35/05/02
تحمیل
الموضوع: الأصول العمليّة/ أصالة التخيير
كان الكلام في المقام الثالث وهو فيما إذا فرضنا تعدد الواقعة، ومثّلنا لذلك بالمثال المتقدّم بما إذا علم بوجوب فعلٍ معيّن في أحد اليومين، أو حرمته فيهما مع كونهما توصليين، كل من الوجوب المحتمل والتحريم المحتمل، هنا إذا لاحظنا كل يوم هناك علم إجمالي واضح في أنّ الفعل يترددّ في كل يومٍ من اليومين مثلاً، أو الأيام بين الوجوب والتحريم، وهذا علم إجمالي يدور الأمر فيه بين المحذورين ولا يمكن مخالفته القطعية ولا موافقته القطعية، وهكذا الحال في اليوم الثاني، إذا لاحظنا اليوم الثاني على حدة، أيضاً يدور أمر الفعل فيه بين الوجوب والتحريم وهو كالعلم الإجمالي الأوّل، لكن قد يقال يقترن بهذا العلم علمان إجماليان آخران تدريجيان وهما العلم بأنّ الفعل إمّا واجب في هذا اليوم، أو حرام في اليوم الآخر، أو أنّ الفعل إمّا حرام في هذا اليوم، أو واجب في اليوم الآخر. هذان علمان إجماليان تدريجيان غير العلمين الإجماليين المفترضين. الكلام في هذين العلمين الإجماليين، كل علمٍ إذا لاحظناه على حدة يمكن موافقته القطعية، ويمكن مخالفته القطعية، العلم الإجمالي بأنّ الفعل إمّا واجب في هذا اليوم، وإمّا حرام في اليوم الآخر، يمكن موافقته بالإتيان بالفعل هذا اليوم وتركه في الثاني، كما يمكن مخالفته القطعية بالعكس، تركه في هذا اليوم وموافقته في اليوم الثاني، وهكذا العلم الإجمالي التدريجي الثاني وهو أنّه يعلم إجمالاً بأنّ هذا الفعل إمّا حرام اليوم، أو أنّه واجب في اليوم الآخر، يمكن موافقته القطعية ويمكن مخالفته القطعية. الكلام أننّا هل نستطيع أن نستفيد من هذين العلمين الإجماليين التدريجيين، هل يمكن أن نثبت بهذا الذي ذكر وجوب الموافقة الاحتمالية ؟ أو لا يمكن أن نثبت وجوب الموافقة الاحتمالية ؟
قد يقال: يمكن إثبات وجوب الموافقة الاحتمالية على اساس أنّ هذين العلمين الإجماليين التدريجيين حيث يمكن مخالفة كل واحدٍ منهما قطعاً، فيكون كل واحد منهما منجّزاً لحرمة المخالفة القطعية، العلم الإجمالي التدريجي الأوّل إما واجب اليوم، أو حرام غداً، وقلنا يمكن مخالفته القطعية، فيكون منجّزاً لحرمة المخالفة القطعية، والعلم الإجمالي الثاني أنّ الفعل إمّا حرام اليوم، أو واجب غداً، يمكن مخالفته القطعية بعكس العلمين الإجماليين السابقين، كل واحدٍ منهما لا يمكن مخالفته القطعية؛ لأنّه هناك يعلم بأنّ الفعل في اليوم الأوّل إمّا واجب وإمّا حرام، وهذا لا يمكن مخالفته القطعية؛ ولذا لا ينجّز حرمة المخالفة القطعية، لكن هذا حيث تمكن مخالفته القطعية ينجّز حرمة المخالفة القطعية، الثاني أيضاً ينجّز حرمة مخالفته القطعية، ونتيجة الجمع بين هاتين الحرمتين القطعيتين المنجّزتين بهاذين العلمين الإجماليين هو وجوب الموافقة القطعية؛ لأنّ المكلّف إذا كان يحرم عليه أن يخالف العلم الإجمالي التدريجي الأوّل، إمّا واجب اليوم أو غداً، تحرم عليك مخالفته، يعني لا يمكنك أن تفعل اليوم وتترك غداً، والثاني يقول له لا يمكنك أن تترك اليوم وتفعل غداً، يعني مخالفة قطعية، فالمكلّف إذا كان لا يجوز له أن يفعل اليوم ويترك غداً، ولا يجوز له أن يترك اليوم ويفعل غداً، معناه أنّه يجب عليه أن يأتي بالفعل في كلا اليومين، أو يأتي بالترك في كلا اليومين، أمّا أن يخالف بينهما بأن يفعل في اليوم ويترك في الآخر فهذا ممنوع؛ لأنّ هذين العلمين الإجماليين نجزا حرمة المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بهما، ومعنى حرمة المخالفة القطعية لهما هو وجوب الموافقة الاحتمالية، يعني أنّه لا يجوز للمكلّف أنّ يخالف، بأنّ يفعل في اليوم الأوّل ويترك في اليوم الثاني، أو يترك في اليوم الأوّل ويفعل في اليوم الثاني، وإذا فعل في اليوم الأوّل يجب عليه أن يفعل في اليوم الثاني، وإذا ترك فلابد أن يترك في اليوم الثاني، وهذه الموافقة احتمالية، فيكون هذا منجزاً لوجوب الموافقة الاحتمالية، وهذا هو معنى أنّ التخيير ابتدائي وليس تخييراً استمرارياً؛ لأنّ التخيير الابتدائي لا يستلزم الوقوع في المخالفة القطعية، بينما التخيير الاستمراري قد يستلزم الوقوع في المخالفة القطعية، والمفروض أنّها منجزة بهذين العلمين الإجماليين التدريجيين.
