33-11-08
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
33/11/08
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 346 ) / أحكـام السعي / الـواجـب الرابــع مــن واجبــات عمــرة التمتــع ( السعي ) / باب السعي / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
أما رويتا الحيض فهما:-
الأولى:- رواية أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام ( إذا حاضت المرأة وهي في الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة فجاوزت النصف فعلّمت ذلك الموضع فإذا طهرت رجعت فأتمت بقيّة طوافها من الموضع الذي علّمته ، فإن هي قطعت طوافها في أقل من النصف [1] فعليها أن تستأنف الطواف من أوّله ) [2] ، وهي قد دلت على التفصيل بين ما إذا طرأ الحيض قبل النصف فتعيد من رأس وبين ما إذا طرأ بعد ذلك فتكمل ما بقي.
الرواية الثانية:- وهي على منوالها وبمضمونها وهي رواية أحمد بن عمر الحلال عن أبي الحسن عليه السلام [3] .
ويمكن أن يناقش التمسك بهما للمقام بما يلي:-
أوّلاً:- إنهما قابلتان للمناقشة من حيث السند ، فالأولى قد ورد فيها سلمة بن الخطاب وهو لم يذكر بتوثيق ، والثانية تشتمل على الارسال فان سندها كما يلي ( وعنه عن أحمد بن محمد عمن ذكره عن أحمد بن عمر الحلال ) والارسال في فقرة ( عمن ذكره ).
وثانياً:- هما واردتان في الحيض ومورد كلامنا هو فيمن نسي من دون فرض إدخال الحيض في الحساب والجزم بعدم الخصوصية بين الموردين مشكل جداً.
وثالثاً:- يمكن رفض هاتين الروايتين في نفس موردهما - أعني في باب طرو الحيض - فكيف بغيره ؟! - أعني من نسي الإتيان ببعض الأشواط من دون فرض انتقاض الطهارة - والوجه في رفضهما في نفس موردهما هو ما تقدم من أن الطهارة لا تشترط في أعمال الحج والعمرة إلا في الطواف فإن فيه صلاة لأن الإمام عليه السلام علل بذلك فلاحظ صحيحة معاوية عن أبي عبد الله ( لا بأس أن تقضي المناسك كلها على غير وضوء إلا الطواف فان فيه صلاة والوضوء أفضل ) [4] ، وعلى منوالها صحيحته الأخرى التي الواردة في من طرأ عليها الحيض في الأثناء أو قبيل السعي والإمام حكم بأنها تأتي بالسعي بلا حاجة إلى طهارة ، ونصها ( سأل أبا عبد الله عليه السلام عن امرأة سعت بين الصفا والمروة فحاضت بينهما ، قال:- تتم سعيها ، وسأله عن امرأة طافت بالبيت ثم حاضت قبل أن تسعى ، قال:- تسعى ) [5] .
وإذا قلت:- إن هاتين الروايتين وإن دلتا على عدم اشتراط الطهارة في السعي ولكنهما مطلقتان من حيث الطروّ قبل الأربعة أو بعدها وبالإطلاق يثبت أنه لا تشترط الطهارة سواء طرأ الحيض قبلاً أو بعداً ، وإذا سلمنا أن الدلالة هي بالإطلاق فالروايتان السابقتان تقيدان هذا الاطلاق وتكون النتيجة هي أن طرو الحيض لا يضرّ إذا فرض أنه كان بعد النصف دون ما إذا كان قبله.
والجواب:- إن ذلك وجيه إذا فرض أن لسانهما قابل للتقييد ولكنه ليس كذلك ، وكيف وواحدة منهما تقول ( لا بأس أن تقضى المناسك كلها على غير وضوء إلّا الطواف ) إن لسان الحصر لا يبعد عرفا أنه لا يقبل التقييد ، وهكذا الرواية الأخرى قد فرضت أن الحيض قد طرأ قبل الشروع في السعي لا أنه طرأ مع السكوت عن وقت طروه حتى يُقيَّد الاطلاق.
إذن الطهارة ليست معتبرة في السعي وبالتالي روايتا أبي بصير والحلال هما مرفوضتان في نفس موردهما فكيف يمكن التعدي إلى غيره.
ورابعاً:- إن رواية أبي بصير وهكذا رواية الحلال قد ورد فيهما هذا الذيل وهو ( فان هي قطعت طوافها في أقل من النصف فعليها أن تستأنف الطواف من أوّله ) والشاهد هو في هذا الذيل والذي نريد أن نقوله هو أنه من المحتمل أنه عليه السلام حينما قال ( فان هي قطعت طوافها ) يعني به خصوص الطواف بالبيت فهذا الشق يختلف عن الشق السابق ففي الشق السابق قد فرض أن المرأة قد حاضت وهي في الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة وجاوزت النصف فقال علّمت الموضع وأكملت الباقي وهذا ليس موضع شاهدنا ، وإنما موضع الشاهد هو فيما لو طرأ الحيض قبل النصف ويحكم بلزوم الاعادة من البداية فان الكلام هو:- لماذا يلزم إعادة الجميع بل يكفي الاتيان بما بقي ؟! فموضع الشاهد هو هذا الشق الثاني من الذيل ومن المحتمل أن الامام عليه السلام حينما قال ( فان هي قطعت طوافها ) يعني الطواف بالبيت وليس ما يعمّ بحيث يشمل السعي بين الصفا والمروة فالعبارة من هذه الناحية تصير مجملة وبالتالي نرجع إلى القاعدة وهي تقتضي أنه يأتي بخصوص الباقي بلا حاجة إلى الإعادة ، وهذا شيء ظريف غايته يبقى الأمر راجع إليك.
