20-07-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/07/20
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:-مسألة
( 428 )
/ الواجب الثاني عشر من واجبات حج التمتع ( المبيت بمنى ).
والمهم أن نلاحظ المدرك:-
إن المدرك لذلك هو صحاح معاوية الثلاث، بيد أنَّ بعضها يدلّ بلا حاجة إلى ضم الاطلاق وبعضها يحتاج إلى ذلك فالذي لا يحتاج هو مثل صحيحته التي تقول:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى فإن بتَّ في غيرها فعليك دم، فإن خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلا وأنت في منى إلا أن يكون شغلك نسكك )، إنها قالت:- ( فإن خرجت من منى أول الليل فلا ينتصف إلا وأنت في منى ) ثم قالت:- ( إلا أن يكون شغلك نسكك )، يعني لا يلزمك المبيت في منى مادمت مشغولاً بالنسك . إذن دلالتها واضحة في حقّ من خرج بعد أوّل الليل من منى بلا حاجة إلى ضمّ الإطلاق.
وأمّا التي تحتاج إلى ضم الإطلاق فهي صحيحته الأولى التي نصها:- ( إذا فرغت من طوافك للحج وطواف النساء فلا تبت إلا بمنى إلا أن يكون شغلك في نسكك .. )، إنَّ هذه مطلقة تشمل من كان في مكة قبل الغروب وبقي مشغولاً في نسكه أو بالعبادة فإنه مستثنى من وجوب المبيت بمنى، وأيضاً تشمل بإطلاقها من كان في منى وخرج بعد أوَّل الليل بقصد فعل النسك فلا يجب عليه المبيت بمنى . إذن هذه الرواية ليست منحصرة بموردنا بل هي أوسع منه ولذلك قلنا نحتاج فيها إلى ضمّ الإطلاق.
وهناك صحيحة ثالثة له جاء فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ زار البيت فلم يزل في طوافه ودعائه والسعي والدعاء حتى طلع الفجر، فقال:- ليس عليه شيءٌ كان في طاعة الله عز وجل )، إنها بإطلاقها ايضاً تشمل مقامنا حيث جاء فيها:- ( رجل زار البيت فلم يزل .. ) وهي بإطلاقها تشمل من زار البيت بعد خروجه من منى أوّل الليل كما تشمل غيره - أي من كان في مكة واشتغل بالمناسك المذكورة - . إذن هذه أيضاً تحتاج إلى الأطلاق.
ولكن استدرك وأقول:- هذا بناءً على النقل المذكور - أي ( عن رجل زار البيت فلم يزل ... ) -، ولكن هناك نقلٌ آخر للشيخ الكليني(قده) ورد فيه:- ( عن رجل زار عشاءً فلم يزل في طوافه ... ) فإنه بناءً على هذا تكون الرواية خاصّة بموردنا بلا حاجة إلى ضمّ الاطلاق.
إذن هذه الرواية على أحد النقلين تحتاج إلى ضمّ الاطلاق أمّا على النقل الثاني لا تحتاج إليه.
والنتيجة النهائية:- إنَّ دلالة الرواية على الاستثناء في حقّ هذه الطائفة شيءٌ واضحٌ ولا موجب للتوقّف.
