36/02/01
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة / تنبيهات العلم الإجمالي/ العلم الإجمالي في التدريجيات
الكلام في ما إذا كان التكليف على أحد التقديرين فعلياً، وليس فعلياً على التقدير الآخر، ونفترض هنا أنّ التكليف خطاباً وملاكاً ليس فعلياً على أحد التقديرين، لا التكليف فعلي على أحد التقديرين، ولا ملاك التكليف فعلي على أحد التقديرين كما هو الحال على ما ذكرو في مثال الحائض، فأنّ التكليف خطاباً وملاكاً منوط بتحقق الحيض فيكون متأخّراً، إذن، هذه المرأة على تقدير أن تكون حائضاً الآن يكون التكليف فعلياً في حقّها خطاباً وملاكاً، لكن على تقدير أن تكون حائضاً في آخر الشهر، فالتكليف ليس فعلياً لا خطاباً ولا ملاكاً.
أستُدلّ على عدم المنجّزية في هذا الفرض بوجوه:
الوجه الأوّل: ما يظهر من الكفاية الذي قلنا أنّه ذهب إلى عدم المنجّزية مطلقاً، وحاصل ما يُفهم من كلامه أنّ المعتبر في منجّزية العلم الإجمالي هو كونه متعلّقاً بتكليفٍ فعليٍ على كل تقدير، أمّا إذا تعلّق بتكليفٍ فعليٍ على تقدير وليس فعلياً على تقديرٍ آخر، فهذا العلم الإجمالي لا يكون منجّزاً، وفي المقام ـــــــــــ بحسب الفرض ـــــــــــ التكليف ليس فعلياً على كل تقدير، وإنّما هو فعلي على تقدير وليس فعلياً على تقديرٍ آخر كما في مثال المرأة الحائض، فأنّ حرمة الدخول في المساجد عليها، وحرمة قراءة سوّر العزائم عليها إنّما تكون فعلية إذا كانت حائضاً بالفعل، وأمّا إذا كانت حائضاً في آخر الشهر فعلاً، فالحرمة لا تكون فعلية في حقّها، فإذن: التكليف فعلي على تقدير وليس فعلياً على تقديرٍ آخرٍ. أمّا أنّه ليس فعلياً على التقدير الآخر، باعتبار أنّه فعلاً لا يحرم عليها الدخول في المساجد، على تقدير أن تكون حائضاً في نهاية الشهر، قبل ذلك لا يحرم عليها الدخول إلى المساجد، فالتكليف ليس فعلياً في حقها. نعم إن كانت حائضاً فعلاً يكون التكليف فعلياً وتثبت في حقهّا هذه الحرمة، وفي هذه الحالة لا يكون شرط المنجّزية متحققّاً، فلا يكون هذا العلم الإجمالي منجّزاً للطرفين؛ بل يمكن بناءً على عدم المنجّزية إجراء الأصول المؤمّنة في كلا الطرفين. تشكّ المرأة الآن في أنّه يحرم عليها الدخول في المساجد، أو لا ؟ لا يوجد عندها علم بفعلية الحرمة؛ لأنّ الحرمة الفعلية منوطة بفرضٍ وتقديرٍ غير معلوم، إن كانت حائضاً فعلاً، فالحرمة فعلية، لكنّها تشك في كونها حائضاً بالفعل، لكنّها تشك في الحرمة، في التكليف، فتجري البراءة، يجري الأصل المؤمّن لنفي هذا التكليف، كما أنّها في المستقبل في نهاية الشهر أيضاً تشك في الحرمة، فبإمكانها أن تجري الأصل المؤمّن، وهذا من آثار عدم منجّزية هذا العلم الإجمالي.
أجيب عن هذا الوجه في تقريب عدم المنجّزية: بإنكار ما ذُكر من أنّ منجّزية العلم الإجمالي يُشترط فيها أن يكون التكليف المعلوم بالإجمال فعلياً على كل تقدير، إنكار هذا الشرط بالمعنى الذي فهمه المستدل بهذا الوجه، المستدل بهذا الوجه كأنّه يفهم من هذا الشرط اشتراط أن يكون التكليف فعلياً الآن على كل تقديرٍ حتّى يكون العلم الإجمالي منجّزاً كما هو الحال في مثال الإناءين، على كل تقديرٍ التكليف فعليٌ الآن، إن كانت النجاسة في هذا الإناء يحرم شربه الآن، وإن كانت في ذاك الإناء يحرم شربه الآن، فيكون منجّزاً. أمّا إذا لم يكن كذلك، بأن كان فعلياً الآن على تقديرٍ، وليس فعلياً الآن على تقديرٍ آخر. يدّعي صاحب هذا الوجه بأنّ هذا لا يحقق شرط منجّزية العلم الإجمالي.
الجواب يقول: أنّ كون التكليف فعلياً على كل تقدير شرط ولابدّ منه، لكن ليس معناه اشتراط أن يكون فعلياً الآن على كل تقدير؛ بل يكفي في منجّزية العلم الإجمالي أن يكون التكليف فعلياً على كل تقديرٍ في عمود الزمان، لا نشترط في منجّزية العلم الإجمالي أن يكون التكليف فيه فعلياً الآن على كل تقدير، وإنّما لو كان فعلياً الآن على تقديرٍ، وفعلي في المستقبل على تقديرٍ آخر هذا يحقق شرط المنجّزية؛ لأنّ شرط المنجّزية هو أن يكون التكليف فعلياً على كل تقدير في عمود الزمان، المهم أن يعلم بتكليف فعلي على كل تقدير، سواء كان فعلياً الآن، أو كان فعلياً في المستقبل، هذا هو شرط المنجّزية، ننكر تفسير هذا الشرط بالتفسير السابق الذي ينتج أنّ العلم الإجمالي في محل الكلام ليس منجّزاً، وهذا مرجعه إلى دعوى أنّ العقل يحكم بمنجّزية العلم الإجمالي بمجرّد أن يكون علماً بتكليفٍ فعلي على كل تقدير أعمّ من أن يكون تكليفاً فعلياً الآن، أو يكون تكليفاً فعلياً في المستقبل.
