32/10/22
تحمیل
وفيه:- ان هذا يتم لو فرض إحراز وحدة النسخة - أي نسخة أصل منصور بن حازم - أما إذا احتملنا وجود نسختين لهذا الأصل وكل نسخة وصلت الى الشيخ الصدوق بسند يغاير ما وصلت به النسخة الأخرى فبالتالي لا يمكن الاستعانة بالسند الثاني لاحتمال أن الرواية التي هي محل كلامنا مثبتة في تلك النسخة التي وصلت من خلال ماجيلويه ولا توجد في هذه النسخة التي وصلت في هذا السند الثاني الذي يرويه الشيخ الصدوق عن محمد بن الحسن بن الوليد ، وهذه قضية ظريفة يجدر الالتفات إليها.
ومعلوم أنه لا يوجد أصل يمكن من خلاله إثبات وحدة النسخة ، كما لا يمكن أن يحصل لنا اطمئنان بوحدة النسخة ، وعلى هذا الأساس يصير الأمر مشكلاً ولا يمكن التعويض بأحد السندين عن السند الآخر.
نعم لو فرض أن الشيخ الصدوق كان يقول ( كل رواية وصلتني بهذا السند فقد وصلتني أيضاً بالسند الآخر ) لأمكن التعويض كما نصنع ذلك بالنسبة الى فهرست الشيخ الطوسي فانه حينما يذكر أسماء الأشخاص يقول ( ان له كتاباً وارويه بهذا الطريق ثم يذكر طريقاً ثانياً ثم يذكر طريقاً ثالثاً ) فإذا فرض أن الطريق في المشيخة كان ضعيفاً وكان ذلك الطريق الضعيف قد ذكر أيضاً في الفهرست كأحد الطرق الى أصل معين فيمكن آنذاك التعويض ببقية الطرق عن ذلك الطريق الضعيف المذكور في المشيخة ، وقد فرضنا أنه ذكر أيضاً في الفهرست أنه يمكن التعويض عنه بالطرق الأخرى ولا تأتي شبهة احتمال تعدد النسخة.
والنكتة الفارقة هي أن ظاهر تعبير الشيخ الطوسي في كتاب الفهرست ( ان لفلان أصلاً وأرويه بهذا الطريق وبهذا الطريق وبهذا الطريق ) هو أن كل ما وصل إليه بأحد هذه الطرق فقد وصل ببقية الطرق أيضاً ومعه نتغلب على مشكلة احتمال تعدد النسخة ، وهذا بخلافه في مقامنا فان هذا التعبير لا يوجد للشيخ الصدوق وإنما هو ذكر طريقاً واحداً في مشيخته وهناك طريقاً آخر في فهرست الشيخ الطوسي ولا يظهر من كلام الصدوق ًن ما وصل بالطريق الأول فقد وصل بالطريق الثاني .
ومن خلال كل ما ذكرنا اتضح أن رواية منصور قابلة للإشكال من حيث السند لمن لا يبني على وثاقة ( ماجيلويه ) من جهة شيخوخة الإجازة ، ويكفيه آنذاك صحيحة سليمان فانها دلت على ثبوت القيمة عند قطع أو قلع شجرة الحرم وبالتالي تكون النتيجة هي أن من قطع أو قلع شجرة الحرم فعليه قيمة المقطوع كما أفتى بذلك السيد الماتن(قده).
نعم الفت النظر الى هذه القضية المهمة:- وهي أن من يبني على حجية فتوى المشهور أو لا أقل يعطيه قيمة عالية - كما لعل ذلك هو المشهور بل قد علمنا الشيخ الأعظم ذلك في مكاسبه - فالمناسب له آنذاك هجر صحيحة سليمان ومنصور والأخذ بما نسب الى المشهور من أن في الشجرة العظيمة بقرة وفي الجزلة أي الشجرة الصغيرة شاة ، انه من المناسب أن يفتي بذلك أو لا أقل أن يحتاط وجوباً كما صار الى ذلك الشيخ النائيني(قده) في مناسكه.
أما من لا يعطي القيمة العالية للشهرة الفتوائية فالمناسب أن يأخذ بما دلت عليه صحيحة سليمان ولا يفرِّق بين الشجرة الكبير والصغيرة فانه في كليهما تثبت القيمة كما صار الى ذلك السيد الماتن(قده) خصوصاً ان الشهرة المذكورة لم تثبت وإنما هو مجرد نقل من قبل صاحب المدارك وحده أو بإضافة غيره أما أنها شهرة مححقة فليست بثابتة ، وعليه فالمصير الى ما ذهب إليه المشهور مشكل ، والمناسب الأخذ بما دلت عليه صحيحة سليمان.
