34/07/16
تحمیل
الموضوع: الأصول العملية/ البراءة الشرعية
كان الكلام في الجهة السابعة من فقه الحديث، وقلنا أنّ الكلام يقع في شمول حديث الرفع للأحكام الاستقلالية، والأحكام الضمنية، والأحكام الوضعيّة، وتعرّضنا في الدرس السابق إلى الحكم الاستقلالي، وذكرنا بعض الشروط التي لابدّ منها حتّى يشمل حديث الرفع الحكم الاستقلالي.
وانتهى الكلام إلى ما إذا كان الحكم الاستقلالي مأخوذاً بنحو صرف الوجود، لا بنحو مطلق الوجود من قبيل(أكرم عالماً) أو(تجب الصلاة) في وقتٍ موسّع، صرف وجود الصلاة في هذا الوقت الممتد من الزوال إلى الغروب، ففي حالة ما إذا أُخذ الحكم على نحو صرف الوجود، فمن الواضح أنّه إذا أضطرّ، أو أُكرِه على ترك الطبيعي، أي أُكرِه على ترك الصلاة في تمام الوقت، أو أُكرِه على ترك إكرام عالمٍ ما من العلماء، في هذه الحالة لا إشكال في أنّ حديث الرفع يشمل مثل هذا التكليف، ويدل على سقوطه؛ لأنّ الطبيعة بنحو صرِف الوجود التي تعلّق بها التكليف، قد تعلّق بها الإكراه، أو الاضطرار، فإذا تعلّق بها الاضطرار، يكون مفاد حديث الرفع هو رفع الحكم المترتب على هذه الطبيعة بنحو صرف الوجود التي تعلّق بها الاضطرار، فيرتفع هذا الحكم عنه، والذي معناه في الحقيقة سقوط التكليف، أي سقوط وجوب الصلاة بنحو صرف الوجود، وسقوط وجوب إكرام العالم بنحو صِرف الوجود، وهذا من آثار شمول حديث الرفع لهذا المورد. وهذا واضح.
وإنّما الكلام في ما إذا أُكرِه على ترك فردٍ من أفراد الطبيعة، ولم يُكره على ترك الطبيعة، كما إذا فرضنا أنّه أُكره على ترك الصلاة في وقتٍ معيّنٍ من هذا الوقت الوسيع، أو أُكره على ترك إكرام فردٍ من أفراد العالم في مثال(أكرم عالماً) بنحو صرف الوجود، لا أنّ الإكراه يكون على الطبيعة بتمام أفرادها، وإنّما يكون الإكراه على ترك فردٍ من أفرادها. في هذه الحالة لا يشمله حديث الرفع، وعُللّ في كلماتهم باعتبار أنّ ما تعلّق به الأثر، أو ما ترتّب عليه الأثر الشرعي هو غير ما تعلّق به الاضطرار، فما تعلّق به الاضطرار هو الفرد، فهو أكره على ترك الفرد، لا ترك الطبيعة، بينما المفروض أنّ ما تعلّق به التكليف، وما هو معروض للأثر الشرعي هو عبارة عن الطبيعة. إذن: ليست الطبيعة التي تعلّق بها الحكم هي التي تعلّق بها الاضطرار، وإنّما الحكم تعلّق بشيءٍ والاضطرار تعلّق بشيءٍ آخر، ومثل هذا لا يشمله حديث الرفع؛ لأنّنا اشترطنا سابقاً في شمول حديث الرفع لموردٍ أنْ يكون الاضطرار متعلّقاً بنفس ما يتعلّق به الأثر الذي يُراد رفعه بحديث الرفع، فإذا تعلّقت الكفّارة ــــ مثلاً ــــ أو الحدّ بشرب الخمر، وشرب الخمر صار مورداً للاضطرار، فمثل هذا يشمله حديث الرفع. وأمّا إذا فرضنا أنّ الاضطرار تعلّق بشيءٍ وأردنا أنْ نرفع بحديث الرفع أثراً لم يترتب على هذا الشيء الذي اضطرّ إليه المكلّف، هذا لا يشمله الحديث، ولا يدلّ على رفع ذلك الأثر، وما نحن فيه من هذا القبيل؛ لأنّ المفروض أنّ الأثر الشرعي