بعبارةٍ أخرى: أنّ العقل في حكمه بالمنجّزية، أو في إدراكه لقبح المخالفة على ما تقدّم أنّ معنى المنجّزية هو عبارة عن إدراك العقل لقبح مخالفة التكليف، وبالتالي لا يُفرق في التكليف الذي يحكم بقبح مخالفته بين أن يكون فعلياً الآن، وبين أن يكون في المستقبل، العقل الآن يحكم عليه بقبح المخالفة حتّى إذا فرضنا أنّ هذا التكليف فعلي في المستقبل، في حكم العقل بالقبح يكفي دخول التكليف ـــــــــــ كما تقدّم ــــــــــ في دائرة مولوية المولى، يكفي أن يثبت أنّ للمولى حق الطاعة في هذا التكليف، ولا إشكال أنّ التكليف بالعلم به يدخل في حق الطاعة ويثبت للمولى حق الطاعة فيه، سواء كان فعلياً، أو سيكون فعلياً في المستقبل، كل منهما يحكم العقل بقبح مخالفته، كلٌ منهما يحكم العقل باستحقاق العقاب على مخالفته، سواء كان فعلياً الآن، أو كان فعلياً في الزمان الآتي، على كل حال هو تكليفٌ مولوي علم به المكلّف، ولو علماً إجمالياً، هذا العلم يدخله في دائرة المولوية، ويثبت للمولى فيه حق الطاعة، ولو كان متأخّراً، ولو كانت فعلية التكليف متأخّرة، لتكن فعلية التكليف متأخّرة، ولتكن المخالفة لا يتمكن المكلّف منها فعلاً، وإنّما سيتمكن منها في المستقبل، لكن هذا لا ينافي أن يكون الحكم العقلي فعلياً، بمعنى أنّ العقل يحكم بقبح هذه المخالفة، حكم العقل بالقبح لا يتوقّف على فعلية التكليف الآن، وإنّما يكفي فيه أن يكون التكليف فعلياً ولو في المستقبل، والمفروض في محل الكلام أنّ التكليف فعلي على كل تقدير. غاية الأمر أنّه فعلي الآن على تقدير، وفعلي في المستقبل على تقديرٍ آخر، وبذلك يتحقق شرط المنجّزية ويكون العلم الإجمالي منجّزاً؛ لأنّ الشرط ليس هو ما ذُكر، وإنّما الشرط هو أن يكون التكليف فعلياً على كل تقديرٍ في عمود الزمان لا أنّ يكون التكليف فعلياً الآن على كل تقديرٍ حتّى يقال أنّ هذا غير متحققٍ في محل الكلام، وبالتالي يكون العلم الإجمالي فاقداً لشرط منجّزيته، فلا يكون منجّزاً؛ بل هو منجّز ولا فرق بينه وبين العلم الإجمالي بتكليفٍ فعلي الآن على كل تقدير. ما نحن فيه لا يُفرّق فيه بين هذا وبين ذاك، كلٌ من التكليفين، الفعلي الآن والفعلي في المستقبل إذا علم به المكلّف حكم العقل بتنجّزه على المكلّف، والعقل يحكم بتنجّزه فعلاً يرى بأنّه يقبح مخالفته والحكم العقلي يثبت فعلاً في أنّه يقبح مخالفة التكليف، ولو كان التكليف فعلياً في المستقبل، لا أنّ الحكم بالقبح يكون منوطاً بالزمان المتأخّر، بمعنى أنّ العقل هنا بالرغم من علم المكلّف بالتكليف الاستقبالي، العقل هنا ليس له حكم، ولا يحكم بقبح مخالفة هذا التكليف مع أنّ المكلّف علم به، لمجرّد أنّ هذا التكليف ليس فعلياً الآن، عدم كونه فعلياً الآن لا يعني أنّ العقل لا يحكم بقبح مخالفته؛ بل يحكم بقبح مخالفة كل تكليف يدخل في دائرة المولوية، كل تكليفٍ يدخل في دائرة المولوية يحكم العقل بقبح مخالفته، واستحقاق العقاب على مخالفته حكماً فعلياً، وإن كانت المخالفة ستكون في الزمان الآتي، وإن كانت المخالفة لا يتمكن المكلّف منها فعلاً، لكن حكم العقل بالقبح فعلي؛ لأنّ موضوعه هو التكليف الذي للمولى حق الطاعة فيه، والعلم به يدخله في حق الطاعة، ويكون من أظهر مصاديق ثبوت حق الطاعة في التكليف عندما يتعلّق العلم به، يعلم به المكلّف ودخل في حق الطاعة، العقل يحكم بقبح مخالفته، ولو كان هذا التكليف سيكون فعلياً في المستقبل.
نعم، النكتة السابقة التي ذكرناها أيضاً تجري هنا، وهي أنّ الحكم العقلي الذي قلنا أنّه يكون فعلياً من حين العلم، موضوعه التكليف المعلوم الداخل في دائرة المولوية، العقل إنّما يحكم بتنجّز التكليف باعتبار تعلّق العلم به، فموضوع الحكم العقلي بالقبح هو التكليف المعلوم، فإذا زال العلم قبل زمان فعلية التكليف بطبيعة الحال يزول الحكم العقلي، لكن قلنا أنّ ارتفاع الحكم العقلي من باب ارتفاع موضوعه؛ لأنّ موضوعه هو عبارة عن التكليف المعلوم، فإذا زال العلم؛ حينئذٍ يرتفع الحكم العقلي بلا إشكال، لكن قلنا أنّ هذا لا يعني أنّ العلم المتقدّم لا ينجّز التكليف المتأخّر، لا يعني أنّ المنجّز للتكليف المتأخّر هو العلم في ظرف العمل به وفي ظرف الإطاعة والامتثال، والعصيان والمخالفة، لا يعني ذلك، العلم بمجرّد تحققه يحكم العقل بقبح مخالف التكليف المعلوم، واستحقاق العقاب على مخالفته، لكن هذا يزول إذا تبدّل العلم إلى شكٍّ، فأصبح المكلّف شاكّاً في التكليف في آخر الشهر، العقل لا يحكم بمنجّزية التكليف المشكوك؛ لأنّ التكليف المشكوك لا يدخل في دائرة المولوية، التكليف المشكوك لا يرى العقل أنّ للمولى حق الطاعة فيه، بناءً على قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فإذا كان لا يرى ذلك؛ فحينئذٍ بطبيعة الحال لا يحكم بقبح مخالفته، يرتفع الحكم العقلي لارتفاع موضوعه، لكن هذا لا يعني أنّ المنجّزية غير ثابتة من زمان العلم، المنجّزية ثابتة من زمان العلم والتكليف فعلي على كل تقديرٍ، بالمعنى المطروح للشرط، الشرط ليس هو أن يكون التكليف فعلياً الآن على كل تقدير حتّى يكون العلم الإجمالي منجّزاً لأطرافه، الشرط هو أن يكون التكليف فعلياً على كل تقديرٍ ولو في عمود الزمان، وهذا متحقق في المقام، وهذا يجعل العلم الإجمالي منجّزاً ولا يتمّ هذا الدليل الذي ذكر.