المحقق الأصفهاني(قدّس سرّه) له كلام في المقام، كأنّه يظهر منه المنع من منجّزية العلم الإجمالي في محل الكلام لوجوب الموافقة الاحتمالية، حاصل ما نُقل عنه هو أنّه يقول: أنّ العلم الإجمالي الأوّل والعلم الإجمالي الثاني في المقام غير صالح لتنجيز حرمة المخالفة القطعية حتّى يأتي التقريب السابق أنّ كلاً منهما ينجّز حرمة المخالفة القطعية، ونتيجة الجمع بين حرمة المخالفتين القطعيتين هو وجوب الموافقة الاحتمالية. هو يقول لا، أنّ كل واحد من العلمين الإجماليين لا ينجز حرمة المخالفة القطعية، فلا يمكن أن نتسلسل ونصل من هذا إلى نتيجة وجوب الموافقة الاحتمالية؛ لماذا لا يصلح للتنجيز ؟ باعتبار أنّه لا يوجد في المقام إلاّ تكليفان، أحدهما التكليف في اليوم الأوّل وقد فرغنا عن عدم قابليته لتنجيز حرمة المخالفة القطعية، العلم الإجمالي بأنّ الفعل إمّا واجب وإمّا حرام غير قابل لتنجيز حرمة المخالفة القطعية؛ لأنّ المكلّف في اليوم الأوّل غير متمكن من المخالفة القطعية، إذن، التكليف في اليوم الأوّل يقول فرغنا عن عدم قابليته للتنجز لعدم إمكان موافقته القطعية ولا مخالفته القطعية. ثانيهما هو التكليف الثاني، وهذا أيضاً يقول قد فرغنا من عدم قابليته لتنجيز حرمة مخالفته القطعية لنفس السبب السابق وهو أنّ المكلّف غير قادر على المخالفة القطعية.
وإمّا العلم الإجمالي بوجوب الفعل في اليوم الأوّل، أو حرمته في اليوم الثاني ــــــــــ هذا العلم الإجمالي التدريجي المنتزع من العلم الإجمالي الأوّل ــــــــــ أمّا العلم الإجمالي بوجوب الفعل في اليوم الأوّل، أو حرمته في اليوم الثاني، أو بالعكس، العلمين الإجماليين التدريجيين، يقول: فليس إلاّ علماً منتزعاً من العلمين السابقين الذي فرغنا عن عدم كونهما منجزان لحرمة المخالفة القطعية، الدائرين بين المحذورين، ولا يصنع شيئاً في المقام، والمخالفة القطعية المتصوّرة في هذا العلم الإجمالي التدريجي تكون حصيلة لمخالفة احتمالية للتكليف الأوّل التي فرغنا عن جوازها، ومخالفة احتمالية للتكليف الثاني التي فرغنا عن جوازها أيضاً.
مخالفة احتمالية للتكليف الأوّل في اليوم الأوّل، فرغنا عن جوازها؛ لأنّ المكلّف غير قادر على الموافقة القطعية ولا على المخالفة القطعية؛ فلا إشكال في جواز المخالفة الاحتمالية، يعني يجوز له أن يفعل في اليوم الأول، أو يترك في اليوم الأوّل والذي معناه التخيير.
ومخالفة احتمالية للتكليف الثاني الذي فرغنا عن جوازها أيضاً، فإذن: نحن فرغنا عن جواز المخالفة الاحتمالية في اليوم الأوّل، والمخالفة الاحتمالية في اليوم الثاني، وليس في المقام تكليف جديد حصل العلم به وراء ذينك التكليفين حتّى يتنجّز ذلك التكليف وتحرم مخالفته القطعية، ليس لدينا إلاّ تكليفين وقد فرغنا عن حرمة مخالفتهما القطعية، وجواز مخالفتهما الاحتمالية. إذن، كيف يمكن أن نثبت حرمة المخالفة القطعية لهذين العلمين الإجماليين التدريجيين حتّى نتسلسل ونثبت بذلك وجوب الموافقة الاحتمالية التي هي المقصود في المقام ؟
هذا الكلام المنقول عن المحقق الأصفهاني(قدّس سرّه)، بقطع النظر عن أنّه مطابق لكلامه المذكور في حاشيته على الكفاية، يبدو أنّه ليس مطابقاً تماماً لكلامه، الذي ذكره في حاشيته على الكفاية شيء آخر تقريباً، هو لا يلحظ العلمين الإجماليين التدريجيين، اصلاً أغفلهما، وإنّما يلحظ العلمين الإجماليين السابقين، علم إجمالي في اليوم الأوّل وعلم إجمالي في اليوم الثاني، ويقول: هنا فرغنا عن جواز المخالفة الاحتمالية لكلٍ منهما، وفرغنا عن عدم حرمة المخالفة القطعية لكلٍ منهما لعدم قدرة المكلّف على المخالفة القطعية، فهو يلحظ هذين العلمين الإجماليين، ثمّ يقول: ولا توجب تلك العلوم المتعددة علماً تفصيلياً بتكليف آخر يتمكن المكلّف من ترك مخالفته القطعية، لا توجب شيئاً من هذا القبيل، نعم، انتزاع طبيعي العلم من العلوم المتعددة، وطبيعي التكليف من التكاليف المتعددة ونسبة المخالفة القطعية إلى ذلك التكليف الواحد المعلوم بعلم واحد هو الموجب لهذه المغالطة، والذي أوجب المغالطة في المقام وتصوّر أنّ العلم ينجّز حرمة المخالفة القطعية في المقام نشأ من افتراض انتزاع علم من بين تلك العلوم المتعددة، يعني العلم الإجمالي موجود في كل يومٍ، في اليوم الأوّل يوجد علم إجمالي، وفي اليوم الثاني يوجد علم إجمالي، وفي اليوم الثالث يوجد علم إجمالي إذا فرضنا الوقائع متعددة أكثر من اثنين، انتزاع طبيعي العلم من هذه العلوم المتعددة، انتزاع طبيعي التكليف من هذه التكاليف المتعددة، ثمّ نسبة المخالفة القطعية لذلك التكليف الواحد، يعني المنتزع من التكاليف المتعددة المعلوم بعلمٍ إجمالي واحد منتزع من تلك العلوم المتعددّة، يقول هذا هو الذي أوجب الوقوع في المغالطة، بينما هذا لا واقع له، الموجود في الخارج هو علم إجمالي في اليوم الأوّل وعلم إجمالي في اليوم الثاني، وعلم إجمالي في اليوم الثالث، وهذه علوم إجمالية لا تنجّز حرمة المخالفة القطعية. أمّا أن نلتفت إلى طبيعي العلم المنتزع من هذه العلوم وطبيعي التكليف المنتزع من هذه التكاليف وننسب إليه حرمة المخالفة القطعية، يقول: هذا غير صحيح، ومن الواضح أنّ ضمّ المخالفة في واقعة إلى مخالفة في واقعة أخرى، وإن كان يوجب القطع بالمخالفة، لكنّه قطع بمخالفةٍ غير مؤثرة؛ لفرض عدم الأثر لكل مخالفة للتكليف المعلوم في كل واقعة.