يترتب على الطبيعة، ففي وجوب الصلاة تكون طبيعة الصلاة هي الواجبة، وليس هذا الفرد المحددّ لهذا الزمان الخاص، وإنّما طبيعة الصلاة هي التي تكون واجبة، فالوجوب يطرأ على الطبيعة بنحو صرف الوجود، والاضطرار لم يتعلّق بنفس الطبيعة، وإنّما تعلّق بفردٍ من افرادها، ومثل هذا لا يشمله حديث الرفع، ولا يدل على سقوط التكليف في الطبيعة بنحو صرف الوجود؛ بل يبقى التكليف بالطبيعة بنحو صرف الوجود، ولا يسقط؛ ولذا لا إشكال في أنّه يجب على المكلّف أنْ يأتي بالصلاة في وقتٍ آخر ليس مورداً للاضطرار، وفي مثال الإكرام يجب على المكلّف أن يُكرم عالماً آخر غير هذا العالم الذي أضطرّ إلى ترك إكرامه؛ لأنّ حديث الرفع لا يشمل هذا الأثر الذي يترتب على الطبيعة مع عدم عروض الاضطرار على نفس الطبيعة. مع عروض الاضطرار على الفرد، أي أنّه مضطر إلى ترك الفرد، فيمكنه ترك الفرد، لكن هذا لا يعني سقوط التكليف بالطبيعة؛ بل يبقى التكليف بالطبيعة باقٍ على حاله، ويدعو المكلّف إلى امتثاله في ضمن فردٍ آخر، بخلاف ما إذا فرضنا أنّه اضطرّ إلى ترك كل أفراد الطبيعة، ولن يتمكن من الصلاة في طول الوقت، فأنّه يسقط عنه الوجوب بلا إشكال؛ لأنّ ما اضطرّ إليه هو نفس ما تعلّق به الأثر الشرعي، فالحديث يكون دالاّ على رفع الأثر الشرعي، الذي يعنى رفع الوجوب. أو بعبارة أخرى: سقوط هذا الوجوب.
هذا كلّه إذا لم نقل برأي تقدّمت الإشارة إليه، وهو أن نُفسّر الرفع في الحديث بأنّه رفع تنزيلي تعبّدي تشريعي للوجود الحقيقي لهذه العناوين، فهذا الكلام يكون تامّاً. وأمّا إذا قلنا بأنّ الرفع رفع تعبّدي تنزيلي تشريعي للوجود الحقيقي لهذه العناوين، هنا يمكن أنْ يقال في هذا المقام بسقوط التكليف بالاضطرار إلى ترك فردٍ من أفراد الطبيعة، باعتبار أنّ هذا الرأي ـــــ كما تقدّم ــــــ مرجعه إلى أنّ مورد الاضطرار، أي الوجود الحقيقي لهذا الفعل الذي طرأ عليه الاضطرار يُرفع رفعاً تنزيليّاً تشريعيّاً، ومعنى الرفع التنزيلي التشريعي هو اعتباره كأنّ المتحقق هو نقيضه، فإذا اضطرّ إلى الفعل يُرفع الفعل، ويُعتبَر أنّه لم يأتِ بالفعل، وإذا اضطرّ إلى الترك أيضاً نفس الكلام يُطبّق، فيُرفع الترك الذي اضطرّ إليه وينزّل منزلة الوجود، كما أنّه إذا اضطرّ إلى الفعل يُرفع الفعل ويُنزّل منزلة العدم، فكأنّه ما شرب الخمر، يعني يُنزّل شرب الخمر منزلة عدم شرب الخمر، فكذلك إذا اضطرّ إلى الترك، كما في محل كلامنا، كما لو اضطرّ إلى ترك الصلاة في وقتٍ محددّ، هذا يُرفع، يعني يُنزّل ما اضطرّ إليه منزلة نقيضه، يعني منزلة الوجود، كأنّه يُعتبَر تشريعاً قد أدّى الصلاة في هذا الوقت الذي اضطرّ فيه إلى تركها، وكأنّه يُعتبَر شرعاً قد أكرم هذا الذي اضطرّ إلى ترك إكرامه، فهو ـــــ مثلاً ـــــ قد اضطر إلى ترك إكرام زيدٍ العالم، لكن حديث الرفع يُنزّل ما اضطرّ إليه منزلة نقيضه، فكأنّه ما ترك إكرامه؛ بل أكرمه؛ وحينئذٍ لابدّ من الالتزام بسقوط التكليف.