الطائفة الرابعة:-
وأما الطائفة الرابعة - وهي من كان في مكة واشتغل بالعبادة وأراد الخروج من مكة بعد دخول الليل فإنه يجوز له ذلك شريطة أن يخرج من مكة ولا يبيت فيها، نعم من حقّه أن ينام في الطريق كما أنَّ من حقّه أن يذهب إلى منى من دون إدراك أحد النصفين كما لو وصل بعد دخول النصف الثاني، وألفت النظر إلى أنَّ الاشتغال بالعبادة في مكة لا يلزم أن يكون من أوّل الليل أو بعد دخول الليل[1] فالمهم هو كان موجوداً في مكة ولو كان من الصباح أو من العصر وحينئذٍ إذا اشتغل بالعبادة فمن حقّه أن يخرج من مكة ويتجاوز بيوتها ويكون مخيّراً بين أن ينام في الطريق أو يدخل إلى منى بعد دخول النصف الثاني، ولعل أسهل الحالات والصور هي هذه الصورة فيذهب عصرا ً إلى مكة فيأتي ببعض الأعمال ثم يخرج سواء كان قبل الغروب أو بعده ويذهب خارج مكّة ويجلس في مكانٍ ما كأن يجلس مع صديقه مثلاً - فلم يشر إليها المحقّق أيضاً، نعم تستفاد من المدارك حيث قال:- ( الأظهر أنه يجوز له الرجوع إلى منى ليلاً ولو علم أنه لا يدركها قبل الانتصاف كما هو ظاهر اختيار الشهيد في الدروس لإطلاق صحيحة جميل )[2] . نعم في عبارته هذه قال ( الأظهر أنّه يجوز له الرجوع إلى منى ليلاً ) وكان من المناسب له أن يقول:- ( أو يبقى خارج مكة إلى نهاية الليل )، وقال في الجواهر:- ( نعم له المضيّ في الليل إلى منى كما صرّح به غير واحدٍ لظاهر النصوص السابقة )[3].
وهنا أيضاً يأتي نفس الكلام الذي ذكرناه من أنَّه كان من المناسب أن يقول:- ( نعم له المضي في الليل إلى منى أو يبقى خارج مكة طيلة الليل فهذا أيضا له الحق في ذلك )، وقال الشيخ النائيني(قده):- ( الرابعة:- لو بات بغير منى فإن كان بمكة مشتغلاً بالعبادة حتى أصبح فلا فدية عليه[4]، وكذا لو شغله نسكه عن إدراك أوّل الليل بمنى )[5]، فهو يريد أن يقول أنت مادمت قد اشتغلت في مكة بالنسك فأنت إذ توجهت إلى منى وإن لم تبِت بها أحد النصفين كفاك ذلك وهذه تشمل موردنا أيضاً.
والمهمّ هو ملاحظة المدرك فإنه توجد روايتان يمكن أن يستفاد منهما ذلك:-
الأولى:- صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح بل أن يأتي منى فلا شيء عليه )[6]، إنّه عليه السلام قال:- ( إذا زار الحاج من منى ) وليس المقصود أنّه زار من منى عشاءً بعد دخول الليل فهذه العبارة تشمل من زار من منى عصراً أو صباحاً ثم خرج صباحاً أو بعد الظهر، فهو زار مكة وأدّى الأعمال فخرج من مكة فجاوز بيوتها - وإن كان قبل المغرب أو بعد المغرب مادام جاوز بيوت مكة - ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شيء عليه . فإذن الشرط المهم هو أنّه تجاوز بيوت مكة بغضّ النظر عن وقت تجاوزها سواء كان قبل المغرب أو بعده فهذا كلّه لا يؤثر، ودلالتها واضحة في هذا المطلب.
الرواية الثانية:- صحيحة محمد بن سماعيل عن أبي الحسن عليه السلام:- ( في الرجل يزور فينام دون منى، فقال:- إذا جاوز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام )[7]، إنها بإطلاقها تدلّ على المطلوب حيث قالت:- ( الرجل يزور ) وهذا مطلقٌ سواء كانت زيارته لمكة بعد دخول الليل أو صباحاً فهذا جائز أيضاً، فإذا زار مكة صباحاً وأدّى الأعمال وأراد الخروج ليلاً من مكة فينام في الطريق فالإمام عليه السلام قال:- ( إذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام ).
إذن هاتان الروايتان تدلّان على هذا الاستثناء في حقّ هذه الطائفة.
وقد يتمسّك بروايتين أخريين:-
الأولى:- صحيحة معاوية بن عمّار السابقة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لا تبِت ليالي التشريق إلّا بمنى فإن بِتَّ في غيرها فعليك دمٌ، فإن خرجت أوَّل الليل فلا ينتصف الليل إلّا وأنت في منى إلّا أن يكون شغلك نسكك أو قد خرجت من مكة )، فهي قالت ( أو قد خرجت من مكة ) يعني إذا خرجت من مكة فإنك وإن لم تشتغل بالنسك في الليل كفاك ذلك ما دمت قد خرجت منها، وهذه العبارة واضحة في استثناء هذه الطائفة.