وهذه قضية مهمة ينبغي أن نحدد موقفنا تجاهها ، فأنت من الآن لابد وان تحدد موقفك من الشهرة الفتوائية فإذا كنت تبني على حجيتها فسوف تصير في راحة عن البحث عن المستند لهذا الحكم ، وأما إذا لم تبن على ذلك فلا بد وأن تفتش عن مستندات حتى تصير الى رأي معين.
وقبل أن نختم حديثنا عن هذه المسالة نذكر أنه توجد زيادة في بعض نسخ المناسك تستحق أن نذكر نقطة ثالثة لأجلها:-
النقطة الثالثة:- ان في قطع أبعاض شجرة الحرم قيمة المقدار المقطوع ، والوجه واضح فان صحيحة سليمان مطلقة من هذه الناحية فهي تشمل الحالتين معاً وتدل على ثبوت القيمة.
أين تذبح الكفارة وما هو مصرفها
مسالة 283:- إذا وجبت على المحرم كفارة لأجل الصيد فمحل ذبحها مكة المكرمة وإذا كان الصيد في إحرام الحج فمحل ذبح الكفارة منى.
مسألة 284:- إذا وجبت الكفارة على المحرم بسبب غير الصيد ..........الخ
ان هذه المسالة تتعرض الى أن من وجب عليه دم فأين يذبح الحيوان ؟
والكلام يقع مرة بالنسبة الى من وجب عليه الدم بسبب الاصطياد وأخرى من وجب عليه الدم بسببٍ آخر كمن ظلل ، وقد عقد (قده) مسألتين مسالة لكفارة الصيد ومسألة لسائر الكفارات وكان من المناسب فنياً عقد مسألة واحدة لكلتا الكفارتين فيعبر هكذا ( من وجبت عليه كفارة فان كان ذلك بسبب الاصطياد فحكمة كذا وان كان بسبب آخر فحكمه كذا ) انه شيء أليق لضبط فروع المسالة.
والمشهور بين الفقهاء أن لا فرق بين الكفارتين - أي كفارة الصيد وكفارة غيره - فالكفارتان محلهما مكة المكرمة إذا كان ذلك في إحرام العمرة ومنى إذا كان ذلك في إحرام الحج فلاحظ عبارة المحقق في الشرائع قال ( وكل ما يلزم المحرم من فداء يذبحه أو ينحره بمكة ان كان معتمراً وبمنى ان كان حاجاً ) ولم يذكر شيئاً أكثر من هذا.
وعلق صاحب المدارك بقوله ( هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً )[1] ، ثم ذكر بعد ذلك أن هذا التفصيل قد ذكرته الروايات في خصوص كفارة الصيد ولم تذكره فـي غيـر ذلـك ، ثـم قـال ( ومعه فلو قيل بجواز ذبحه حيث كان لم يكن بعيداً للأصل وما رواه الشيخ عن أحمد بن محمد عن بعض رجاله ).
ان صاحب المدارك ذكر قضيتين في كلامه هذا:-
الأولى:- ان ما ذكره صاحب الشرائع شيء لا خلاف فيه.
ولكن علّق على ذلك صاحب الحدائق وقال ( العجب من دعوى اتفاق الأصحاب على ذلك مع وجود الخلاف في كتاب المختلف ، نعم ما ذكره هو المشهور كما ذكره في المختلف )[2] . إذن العلامة في المختلف ينقل الخلاف فكيف تدعي الوفاق يا صاحب المدارك ؟
والثانية:- قد ادعى أن الروايات ذكرت التفصيل المذكور في كفارة الصيد ولم تذكره في غير ذلك بل ولا توجد إشارة الى حكم بقية الكفارات ، وهذا غريب منه أيضاً فإننا سوف نذكر فيما بعد أن بعض الروايات التي تدل على أن غير الصيد يجوز ذبح كفارته عند أهله فكيف خفيت هذه عنه.
وعلى أي حال الكلام تارة يقع في كفارة الصيد وأخرى يقع في كفارة غيره.
اما كفارة الصيد:- فأمرها كما ذكر ، يعني ان محل ذبح الكفارة هو مكة المكرمة لمن فعل ذلك في إحرام العمرة وإلا ففي منى ويكفينا قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمداً فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عـدل منكـم هديـاً بالغ الكعبـة ) والشاهد في قوله تعالى ( هديا بالغ الكعبة ) ، ولو كنا نحن والآية الكريمة لم نفصِّل بين إحرام العمرة وإحرام الحج ولكن بعض الروايات فصلت بذلك.
[1] المدارك 8 405.
[2] الحدائق 15 328.