هذا هو الجواب عن الدليل الذي ذُكر. ومن هنا يظهر أنّ هناك تفاوتاً في تفسير ما هو المعتبر في منجّزية العلم الإجمالي، صاحب الكفاية كما يظهر من عبارته يرى أنّ المعتبر هو أن يكون هناك علم بتكليفٍ فعلي الآن على كل تقدير، وهذا غير متحققٍ في محل الكلام؛ فلذا يرى عدم المنجّزية في المقام. المجيب يرى أنّ شرط المنجّزية ليس هو هذا، الشرط هو أن يعلم المكلّف بالتكليف، وصول التكليف إلى المكلّف يكفي في حكم العقل بمنجّزيته، فالشرط ينبغي تعديله؛ إذ ليس هذا هو الشرط، وإنّما الشرط هو أن يكون العلم الإجمالي علماً بتكليفٍ فعليٍ ليس الآن على كل تقدير، وإنّما يكون علماً بتكليفٍ فعلي على كل تقدير، ولو في عمود الزمان، وهذا متحققٌ في محل الكلام؛ وحينئذٍ يكون العلم الإجمالي منجّزاً.
إذن: هناك اختلاف في تفسير ما هو المعتبر فيمنجّزية العلم الإجمالي، والصحيح هو الثاني، يعني الصحيح هو أنّ المعتبر هو ما ذُكر في الجواب باعتبار أننا ندرك أنّ العقل يحكم بمنجّزية التكليف المعلوم، العقل يحكم بقبح مخالفة كل تكليفٍ معلوم ودخل في دائرة المولوية وثبت للمولى فيه حق الطاعة، وهناك اتفاق على أنّه بالعلم يدخل التكليف في دائرة حق الطاعة، العقل يحكم بمنجّزيته، بمعنى أنّه يدرك قبح مخالفته، هذا الحكم العقلي يقول القبح فعلي، بمجرّد العلم هو يحكم بقبح مخالفة التكليف المعلوم لا أنّ الحكم بالقبح يكون منوطاً بحلول ظرف العمل بالتكليف، أو ظرف فعلية التكليف، لا ليس كذلك، وإنّما العلم هو الموضوع التام لحكم العقل بالقبح، فإذا علم المكلّف بالتكليف علماً إجمالياً، أو علماً تفصيلياً كان ذلك كافياً في تحقق الشرط وكون التكليف في باب العلم الإجمالي فعلياً على كل تقدير؛ لأنّ التكليف فعلي على كل تقدير، على التقدير الأوّل هو فعلي كما هو واضح، وعلى التقدير الثاني، وهو أن تكون حائضاً في آخر الشهر أيضاً التكليف فعلي في آخر الشهر، وكما قلنا أنّ هذا لا يضر بحكم العقل بالمنجّزية؛ لأنّ الشرط هو أن يعلم بتكليفٍ فعليٍ على كل تقدير ولو في عمود الزمان لا أن يعلم بتكليفٍ فعلي على كل تقدير الآن.
الوجه الثاني لعدم المنجّزية: هو ما ذُكر في كلماتهممن أنّه يشترط مضافاً إلى ما تقدّم في منجّزية العلم الإجمالي، يُشترط أن يكون كل طرفٍ من أطراف العلم الإجمالي مورداً للأصل المؤمّن بناءً على مسلك الاقتضاء، باعتبار أنّ صاحب هذا المسلك يرى أنّ المنجّزية هي من توابع تعارض الأصول في الأطراف وتساقطها؛ لأنّه لا يرى أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة للتنجيز، وإنّما يتنجّز العلم الإجمالي باعتبار جريان الأصول في الأطراف وتعارضها وتساقطها وبقاء الأطراف بلا مؤمّن، فتتنجّز. إذن، المنجّزية هي من توابع تعارض الأصول في الأطراف وتساقطها، فإذا جرت الأصول في الأطراف بأن يكون كل طرفٍ هو مورداً للأصل المؤمّن في نفسه وبقطع النظر عن المعارضة؛ حينئذٍ تجري الأصول في الأطراف وتتعارض وتتساقط. لماذا تتعارض الأصول في الأطراف؟ باعتبار أنّ جريان الأصول في الأطراف جميعاً يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية، وهو محال عقلاً، عقلائياً، جريانها في بعض الأطراف المعين دون البعض الآخر ترجيح بلا مرجّح، وجريانها في الفرد المردد غير معقول؛ لأنّ الفرد المردد غير معقول؛ فحينئذٍ تتساقط الأصول في الأطراف، فإذا تساقطت الأصول في الأطراف تبقى الأطراف بلا مؤّمنٍ، فتتنجّز جميع الأطراف، فتثبت المنجّزية بالعلم الإجمالي، لكن ببركة وتوسّط تعارض الأصول في الأطراف.