وهو شيءٌ جيدٌ ولكن يوجد محذورٌ وهو أنَّ المفروض فيها أنّه كان من منى بعد دخول الليل وهذا ليس هو محلّ الكلام فإن الخروج لو كان بعد دخول الليل دخل في الطائفة الثالثة فيقال مادام قد خرج أوّل الليل فمن حقّه أن يشتغل بالنسك أو يخرج من مكة لكن بشرط أنه خرج بعد دخول الليل من منى والحال أنَّ كلامنا في هذه الطائفة لا نشترط أن يكون خروجه من منى بعد دخول الليل وإنما حتى لو كان في مكة صباحاً أو عصراً، فإذن هذه الرواية يشكل التمسّك بها من هذه الناحية فهي تنفع في حقِّ من خرج من منى بعد دخول الليل.
الثانية:- رواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( من زار فنام في الطريق فإن بات بمكة فعليه دمٌ، وإن كان قد خرج منها فليس عليه شيءٌ وإن أصبح دون منى )[8]، إنها قالت ( من زار فنام في الطريق ) وهذا بإطلاقه يشمل مقامنا، فمن زار مكّة صباحاً أو عصراً فهو مشمولٌ لها، ثم قالت ( إذا بات بمكّة فعليه دمٌ وإذا كان قد خرج منها فليس عليه شيء ) . إذن هي دلّت على أنَّه لا شيء عليه مادام بقاءه صار خارج مكة وهذا يدلّ على أنه لو جاء إلى مكّة بعد الظهر وأدّى الأعمال وخرج منها أوّل الغروب فليجلس خارج مكّة حتى الصباح وله أيضاً أن يذهب بعد ذلك إلى منى، إنها دلّت على ذلك ودلالتها جيّدة.
اللهمّ إلا أن يقول قائل:- هي ناظرة إلى الكفّارة وليس إلى الحكم التكليفي، فالإمام عليه السلام لا يريد أن يقول إنَّ هذا جائزٌ في حقّه وإنما يريد أن يقول لا كفارة عليه.
وفي الجواب نقول:- إنَّ هذه دقّة في غير محلّها، فإنه لو كان هذا غير جائز لنبّه عليه الإمام، فسكوته عليه السلام يدلّ على أنَّه لا شيء عليه حتى من حيث الحكم التكليفي، هذا لو لم نتمسّك بإطلاق عبارة ( لا شيء عليه )، وأمّا إذا تمسّكنا بإطلاقها وأنه لا شيء عليه من حيث الكفارة ومن حيث الإثم فالأمر أوضح آنذاك.
وعلى أيّ حال دلالتها جيّدة لولا أنَّ الشيخ الطوسي(قده) رواها هكذا:- ( عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين عن ابن ابي عمير عن جميل )، وهذا المقدار من السند جيّدٌ فالكلّ ثقاة، بيد أنَّ الشيخ الكليني(قده) رواها ( عن جميل عن بعض أصحابنا )، فيحتمل فيها الارسال فتسقط عن الاعتبار بعد استبعاد احتمال أنَّ الامام عليه السلام تفوّه بها مرتين مرّة لجميل بالخصوص ومرّة أخرى لشخصٍ آخر والذي هو غير معلوم وعُبِّر عنه بــ ( بعض أصحابنا ).
وقد تقول:- ما المانع في أن نفترض أنَّ جميل كان في المجلس وسمع الإمام عليه السلام وكان في المجلس أفراد آخرين قد سمعوا ذلك وهؤلاء الأفراد حدّثوا جميل بالرواية، فجميل مرّة ينقلها عن الإمام مباشرة لأنه كان في المجلس ومرّة أخرى ينقلها عن بعض الأصحاب الذين كانوا في المجلس، فالصادر من الإمام هو مرّة واحدة لا مرّتين غايته أنّه ينقلها عن الامام تارةً بالمباشرة وأخرى بالواسطة.
وجوابه:- إنَّ الشخص إذا كان حاضراً ويسمع الكلام فهل من المناسب أن ينقل بالواسطة ؟!! إن هذا غير مقبول وجداناً.
إذن من خلال هذا اتضح أنَّ استثناء هذه الطائفة في محلّه.
