32/10/20
تحمیل
وفيه:- ان القياس مع الفارق فانه في مثل الكافي يصح ما ذكر فان للشيخ الكليني مشايخ معروفون - ونعرف ذلك من خلال تتبع الكافي - وأغلبهم ثقات ، وكثيراً ما يروي عن محمد بن يحيى الأشعري القمي - ولعله روى عنه ربع الكافي - وهكذا عن الحسين بن محمد الأشعري القمي وهو من ثقاة أصحابنا ، وكثيرا وهكذا عن علي بن إبراهيم - ولعله يروي عنه ثلث الكافي - ومادام مشايخ الكليني بهذه الدرجة وبهذا المستوى فمن البعيد اجتماع ثلاثة ليس فيهم أحد هؤلاء ، بل حتى ثلاثة بقطع النظر عن هؤلاء يبعد اجتماعهم على الكذب.
ولكن مثل هذا البيان لا يأتي في تعبير موسى بن القاسم ( روى أصحابنا ) ، والوجه في ذلك هو أن موسى بن القاسم قال ( روى أصحابنا عن أحدهما عليه السلام ) والأحد يُقصَد منه الباقر أو الصادق عليهما السلام وموسى بن القاسم هو من أصحاب الإمام الرضا أو الجواد عليهما السلام ، وعليه فحينما يروي عن الإمامين الصادق أو الباقر عليهما السلام فهو يروي بواسطتين أو بثلاث وسائط ، فمن المحتمل ثلاث ومن المحتمل اثنين ومن المحتمل أحيانا واسطة واحدة ، ولكن كيفما كان ان النقل بواسطتين شيء محتمل ، فإذا قبلنا أنه قد ينقل بواسطتين فمن المحتمل أن تكون الواسطة الاولى هي ثلاث من أصحابنا بينما الواسطة الثانية هي واحد من أصحابنا أو اثنان فيصدق آنذاك عنوان ( روى أصحابنا ) وربما الذي يروي في إحدى الطبقتين واحد وفي الطبقة الأخرى اثنان وهنا أيضاً يصدق عنوان ( روى أصحابنا ) ، ان هذا الاحتمال موجود ولا نافي له ، وعنوان ( روى أصحابنا ) صادق عليه ، ومن المحتمل أن موسى بن القاسم يقصد مثل هذا يعني حينما قال ( روى أصحابنا ) يقصد هكذا ( حدثني واحد من أصحابنا عن اثنين ) وهذا لا ينفعنا لأن الذي ينفعنا هو اجتماع ثلاثة لا واحد في إحدى الطبقتين واثنان في الطبقة الأخرى ، بل ولا واحد في إحدى الطبقتين وثلاثة في الطبقة الأخرى ، بل ولا اثنان في طبقتين وثلاثة في الطبقة الأخرى ، ان كل هذا لا ينفعنا وإنما النافع ما إذا كان الراوي في إحدى الطبقتين ثلاثة لا أقل وفي الطبقة الثانية ثلاثة لا أقل فانه هنا نقول من البعيد اجتماع الثلاثة في الطبقة الاولى على الكذب حينما أخبروا عن الطبقة الثانية ومن البعيد اجتماع الثلاثة في الطبقة الثانية على الكذب حينما أخبروا عن الإمام عليه السلام ، وحيث أن من المحتمل أن تكون الرواية بالشكل المذكور - يعني من المحتمل ان يكون هناك راوٍ واحد في إحدى الطبقتين وثلاثة في الطبقة الثانية وهكذا - فلا ينفعنا النقل المذكور في تحصيل الاطمئنان في مثل هذه الحالة . وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.
إذن قياس المقام على فقرة ( عدة من أصحابنا ) ليس في محله لما أوضحنا.
البيان الثاني:- ان الشيخ الكليني أو الطوسي بل وهكذا الصدوق قد يعبرون أحيانا بـ( حدثني فلان عن غير واحد من أصحابنا ) فيأتي بتعبير ( عن غير واحد من أصحابنا ) اما في وسط السند أو في بدايته ، وقد يشكل ويتوقف في مثل التعبير المذكور أيضاً بشبهة الإرسال ويقال ان هذا المعبر عنه بـ( غير واحد ) هو مجهول ونحتمل أنه ليس بثقة فتصير الرواية مرسلة.
وهنا كيف نتغلب على المشكلة ؟ يوجد طريان للتغلب عليها:-
الأول:- نفس الطريق السابق ، يعني يقال ان التعبير بغير واحد من أصحابنا لا يصدق إلا على ثلاثة فما فوق ومن البعيد اجتماع ثلاثة فما فوق على الكذب ، ان هذا نفس البيان السابق وإذا أردنا ان نتمسك به هنا فما أوردناه سابقاً يأتي هنا أيضاً.
ولكن يوجد بيان آخر في تعبير ( غير واحد من أصحابنا ) وذلك بان يقال:- ان التعبير المذكور يفهم منه عرفاً أن هذا المطلب هو من الواضحات في الوسط الشيعي وأشبه بالمتواتر ونحن أحياناً قد نعبر هكذا ونقول ( نقل لي غير واحد هذا الشيء ) واقصد به أنه من الأمور الواضحة التي تناقلها الكثيرون ، فيقصد بالتعبير المذكور الإشارة الى كثرة النقل الى درجة التواتر أو ما يقرب من ذلك.