إذن: يُشترط في صيرورة العلم الإجمالي منجّزاً لأطرافه أن يكون كل طرفٍ من أطرافه مجرى للأصل المؤمّن، إذن، هذا الطرف في حدّ نفسه هو مورد للأصل المؤمّن، وهذا الطرف أيضاً في حدّ نفسه مورد للأصل المؤمّن، فتأتي مسألة أنّ جريان الأصول في الأطراف يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية ......الخ، وهذا لازمه تساقط الأصول وبقاء الأطراف بلا مؤمّن، فيثبت التنجيز. هذا هو شرط تنجيز العلم الإجمالي على القول بالاقتضاء. يقال حينئذٍ: أنّ هذا الشرط غير متحققٍ في محل الكلام؛ لأنّ الأصل يجري في أحد الطرفين بلا معارضٍ. وبعبارةٍ أخرى: أنّ الأصل لا يجري في أحد الطرفين، فيجري الأصل في الطرف الآخر بلا معارض. الطرف الذي يجري فيه الأصل هو التكليف على تقدير أن تكون المرأة حائضاً الآن، هذا يجري فيه الأصل المؤمّن، وليس فيه مشكلة؛ لأنّه على هذا التقدير يكون التكليف فعلياً، وإذا كان التكليف فعلياً ومحتملاً يكون مورداً للأصل المؤمّن، فيجري فيه الأصل المؤمّن، بينما التكليف على التقدير الآخر، أي على تقدير أن تكون حائضاً في آخر الشهر، المفروض أنّ هذا التكليف ليس فعلياً ــــــــــ بحسب الفرض ـــــــــــ؛ لأنّ التكليف على أحد التقديرين ليس فعلياً، فالتكليف بحرمة الدخول في المساجد على هذه المرأة على تقدير أن تكون حائضاً ليس فعلياً، هذا التكليف ليس مورداً للأصل؛ لأنّ موضوع الأصل غير متحققٍ فيه، موضوع الأصل هو الشك في التكليف، المرأة الآن لا تشك في حرمة دخول المساجد عليها على تقدير أن تكون حائضاً في آخر الشهر. نعم هي تعلم بحرمة دخول المساجد عليها على تقدير أن تكون حائضاً الآن، لكن على تقدير أن تكون حائضاً في المستقبل، فعلاً لا يوجد عندها شك في حرمة الدخول، فإذا كان لا يوجد عندها شكّ في حرمة الدخول الآن؛ حينئذٍ ما معنى جريان الأصل بلحاظه ؟ ما معنى أن يجري الأصل مع عدم تحققّ موضوعه؛ لأنّ موضوعه هو الشكّ في التكليف، الشك في فعلية الحرمة عليها، وهي لا تشك في حرمة الدخول في المساجد عليها الآن، وهذا معناه أنّ الأصل يجري في التكليف على تقدير ولا يجري في التكليف على تقديرٍ آخر. إذن، أحد الطرفين للعلم الإجمالي، وهو التكليف على التقدير الآخر ليس مورداً للأصل المؤمّن، فيجري الأصل المؤمّن في التكليف على التقدير الأوّل بلا معارض، وبذلك لا يتحقق شرط المنجّزية الذي هو عبارة عن أن يكون كل من الطرفين في حدّ نفسه مورداً للأصل المؤمّن، هذا الشرط غير متحقق في المقام؛ لأنّ التكليف على تقدير أن تكون المرأة حائضاً في المستقبل لا يجري فيه الأصل، الآن لا يجري فيه الأصل؛ لأنّ موضوعه غير متحقق الآن، موضوعه الشكّ وهي لا تشك في حرمة الدخول في المساجد عليها الآن على تقدير أن تكون حائضاً في المستقبل، بينما التكليف الآخر الشك متحقق فيه، فيجري فيه الأصل بلا معارض ومثل هذا العلم الإجمالي لا يكون منجزاً. هذا على القول بالاقتضاء، وأنّ المنجّزية من آثار تعارض الأصول في الأطراف وتساقطها.
وأمّا على القول بالعلّية ــــــــــ بناءً على رأي المحقق العراقي(قدّس سرّه) الذي يرى أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية ـــــــــــ المحقق العراقي(قدّس سرّه) يرى أنّ الشرط في تنجيز العلم الإجمالي هو أن يكون العلم الإجمالي صالحاً لتنجيز معلومه على كل تقدير، سواء كان المعلوم بالإجمال في هذا الطرف، العلم الإجمالي صالح لتنجيزه، أو في ذاك الطرف أيضاً العلم الإجمالي صالح لتنجيزه؛ حينئذٍ يقال في مقام الاستدلال على عدم منجّزية العلم الإجمالي في المقام، يقال أن هذا الشرط غير متحقق في المقام، باعتبار أنّ العلم الإجمالي في محل الكلام في التدريجيات ليس صالحاً لتنجز معلومه على كل تقدير، وإنّما هو صالح لتنجيز معلومه على تقدير، وليس صالحاً لتنجيز معلومه على تقديرٍ آخر، على تقدير أن تكون المرأة حائضاً الآن، فلا مانع من أن يكون هذا التكليف منجّزاً عليها الآن، لكن على تقدير أن تكون حائضاً في المستقبل العلم الإجمالي لا يصلح لتنجيز هذا التكليف الآن. نعم التكليف صالح لأن يكون منجّزاً في المستقبل، لكن الآن هو ليس صالحاً لأن يكون منجّزاً بالعلم، الآن لا يحرم عليها قطعاً الدخول في المساجد، ما معنى أن يكون العلم منجّزاً للتكليف على التقدير الآخر الآن ؟ لأنّ الآن هي قطعاً لا يحرم عليها الدخول في المساجد الآن. إذن: العلم صالح لتنجيز معلومه، أي تنجيز التكليف على تقديرٍ وليس صالحاً لتنجيز معلومه على التقدير الآخر الذي يعني أنّ الحكم سيكون فعلياً في المستقبل، الآن هو ليس صالحاً للتنجيز، فإذن، لا يتحقق شرط المنجّزية الذي هو عبارة عن أن يكون العلم صالحاً لتنجيز معلومه على كل تقدير، فلا يكون منجّزاً. هذا هو الوجه الثاني على كلا المسلكين.