والمهم أن نلاحظ المدرك:-
إن المدرك لذلك هو صحاح معاوية الثلاث، بيد أنَّ بعضها يدلّ بلا حاجة إلى ضم الاطلاق وبعضها يحتاج إلى ذلك فالذي لا يحتاج هو مثل صحيحته التي تقول:- ( عن أبي عبد الله عليه السلام لا تبت ليالي التشريق إلا بمنى فإن بتَّ في غيرها فعليك دم، فإن خرجت أوّل الليل فلا ينتصف الليل إلا وأنت في منى إلا أن يكون شغلك نسكك )، إنها قالت:- ( فإن خرجت من منى أول الليل فلا ينتصف إلا وأنت في منى ) ثم قالت:- ( إلا أن يكون شغلك نسكك )، يعني لا يلزمك المبيت في منى مادمت مشغولاً بالنسك . إذن دلالتها واضحة في حقّ من خرج بعد أوّل الليل من منى بلا حاجة إلى ضمّ الإطلاق.
وأمّا التي تحتاج إلى ضم الإطلاق فهي صحيحته الأولى التي نصها:- ( إذا فرغت من طوافك للحج وطواف النساء فلا تبت إلا بمنى إلا أن يكون شغلك في نسكك .. )، إنَّ هذه مطلقة تشمل من كان في مكة قبل الغروب وبقي مشغولاً في نسكه أو بالعبادة فإنه مستثنى من وجوب المبيت بمنى، وأيضاً تشمل بإطلاقها من كان في منى وخرج بعد أوَّل الليل بقصد فعل النسك فلا يجب عليه المبيت بمنى . إذن هذه الرواية ليست منحصرة بموردنا بل هي أوسع منه ولذلك قلنا نحتاج فيها إلى ضمّ الإطلاق.
وهناك صحيحة ثالثة له جاء فيها:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن رجلٍ زار البيت فلم يزل في طوافه ودعائه والسعي والدعاء حتى طلع الفجر، فقال:- ليس عليه شيءٌ كان في طاعة الله عز وجل )، إنها بإطلاقها ايضاً تشمل مقامنا حيث جاء فيها:- ( رجل زار البيت فلم يزل .. ) وهي بإطلاقها تشمل من زار البيت بعد خروجه من منى أوّل الليل كما تشمل غيره - أي من كان في مكة واشتغل بالمناسك المذكورة - . إذن هذه أيضاً تحتاج إلى الأطلاق.
ولكن استدرك وأقول:- هذا بناءً على النقل المذكور - أي ( عن رجل زار البيت فلم يزل ... ) -، ولكن هناك نقلٌ آخر للشيخ الكليني(قده) ورد فيه:- ( عن رجل زار عشاءً فلم يزل في طوافه ... ) فإنه بناءً على هذا تكون الرواية خاصّة بموردنا بلا حاجة إلى ضمّ الاطلاق.
إذن هذه الرواية على أحد النقلين تحتاج إلى ضمّ الاطلاق أمّا على النقل الثاني لا تحتاج إليه.
والنتيجة النهائية:- إنَّ دلالة الرواية على الاستثناء في حقّ هذه الطائفة شيءٌ واضحٌ ولا موجب للتوقّف.
الطائفة الرابعة:-
وأما الطائفة الرابعة - وهي من كان في مكة واشتغل بالعبادة وأراد الخروج من مكة بعد دخول الليل فإنه يجوز له ذلك شريطة أن يخرج من مكة ولا يبيت فيها، نعم من حقّه أن ينام في الطريق كما أنَّ من حقّه أن يذهب إلى منى من دون إدراك أحد النصفين كما لو وصل بعد دخول النصف الثاني، وألفت النظر إلى أنَّ الاشتغال بالعبادة في مكة لا يلزم أن يكون من أوّل الليل أو بعد دخول الليل[1] فالمهم هو كان موجوداً في مكة ولو كان من الصباح أو من العصر وحينئذٍ إذا اشتغل بالعبادة فمن حقّه أن يخرج من مكة ويتجاوز بيوتها ويكون مخيّراً بين أن ينام في الطريق أو يدخل إلى منى بعد دخول النصف الثاني، ولعل أسهل الحالات والصور هي هذه الصورة فيذهب عصرا ً إلى مكة فيأتي ببعض الأعمال ثم يخرج سواء كان قبل الغروب أو بعده ويذهب خارج مكّة ويجلس في مكانٍ ما كأن يجلس مع صديقه مثلاً - فلم يشر إليها المحقّق أيضاً، نعم تستفاد من المدارك حيث قال:- ( الأظهر أنه يجوز له الرجوع إلى منى ليلاً ولو علم أنه لا يدركها قبل الانتصاف كما هو ظاهر اختيار الشهيد في الدروس لإطلاق صحيحة جميل )[2] . نعم في عبارته هذه قال ( الأظهر أنّه يجوز له الرجوع إلى منى ليلاً ) وكان من المناسب له أن يقول:- ( أو يبقى خارج مكة إلى نهاية الليل )، وقال في الجواهر:- ( نعم له المضيّ في الليل إلى منى كما صرّح به غير واحدٍ لظاهر النصوص السابقة )[3].