يبدو من كلامه(قدّس سرّه) أنّه ليس ناظراً إلى العلمين الإجماليين التدريجيين، وسواء كان ما نقل عن كلامه مطابقاً، أو لا، نحن نتحدّث عن هذا الذي نُقل، والذي فيه تفصيل وفيه مناقشة لمنجزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية، وحاصل ما نُقل عنه هو الاعتبار بالعلمين الإجماليين السابقين، وقد فرغنا عن عدم منجزيتهما لحرمة المخالفة القطعية؛ حينئذٍ لا مجال لأن يقال بأنّه يتولّد منهما علمان إجماليان تدريجيان يمكن مخالفتهما القطعية ويكون العلم الإجمالي منجزاً لحرمة المخالفة القطعية في كل منهما، ونتيجة الجمع بين المخالفتين القطعيتين لكلٍ منهما هو وجوب الموافقة الاحتمالية، يقول هذا لا مجال له، ولا يوجد عندنا إلاّ تكليفان، تكليف في اليوم الأوّل وتكليف في اليوم الثاني، وقد فرغنا عن عدم حرمة مخالفته القطعية وجواز مخالفته الاحتمالية، المخالفة القطعية للتكليف الذي ذُكر في الدليل هو عبارة عن ضم مخالفة احتمالية في التكليف الأوّل إلى مخالفة احتمالية في التكليف الثاني، المكلّف في التكليف الأوّل يستطيع أن يفعل في اليوم الأوّل، وفي اليوم الثاني يستطيع أن يترك؛ لأننا جوّزنا له المخالفة الاحتمالية في كلٍ من اليومين، فإذا فعل في اليوم الأوّل وترك في اليوم الثاني، أو ترك في اليوم الأوّل وفعل في اليوم الثاني هذه هي عبارة عن مخالفة قطعية، وهذه هي التي ذُكر أنّها مخالفة قطعية ينجزها العلم الإجمالي، ما معنى ينجزها والحال أنّها في واقعها ضم مخالفة احتمالية للتكليف في اليوم الأوّل الذي فرغنا عن جوازها إلى مخالفة احتمالية في اليوم الثاني التي أيضاً فرغنا عن جوازها، المخالفة القطعية هي عبارة عن ضم هاتين المخالفتين الاحتماليتين للتكليف المعلوم بالإجمال في كلٍ من اليومين، وقد فرغنا عن جوازها، المخالفة القطعية التي ذُكرت هي عبارة عن هذه، فكيف نتصوّر أنّها تكون منجزة بالعلم الإجمالي ؟! حتّى نستنتج من حرمة المخالفتين القطعيتين وجوب الموافقة الاحتمالية. هذا ما يمكن أن يُبين به ما نُقل عن هذا المحقق(قدّس سرّه).