الكلام في ما إذا كان التكليف على أحد التقديرين فعلياً، وليس فعلياً على التقدير الآخر، ونفترض هنا أنّ التكليف خطاباً وملاكاً ليس فعلياً على أحد التقديرين، لا التكليف فعلي على أحد التقديرين، ولا ملاك التكليف فعلي على أحد التقديرين كما هو الحال على ما ذكرو في مثال الحائض، فأنّ التكليف خطاباً وملاكاً منوط بتحقق الحيض فيكون متأخّراً، إذن، هذه المرأة على تقدير أن تكون حائضاً الآن يكون التكليف فعلياً في حقّها خطاباً وملاكاً، لكن على تقدير أن تكون حائضاً في آخر الشهر، فالتكليف ليس فعلياً لا خطاباً ولا ملاكاً.
أستُدلّ على عدم المنجّزية في هذا الفرض بوجوه:
الوجه الأوّل: ما يظهر من الكفاية الذي قلنا أنّه ذهب إلى عدم المنجّزية مطلقاً، وحاصل ما يُفهم من كلامه أنّ المعتبر في منجّزية العلم الإجمالي هو كونه متعلّقاً بتكليفٍ فعليٍ على كل تقدير، أمّا إذا تعلّق بتكليفٍ فعليٍ على تقدير وليس فعلياً على تقديرٍ آخر، فهذا العلم الإجمالي لا يكون منجّزاً، وفي المقام ـــــــــــ بحسب الفرض ـــــــــــ التكليف ليس فعلياً على كل تقدير، وإنّما هو فعلي على تقدير وليس فعلياً على تقديرٍ آخر كما في مثال المرأة الحائض، فأنّ حرمة الدخول في المساجد عليها، وحرمة قراءة سوّر العزائم عليها إنّما تكون فعلية إذا كانت حائضاً بالفعل، وأمّا إذا كانت حائضاً في آخر الشهر فعلاً، فالحرمة لا تكون فعلية في حقّها، فإذن: التكليف فعلي على تقدير وليس فعلياً على تقديرٍ آخرٍ. أمّا أنّه ليس فعلياً على التقدير الآخر، باعتبار أنّه فعلاً لا يحرم عليها الدخول في المساجد، على تقدير أن تكون حائضاً في نهاية الشهر، قبل ذلك لا يحرم عليها الدخول إلى المساجد، فالتكليف ليس فعلياً في حقها. نعم إن كانت حائضاً فعلاً يكون التكليف فعلياً وتثبت في حقهّا هذه الحرمة، وفي هذه الحالة لا يكون شرط المنجّزية متحققّاً، فلا يكون هذا العلم الإجمالي منجّزاً للطرفين؛ بل يمكن بناءً على عدم المنجّزية إجراء الأصول المؤمّنة في كلا الطرفين. تشكّ المرأة الآن في أنّه يحرم عليها الدخول في المساجد، أو لا ؟ لا يوجد عندها علم بفعلية الحرمة؛ لأنّ الحرمة الفعلية منوطة بفرضٍ وتقديرٍ غير معلوم، إن كانت حائضاً فعلاً، فالحرمة فعلية، لكنّها تشك في كونها حائضاً بالفعل، لكنّها تشك في الحرمة، في التكليف، فتجري البراءة، يجري الأصل المؤمّن لنفي هذا التكليف، كما أنّها في المستقبل في نهاية الشهر أيضاً تشك في الحرمة، فبإمكانها أن تجري الأصل المؤمّن، وهذا من آثار عدم منجّزية هذا العلم الإجمالي.
أجيب عن هذا الوجه في تقريب عدم المنجّزية: بإنكار ما ذُكر من أنّ منجّزية العلم الإجمالي يُشترط فيها أن يكون التكليف المعلوم بالإجمال فعلياً على كل تقدير، إنكار هذا الشرط بالمعنى الذي فهمه المستدل بهذا الوجه، المستدل بهذا الوجه كأنّه يفهم من هذا الشرط اشتراط أن يكون التكليف فعلياً الآن على كل تقديرٍ حتّى يكون العلم الإجمالي منجّزاً كما هو الحال في مثال الإناءين، على كل تقديرٍ التكليف فعليٌ الآن، إن كانت النجاسة في هذا الإناء يحرم شربه الآن، وإن كانت في ذاك الإناء يحرم شربه الآن، فيكون منجّزاً. أمّا إذا لم يكن كذلك، بأن كان فعلياً الآن على تقديرٍ، وليس فعلياً الآن على تقديرٍ آخر. يدّعي صاحب هذا الوجه بأنّ هذا لا يحقق شرط منجّزية العلم الإجمالي.
الجواب يقول: أنّ كون التكليف فعلياً على كل تقدير شرط ولابدّ منه، لكن ليس معناه اشتراط أن يكون فعلياً الآن على كل تقدير؛ بل يكفي في منجّزية العلم الإجمالي أن يكون التكليف فعلياً على كل تقديرٍ في عمود الزمان، لا نشترط في منجّزية العلم الإجمالي أن يكون التكليف فيه فعلياً الآن على كل تقدير، وإنّما لو كان فعلياً الآن على تقديرٍ، وفعلي في المستقبل على تقديرٍ آخر هذا يحقق شرط المنجّزية؛ لأنّ شرط المنجّزية هو أن يكون التكليف فعلياً على كل تقدير في عمود الزمان، المهم أن يعلم بتكليف فعلي على كل تقدير، سواء كان فعلياً الآن، أو كان فعلياً في المستقبل، هذا هو شرط المنجّزية، ننكر تفسير هذا الشرط بالتفسير السابق الذي ينتج أنّ العلم الإجمالي في محل الكلام ليس منجّزاً، وهذا مرجعه إلى دعوى أنّ العقل يحكم بمنجّزية العلم الإجمالي بمجرّد أن يكون علماً بتكليفٍ فعلي على كل تقدير أعمّ من أن يكون تكليفاً فعلياً الآن، أو يكون تكليفاً فعلياً في المستقبل.