وهنا أيضاً يأتي نفس الكلام الذي ذكرناه من أنَّه كان من المناسب أن يقول:- ( نعم له المضي في الليل إلى منى أو يبقى خارج مكة طيلة الليل فهذا أيضا له الحق في ذلك )، وقال الشيخ النائيني(قده):- ( الرابعة:- لو بات بغير منى فإن كان بمكة مشتغلاً بالعبادة حتى أصبح فلا فدية عليه[4]، وكذا لو شغله نسكه عن إدراك أوّل الليل بمنى )[5]، فهو يريد أن يقول أنت مادمت قد اشتغلت في مكة بالنسك فأنت إذ توجهت إلى منى وإن لم تبِت بها أحد النصفين كفاك ذلك وهذه تشمل موردنا أيضاً.
والمهمّ هو ملاحظة المدرك فإنه توجد روايتان يمكن أن يستفاد منهما ذلك:-
الأولى:- صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( إذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح بل أن يأتي منى فلا شيء عليه )[6]، إنّه عليه السلام قال:- ( إذا زار الحاج من منى ) وليس المقصود أنّه زار من منى عشاءً بعد دخول الليل فهذه العبارة تشمل من زار من منى عصراً أو صباحاً ثم خرج صباحاً أو بعد الظهر، فهو زار مكة وأدّى الأعمال فخرج من مكة فجاوز بيوتها - وإن كان قبل المغرب أو بعد المغرب مادام جاوز بيوت مكة - ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شيء عليه . فإذن الشرط المهم هو أنّه تجاوز بيوت مكة بغضّ النظر عن وقت تجاوزها سواء كان قبل المغرب أو بعده فهذا كلّه لا يؤثر، ودلالتها واضحة في هذا المطلب.
الرواية الثانية:- صحيحة محمد بن سماعيل عن أبي الحسن عليه السلام:- ( في الرجل يزور فينام دون منى، فقال:- إذا جاوز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام )[7]، إنها بإطلاقها تدلّ على المطلوب حيث قالت:- ( الرجل يزور ) وهذا مطلقٌ سواء كانت زيارته لمكة بعد دخول الليل أو صباحاً فهذا جائز أيضاً، فإذا زار مكة صباحاً وأدّى الأعمال وأراد الخروج ليلاً من مكة فينام في الطريق فالإمام عليه السلام قال:- ( إذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام ).
إذن هاتان الروايتان تدلّان على هذا الاستثناء في حقّ هذه الطائفة.
وقد يتمسّك بروايتين أخريين:-
الأولى:- صحيحة معاوية بن عمّار السابقة عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( لا تبِت ليالي التشريق إلّا بمنى فإن بِتَّ في غيرها فعليك دمٌ، فإن خرجت أوَّل الليل فلا ينتصف الليل إلّا وأنت في منى إلّا أن يكون شغلك نسكك أو قد خرجت من مكة )، فهي قالت ( أو قد خرجت من مكة ) يعني إذا خرجت من مكة فإنك وإن لم تشتغل بالنسك في الليل كفاك ذلك ما دمت قد خرجت منها، وهذه العبارة واضحة في استثناء هذه الطائفة.