قد يبدو من كلامه أنّ المشكلة في افتراض الطولية، قلنا أنّ كلامه هذا يبدو أنّه ليس ناظراً إلى العلمين الإجماليين التدريجيين، لكن بناءً على هذا الذي نُقل عنه، وهو أنّه يوجد علمين إجماليين في كلٍ من اليومين، ويوجد علمين إجماليين تدريجيين، قد تكون المشكلة في الالتزام بوجوب الموافقة الاحتمالية بالبيان السابق ناشئة من افتراض الطولية بين العلمين الإجماليين السابقين وبين العلمين الإجماليين التدريجيين، بأن نفترض أنّه في البداية كان هناك علمان إجماليان في كلٍ من اليومين ــــــــــ فلنسميهما العلم الإجمالي الأوّل والعلم الإجمالي الثاني ــــــــــ ثمّ بعد ذلك وفي طول ذلك تولّد من هذين العلمين الإجماليين علمان إجماليان آخران، فهناك طولية بين العلمين الإجماليين الأوليين وبين العلمين الإجماليين التدريجيين، تولّدا من هذين العلمين الإجماليين الأوليّين، المشكلة كأنّه في الطولية، هذا يمكن فرضه بأنّ المكلّف في البداية علم بأنّه حلف إمّا على وجوب السفر في يوم الجمعة، أو على تركه، وكذلك علم بأنّه حلف إمّا على وجوب السفر في يوم السبت، أو على تركه، إلى هنا لا يوجد إلاّ علمان إجماليان أساسيان، أمّا علم إجمالي بأنّ الفعل إمّا واجب في يوم الجمعة، أو حرام في يوم السبت إلى هنا غير موجود، لكن لو فرضنا أنّ هذا الشخص نضم إلى علمه السابق أنّه بعد ذلك علم بأنّ العلمين الإجماليين الّذين حصلا له متماثلان في المتعلّق فعلاً وتركاً، يعني إذا حلف على فعل السفر في يوم السبت، فحلفه في يوم الأحد أيضاً على فعل السفر، وإذا حلف على الترك، فحلفه في اليوم الثاني أيضاً على الترك. هذا العلم الأخير إذا أنضم إلى العلمين السابقين سوف يولّد له هذين العلمين التدريجيين، فيصبح عالماً بأنّ السفر إمّا واجب في يوم السبت، أو حرام في اليوم الثاني، أو بالعكس، إمّا حرام في يوم السبت، أو حرام في اليوم الثاني، فهناك تدريجية في حصول هذه العلوم، ولعلّ المشكلة هي في هذه الطولية والتدريجية، باعتبار أنّه في هذه الطولية فرضنا وجود علمين إجماليين سابقين حصلا وهذان العلمان الإجماليان لا يمكن أن ينجزا حرمة المخالفة القطعية؛ لأنّه علم بدوران الأمر بين المحذورين، فلا يمكن أن تتنجز حرمة المخالفة القطعية بهما، وبعد ذلك تولّد منهما نتيجة ضم هذا العلم الأخير وهو التماثل في متعلّق الحلف فعلاً، أو تركاً، تولّد منهما علمان إجماليان آخران، إمّا الفعل واجب الآن، أو حرام في اليوم الثاني، أو الفعل حرام الآن، وإمّا واجب في اليوم الثاني؛ حينئذٍ نقول: بعد أن فرغنا عن أنّ حرمة المخالفة القطعية لا تتنجّز بالعلمين السابقين، فهي لا تكون قابلة للتنجّز بالعلمين المتولّدين من العلمين السابقين؛ لأنّ حرمة المخالفة القطعية المتصورة في المقام للعلمين الإجماليين المتولّدين هي عبارة عن ضم مخالفة احتمالية للعلم الإجمالي الأوّل المفروض وجوده إلى مخالفة احتمالية للعلم الإجمالي الثاني، ضم هاتين المخالفتين هو عبارة عن المخالفة القطعية، وقد فرغنا سابقاً عندما وُجد هذان العلمان الإجماليان الأولان، فرغنا عن عدم حرمة المخالفة القطعية عن جواز المخالفة الاحتمالية، بعد ذلك نجمع بين هاتين المخالفتين الاحتماليتين ونصل إلى نتيجة حرمة المخالفة القطعية، فالمشكلة تنشأ من الطولية. إذا كانت هذه هي المشكلة، فمن الواضح أنّها محلولة؛ إذ يمكن فرض العرضية في هذه العلوم الإجمالية كلّها، أصل المثال الذي طُرح يستدعي العرضية لا الطولية؛ لأنّ المكلّف من البداية يعلم ما حصل له هو هذا التالي، ويعلم إجمالاً بوجوب الفعل في هذين اليومين، أو حرمته في هذين اليومين، هذا هو العلم الإجمالي، وهذا الذي صوّرناه أولاً، ما يعلمه هو إمّا الفعل واجب عليه في كلٍ من اليومين، أو الفعل حرام عليه في كلٍ من اليومين، وهذا ينحلّ إلى هذه العلوم الأربعة المتعددة، علم إجمالي في اليوم الأوّل بأنّ الفعل إمّا واجب، أو حرام، وعلم إجمالي في اليوم الثاني بأنّ الفعل إمّا واجب، أو حرام، وعلم إجمالي ثالث بأنّ الفعل إمّا واجب في اليوم الأوّل وإمّا حرام في اليوم الثاني، وعلم إجمالي رابع بأنّ الفعل إمّا حرام في اليوم الأوّل، أو واجب في اليوم الثاني، هذه كلّها تكون في عرض واحد، وليس هناك طولية فيما بينهما، ولا نقول أنّه حصل له علم إجمالي بأنّ الفعل إمّا واجب في اليوم الأوّل، أو حرام، أو واجب في اليوم الثاني، أو حرام، ثمّ بعد ذلك عَلِمَ بالمماثلة حتّى نفترض وجود ترتب وطولية وتولّد وأمثال هذه الأمور، وإنّما نفترض العرضية في كل هذه الأمور؛ وحينئذٍ لا مجال للاستشكال، إذا كان منشأ الإشكال هو مسألة الطولية ومسألة الترتّب.
وأمّا إذا لم يكن الإشكال ناظراً إلى هذه الجهة أصلاً حتّى مع افتراض الطولية والعرضية، الإشكال ليس ناظراً إلى هذه الجهة، هو يريد أنْ يقول أنّ الإشكال ينصب على أننا فرغنا في مرتبة سابقة عن عدم منجزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية، فلا يمكن بعد ذلك أن نثبت حرمة المخالفة القطعية لهذين العلمين الإجماليين الأخيرين؛ لأنّه لا يوجد لدينا إلاّ تكليفان وليس لدينا تكليف ثالث حتّى نلاحظه ونقول تحرم مخالفته القطعية، هذان التكليفان فرغنا عن عدم حرمة مخالفتهما القطعية، وجواز مخالفتهما القطعية، سواء كانت هذه العلوم تدريجية، أو كانت في عرض واحد، هو يمنع من ذلك، إذا كان هذا هو مقصوده، هذا يمكن أن يُجاب عنه بأجوبة تأتي إن شاء الله تعالى.
