32/11/19
تحمیل
والرواية الواحدة هي ما رواه الشيخ الطوسي(قده) بسنده عن موسى بن القاسم عن النخعي عن ابن أبي عمير عن جميل عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليه السلام ( الرجل يحدث في طواف الفريضة وقد طاف بعضه ، قال:- يخرج ويتوضأ فان كان جاز النصف بنى على طوافه وان كان أقل من النصف أعاد الطواف )[1] فإنها واضحة الدلالة على أن المكلف بعد أن يحدث أثناء الطواف عليه أن يتوضأ وهذا أمر مفروغ عنه , ولكن هل يشرع في الطواف من جديد أو يبني على ما سبق ويتمه ؟ فصَّل عليه السلام بين كون ذلك بعد النصف فيتم ما سبق أو قبله فيستأنف ، والدلالة واضحة.
إلا ان الإشكال في السند ، فان طريق الشيخ إلى موسى بن القاسم صحيح كما في المشيخة والفهرست ، وموسى بن القاسم البجلي هو من ثقاة أصحابنا ، والنخعي هو أيوب بن نوح بن دراج وهو من ثقاة أصحابنا أيضاً ، وابن أبي عمير وجميل أمرهما واضح ، وإنما المشكلة هي في الإرسال عن بعض أصحابنا.
ونلفت النظر إلى أن الشيخ الكليني رواها من دون ذكر جميل في البين أي رواها هكذا ( عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليه السلام ).
وقد يقال:- بناءاً على هذا الطريق لا مشكلة في السند إذ الذي حصل منه الإرسال هو ابن أبي عمير وبناءاً على أن مراسيله كمسانيده لا يعود هناك إشكال في السند.
ويرده:-
أولاً:- إنا وان قبلنا مراسيل بن أبي عمير لما ذكره الشيخ الطوسي في العدة من أن الطائفة أخذت بمراسيل من عرف أنه لا يرسل إلا عن ثقة وذكر ثلاثة أسماء وهم بن أبي عمير وصفوان والبزنطي ، ولكن حيث أنا نعرف من الخارج أن خمسة من مشايخ بن أبي عمير أو ما يقرب من ذلك قد ضعفوا فيصير المورد من تعارض التوثيق والجرح فيكون هؤلاء بحكم الضعيف ، وحيث أنا نحتمل أن المقصود من ( بعض أصحابنا ) هو أحد هؤلاء فيكون المورد من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وهو لا يجوز ، فالعام هو شهادة الطوسي أو الأصحاب بوثاقة كل من يرسل عنه ابن أبي عمير وقد خرج من هذا العموم هؤلاء الخمسة أو الثمانية من مشايخ بن أبي عمير فيكون العام من حيث الحجية مقيداً بغيرهم فجميع من يرسل عنهم بن أبي عمير ثقة غير هؤلاء ومعه كيف نتمسك بالعام ونحن نعرف أن الحكم لا يثبت موضوعه فان العام يقول إذا كان الشخص يروي عنه بن أبي عمير ولم يكن من هؤلاء الخمسة فهو ثقة ويؤخذ برواياته أما أن هذا من الخمسة أو لا فهو لا يتكفل إثباته.
إذن مراسيل بن أبي عمير التي تكون بلسان ( عن بعض أصحابنا ) ساقطة عن الاعتبار لما ذكرنا .
نعم لو كان التعبير بلسان ( عن غير واحد من أصحابنا ) فهنا نقبل الرواية لأن هذا التعبير يشمل ثلاثة فما فوق عادة ومن البعيد أن جميعهم من الضعاف الخمسة دون البقية التي عددها كبير . إذن ينبغي التمييز بين هاتين الحالتين.
وان شئت قلت:- ان رواية بن أبي عمير عن شخصٍ لا تخلو من شقوق ثلاثة ، فإما أن يصرح باسمه ، أو يعبر عنه بكلمة ( بعض أصحابنا ) أو يعبر بكلمة ( عن غير واحد من أصحابنا ).
والأول موجب للتوثيق إلا أن يعارض بجرح من خارج فان الشخص نعرف اسمه فإذا لم يكن له جرح من خارج فالشهادة بأن ابن أبي عمير لا يروي إلا عن ثقة تشمله وتثبت وثاقته.
وأما إذا قال ( عن بعض أصحابنا ) فلا يقبل لأن المورد من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
وأما إذا عبر بالثالث فيقبل وذلك بسبب حصول الاطمئنان الذي أشرنا إليه ، وهذا لا يختص بابن أبي عمير بل يشمل غيره ولكن شريطة أن نحصي مشايخه فإذا كان عدد الضعفاء قليل كخمسة من أربعمائة مثلاً كمشايخ بن أبي عمير فيكون هذا الكلام صحيحاً.
إذن نحن لم نقبل هذه الرواية لأن ابن أبي عمير قال ( عن بعض أصحابنا ) وهذا لا يمكن الأخذ به لأنه من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
وثانياً:- لو قبلنا مراسيل بن أبي عمير حتى لو كانت بلسان ( عن بعض أصحابنا ) ولكن نقول إنا نحتمل أن المرسل هو جميل وليس ابن أبي عمير فان الشيخ الطوسي(قده) جعل المرسل هو جميل حيث قال ( عن بن أبي عمير عن جميل عن بعض أصحابنا ) فلا يجزم بأن المرسل هو بن أبي عمير حتى نطبق ما سبق .