وهو شيءٌ جيدٌ ولكن يوجد محذورٌ وهو أنَّ المفروض فيها أنّه كان من منى بعد دخول الليل وهذا ليس هو محلّ الكلام فإن الخروج لو كان بعد دخول الليل دخل في الطائفة الثالثة فيقال مادام قد خرج أوّل الليل فمن حقّه أن يشتغل بالنسك أو يخرج من مكة لكن بشرط أنه خرج بعد دخول الليل من منى والحال أنَّ كلامنا في هذه الطائفة لا نشترط أن يكون خروجه من منى بعد دخول الليل وإنما حتى لو كان في مكة صباحاً أو عصراً، فإذن هذه الرواية يشكل التمسّك بها من هذه الناحية فهي تنفع في حقِّ من خرج من منى بعد دخول الليل.
الثانية:- رواية جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام:- ( من زار فنام في الطريق فإن بات بمكة فعليه دمٌ، وإن كان قد خرج منها فليس عليه شيءٌ وإن أصبح دون منى )[8]، إنها قالت ( من زار فنام في الطريق ) وهذا بإطلاقه يشمل مقامنا، فمن زار مكّة صباحاً أو عصراً فهو مشمولٌ لها، ثم قالت ( إذا بات بمكّة فعليه دمٌ وإذا كان قد خرج منها فليس عليه شيء ) . إذن هي دلّت على أنَّه لا شيء عليه مادام بقاءه صار خارج مكة وهذا يدلّ على أنه لو جاء إلى مكّة بعد الظهر وأدّى الأعمال وخرج منها أوّل الغروب فليجلس خارج مكّة حتى الصباح وله أيضاً أن يذهب بعد ذلك إلى منى، إنها دلّت على ذلك ودلالتها جيّدة.
اللهمّ إلا أن يقول قائل:- هي ناظرة إلى الكفّارة وليس إلى الحكم التكليفي، فالإمام عليه السلام لا يريد أن يقول إنَّ هذا جائزٌ في حقّه وإنما يريد أن يقول لا كفارة عليه.
وفي الجواب نقول:- إنَّ هذه دقّة في غير محلّها، فإنه لو كان هذا غير جائز لنبّه عليه الإمام، فسكوته عليه السلام يدلّ على أنَّه لا شيء عليه حتى من حيث الحكم التكليفي، هذا لو لم نتمسّك بإطلاق عبارة ( لا شيء عليه )، وأمّا إذا تمسّكنا بإطلاقها وأنه لا شيء عليه من حيث الكفارة ومن حيث الإثم فالأمر أوضح آنذاك.
وعلى أيّ حال دلالتها جيّدة لولا أنَّ الشيخ الطوسي(قده) رواها هكذا:- ( عن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين عن ابن ابي عمير عن جميل )، وهذا المقدار من السند جيّدٌ فالكلّ ثقاة، بيد أنَّ الشيخ الكليني(قده) رواها ( عن جميل عن بعض أصحابنا )، فيحتمل فيها الارسال فتسقط عن الاعتبار بعد استبعاد احتمال أنَّ الامام عليه السلام تفوّه بها مرتين مرّة لجميل بالخصوص ومرّة أخرى لشخصٍ آخر والذي هو غير معلوم وعُبِّر عنه بــ ( بعض أصحابنا ).
وقد تقول:- ما المانع في أن نفترض أنَّ جميل كان في المجلس وسمع الإمام عليه السلام وكان في المجلس أفراد آخرين قد سمعوا ذلك وهؤلاء الأفراد حدّثوا جميل بالرواية، فجميل مرّة ينقلها عن الإمام مباشرة لأنه كان في المجلس ومرّة أخرى ينقلها عن بعض الأصحاب الذين كانوا في المجلس، فالصادر من الإمام هو مرّة واحدة لا مرّتين غايته أنّه ينقلها عن الامام تارةً بالمباشرة وأخرى بالواسطة.
وجوابه:- إنَّ الشخص إذا كان حاضراً ويسمع الكلام فهل من المناسب أن ينقل بالواسطة ؟!! إن هذا غير مقبول وجداناً.
إذن من خلال هذا اتضح أنَّ استثناء هذه الطائفة في محلّه.