لكنّ أصل هذا المبنى قد تقدّم مناقشته سابقاً، وتقدّم أنّ الصحيح هو أنّ الرفع رفع حقيقي للوجود التشريعي، الذي مئاله في الحقيقة إلى أنّ هذا الوجود الحقيقي لا يترتّب عليه شيءٌ في عالم التشريع، فإذا اضطرّ إلى الفعل، فأنّه لا يترتّب على هذا الفعل شيءٌ في عالم التشريع، وإذا اضطرّ إلى الترك، كما في محل كلامنا، فليس لهذا الترك أثر، ولا يترتّب عليه أثر في عالم التشريع؛ فحينئذٍ يبقى التكليف على حاله، ويدعو المكلّف إلى الإتيان بالطبيعة في ضمن فردٍ آخر، وهذا معنى عدم شمول حديث الرفع لهذا المورد. هذا بالنسبة إلى الأحكام الاستقلالية.
الآن نأتي إلى الأحكام الضمنيّة: ومثاله إذا اضطرّ إلى ترك السورة في الصلاة، يعني اضطرّ إلى ترك جزءٍ من مركّبٍ، أو شرطٍ في مشروطٍ، فإذا اضطرّ إلى ترك هذا الجزء، أو الشرط، فهل يجري حديث الرفع ؟ وحديث الرفع على تقدير الجريان يجري لرفع الوجوب الضمني المتعلّق بهذا الجزء؛ لأنّ الوجوب الذي يتعلّق بمركّبٍ ينحلّ إلى وجوبات ضمنيّة بعدد أجزاء ذلك المركّب، فالسورة هي أحد أجزاء الصلاة، فإذا اضطرّ إلى ترك السورة؛ حينئذٍ معنى شمول حديث الرفع لهذا هو سقوط الوجوب الضمني المتعلّق بالسورة، ولازمه أنّ الوجوب الاستقلالي المتعلّق بالمجموع المركّب من السورة وغيرها، بطبيعة الحال أيضاً يسقط بالاضطرار إلى ترك أحد أجزاء ذلك المركّب، يعني هذا الذي يضطر إلى ترك السورة، لا يكلّف بالسورة، وبطبيعة الحال لا يُكلّف بالواجب المركّب من السورة وغيرها، فكل منهما يسقط إذا قلنا بشمول الحديث لهذا المورد.
بحث آخر: على تقدير شمول حديث الرفع للواجبات الضمنيّة، وما يقتضيه شموله لها من سقوط الوجوب الضمني، والوجوب الاستقلالي المتعلّق بالمجموع المركّب منه ومن غيره، على هذا التقدير يقع الكلام في إمكان تصحيح الفعل الخالي من ذلك الجزء الذي اضطر المكلّف إلى تركه بحسب الفرض، و عدم إمكان تصحيحه. هو اضطرّ إلى ترك السورة، فهل يمكن تصحيح باقي الأجزاء، أي الصلاة من دون السورة إذا جاء بها المكلّف، والبناء على صحّة هذه الصلاة ؟ يعني هل يمكن تصحيح الباقي بحديث الرفع وليس بدليلٍ آخرٍ، أو لا يمكن ذلك ؟
أمّا بالنسبة إلى اصل شمول الحديث للواجبات الضمنيّة، فمن الواضح أنّ الاضطرار إلى ترك السورة يمكن فرضه في جزء من الوقت، وأخرى يكون الاضطرار إلى ترك السورة في تمام الوقت.