كان الكلام في المقام الثالث وهو فيما إذا فرضنا تعدد الواقعة، ومثّلنا لذلك بالمثال المتقدّم بما إذا علم بوجوب فعلٍ معيّن في أحد اليومين، أو حرمته فيهما مع كونهما توصليين، كل من الوجوب المحتمل والتحريم المحتمل، هنا إذا لاحظنا كل يوم هناك علم إجمالي واضح في أنّ الفعل يترددّ في كل يومٍ من اليومين مثلاً، أو الأيام بين الوجوب والتحريم، وهذا علم إجمالي يدور الأمر فيه بين المحذورين ولا يمكن مخالفته القطعية ولا موافقته القطعية، وهكذا الحال في اليوم الثاني، إذا لاحظنا اليوم الثاني على حدة، أيضاً يدور أمر الفعل فيه بين الوجوب والتحريم وهو كالعلم الإجمالي الأوّل، لكن قد يقال يقترن بهذا العلم علمان إجماليان آخران تدريجيان وهما العلم بأنّ الفعل إمّا واجب في هذا اليوم، أو حرام في اليوم الآخر، أو أنّ الفعل إمّا حرام في هذا اليوم، أو واجب في اليوم الآخر. هذان علمان إجماليان تدريجيان غير العلمين الإجماليين المفترضين. الكلام في هذين العلمين الإجماليين، كل علمٍ إذا لاحظناه على حدة يمكن موافقته القطعية، ويمكن مخالفته القطعية، العلم الإجمالي بأنّ الفعل إمّا واجب في هذا اليوم، وإمّا حرام في اليوم الآخر، يمكن موافقته بالإتيان بالفعل هذا اليوم وتركه في الثاني، كما يمكن مخالفته القطعية بالعكس، تركه في هذا اليوم وموافقته في اليوم الثاني، وهكذا العلم الإجمالي التدريجي الثاني وهو أنّه يعلم إجمالاً بأنّ هذا الفعل إمّا حرام اليوم، أو أنّه واجب في اليوم الآخر، يمكن موافقته القطعية ويمكن مخالفته القطعية. الكلام أننّا هل نستطيع أن نستفيد من هذين العلمين الإجماليين التدريجيين، هل يمكن أن نثبت بهذا الذي ذكر وجوب الموافقة الاحتمالية ؟ أو لا يمكن أن نثبت وجوب الموافقة الاحتمالية ؟
قد يقال: يمكن إثبات وجوب الموافقة الاحتمالية على اساس أنّ هذين العلمين الإجماليين التدريجيين حيث يمكن مخالفة كل واحدٍ منهما قطعاً، فيكون كل واحد منهما منجّزاً لحرمة المخالفة القطعية، العلم الإجمالي التدريجي الأوّل إما واجب اليوم، أو حرام غداً، وقلنا يمكن مخالفته القطعية، فيكون منجّزاً لحرمة المخالفة القطعية، والعلم الإجمالي الثاني أنّ الفعل إمّا حرام اليوم، أو واجب غداً، يمكن مخالفته القطعية بعكس العلمين الإجماليين السابقين، كل واحدٍ منهما لا يمكن مخالفته القطعية؛ لأنّه هناك يعلم بأنّ الفعل في اليوم الأوّل إمّا واجب وإمّا حرام، وهذا لا يمكن مخالفته القطعية؛ ولذا لا ينجّز حرمة المخالفة القطعية، لكن هذا حيث تمكن مخالفته القطعية ينجّز حرمة المخالفة القطعية، الثاني أيضاً ينجّز حرمة مخالفته القطعية، ونتيجة الجمع بين هاتين الحرمتين القطعيتين المنجّزتين بهاذين العلمين الإجماليين هو وجوب الموافقة القطعية؛ لأنّ المكلّف إذا كان يحرم عليه أن يخالف العلم الإجمالي التدريجي الأوّل، إمّا واجب اليوم أو غداً، تحرم عليك مخالفته، يعني لا يمكنك أن تفعل اليوم وتترك غداً، والثاني يقول له لا يمكنك أن تترك اليوم وتفعل غداً، يعني مخالفة قطعية، فالمكلّف إذا كان لا يجوز له أن يفعل اليوم ويترك غداً، ولا يجوز له أن يترك اليوم ويفعل غداً، معناه أنّه يجب عليه أن يأتي بالفعل في كلا اليومين، أو يأتي بالترك في كلا اليومين، أمّا أن يخالف بينهما بأن يفعل في اليوم ويترك في الآخر فهذا ممنوع؛ لأنّ هذين العلمين الإجماليين نجزا حرمة المخالفة القطعية للتكليف المعلوم بهما، ومعنى حرمة المخالفة القطعية لهما هو وجوب الموافقة الاحتمالية، يعني أنّه لا يجوز للمكلّف أنّ يخالف، بأنّ يفعل في اليوم الأوّل ويترك في اليوم الثاني، أو يترك في اليوم الأوّل ويفعل في اليوم الثاني، وإذا فعل في اليوم الأوّل يجب عليه أن يفعل في اليوم الثاني، وإذا ترك فلابد أن يترك في اليوم الثاني، وهذه الموافقة احتمالية، فيكون هذا منجزاً لوجوب الموافقة الاحتمالية، وهذا هو معنى أنّ التخيير ابتدائي وليس تخييراً استمرارياً؛ لأنّ التخيير الابتدائي لا يستلزم الوقوع في المخالفة القطعية، بينما التخيير الاستمراري قد يستلزم الوقوع في المخالفة القطعية، والمفروض أنّها منجزة بهذين العلمين الإجماليين التدريجيين.
