32/11/25
تحمیل
مسألة 286:- إذا شك في الطهارة قبل الشروع في الطواف أو في إثناءه فان علم أن الحالة السابقة كانت هي الطهارة وكان الشك في صدور الحدث بعدها لم يعتن بالشك وإلا وجبت عليه الطهارة والطواف أو استينافه بعدها.
ذكرنا فيما سبق أن الطهارة شرط في الطواف وتحدثنا عمن انتقضت طهارته أثناء الطواف ، والآن نريد أن نتحدث عمن شك في كونه متطهراً أو لا ، وهذا الشك مرة يكون قبل الطواف وأخرى يكون إثناءه وثالثةً يكون بعده ، وفي هذه المسالة تعرض (قده) إلى حالة الشك قبل الطواف وفي الأثناء وأما حالة الشك بعد الطواف فقد أرجأ الحديث عنها إلى المسألة التالية - أي مسألة (287 ) - ولكن من المناسب فنياً عقد مسألة واحدة لجميع الحالات الثلاث فيقال ( ان من شك في كونه على طهارة فان كان الشك قبل الطواف أو في إثناءه فحكمه كذا - وهو ما ذكره في هذه المسالة - وان كان الشك بعد الطواف فحكمه كذا ) ان هذه الطريقة أجدر فإنها توجب ضبط شقوق المسألة بلا صعوبة.
وعلى أي حال نتكلم الآن عن حالة الشك قبل الطواف وحالة الشك إثناءه , وأما حالة الشك بعد الطواف فنرجئه إلى المسالة البعدية كما صنع (قده):-
أما إذا كان الشك قبل الطواف:- كما إذا فرض أن المكلف أراد أن يطوف فلتفت إلى نفسه وشك هل هو متطهر أو لا ؟ فهناك صور ثلاث:-
الصورة الأولى:- أن يفترض أن المكلف كان متطهراً جزماً قبل الطواف وشك في الانتقاض بعد ذلك ، وفي هذه الصورة يبني على بقاء الطهارة لأجل الاستصحاب.
الصورة الثانية:- أن يجزم بأنه كان محدثاً فيما سبق ولكن يحتمل أنه تطهر قبل الطواف ، وفي هذه الصورة يبني على الحدث لأجل الاستصحاب كما هو واضح.
وقد تقول:- ان مثل السيد الخوئي(قده) الذي لم يقل بحجية الاستصحاب في الشبهات الحكمية ماذا يصنع هنا ؟ فان الحدث حكم شرعي غايته هو حكم وضعي وليس تكليفي والاستصحاب كما لا يجري في الأحكام التكليفية لا يجري في الأحكام الوضعية لشبهة المعارضة بين استصحاب عدم المجعول وأصالة عدم الجعل الزائد ، انه ماذا يصنع هنا ؟ وهكذا بالنسبة إلى الصورة الأولى فان الطهارة حكم وضعي فكيف يجري استصحابها على مبناه أي ماذا يصنع ؟
وجوابه:- انه (قده) يخصص شبهة المعارضة بما إذا كان المستصحب حكماً كلياً دون ما إذا كان جزئياً ، فان الذي يشتمل على جعلٍ هو الحكم الكلي وأما الحكم الجزئي والشبهة الموضوعية الجزئية فليس فيها جعل.
الفت النظر من باب القضية العلمية الجانبية:- انه(قده) في فترة من الزمن كان يرى أن الجعل كما هو ثابت في الأحكام الكلية كذلك هو ثابت في الأحكام الجزئية حيث كان يقول ان جعل الحكم الكلي للموضوع الكلي يشتمل على جعول جزئية بعدد الأفراد ، وبناءاً على هذا فالمعارضة كما تتحقق في استصحاب الحكم الكلي كذلك تثبت في استصحاب الحكم الجزئي .
ولكنه تراجع بعد ذلك وقال:- ان الجعل يختص بالأحكام الكلية فالمشرع يجعل الحدث الكلي في حق المكلف الكلي الذي خرج منه الريح مثلاً ولم يتوضأ ، أما هذا الشخص بخصوصه أو ذاك بخصوصه فليس في حقهم جعل للحدث ، ومعه فيجري استصحاب المجعول الفعلي في الشبهات الموضوعية - يعني في باب الأحكام الجزئية - بلا معارضة بأصالة عدم الجعل الزائد فان الشبهات الموضوعية - أي الأحكام الجزئية - لا تشتمل على جعل في حد نفسها حتى يكون أصالة عدم الجعل الزائد فيها معارضاً لاستصحاب بقاء المجعول.
وعليه ففي مقامنا حيث أن المكلف يشك في بقاء الحدث في حقه هو ، لا أنه يشك في بقاء الحدث الكلي فانه يعلم بالحكم الكلي وأنه لو توضأ قبل الطواف فلا بقاء للحدث وان لم يتوضأ فهناك بقاء للحدث فان الحكم الكلي عنده واضح وإنما الشك في الحكم الجزئي.
إذن في الصورة الأولى يجري استصحاب بقاء الطهارة وفي الثاني يجري استصحاب بقاء الحدث حتى عند السيد الخوئي (قده) لأنه يمنع من جريان الاستصحاب فيما إذا شك في الأحكام الكلية دون الجزئية.