وإذا قبلنا أن التعبير المذكور يدل على ذلك - كما هو ليس ببعيد فحينئذ نطبق هذا البيان في مقامنا فيقال:- حينما قال موسى بن القاسم ( روى أصحابنا ) يقصد بذلك أن هذا النقل من النقول الواضحة في الوسط الشيعي ولا يحتاج الى ذكر أسماء الرواة ، وبناءاً عليه سوف يتغلب على المشكلة من دون أن يرد ذلك الإشكال الذي وجهناه الى البيان الأول لأنه هنا يقصد الإشارة الى وضوح النقل في الوسط الشيعي لا أنه يراد الإشارة كما في تعبير ( روى أصحابنا ) يعني طبقة عن طبقة ، كلا ، بل هذا الحديث هو من المعروف في الوسط الشيعي.
وهذا شيء جيد وجميل بيد أن المشكلة هي أن تعبير موسى بن القاسم في قوله ( روى أصحابنا ) كما يلتئم مع البيان الثاني يلتئم مع البيان الأول ، فلعله لم يقصد بتعبيره الإشارة الى البيان الثاني وان هذا المضمون واضح في الوسط الشيعي بل من المحتمل انه كان يقصد البيان الأول الذي قلنا بأنه لا ينفعنا ، وحيث ان عبارته مرددة بين الاحتمالين فالإشكال السندي يبقى على حاله.
نعم لو تمكنا أن نثبت بالقرائن أنه كان يقصد البيان الثاني دون الأول لارتفع الإشكال وحيث لا قرينة فتبقى عبارته مجملة وبالتالي يكون الإشكال السندي باقياً على حاله.
وقد اتضح من كل ما ذكرناه ما يلي:- ان رواية موسى بن القاسم إذا تمت دلالةً ودفعنا الإشكالات الثلاثة فيبقى الإشكال السندي على حاله ، ومن هنا تكون ساقطة عن الاعتبار.
والآن نتحدث عن الروايتين الأخريين:-
الرواية الاولى:- أعني ما رواه الشيخ الصدوق(قده) بسنده عن سليمان بن خالد عن أبي عبد الله عليه السلام ( سألته عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة ، قال:- عليه ثمنه يتصدق به ولا ينزع من شجرة مكة شيئاً إلا النخل وشجر الفواكه).
وأشكل صاحب المدارك[1] على هذه الرواية بما يتلاءم مع مبناه ، فان بعض عبائره توحي - وان كانت عبائره مضطربة في هذا المجال - على أنه يبني على حجية الخبر الصحيح فقط دون خبر الثقة أو الموثق ، يعني إذا لم يكن الراوي أماميا اثنا عشرياً بل كان من الفطحية أو الواقفية مثلاً فلا يأخذ بروايته ومن تلك العبائر ما ذكره في المقام فانه استشكل في السند من حيث أن الحسن بن علي الطاقري المعبر عنه بـ ( الجرمي ) أيضاً قد ورد في السند وهو من الواقفة .
إذن السند عنده محل إشكال وتوقف رغم أن النجاشي وثقه وقال ( هو ثقة ومن وجوه الواقفة ).
ونحن نقول له:- لو تماشينا مع مبناك وقبلناه ولكن نقول ان تطبيق ذلك في المقام ليس في محله فان الرواية المذكورة قد رويت بسندين ، فقد رواها الشيخ الطوسي(قده) بسندٍ يشتمل على الطاقري وقد أشار إليه صاحب الوسائل في ذيل الرواية ، ولكن نقلها أيضاً عن الشيخ الصدوق فقال ( محمد بن علي بن الحسين عن سليمان بن خالد ) - يعني بسنده عن سليمان بن خالد وإذا رجعنا الى مشيخة الفقيه وجدنا أن طريق الصدوق الى سليمان بن خالد صحيح ولا يشتمل على الطاقري فمن حيث السند لا مشكلة.
نعم من حيث الدلالة قد يشكل بإشكالين:-
الأول:- ان الرواية قد عبرت بكلمة ( الرجل يقطع من الأراك ) فلو كان الوارد هو التعبير بالقطع لكانت نافعة في إثبات الكفارة على القطع وعلى القلع فان القطع إذا استوجب ذلك فان القلع يستوجب ذلك أيضاً بالأولى إذ هو قطع وزيادة ، ولكن ورد في التهذيب وهكذا الحدائق والمدارك كما بينا سابقاً التعبير بالقلع وليس بالقطع فتكون الكفارة المذكورة خاصة بالقلع ولا يمكن التعميم للقطع إذ القطع إذ أخف مستوىً من القلع وثبوت الكفارة في القلع لا يستلزم ثبوتها في القطع ، وحيث أن النقل مردد بين هذين فلا يمكن إثبات الكفارة في القطع بل تكون خاصة بالقلع فالإشكال إشكال من حيث القطع.
والإشكال الثاني:- ان الرواية قد اشتملت على شجر الأراك فهي خاصة بشجرة الأراك ولا يمكن التعميم لسائر الأشجار.
[1] المدارك 8 447.