فإذا فرضنا أنّ الاضطرار إلى ترك السورة في جزء الوقت، فلا إشكال في عدم جريان حديث الرفع لإسقاط الوجوب الضمني المتعلّق بالسورة، ولا لإسقاط الوجوب الاستقلالي المتعلّق بالمجموع المركب، والسبب في ذلك هو ما تقدّم الإشارة إليه قبل قليلٍ من أنّ ما اضطرّ المكلّف إلى تركه ليس هو الطبيعة، وإنّما اضطرّ إلى ترك فردٍ من أفرادها، الصلاة في هذا الوقت، هو في هذا الوقت غير متمكّن من الإتيان بالطبيعة المركبة من عشرة أجزاء، فما اضطرّ إليه هو الفرد، بينما ما تعلّق به التكليف هو الطبيعي الذي له أفراد كثيرة، في هذا الوقت، وفي الوقت الثاني .... وهكذا، ويُطلَب منه الطبيعة بنحو صِرف الوجود، هذا هو معروض الحكم، وهو لم يضطرّ إلى ترك هذا بحسب الفرض، وإنّما اضطرّ إلى ترك فردٍ من أفراده، فلا يشمله الحديث؛ لأنّ الشرط في شمول الحديث لموردٍ أن يكون الاضطرار متعلقاً بنفس ما يتعلّق به الأثر، وبنفس ما يترتّب عليه الأثر، فإذا كان الأثر ــــ الوجوب ـــــ متعلّقاً بالطبيعة بنحو صرف الوجود، والذي هو محل كلامنا، بينما الاضطرار لم يتعلّق بذلك، وإنّما تعلّق بفردٍ من أفرادها؛ ولذا لا يكون الحديث شاملاً لذلك، وبهذا لا يسقط الوجوب المتعلّق بالطبيعة، ولا يسقط الوجوب غير المتعلّق بهذا الفرد، وأنّ الوجوب الضمني المتعلّق بهذا الفرد هو في الحقيقة من نتائج الوجوب الاستقلالي المركّب من عشرة أجزاء بما فيها السورة، فليس لدينا وجوبات ضمنيّة، وإنّما لدينا وجوب استقلالي متعلّق بالمركب من عشرة أجزاء، هذا الوجوب ينحلّ إلى وجوبات ضمنية بعدد الأجزاء، وكما قلنا بأنّ الوجوب الاستقلالي باقٍ على حاله، ولا يسقط بالاضطرار إلى ترك فردٍ من أفراده؛ حينئذٍ يبقى الوجوب الضمني لذلك الجزء على حاله ولا يسقط بمجرّد الاضطرار إلى ترك السورة في جزء من أجزاء الوقت. هذا أيضاً لا كلام فيه، يعني ليس فيه كلام كثير.
وإنّما الكلام يكون في الفرض الثاني: وهو ما إذا كان الاضطرار لترك الجزء مستوعباً لتمام الوقت، هل يشمله الحديث أو لا يشمله الحديث ؟
قالوا: أنّ الحديث يجري ويشمله، ويكون رافعاً لكلا الوجوبين المشار إليهما سابقاً، يعني يرفع الوجوب الاستقلالي المتعلّق بالمركّب من عشرة أجزاء بما فيها السورة، وأيضاً يرفع الوجوب الضمني المتعلّق بنفس السورة، فلا وجوب للسورة؛ بل لا وجوب للصلاة المركّبة من عشرة أجزاء بما فيها السورة. وهذا هو معنى شمول الحديث لهذا المورد، ولا مشكلة في هذا الشمول، والمشكلة السابقة لا ترِد هنا؛ لأنّ الاضطرار تعلّق بنفس ما يعرض عليه الحكم، والحكم تعلّق بالطبيعة، والاضطرار أيضاً تعلّق ــــــ بحسب الفرض ـــــ بالطبيعة، بأن اضطرّ إلى ترك كل أفراد الطبيعة، فإذا اضطرّ إلى ترك كل أفراد الطبيعة، فهو مضطرّ إلى ترك الطبيعة، فلا مشكلة في شمول الحديث لذلك، فيشمله الحديث، ويقتضي سقوط الوجوب الضمني، والوجوب الاستقلالي.