المحقق الأصفهاني(قدّس سرّه) له كلام في المقام، كأنّه يظهر منه المنع من منجّزية العلم الإجمالي في محل الكلام لوجوب الموافقة الاحتمالية، حاصل ما نُقل عنه هو أنّه يقول: أنّ العلم الإجمالي الأوّل والعلم الإجمالي الثاني في المقام غير صالح لتنجيز حرمة المخالفة القطعية حتّى يأتي التقريب السابق أنّ كلاً منهما ينجّز حرمة المخالفة القطعية، ونتيجة الجمع بين حرمة المخالفتين القطعيتين هو وجوب الموافقة الاحتمالية. هو يقول لا، أنّ كل واحد من العلمين الإجماليين لا ينجز حرمة المخالفة القطعية، فلا يمكن أن نتسلسل ونصل من هذا إلى نتيجة وجوب الموافقة الاحتمالية؛ لماذا لا يصلح للتنجيز ؟ باعتبار أنّه لا يوجد في المقام إلاّ تكليفان، أحدهما التكليف في اليوم الأوّل وقد فرغنا عن عدم قابليته لتنجيز حرمة المخالفة القطعية، العلم الإجمالي بأنّ الفعل إمّا واجب وإمّا حرام غير قابل لتنجيز حرمة المخالفة القطعية؛ لأنّ المكلّف في اليوم الأوّل غير متمكن من المخالفة القطعية، إذن، التكليف في اليوم الأوّل يقول فرغنا عن عدم قابليته للتنجز لعدم إمكان موافقته القطعية ولا مخالفته القطعية. ثانيهما هو التكليف الثاني، وهذا أيضاً يقول قد فرغنا من عدم قابليته لتنجيز حرمة مخالفته القطعية لنفس السبب السابق وهو أنّ المكلّف غير قادر على المخالفة القطعية.
وإمّا العلم الإجمالي بوجوب الفعل في اليوم الأوّل، أو حرمته في اليوم الثاني ــــــــــ هذا العلم الإجمالي التدريجي المنتزع من العلم الإجمالي الأوّل ــــــــــ أمّا العلم الإجمالي بوجوب الفعل في اليوم الأوّل، أو حرمته في اليوم الثاني، أو بالعكس، العلمين الإجماليين التدريجيين، يقول: فليس إلاّ علماً منتزعاً من العلمين السابقين الذي فرغنا عن عدم كونهما منجزان لحرمة المخالفة القطعية، الدائرين بين المحذورين، ولا يصنع شيئاً في المقام، والمخالفة القطعية المتصوّرة في هذا العلم الإجمالي التدريجي تكون حصيلة لمخالفة احتمالية للتكليف الأوّل التي فرغنا عن جوازها، ومخالفة احتمالية للتكليف الثاني التي فرغنا عن جوازها أيضاً.
مخالفة احتمالية للتكليف الأوّل في اليوم الأوّل، فرغنا عن جوازها؛ لأنّ المكلّف غير قادر على الموافقة القطعية ولا على المخالفة القطعية؛ فلا إشكال في جواز المخالفة الاحتمالية، يعني يجوز له أن يفعل في اليوم الأول، أو يترك في اليوم الأوّل والذي معناه التخيير.
ومخالفة احتمالية للتكليف الثاني الذي فرغنا عن جوازها أيضاً، فإذن: نحن فرغنا عن جواز المخالفة الاحتمالية في اليوم الأوّل، والمخالفة الاحتمالية في اليوم الثاني، وليس في المقام تكليف جديد حصل العلم به وراء ذينك التكليفين حتّى يتنجّز ذلك التكليف وتحرم مخالفته القطعية، ليس لدينا إلاّ تكليفين وقد فرغنا عن حرمة مخالفتهما القطعية، وجواز مخالفتهما الاحتمالية. إذن، كيف يمكن أن نثبت حرمة المخالفة القطعية لهذين العلمين الإجماليين التدريجيين حتّى نتسلسل ونثبت بذلك وجوب الموافقة الاحتمالية التي هي المقصود في المقام ؟
هذا الكلام المنقول عن المحقق الأصفهاني(قدّس سرّه)، بقطع النظر عن أنّه مطابق لكلامه المذكور في حاشيته على الكفاية، يبدو أنّه ليس مطابقاً تماماً لكلامه، الذي ذكره في حاشيته على الكفاية شيء آخر تقريباً، هو لا يلحظ العلمين الإجماليين التدريجيين، اصلاً أغفلهما، وإنّما يلحظ العلمين الإجماليين السابقين، علم إجمالي في اليوم الأوّل وعلم إجمالي في اليوم الثاني، ويقول: هنا فرغنا عن جواز المخالفة الاحتمالية لكلٍ منهما، وفرغنا عن عدم حرمة المخالفة القطعية لكلٍ منهما لعدم قدرة المكلّف على المخالفة القطعية، فهو يلحظ هذين العلمين الإجماليين، ثمّ يقول: ولا توجب تلك العلوم المتعددة علماً تفصيلياً بتكليف آخر يتمكن المكلّف من ترك مخالفته القطعية، لا توجب شيئاً من هذا القبيل، نعم، انتزاع طبيعي العلم من العلوم المتعددة، وطبيعي التكليف من التكاليف المتعددة ونسبة المخالفة القطعية إلى ذلك التكليف الواحد المعلوم بعلم واحد هو الموجب لهذه المغالطة، والذي أوجب المغالطة في المقام وتصوّر أنّ العلم ينجّز حرمة المخالفة القطعية في المقام نشأ من افتراض انتزاع علم من بين تلك العلوم المتعددة، يعني العلم الإجمالي موجود في كل يومٍ، في اليوم الأوّل يوجد علم إجمالي، وفي اليوم الثاني يوجد علم إجمالي، وفي اليوم الثالث يوجد علم إجمالي إذا فرضنا الوقائع متعددة أكثر من اثنين، انتزاع طبيعي العلم من هذه العلوم المتعددة، انتزاع طبيعي التكليف من هذه التكاليف المتعددة، ثمّ نسبة المخالفة القطعية لذلك التكليف الواحد، يعني المنتزع من التكاليف المتعددة المعلوم بعلمٍ إجمالي واحد منتزع من تلك العلوم المتعددّة، يقول هذا هو الذي أوجب الوقوع في المغالطة، بينما هذا لا واقع له، الموجود في الخارج هو علم إجمالي في اليوم الأوّل وعلم إجمالي في اليوم الثاني، وعلم إجمالي في اليوم الثالث، وهذه علوم إجمالية لا تنجّز حرمة المخالفة القطعية. أمّا أن نلتفت إلى طبيعي العلم المنتزع من هذه العلوم وطبيعي التكليف المنتزع من هذه التكاليف وننسب إليه حرمة المخالفة القطعية، يقول: هذا غير صحيح، ومن الواضح أنّ ضمّ المخالفة في واقعة إلى مخالفة في واقعة أخرى، وإن كان يوجب القطع بالمخالفة، لكنّه قطع بمخالفةٍ غير مؤثرة؛ لفرض عدم الأثر لكل مخالفة للتكليف المعلوم في كل واقعة.