وبعد اتضاح الروايات يتجلى لنا أن النافع منها خصوص صحيحة سعيد بن يسار وصاحبتها ، وسوف نتعامل في تشخيص الموقف الشرعي على أساس هاتين الروايتين بعد غضّ النظر عن الروايات الثلاث الأخرى ونقول:- إن المكلف تارةً ينسى شوطاً واحداً ، وأخرى ينسى اثنين أو ثلاثة لا أكثر ، وثالثةً ينسى أكثر من ذلك:-
أما إذا نسي شوطا واحداً:- فالمناسب أنه يأتي بذلك الشوط متى ما تذكر وذلك لصحيحة سعيد بن يسار فان موردها هو من نسي شوطاً واحداً والإمام عليه السلام حكم بأنه متى ما ذكر أتى بذلك الشوط . إذن فلا موجب للتوقف فيما إذا كان المنسي شوطاً واحداً ، نعم قد حكم الامام بلزوم إراقة دمٍ أي بقرة وهذه مسألة سوف يتم التعرض إليها في المسألة التالية.
وهناك مشكلة أخرى:- وهي أنه إذا التفت المكلف وأمكنه أن يذهب بنفسه ويأتي بالشوط فهو وإلّا فكيف نثبت أن النوبة تصل إلى النيابة فهذه الرواية ليس فيها ( إن لم يتمكن يستنيب ) فالفقهاء حينما قالوا ( إن لم يتمكن استناب ) من أين لهم هذا ؟
الجواب:- إذا لم نقل بالاستنابة فإما أن نقول إن العمل يبطل من الأساس أي الحج أو العمرة والمفروض أن هذا ضعيف ولا يصار إليه فان من نسي السعي من الأساس وبالكامل لا يبطل عمله فكيف بمن نسي بعضاً منه ؟!! وهذا مطلب قد تقدمت الاشارة إليه ، أو نقول بأنه يهمل ما بقي ويكتفي بالستة التي جاء بها وهذا احتمال ضعيف جداً لا يصير إليه الفقيه ، فيتعين آنذاك أن يؤتى بالشوط الواحد.
نعم قد تقول:- هناك احتمال ثالث وهو أن يؤتى بالسعي بالكامل ولا يكتفى بالشوط الواحد.
وجوابه:- إننا بعد أن بنينا على عدم اعتبار الموالاة في باب السعي فلماذا يلزم إعادته بالكامل ؟! ولو شُكَّ وقلنا أنه توجد خصوصية للمورد وأنه مادام لا يأتي به بالمباشرة بل بالنيابة فيلزم أن يأتي النائب بالسعي بالكامل فإنه احتمال وجيه ؟ وجوابه:- إن هذا منفي بأصل البراءة ، أي أنه يحتاج إلى مثبت ولا يوجد له مثبت.
إن قلت:- إن المثبت موجود وهو قاعدة ( الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني ) فان الذمّة قد اشتغلت بسبعة أشواط بين الصفا والمروة ونحن نشك هل تفرغ الذمة لو أتى المكلف بستة أشواط وأتى النائب بشوطٍ واحد بعد اشتغالها اليقيني وعليه فيلزم الاتيان بسعيٍ كاملٍ حتى يحصل الفراغ اليقيني.
قلت:- نحن ننقل الكلام إلى ما قبل مرحلة تفريغ الذمة ونقول:- هي بِمَ اشتغلت ؟ هل بخصوص سبعة أشواط من شخص واحدٍ - أعني نفس الحاج - أو بواسط النائب أو أنها اشتغلت بسبعة أعم من كون ستة يأتي بها نفس الحاج وواحد يأتي به النائب ؟ إننا نحتمل أن الذمة قد اشتغلت بالأعم وليس بخصوص السبعة من شخص واحد ، وعليه نجري البراءة عن الخصوصية الزائدة المشكوكة أي عن خصوصية كون السبعة يأتي بها شخص واحد - فتجري البراءة عنها قبل أن تصل المرحلة إلى تفريغ الذمة ، وهذه الطريقة التي أشرنا إليها مراراً هي حلالة المشاكل فالتفت إليها وانتفع بها.
[1] أي طرأ عليها الحيض لا أنها قطعته.
[2] الوسائل 13 453 85 من الطواف ح1.
[3] المصدر السابق ح2.
[4] الوسائل 13 493 15 من أبواب السعي ح1.
[5] المصدر السابق ح5.