نعم، استُشكل في شمول الحديث لهذا المورد بعدّة إشكالات:
الإشكال الأوّل: أنّ الاضطرار لم يتعلّق بنفس ما تعلّق به الأثر الشرعي، لكن من زاويةٍ أخرى، باعتبار أنّ الاضطرار تعلّق بالترك، فهو اضطرّ إلى ترك الجزء، لا أنّه اضطرّ إلى فعل الجزء، هذا هو محل كلامنا. بينما الأثر الشرعي، أي الوجوب الاستقلالي، والوجوب الضمني يترتب على فعل هذه الأجزاء بما فيها السورة، مترتّب على فعل السورة. إذن: الأثر الشرعي مترتب على الفعل، بينما الاضطرار متعلّق بالترك، فلم يتّحد متعلّق الاضطرار مع معروض الأثر الشرعي، وقد ذُكر سابقاً أنّ الحديث لا يكون شاملاً للمورد في مثل هذه الحالة؛ لأنّ الترك وإن اضطر إليه المكلّف، لكن ليس له وجود تشريعي حتّى يُرفع بحديث الرفع، فأنّ الحديث يرفع الأثر الذي له وجود تشريعي، ويرفع الفعل الذي له وجود تشريعي، والذي له وجود تشريعي هو الفعل، وهو لم يضطرّ إليه، وإنّما اضطرّ إلى الترك، والترك ليس له وجود تشريعي حتّى يُرفع بحديث الرفع.
وجوابه: لا نُسلّم أنّ الترك ليس له وجود تشريعي في عالم التشريع. نعم، ليس بالدقّة له وجود تشريعي لكن الذي يُفهم عرفاً من هذا أنّ له وجود تشريعي، فالأمر بالصلاة يُفهم منه عرفاً النهي عن تركها، والذي يُفهم من الأمر بكل شيءٍ النهي عن تركه، فلا نريد أنْ نقول أنّ الأمر بالشيء يمثّل حكمين شرعيين مستقلّين، أحدهما يتعلّق بالفعل، والآخر نهي عن الترك، لكن العرف يرى أنّ الترك له وجود تشريعي، وأثره النهي، فلا يقال أنّ الترك ليس له وجود تشريعي؛ بل له وجود تشريعي بالنظر العرفي المسامحي، فإذا كان له وجود تشريعي؛ فحينئذٍ ما هو المانع من أنْ يشمله حديث الرفع، وهذا المقدار يكفي في شمول حديث الرفع للترك، وهو أنْ يكون له وجود تشريعي بالنظر العرفي، فالأمر بالصلاة يُفسّر عرفاً بأنّه نهي عن تركها بحيث يرى العرف أنّ الترك ممّا نهى عنه الشارع، وممّا لا يرضى به، وهذا الوجود التشريعي للترك يكفي في تصحيح إسناد الرفع، وشموله لمحل الكلام، ولا نحتاج في شمول الرفع لمحل الكلام أكثر من افتراض وجودٍ تشريعي للترك؛ وحينئذٍ كأنّه يتّحد متعلّق الاضطرار مع موضوع الأثر الشرعي، فمتعلق الاضطرار هو الترك، وموضوع الأثر الشرعي هو الترك أيضاً؛ لأنّه موضوع للنهي الذي يُفهم من دليل وجوب الصلاة، فيمكن إدّعاء أنّ هذا الشرط متحقق في المقام بهذا الاعتبار.
الإشكال الثاني: هو الذي تقدّم سابقاً عن المحقق النائيني(قدّس سرّه)، حيث أنّه ميّز بين الأمور العدمية والأمور الوجودية، وذكر بأنّ الحديث يشمل الأمور الوجودية، أمّا الأمور العدمية، فلا يشملها الحديث، وبرهانه كان هو أنّ حديث الرفع يتكفّل الرفع لا الوضع، ومن الواضح أنّ رفع ترك السورة ـــــ إذا قلنا بشمول الحديث للأمور العدميّة ـــــ كما في محل كلامنا، يعني الوضع، أي أنّ رفع الترك يستلزم الوضع، وحديث الرفع لا يتكفل الوضع، وإّنما يتكفل الرفع، فلابدّ من تخصيصه بخصوص الأمور الوجودية؛ لأنّ رفع الأمر الوجودي لا يستبطن الوضع، بينما رفع الأمر العدمي يستبطن الوضع، والحديث لا يتكفّل الوضع، وإنّما يتكفّل الرفع.
وهذا أيضاً تقدّم سابقاً، وتقدّمت مناقشته، وأنّ حديث الرفع كما يشمل الأمور الوجودية فكذلك يشمل الأمور العدميّة، فإذا حلف على إكرام عالمٍ، ثم ترك إكرامه اضطراراً، فأنّ الحديث يشمله كما يشمل شرب الخمر، ويقتضي الحديث عدم وجوب الكفّارة عليه إذا ترك إكرامه اضطراراً. وهذا قد تقدّم سابقاً.