بعبارةٍ أخرى: أنّ العقل في حكمه بالمنجّزية، أو في إدراكه لقبح المخالفة على ما تقدّم أنّ معنى المنجّزية هو عبارة عن إدراك العقل لقبح مخالفة التكليف، وبالتالي لا يُفرق في التكليف الذي يحكم بقبح مخالفته بين أن يكون فعلياً الآن، وبين أن يكون في المستقبل، العقل الآن يحكم عليه بقبح المخالفة حتّى إذا فرضنا أنّ هذا التكليف فعلي في المستقبل، في حكم العقل بالقبح يكفي دخول التكليف ـــــــــــ كما تقدّم ــــــــــ في دائرة مولوية المولى، يكفي أن يثبت أنّ للمولى حق الطاعة في هذا التكليف، ولا إشكال أنّ التكليف بالعلم به يدخل في حق الطاعة ويثبت للمولى حق الطاعة فيه، سواء كان فعلياً، أو سيكون فعلياً في المستقبل، كل منهما يحكم العقل بقبح مخالفته، كلٌ منهما يحكم العقل باستحقاق العقاب على مخالفته، سواء كان فعلياً الآن، أو كان فعلياً في الزمان الآتي، على كل حال هو تكليفٌ مولوي علم به المكلّف، ولو علماً إجمالياً، هذا العلم يدخله في دائرة المولوية، ويثبت للمولى فيه حق الطاعة، ولو كان متأخّراً، ولو كانت فعلية التكليف متأخّرة، لتكن فعلية التكليف متأخّرة، ولتكن المخالفة لا يتمكن المكلّف منها فعلاً، وإنّما سيتمكن منها في المستقبل، لكن هذا لا ينافي أن يكون الحكم العقلي فعلياً، بمعنى أنّ العقل يحكم بقبح هذه المخالفة، حكم العقل بالقبح لا يتوقّف على فعلية التكليف الآن، وإنّما يكفي فيه أن يكون التكليف فعلياً ولو في المستقبل، والمفروض في محل الكلام أنّ التكليف فعلي على كل تقدير. غاية الأمر أنّه فعلي الآن على تقدير، وفعلي في المستقبل على تقديرٍ آخر، وبذلك يتحقق شرط المنجّزية ويكون العلم الإجمالي منجّزاً؛ لأنّ الشرط ليس هو ما ذُكر، وإنّما الشرط هو أن يكون التكليف فعلياً على كل تقديرٍ في عمود الزمان لا أنّ يكون التكليف فعلياً الآن على كل تقديرٍ حتّى يقال أنّ هذا غير متحققٍ في محل الكلام، وبالتالي يكون العلم الإجمالي فاقداً لشرط منجّزيته، فلا يكون منجّزاً؛ بل هو منجّز ولا فرق بينه وبين العلم الإجمالي بتكليفٍ فعلي الآن على كل تقدير. ما نحن فيه لا يُفرّق فيه بين هذا وبين ذاك، كلٌ من التكليفين، الفعلي الآن والفعلي في المستقبل إذا علم به المكلّف حكم العقل بتنجّزه على المكلّف، والعقل يحكم بتنجّزه فعلاً يرى بأنّه يقبح مخالفته والحكم العقلي يثبت فعلاً في أنّه يقبح مخالفة التكليف، ولو كان التكليف فعلياً في المستقبل، لا أنّ الحكم بالقبح يكون منوطاً بالزمان المتأخّر، بمعنى أنّ العقل هنا بالرغم من علم المكلّف بالتكليف الاستقبالي، العقل هنا ليس له حكم، ولا يحكم بقبح مخالفة هذا التكليف مع أنّ المكلّف علم به، لمجرّد أنّ هذا التكليف ليس فعلياً الآن، عدم كونه فعلياً الآن لا يعني أنّ العقل لا يحكم بقبح مخالفته؛ بل يحكم بقبح مخالفة كل تكليف يدخل في دائرة المولوية، كل تكليفٍ يدخل في دائرة المولوية يحكم العقل بقبح مخالفته، واستحقاق العقاب على مخالفته حكماً فعلياً، وإن كانت المخالفة ستكون في الزمان الآتي، وإن كانت المخالفة لا يتمكن المكلّف منها فعلاً، لكن حكم العقل بالقبح فعلي؛ لأنّ موضوعه هو التكليف الذي للمولى حق الطاعة فيه، والعلم به يدخله في حق الطاعة، ويكون من أظهر مصاديق ثبوت حق الطاعة في التكليف عندما يتعلّق العلم به، يعلم به المكلّف ودخل في حق الطاعة، العقل يحكم بقبح مخالفته، ولو كان هذا التكليف سيكون فعلياً في المستقبل.
نعم، النكتة السابقة التي ذكرناها أيضاً تجري هنا، وهي أنّ الحكم العقلي الذي قلنا أنّه يكون فعلياً من حين العلم، موضوعه التكليف المعلوم الداخل في دائرة المولوية، العقل إنّما يحكم بتنجّز التكليف باعتبار تعلّق العلم به، فموضوع الحكم العقلي بالقبح هو التكليف المعلوم، فإذا زال العلم قبل زمان فعلية التكليف بطبيعة الحال يزول الحكم العقلي، لكن قلنا أنّ ارتفاع الحكم العقلي من باب ارتفاع موضوعه؛ لأنّ موضوعه هو عبارة عن التكليف المعلوم، فإذا زال العلم؛ حينئذٍ يرتفع الحكم العقلي بلا إشكال، لكن قلنا أنّ هذا لا يعني أنّ العلم المتقدّم لا ينجّز التكليف المتأخّر، لا يعني أنّ المنجّز للتكليف المتأخّر هو العلم في ظرف العمل به وفي ظرف الإطاعة والامتثال، والعصيان والمخالفة، لا يعني ذلك، العلم بمجرّد تحققه يحكم العقل بقبح مخالف التكليف المعلوم، واستحقاق العقاب على مخالفته، لكن هذا يزول إذا تبدّل العلم إلى شكٍّ، فأصبح المكلّف شاكّاً في التكليف في آخر الشهر، العقل لا يحكم بمنجّزية التكليف المشكوك؛ لأنّ التكليف المشكوك لا يدخل في دائرة المولوية، التكليف المشكوك لا يرى العقل أنّ للمولى حق الطاعة فيه، بناءً على قاعدة قبح العقاب بلا بيان، فإذا كان لا يرى ذلك؛ فحينئذٍ بطبيعة الحال لا يحكم بقبح مخالفته، يرتفع الحكم العقلي لارتفاع موضوعه، لكن هذا لا يعني أنّ المنجّزية غير ثابتة من زمان العلم، المنجّزية ثابتة من زمان العلم والتكليف فعلي على كل تقديرٍ، بالمعنى المطروح للشرط، الشرط ليس هو أن يكون التكليف فعلياً الآن على كل تقدير حتّى يكون العلم الإجمالي منجّزاً لأطرافه، الشرط هو أن يكون التكليف فعلياً على كل تقديرٍ ولو في عمود الزمان، وهذا متحقق في المقام، وهذا يجعل العلم الإجمالي منجّزاً ولا يتمّ هذا الدليل الذي ذكر.