اللهم إلا أن يفترض وجود أصل عقلائي وهو أن الأصل هو عدم وجود واسطة زائدة في المورد الذي يشك فيه بوجود راوٍ خر من قبيل جميل ، يعني بتعبير آخر هل بن أبي عمير روى عن جميل عن بعض أصحابنا أو أنه روى مباشرة عن بعض أصحابنا ، فلو ثبت أصل عقلائي على عدم وجود واسطة زائدة فنبني على عدم وجودها - أعني جميل - وبالتالي يكون ابن أبي عمير هو الذي أرسل عن بعض الأصحاب ، ولكن لا يوجد مثل هذا الأصل . إذن الرواية ضعيفة السند وان كانت دلالتها واضحة.
وأما الروايات المذكورة في أبواب أخرى فمن تلك الأبواب باب الحيض ، يعني إذا طافت المرأة وفي الأثناء طرأ عليها الحيض فان بعض الروايات قالت تنتظر إلى أن تطهر فإذا طهرت اغتسلت وأتمت ما سبق ، وبعضها فصَّل بين ما إذا كان طرو الحيض قبل النصف فتستأنف طوافاً جديداً بعد الطهر والاغتسال وان كان بعد النصف فتبني على ما سبق ، فلاحظ صحيحة محمد بن مسلم ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة طافت ثلاثة أشواط أو أقل من ذلك ثم رأت دماً ، قال:- تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت واعتدت بما مضى )[2] فإنها دلت على أنها تبني على ما سبق من دون تفصيل بل مع التصريح بأنه حتى لو كان المقدار أقل من نصفٍ فإنها تبني عليه.
ولكن هناك روايات أخرى فصَّلت بين التجاوز للنصف وعدمه:-
من قبيل:- رواية أبي بصير[3] ، وإنما كانت رواية لا صحيحة باعتبار ورود سلمة بن الخطاب في السند وهو لم يوثق ، والطريق هكذا ( محمد بن يعقوب عن محمد بن يحيى عن سلمة بن الخطاب عن علي بن الحسن عن علي بن أبي حمزة ومحمد بن زياد - أي بن أبي عمير - عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام ) والمشكلة في سلمة بن أبي الخطاب ، وأما علي بن أبي حمزة فلا مشكلة من ناحيته لأنه قد انضم إليه محمد بن زياد أي بن أبي عمير - فيكفينا وثاقته ، وهي قد دلت على التفصيل بين تجاوز النصف وعدمه.
ومن قبيل:- رواية أحمد بن عمر الحلّال[4] ، وإنما ذكرنا أنها رواية لا صحيحة باعتبار وجود إرسالٍ فيها لأنها هكذا ( وعنه عن أحمد بن محمد عمن ذكره عن أحمد بن عمر الحلّال عن أبي الحسن ... )[5] فالمشكلة هي من حيث الإرسال.
إذن هاتان الروايتان المفصِّلتان بين تجاوز النصف وعدمه ضعيفتان.
وهناك رواية واحدة وردت فيمن طاف طواف النساء ولكنه قطعه في الأثناء وأجنب ، وإنها فصَّلت بين ما إذا كان قد أتى بخمسة أشواط فيبني على ما سبق أو أتى بثلاثة فيستأنف وهي صحيحة حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام ( سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف خمسة أشواط ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره فخرج إلى منزله فنقض فنفض ثم غشي جاريته ، قال:- يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه ويستغفر الله ولا يعود ، وان كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه[6] وعليه بدنة ويغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعاً )[7] .
إذن بهذا عرفنا ما يحتمل كونه مدركاً في المسالة.
وهناك قضية ثالثة:- وهي أنه لو رجعنا إلى كلمات الأصحاب في هذه المسألة لوجدناها قد اتفقت على ما نسب إليهم على التفصيل بين ما إذا تجاوز النصف وصدر منه الحدث فيتوضأ ويبني على ما سبق وبين ما إذا لم يتجاوز النصف فلا بد من الإعادة.
قال في الشرائع ( السادسة:- من نقص من طوافه فان جاوز النصف رجع فأتم ولو عاد إلى أهله أمر من يطوف عنه ، وان كان دون ذلك استأنف ......... وكذا لو أحدث في طواف الفريضة ).
وقال في المدارك ( المراد أن مَن أحدث في طواف الفريضة يتوضأ ويتم ما بقي ان كان حدثه بعد إتمام النصف وان كان قبله أعاد الطواف من أوله ، وهذا الحكم مقطوع به في كلام الأصحاب واستدل عليه في التهذيب بما رواه عن جميل عن بعض أصحابنا ...... وهذه الرواية قاصرة السند بالإرسال وبغيره لكن ظاهر المنتهى أن هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ولعله الحجة )[8] .
وقال في الجواهر بعد نقل عبارة الشرائع ( بلا خلافٍ معتدٍ به أجده فيه كما اعترف به غير واحد ....... بل عن الخلاف الإجماع على الاستئناف قبل تجاوز النصف لما عرفته سابقاً مضافاً إلى قول أحدهما عليه السلام في مرسل بن أبي عمير ...... ونحو قول الرضا عليه السلام لأحمد بن عمر الحلَّال إذا حاضت المرأة...... )[9] .
[1] الوسائل 13 378 40 أبواب الطواف ح1.
[2] الوسائل 13 454 85 أبواب الطواف ح3.
[3] المصدر السابق ح1
[4] والحلّال هو الذي يبيع الحَل والحَل هو المادة التي تضاف إلى الخل ، أو هو دهن السمسم على ما جاء في مجمع البحرين.
[5] المصدر السابق ح2.
[6] أي افسد طوافه بقرية نهاية الرواية حيث قالت ( ثم يعود فيطوف أسبوعاً ).
[7] الوسائل 13 126 -11 كفارات الاستمتاع ح1.
[8] المدارك 8 156.
[9] الجواهر 19 334.