الصورة الثالثة:- إذا فرض توارد الحالتين ، بمعنى أن المكلف يعرف أنه قد ذهب لقضاء الحاجة ويجزم بأنه توضأ ، فطرأت عليه حالتان حالة الطهارة وحالة الحدث ولكن لا يعلم أيهما المتقدمة ، وبحكم ذلك ما إذا فرض أنه كان يجهل الحالة السابقة - لو أمكننا تصور ذلك انه في هذه الصورة حيث لا يجري الاستصحاب في حد نفسه على احتمالٍ أو يمكن جريانه في حد نفسه ولكن يسقطان لأجل المعارضة والنتيجة واحدة وهذه مبانٍ علمية أبيّنها فانه حيث لا يمكن جريان الاستصحاب فلا يعود لدى لمكلف محرز للطهارة فيلزمه إحرازها وذلك بأن يتطهر.
إذن اتضح أنه في حالة الشك قبل الشروع في الطواف ان فرض أن الحالة السابقة الجزمية هي الطهارة فلا يحتاج إلى طهارة من جديد وإلا أي في كلتا الحالين السابقتين فيلزمه أن يتطهر إما لاستصحاب الحدث كما في الصورة الثانية أو لعدم جريان الاستصحاب كما في الصورة الثالثة فيحتاج إلى محرز للطهارة فيلزمه الإتيان بطهارة جديدة
وأما الحالة الثانية:- أعني ما إذا كان الشك أثناء الطواف ، فتأتي الصور الثلاث هنا أيضاً ، كما لو فرضنا أنه شك في الشوط الثاني هل أنه حينما دخل في الطواف كان متطهراً أو لا ؟ فتاتي الصور الثلاث:-
فأما في الصورة الأولى أعني ما إذا كانت الحالة السابقة الجزمية هي الطهارة يجري استصحاب الطهارة في حقه ويثبت أنه على طهارة فيستمر في طوافه.
وأما في الصورة الثانية وهي أن تكون الحالة السابقة الجزمية هي الحدث فيجري في حقه استصحاب بقاء الحدث ويلزمه الطهارة من جديد.
وأما في الصورة الثالثة أعني توارد الحالتين وما بحكمها فيلزمه أيضاً إحراز الطهارة وذلك بأن يتطهر من جديد.
وبهذا اتضح مضمون المسألة التي ذكرها(قده) فانه قال هكذا ( إذا شك في الطهارة قبل الشروع في الطواف أو في إثناءه ) يعني الحالة الأولى والثانية وأما الحالة الثالثة فسيأتي حكمها في المسالة البعدية ( فان علم ان الحالة السابقة هي الطهارة وكان الشك في صدور الحدث بعدها لم يعتن بالشك ) يعني يبني على بقاء الطهـارة سـواء كـان الشـك قبـل الطـواف أو كـان إثنــاءه ( وإلا ) يعني إذا لم تكن الحالة الجزمية السابقة هي الطهارة وتدخل في ذلك الصورتان الأخيرتان أي إذا كانت الحالة السابقة الجزمية هي الحدث أو توارد الحالتين ( وجبت عليه الطهارة والطواف ) يعني إذا كان الشك قبل الطواف ( أو استينافه بعدها ) يعني إذا كان الشك في الأثناء.
إذن مضمون المسألة شيء واضح.
ولكن المطلب العلمي الذي لابد من الإشارة إليه هو:- ان المكلف إذا شك أثناء الطواف وكانت الحالة السابقة هي الحدث أو فرض توارد الحالتين فقد قلنا في هاتين الصورتين يلزمه أن يتطهر إما لاستصحاب الحدث أو لأجل أنه لا استصحاب فيلزم إحراز الطهارة ، والسؤال هو هل يمكن أن نجري قاعد الفراغ بلحاظ ما سبق ؟ فلو فرض أنه طاف شوطين وشك بعدهما أنه على طهارة أو لا - وأأكد أن الحالة السابقة هي الحدث أو فرض توارد الحالتين - فهل يمكن أن نجري قاعدة الفراغ بالنسبة إلى الشوطين السابقين فيقال انه قد فرغ منهما وبعد الفراغ منهما يشك في صحتهما ومقتضى قاعدة ( كل ما مضى فأمضه كما هو ) هو الحكم بالصحة . نعم بالنسبة إلى ما يأتي حيث لم يأت به فلا معنى لتطبيق قاعدة الفراغ وبالتالي تلزم الطهارة لأجل ما يأتي.
وأأكد بأن هذا التساؤل العلمي يأتي إذا كانت الحالة السابقة هي الحدث أو توارد الحالتين ، وأما إذا كانت الحالة السابقة هي الطهارة فهذا يغنينا عن كل هذا الكلام
وإذا جرت قاعدة الفراغ فيما سبق فإنها مقدمة على الاستصحاب جزماً ، أما لماذا ؟ ذاك شيء لا يهمنا الآن فانه من المسلّمات . إذن التساؤل هو هذا.
قد تعرض صاحب الجواهر(قده)
[1]
إلى ذلك وذكر أنه شيء وجيه ولكن لم أجد من احتمله فان المشهور بين الأصحاب هو البطلان والحاجة إلى الطهارة لكل الطواف من البداية ، ولكن كما قلنا من الوجيه جريان قاعدة الفراغ بلحاظ ما سبق إذ ذلك نظير ما إذا فرغ المكلف من صلاة الظهر وبعد فراغه وأراد أن يصلي العصر شك هل أنه كان على الوضوء من البداية أو لا ؟ ان الفقهاء حكموا بصحة الظهر لقاعدة الفراغ ويلزمه الوضوء لأجل العصر ، ونفس هذا الكلام يأتي في المقام فان بقية الأشواط حيث لم يأت بها فلا تجري بلحاظها قاعدة الفراغ ، وأما ما أتى به فحيث أنه قد فرغ منه ويشك في صحته فيبني على صحته لقاعدة الفراغ.
[1] الجواهر 19 273.