هذا هو الجواب عن الدليل الذي ذُكر. ومن هنا يظهر أنّ هناك تفاوتاً في تفسير ما هو المعتبر في منجّزية العلم الإجمالي، صاحب الكفاية كما يظهر من عبارته يرى أنّ المعتبر هو أن يكون هناك علم بتكليفٍ فعلي الآن على كل تقدير، وهذا غير متحققٍ في محل الكلام؛ فلذا يرى عدم المنجّزية في المقام. المجيب يرى أنّ شرط المنجّزية ليس هو هذا، الشرط هو أن يعلم المكلّف بالتكليف، وصول التكليف إلى المكلّف يكفي في حكم العقل بمنجّزيته، فالشرط ينبغي تعديله؛ إذ ليس هذا هو الشرط، وإنّما الشرط هو أن يكون العلم الإجمالي علماً بتكليفٍ فعليٍ ليس الآن على كل تقدير، وإنّما يكون علماً بتكليفٍ فعلي على كل تقدير، ولو في عمود الزمان، وهذا متحققٌ في محل الكلام؛ وحينئذٍ يكون العلم الإجمالي منجّزاً.
إذن: هناك اختلاف في تفسير ما هو المعتبر فيمنجّزية العلم الإجمالي، والصحيح هو الثاني، يعني الصحيح هو أنّ المعتبر هو ما ذُكر في الجواب باعتبار أننا ندرك أنّ العقل يحكم بمنجّزية التكليف المعلوم، العقل يحكم بقبح مخالفة كل تكليفٍ معلوم ودخل في دائرة المولوية وثبت للمولى فيه حق الطاعة، وهناك اتفاق على أنّه بالعلم يدخل التكليف في دائرة حق الطاعة، العقل يحكم بمنجّزيته، بمعنى أنّه يدرك قبح مخالفته، هذا الحكم العقلي يقول القبح فعلي، بمجرّد العلم هو يحكم بقبح مخالفة التكليف المعلوم لا أنّ الحكم بالقبح يكون منوطاً بحلول ظرف العمل بالتكليف، أو ظرف فعلية التكليف، لا ليس كذلك، وإنّما العلم هو الموضوع التام لحكم العقل بالقبح، فإذا علم المكلّف بالتكليف علماً إجمالياً، أو علماً تفصيلياً كان ذلك كافياً في تحقق الشرط وكون التكليف في باب العلم الإجمالي فعلياً على كل تقدير؛ لأنّ التكليف فعلي على كل تقدير، على التقدير الأوّل هو فعلي كما هو واضح، وعلى التقدير الثاني، وهو أن تكون حائضاً في آخر الشهر أيضاً التكليف فعلي في آخر الشهر، وكما قلنا أنّ هذا لا يضر بحكم العقل بالمنجّزية؛ لأنّ الشرط هو أن يعلم بتكليفٍ فعليٍ على كل تقدير ولو في عمود الزمان لا أن يعلم بتكليفٍ فعلي على كل تقدير الآن.
الوجه الثاني لعدم المنجّزية: هو ما ذُكر في كلماتهممن أنّه يشترط مضافاً إلى ما تقدّم في منجّزية العلم الإجمالي، يُشترط أن يكون كل طرفٍ من أطراف العلم الإجمالي مورداً للأصل المؤمّن بناءً على مسلك الاقتضاء، باعتبار أنّ صاحب هذا المسلك يرى أنّ المنجّزية هي من توابع تعارض الأصول في الأطراف وتساقطها؛ لأنّه لا يرى أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة للتنجيز، وإنّما يتنجّز العلم الإجمالي باعتبار جريان الأصول في الأطراف وتعارضها وتساقطها وبقاء الأطراف بلا مؤمّن، فتتنجّز. إذن، المنجّزية هي من توابع تعارض الأصول في الأطراف وتساقطها، فإذا جرت الأصول في الأطراف بأن يكون كل طرفٍ هو مورداً للأصل المؤمّن في نفسه وبقطع النظر عن المعارضة؛ حينئذٍ تجري الأصول في الأطراف وتتعارض وتتساقط. لماذا تتعارض الأصول في الأطراف؟ باعتبار أنّ جريان الأصول في الأطراف جميعاً يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية، وهو محال عقلاً، عقلائياً، جريانها في بعض الأطراف المعين دون البعض الآخر ترجيح بلا مرجّح، وجريانها في الفرد المردد غير معقول؛ لأنّ الفرد المردد غير معقول؛ فحينئذٍ تتساقط الأصول في الأطراف، فإذا تساقطت الأصول في الأطراف تبقى الأطراف بلا مؤّمنٍ، فتتنجّز جميع الأطراف، فتثبت المنجّزية بالعلم الإجمالي، لكن ببركة وتوسّط تعارض الأصول في الأطراف.
