود المعلول وما دامت حركة الثوب مبغوضة فيلزم أن تكون حركة البدن مبغوضة بالتبع أيضاً وهذه قضية وجدانية لا ينبغي التشكيك فيها فإن من أبغض المعلول أبغض العلة المؤدية إليه بشكل حتمي فأنت إذا أبغضت الظلم فكل ما يؤدي إليه سوف يكون مبغوضاً لك وإذا أبغضت الإثم والعدوان فكل ما يؤدي إليه سوف يكون مبغوضاً لك ... وهكذا في سائر الأمثلة وهذه من القضايا الوجدانية العقلائية غير القابلة للبرهنة وهي من الأمور الواضحة ، فإذا قبلنا بهذا فسوف تقع العلّة مبغوضة وسوف تكون الحركة الطوافية أو حركة البدن في السعي مبغوضة وإذا كانت مبغوضة فلا يمكن التقرب بالمبغوض فتقع هذه الحركة باطلة.
و حصيلة مناقشة ما فاده السيد الخوئي(قده) من أنه لا توجد ملازمة في عالم جعل الحرمة:- هي أنّا نقبل بذلك ، ولكن هل لا توجد ملازمة من زاوية المبغوضية أيضاً ؟ كلا فان هذا شيء وجداني فيما إذا كانت العلّة في وجودها لا تنفك عن وجود المعلول فهنا الملازمة في عالم المبغوضية موجودة فيكفينا هذا المقدار وإن لم تكن هناك ملازمة في عالم الحرمة.
وثانياً:- إنه(قده) ذكر أن حركة الثوب مبغوضة ، يعني أن الثوب المغصوب حينما يلبسه الشخص فحركته ارتفاعاً وانخفاضاً تكون محرمّة فإذا كانت محرّمة فحينئذ يأتي القول بأن حرمة المعلول هل يلازم حرمة العلة أو لا ؟ ونحن نقول:- حركة الثوب ارتفاعاً وانخفاضاً ليست محرّمة بل هي قابلة للتأمل فهناك مسألة في باب الغصب لابد وأن تبحث وهي أن من يأخذ ثوب الغير ويلبسه فنفس الأخذ حرام ونفس اللبس حرام أما بعد أن لبسه فهل الحركات الطارئة عليه تكون محرماً اضافياً غير حرمة أصل اللبس بحيث لو حوسب الشخص فيقال له هذه عقوبة على أصل اللبس وهذه عقوبة أخرى على حركة اللباس لأنك ارتكبت حرمة ثانيةً ... وهكذا ؟ فهل هذه الحركات الطارئة بعد اللبس تكون محرّمة بتحريمٍ جديدٍ غير أصل اللبس أو أن أصل اللبس هو المحرم أما ما يطرأ بعد ذلك فليست بمحرمة بحرمة أخرى غير حرمة أصل اللبس ؟ والجواب:- يمكن أن يقال إن المحرم هو أصل اللبس أما ما يطرأ بعد ذلك من حركةٍ ارتفاعاً وانخفاضاً وما شاكل ذلك فهي ليست بتصرفات زائدة على أصل اللبس بحيث تكون محرّمة بحرمة مغايرة لحرمة اللبس ، فعلى هذا الاساس لا تكون حركة الثوب بعد لبسه محرّمة حتى تكون تلك الحرمة مستلزمة لحرمة حركة البدن في الطواف أو السعي.
إن هذا البيان الذي ذكره(قده) مبني على أن الحركات التي تحصل للثوب بعد لبسه محرمة والحال إنه يمكن أن يقال بأنها ليست محرّمة لعدم المثبت لذلك ، مضافاً إلى أن النظرة العقلائية تقتضي ذلك ، وعليه فلا يتم هذا البيان من هذه الزاوية أيضاً.
ولا يخفى الفارق بين نتيجة هذه المناقشة ونتيجة المناقشة الأولى فان نتيجة المناقشة الأولى هي إثبات المبغوضية للعلّة - أي لحركة السعي أو الطواف - وبالتالي يقع باطلاً فننفي الملازمة في عالم الحكم لكن نثبتها في عالم المبغوضية وبالتالي تكون النتيجة بطلان السعي أو الطواف ، وأما نتيجة مناقشتنا الثانية هي عدم البطلان باعتبار أن حركة الثوب بعد لبسه إذا لم تكن محرّمة فلا يلزم من ذلك حرمة حركة البدن في الطواف أو في السعي وبالتالي لا يلزم أن يكون باطلاً . إذن نتيجة هاتين المناقشتين مختلفة وكان المقصود لفت النظر لا أكثر . هذا كله بالنسبة إلى اللباس سواء كان ساتراً أو غير ساتر.
وأما بالنسبة إلى المركب المغصوب:- كما إذا ركب عربة مغصوبة فقد ذكر(قده) أن حركة العربة سوف تصير سبباً وعلّة لتحقق الطواف أو السعي وحينئذ نقول إن حرمة العلة لا يلزم منها حرمة المعلول - أعني الحركة الطوافية - فصحيح أن حركة العربة تصرّف غصبي ولكن حرمة هذه الحركة التي هي علّة لا يلزم منها حرمة الطواف الذي يتحقق بسبب هذه الحركة ، وهذا نظير ما يذكر في مسألة القصر والتمام في باب الصلاة فانه ذكر أن من أحد شرائط قصر الصلاة أن يكون السفر مباحاً وليس سفر معصية وذكر الفقهاء جملة من الأمثلة لسفر المعصية من قبيل أن يتأذى وينهى الوالدان عن السفر فإن نفس السفر سوف يكون محرّماً .... أو غير ذلك من الأمثلة ، ووقع الكلام والبحث بينهم في مثال العربة وهي كما إذا ركب الإنسان سيارة مغصوبة مثلاً لأجل الوصول إلى كربلاء المقدسة فهل يعدّ هذا سفراً محرّماً من باب أنه ركوب في سيارة مغصوبة ؟ أجاب(قده) عن ذلك في مبحث القصر والتمام بأن السفر ما هو معناه ؟ إن معناه هو الابتعاد عن الوطن ، وعلى هذا الأساس فهو حينما يركب السيارة وهي تتحرك فبسبب حركتها سوف يتحقق الابتعاد عن الوطن الذي هو السفر وحرمة حركة السيارة التي هي علّة للابتعاد عن الوطن لا يلازم حرمة الابتعاد عن الوطن الذي هو المعلول ، فالابتعاد عن الوطن يبقى مباحاً رغم أن العلّة شيء محرّم ولكن حرمة العلة لا يلزم منها حرمة ما يحصل بتلك العلة فلذلك لا نقول أن هذا السفر سفر معصية ، إنه هكذا ذكر هناك ، ونفس هذه الفكرة أراد أن يطبقها في مقامنا فقال إن الشخص حينما يركب العربة المغصوبة فحركتها تولّد الطواف أو السعي وحرمة حركة العربة لا يلزم منه حرمة ما يحصل بهذه الحركة فيكون الطواف والسعي باقياً على الإباحة رغم أن العلة محرّمة ، وبذلك تكون النتيجة التي انتهى إليها هي أن الطواف أو السعي صحيح في حالة ركوب العربة المغصوبة.