32/12/22
تحمیل
وفي المسالة أقوال متعددة ، وقبل أن نتعرض إليها نشير إلى قضيتين ثم نشير إلى روايات المسألة.
أما القضيتان فهما:-
القضية الأولى:- ان الحيض تارة يطرأ بعد الإحرام ، يعني في الطريق إلى مكة أو في نفس مكة قبل أن تأتي بالطواف وأخرى يكون عارضاً عليها قبل أن تحرم ويكون مستمراً إلى حالة الإحرام وما بعده.
والروايات قد تعرض بعضها - كما سوف نلاحظ إنشاء الله تعالى - إلى هذه الحالة ، وبعضها الآخر تعرض إلى تلك الحالة ، وبعضها مطلق من هذه الناحية.
والقضية الثانية:- هي أن بعض الروايات قد ذكرت بأن الوظيفة هي الانتقال إلى حج الإفراد ، بينما البعض الآخر ذكرت بأن الوظيفة هي أن تبقى على حج التمتع غايته تؤخر الطواف إلى ما بعد أعمال منى ، أي أنها تأتي بطواف العمرة قضاءً عما سبق قُبَيل أن تأتي بطواف الحج ثم تأتي بطواف الحج ، وبعض الروايات ربما خيَّرت بين الأمرين كما سوف نلاحظ.
إذن هاتان قضيتان ينبغي الالتفات إليهما حينما نقرأ الروايات.
وأما روايات المسألة فهي:-
الرواية الأولى :- صحيحة جميل بن دراج ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية ، قال:- تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة . قال ابن أبي عمير :- كما صنعت عائشة )
[1]
وسند الرواية كالتالي ( الشيخ الطوسي بإسناده عن الحسين بن سعيد عن صفوان بن يحيى وابن أبي عمير وفضالة عن جميل بن دراج ) وحيث أن أحد الرواة عن جميل بن دراج هو بن أبي عمير لذا جاء في ذيل الرواية ( قال بن أبي عمير:- كما صنعت عائشة ) فان هذا تعليق من بن أبي عمير فانه قد ورد في الرواية أن عائشة كانت حائضاً فأمرها النبي صلى الله عليه وآله أن تعدل إلى حج الإفراد وتأتي من بعده بعمرة مفردة ، وابن أبي عمير يريد الإشارة إلى هذا ، أي انه يقول:- كما أمر النبي صلى الله عليه وآله عائشة بأن تأتي بعمرة مفردة بعد الانتقال إلى حج الإفراد فهنا الأمر كذلك ، يعني أن الإمام عليه السلام أمر بالخروج إلى التنعيم بعد إكمال حج الإفراد وذلك لأجل أن تأتي بعمرة مفردة كما صنعت عائشة كما ورد في الحديث.
وعلى أي حال ان هذه الرواية قد دلت على أن الوظيفة هي الانتقال إلى حج الإفراد ولم تفصِّل بين ما إذا كان الحيض طارئاً قبل الإحرام أو بعده حيث قالت ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن المرأة الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية ) وهي كما تشمل من حدث حيضها بعد الإحرام - يعني في طريقها من مسجد الشجرة مثلاً إلى مكة المكرمة فإنها تشمل أيضاً من حدث حيضها قبل الإحرام.
وهذه الصحيحة مطلقة من ناحية القضية الأولى - أي من حيث أن الحيض قد طرأ قبل الإحرام أو بعده ، أما من ناحية القضية الثانية فهي قد دلت على أن الوظيفة هي الانتقال إلى حج الإفراد.
والفت النظر إلى قضية جانبية ليس ذكرها مهما هنا الآن ولكن لا بأس بالالتفات إليها وهي:- إنا نعرف أن حج التمتع مركب من عمرة التمتع وحج التمتع ومرتبطان معاً ولا ينفك أحدهما عن الآخر ومن أتى بأحدهما دون الآخر فلم يأت بشيء ، وأما حج الإفراد فهو ليس مركباً من حج وعمرة وإنما هما عملان مستقلان فالعمرة المفردة واجبة على كل من استطاع إليها ويؤتى بها وحدها مجردة عن الحج ، نعم من استطاع إليهما معاً - كأهل مكة - فيجب عليه الإتيان بهما ، ولكن لو عصى وأتى بواحد دون الثاني فقد وقع ما أتى به صحيحاً وان عصى بلحاظ الثاني.
ولو أن شخصاً جاء بعمرة مفردة سقطت عنه ، فلو أراد في سنةٍ أن يحج حجاً افرادياً - باعتبار أنه حج فيما سبق حج تمتع والآن يريد أن يحج حج إفراد - فهل يلزم أن يأتي معه بعمرة مفردة بعد فرض أنه قد أتى بالعمرة سابقاً ؟ الجواب:- كلا لا يجب عليه ذلك لأنها واجبة في العمر مرة واحدة وقد آتى بها.
نعم يستثنى من ذلك الحائض التي قلبت حجها إلى إفراد فانه يلزمها الإتيان بعمرة مفردة بعد حج الإفراد حتى لو أتت بعمرة مفردة فيما سبق ، وهذا المورد قد خرج بالدليل لأجل هذه الرواية وما شاكلها فالتفت إلى هذه القضية.
والخلاصة هي:- ان صحيحة جميل بن دراج دلت على أن الوظيفة هي الانتقال إلى حج الإفراد من دون فرق بين طرو الحيض قبل الإحرام أو بعده.
وعلى منوالها صحيحة زرارة وصحيحة معاوية بن عمار الواردتان في قضية أسماء بنت عميس التي كانت نفساء حيث دلتا على أن وظيفتها انقلبت إلى الإفراد
[2]
.
الرواية الثانية:- موثقة إسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السلام ( سألته عن المرأة تجيء متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج إلى عرفات
[3]
، قال:- تصير حجة مفردة ، قلت:- عليها شيء ؟ قال:- دم تهريقه وهي أضحيتها )
[4]
، وهي واردة فيمن طرأ عليها الحيض بعد الإحرام ، فهي من هذه الناحية تختلف عن صحيحة جميل السابقة فصحيحة جميل شاملة لمن طرأ عليها الحيض قبل الإحرام وبعده بينما هذه الموثقة خاصة بمن طرأ عليها الحيض بعده ، ولكن من حيث الحكم فهي تتفق معها فإنها دلت على أن الوظيفة هي الانتقال إلى حج الإفراد لا البقاء على عمرة التمتع مع تأخير طواف العمرة.
وهناك قضية جانبية ترتبط بهذه الرواية:- وهي أنه قد جاء في ذيلها ( قلت:- عليها شيء ؟ قال:- دم تهريقه وهي أضحيتها ) ، ونحن نعرف أن حج الإفراد لا يوجد فيه دمٌ فماذا نصنع ؟ والجواب:- انه يلزم حمل ذلك على الاستحباب للاتفاق على أنه لا يوجد دمٌ في حج الإفراد كما نص على ذلك الشيخ الطوسي(قده) فان صاحب الوسائل(قده) قد نقل في ذيل الحديث المذكور عن الشيخ الطوسي أنه حمل ذلك على الاستحباب.
[1] الوسائل 11 296 - 21 من أقسام الحج ح2.
[2] الوسائل 13- 462 91 من أبواب الطواف ح1 ، الوسائل 12 -401 49 من أبواب الإحرام ح1 .
[3] متعلق بـ ( فتطمث ) أي يبقى طمثها إلى حين الخروج إلى عرفات فلا تتمكن من أن تأتي بأعمال عمرة التمتع.
[4] الوسائل 11 296 - 21 من أقسام الحج ح13.