يبدو من كلامه(قدّس سرّه) أنّه ليس ناظراً إلى العلمين الإجماليين التدريجيين، وسواء كان ما نقل عن كلامه مطابقاً، أو لا، نحن نتحدّث عن هذا الذي نُقل، والذي فيه تفصيل وفيه مناقشة لمنجزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية، وحاصل ما نُقل عنه هو الاعتبار بالعلمين الإجماليين السابقين، وقد فرغنا عن عدم منجزيتهما لحرمة المخالفة القطعية؛ حينئذٍ لا مجال لأن يقال بأنّه يتولّد منهما علمان إجماليان تدريجيان يمكن مخالفتهما القطعية ويكون العلم الإجمالي منجزاً لحرمة المخالفة القطعية في كل منهما، ونتيجة الجمع بين المخالفتين القطعيتين لكلٍ منهما هو وجوب الموافقة الاحتمالية، يقول هذا لا مجال له، ولا يوجد عندنا إلاّ تكليفان، تكليف في اليوم الأوّل وتكليف في اليوم الثاني، وقد فرغنا عن عدم حرمة مخالفته القطعية وجواز مخالفته الاحتمالية، المخالفة القطعية للتكليف الذي ذُكر في الدليل هو عبارة عن ضم مخالفة احتمالية في التكليف الأوّل إلى مخالفة احتمالية في التكليف الثاني، المكلّف في التكليف الأوّل يستطيع أن يفعل في اليوم الأوّل، وفي اليوم الثاني يستطيع أن يترك؛ لأننا جوّزنا له المخالفة الاحتمالية في كلٍ من اليومين، فإذا فعل في اليوم الأوّل وترك في اليوم الثاني، أو ترك في اليوم الأوّل وفعل في اليوم الثاني هذه هي عبارة عن مخالفة قطعية، وهذه هي التي ذُكر أنّها مخالفة قطعية ينجزها العلم الإجمالي، ما معنى ينجزها والحال أنّها في واقعها ضم مخالفة احتمالية للتكليف في اليوم الأوّل الذي فرغنا عن جوازها إلى مخالفة احتمالية في اليوم الثاني التي أيضاً فرغنا عن جوازها، المخالفة القطعية هي عبارة عن ضم هاتين المخالفتين الاحتماليتين للتكليف المعلوم بالإجمال في كلٍ من اليومين، وقد فرغنا عن جوازها، المخالفة القطعية التي ذُكرت هي عبارة عن هذه، فكيف نتصوّر أنّها تكون منجزة بالعلم الإجمالي ؟! حتّى نستنتج من حرمة المخالفتين القطعيتين وجوب الموافقة الاحتمالية. هذا ما يمكن أن يُبين به ما نُقل عن هذا المحقق(قدّس سرّه).