إذن: يُشترط في صيرورة العلم الإجمالي منجّزاً لأطرافه أن يكون كل طرفٍ من أطرافه مجرى للأصل المؤمّن، إذن، هذا الطرف في حدّ نفسه هو مورد للأصل المؤمّن، وهذا الطرف أيضاً في حدّ نفسه مورد للأصل المؤمّن، فتأتي مسألة أنّ جريان الأصول في الأطراف يستلزم الترخيص في المخالفة القطعية ......الخ، وهذا لازمه تساقط الأصول وبقاء الأطراف بلا مؤمّن، فيثبت التنجيز. هذا هو شرط تنجيز العلم الإجمالي على القول بالاقتضاء. يقال حينئذٍ: أنّ هذا الشرط غير متحققٍ في محل الكلام؛ لأنّ الأصل يجري في أحد الطرفين بلا معارضٍ. وبعبارةٍ أخرى: أنّ الأصل لا يجري في أحد الطرفين، فيجري الأصل في الطرف الآخر بلا معارض. الطرف الذي يجري فيه الأصل هو التكليف على تقدير أن تكون المرأة حائضاً الآن، هذا يجري فيه الأصل المؤمّن، وليس فيه مشكلة؛ لأنّه على هذا التقدير يكون التكليف فعلياً، وإذا كان التكليف فعلياً ومحتملاً يكون مورداً للأصل المؤمّن، فيجري فيه الأصل المؤمّن، بينما التكليف على التقدير الآخر، أي على تقدير أن تكون حائضاً في آخر الشهر، المفروض أنّ هذا التكليف ليس فعلياً ــــــــــ بحسب الفرض ـــــــــــ؛ لأنّ التكليف على أحد التقديرين ليس فعلياً، فالتكليف بحرمة الدخول في المساجد على هذه المرأة على تقدير أن تكون حائضاً ليس فعلياً، هذا التكليف ليس مورداً للأصل؛ لأنّ موضوع الأصل غير متحققٍ فيه، موضوع الأصل هو الشك في التكليف، المرأة الآن لا تشك في حرمة دخول المساجد عليها على تقدير أن تكون حائضاً في آخر الشهر. نعم هي تعلم بحرمة دخول المساجد عليها على تقدير أن تكون حائضاً الآن، لكن على تقدير أن تكون حائضاً في المستقبل، فعلاً لا يوجد عندها شك في حرمة الدخول، فإذا كان لا يوجد عندها شكّ في حرمة الدخول الآن؛ حينئذٍ ما معنى جريان الأصل بلحاظه ؟ ما معنى أن يجري الأصل مع عدم تحققّ موضوعه؛ لأنّ موضوعه هو الشكّ في التكليف، الشك في فعلية الحرمة عليها، وهي لا تشك في حرمة الدخول في المساجد عليها الآن، وهذا معناه أنّ الأصل يجري في التكليف على تقدير ولا يجري في التكليف على تقديرٍ آخر. إذن، أحد الطرفين للعلم الإجمالي، وهو التكليف على التقدير الآخر ليس مورداً للأصل المؤمّن، فيجري الأصل المؤمّن في التكليف على التقدير الأوّل بلا معارض، وبذلك لا يتحقق شرط المنجّزية الذي هو عبارة عن أن يكون كل من الطرفين في حدّ نفسه مورداً للأصل المؤمّن، هذا الشرط غير متحقق في المقام؛ لأنّ التكليف على تقدير أن تكون المرأة حائضاً في المستقبل لا يجري فيه الأصل، الآن لا يجري فيه الأصل؛ لأنّ موضوعه غير متحقق الآن، موضوعه الشكّ وهي لا تشك في حرمة الدخول في المساجد عليها الآن على تقدير أن تكون حائضاً في المستقبل، بينما التكليف الآخر الشك متحقق فيه، فيجري فيه الأصل بلا معارض ومثل هذا العلم الإجمالي لا يكون منجزاً. هذا على القول بالاقتضاء، وأنّ المنجّزية من آثار تعارض الأصول في الأطراف وتساقطها.
وأمّا على القول بالعلّية ــــــــــ بناءً على رأي المحقق العراقي(قدّس سرّه) الذي يرى أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعية ـــــــــــ المحقق العراقي(قدّس سرّه) يرى أنّ الشرط في تنجيز العلم الإجمالي هو أن يكون العلم الإجمالي صالحاً لتنجيز معلومه على كل تقدير، سواء كان المعلوم بالإجمال في هذا الطرف، العلم الإجمالي صالح لتنجيزه، أو في ذاك الطرف أيضاً العلم الإجمالي صالح لتنجيزه؛ حينئذٍ يقال في مقام الاستدلال على عدم منجّزية العلم الإجمالي في المقام، يقال أن هذا الشرط غير متحقق في المقام، باعتبار أنّ العلم الإجمالي في محل الكلام في التدريجيات ليس صالحاً لتنجز معلومه على كل تقدير، وإنّما هو صالح لتنجيز معلومه على تقدير، وليس صالحاً لتنجيز معلومه على تقديرٍ آخر، على تقدير أن تكون المرأة حائضاً الآن، فلا مانع من أن يكون هذا التكليف منجّزاً عليها الآن، لكن على تقدير أن تكون حائضاً في المستقبل العلم الإجمالي لا يصلح لتنجيز هذا التكليف الآن. نعم التكليف صالح لأن يكون منجّزاً في المستقبل، لكن الآن هو ليس صالحاً لأن يكون منجّزاً بالعلم، الآن لا يحرم عليها قطعاً الدخول في المساجد، ما معنى أن يكون العلم منجّزاً للتكليف على التقدير الآخر الآن ؟ لأنّ الآن هي قطعاً لا يحرم عليها الدخول في المساجد الآن. إذن: العلم صالح لتنجيز معلومه، أي تنجيز التكليف على تقديرٍ وليس صالحاً لتنجيز معلومه على التقدير الآخر الذي يعني أنّ الحكم سيكون فعلياً في المستقبل، الآن هو ليس صالحاً للتنجيز، فإذن، لا يتحقق شرط المنجّزية الذي هو عبارة عن أن يكون العلم صالحاً لتنجيز معلومه على كل تقدير، فلا يكون منجّزاً. هذا هو الوجه الثاني على كلا المسلكين.