قد يبدو من كلامه أنّ المشكلة في افتراض الطولية، قلنا أنّ كلامه هذا يبدو أنّه ليس ناظراً إلى العلمين الإجماليين التدريجيين، لكن بناءً على هذا الذي نُقل عنه، وهو أنّه يوجد علمين إجماليين في كلٍ من اليومين، ويوجد علمين إجماليين تدريجيين، قد تكون المشكلة في الالتزام بوجوب الموافقة الاحتمالية بالبيان السابق ناشئة من افتراض الطولية بين العلمين الإجماليين السابقين وبين العلمين الإجماليين التدريجيين، بأن نفترض أنّه في البداية كان هناك علمان إجماليان في كلٍ من اليومين ــــــــــ فلنسميهما العلم الإجمالي الأوّل والعلم الإجمالي الثاني ــــــــــ ثمّ بعد ذلك وفي طول ذلك تولّد من هذين العلمين الإجماليين علمان إجماليان آخران، فهناك طولية بين العلمين الإجماليين الأوليين وبين العلمين الإجماليين التدريجيين، تولّدا من هذين العلمين الإجماليين الأوليّين، المشكلة كأنّه في الطولية، هذا يمكن فرضه بأنّ المكلّف في البداية علم بأنّه حلف إمّا على وجوب السفر في يوم الجمعة، أو على تركه، وكذلك علم بأنّه حلف إمّا على وجوب السفر في يوم السبت، أو على تركه، إلى هنا لا يوجد إلاّ علمان إجماليان أساسيان، أمّا علم إجمالي بأنّ الفعل إمّا واجب في يوم الجمعة، أو حرام في يوم السبت إلى هنا غير موجود، لكن لو فرضنا أنّ هذا الشخص نضم إلى علمه السابق أنّه بعد ذلك علم بأنّ العلمين الإجماليين الّذين حصلا له متماثلان في المتعلّق فعلاً وتركاً، يعني إذا حلف على فعل السفر في يوم السبت، فحلفه في يوم الأحد أيضاً على فعل السفر، وإذا حلف على الترك، فحلفه في اليوم الثاني أيضاً على الترك. هذا العلم الأخير إذا أنضم إلى العلمين السابقين سوف يولّد له هذين العلمين التدريجيين، فيصبح عالماً بأنّ السفر إمّا واجب في يوم السبت، أو حرام في اليوم الثاني، أو بالعكس، إمّا حرام في يوم السبت، أو حرام في اليوم الثاني، فهناك تدريجية في حصول هذه العلوم، ولعلّ المشكلة هي في هذه الطولية والتدريجية، باعتبار أنّه في هذه الطولية فرضنا وجود علمين إجماليين سابقين حصلا وهذان العلمان الإجماليان لا يمكن أن ينجزا حرمة المخالفة القطعية؛ لأنّه علم بدوران الأمر بين المحذورين، فلا يمكن أن تتنجز حرمة المخالفة القطعية بهما، وبعد ذلك تولّد منهما نتيجة ضم هذا العلم الأخير وهو التماثل في متعلّق الحلف فعلاً، أو تركاً، تولّد منهما علمان إجماليان آخران، إمّا الفعل واجب الآن، أو حرام في اليوم الثاني، أو الفعل حرام الآن، وإمّا واجب في اليوم الثاني؛ حينئذٍ نقول: بعد أن فرغنا عن أنّ حرمة المخالفة القطعية لا تتنجّز بالعلمين السابقين، فهي لا تكون قابلة للتنجّز بالعلمين المتولّدين من العلمين السابقين؛ لأنّ حرمة المخالفة القطعية المتصورة في المقام للعلمين الإجماليين المتولّدين هي عبارة عن ضم مخالفة احتمالية للعلم الإجمالي الأوّل المفروض وجوده إلى مخالفة احتمالية للعلم الإجمالي الثاني، ضم هاتين المخالفتين هو عبارة عن المخالفة القطعية، وقد فرغنا سابقاً عندما وُجد هذان العلمان الإجماليان الأولان، فرغنا عن عدم حرمة المخالفة القطعية عن جواز المخالفة الاحتمالية، بعد ذلك نجمع بين هاتين المخالفتين الاحتماليتين ونصل إلى نتيجة حرمة المخالفة القطعية، فالمشكلة تنشأ من الطولية. إذا كانت هذه هي المشكلة، فمن الواضح أنّها محلولة؛ إذ يمكن فرض العرضية في هذه العلوم الإجمالية كلّها، أصل المثال الذي طُرح يستدعي العرضية لا الطولية؛ لأنّ المكلّف من البداية يعلم ما حصل له هو هذا التالي، ويعلم إجمالاً بوجوب الفعل في هذين اليومين، أو حرمته في هذين اليومين، هذا هو العلم الإجمالي، وهذا الذي صوّرناه أولاً، ما يعلمه هو إمّا الفعل واجب عليه في كلٍ من اليومين، أو الفعل حرام عليه في كلٍ من اليومين، وهذا ينحلّ إلى هذه العلوم الأربعة المتعددة، علم إجمالي في اليوم الأوّل بأنّ الفعل إمّا واجب، أو حرام، وعلم إجمالي في اليوم الثاني بأنّ الفعل إمّا واجب، أو حرام، وعلم إجمالي ثالث بأنّ الفعل إمّا واجب في اليوم الأوّل وإمّا حرام في اليوم الثاني، وعلم إجمالي رابع بأنّ الفعل إمّا حرام في اليوم الأوّل، أو واجب في اليوم الثاني، هذه كلّها تكون في عرض واحد، وليس هناك طولية فيما بينهما، ولا نقول أنّه حصل له علم إجمالي بأنّ الفعل إمّا واجب في اليوم الأوّل، أو حرام، أو واجب في اليوم الثاني، أو حرام، ثمّ بعد ذلك عَلِمَ بالمماثلة حتّى نفترض وجود ترتب وطولية وتولّد وأمثال هذه الأمور، وإنّما نفترض العرضية في كل هذه الأمور؛ وحينئذٍ لا مجال للاستشكال، إذا كان منشأ الإشكال هو مسألة الطولية ومسألة الترتّب.
وأمّا إذا لم يكن الإشكال ناظراً إلى هذه الجهة أصلاً حتّى مع افتراض الطولية والعرضية، الإشكال ليس ناظراً إلى هذه الجهة، هو يريد أنْ يقول أنّ الإشكال ينصب على أننا فرغنا في مرتبة سابقة عن عدم منجزية العلم الإجمالي لحرمة المخالفة القطعية، فلا يمكن بعد ذلك أن نثبت حرمة المخالفة القطعية لهذين العلمين الإجماليين الأخيرين؛ لأنّه لا يوجد لدينا إلاّ تكليفان وليس لدينا تكليف ثالث حتّى نلاحظه ونقول تحرم مخالفته القطعية، هذان التكليفان فرغنا عن عدم حرمة مخالفتهما القطعية، وجواز مخالفتهما القطعية، سواء كانت هذه العلوم تدريجية، أو كانت في عرض واحد، هو يمنع من ذلك، إذا كان هذا هو مقصوده، هذا يمكن أن يُجاب عنه بأجوبة تأتي إن شاء الله تعالى.