18-04-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/04/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة ( 412 ) / الحلق والتقصير / حج التمتع /
مناسك الحجّ للسيد الخوئي(قد).
هذا وقد يقال في توجيه تقديم الطائفة الثانية على الأولى:- بأن لازم تقديم الأولى إلغاء العناوين المذكورة في الطائفة الثانية فإن الطائفة الثانية أخذت عناوين معيّنة وأثبتت الجواز لها وقالت لا بأس للشيخ الكبير والمرأة وغيرهما فلو قدّمنا الطائفة الأولى لزم إلغاء هذه العناوين بينما لو قدمنا الطائفة الثانية الذاكرة والمثبتة لهذه العناوين فلا يلزم إلغاء ما أخذ في الطائفة الأولى لأن ما أخذ هو أن المتمتّع يجوز له التقديم والـتأخير وهذا بتقديم الطائفة الثانية لا يلزم إلغاؤه من الأساس وإنما يلزم تضييقه - أي بالمتمتع الذي يكون معذوراً -، وهذا بخلاف العكس - يعني لو قدّمنا الطائفة الأولى وجوّزنا مطلقاً – فإنه يلزم أن عنوان الشيخ الكبير والمرأة التي تخاف الحيض وباقي هذه العناوين ليست لها أيّ مدخليّة، وكلّما دار الأمر بين بين أن يكون تقديم هذه الطائفة توجب إلغاء العناوين المأخوذة في الطائفة بخلاف العكس فنأخذ بما لا يلزم منه إلغاء العناوين المأخوذة في الطائفة الأخرى، يعني نأخذ بالطائفة الثانية في مقامنا إذ الأخذ بها لا يلزم منه إلغاء العناوين المذكورة في الطائفة الأولى .
ويمكن أن نقول:- إن هذا له وجاهةٌ لو فرض أنه تعذّر الحمل على الكراهة ففي مثل ذلك يتمّ هذا الكلام، أما لو فرض أنّا قلنا إن الحمل على الكراهة شيءٌ وجيهٌ كما صرنا إليه باعتبار أن ( لا بأس ) صريحٌ في الجواز و ( فيه بأسٌ ) ظاهر في الحرمة، إنه في مثله لا يلزم إلغاء هذه العناوين رأساً بل يكون لها المدخليّة في رفع الكراهة . فالنتيجة تصير هي أنه إذا لم يكن من أحد هذه العناوين فهو مكروهٌ - أي تقديم الطواف - وإذا كان من أحد هذه العناوين فهو ليس بمكروه، فهذه العناوين إذن لها مدخليّة ولكن مدخليتها هي في رفع الكراهة بعد الجواز المطلق فيجوز مطلقاً وبعد الجواز المطلق حينئذٍ يقال إنه وإن كان التقديم جائزاً مطلقاً ولكنّه مكروهٌ إذا لم تكن هذه العناوين موجودةٌ وليس مكروها إذا كان أحد هذه العناوين موجوداً . إذن حافظنا على مدخليّة هذه العناوين ولكن في رفع الكراهة.
ثم بعد هذا نقول:- إنه قد اتضح من كلّ ما أشرنا إليه أن الأرجح في نظرنا هو أنه يمكن الجمع بالحمل على الكراهة لأن تعبير ( لا بأس ) وتعبير ( فيه بأسٌ ) هما من قبيل الصريح والظاهر، فالمناسب إذن هو الجمع بالحمل على الكراهة.
ولكن يقف أمامنا شيء وهو الاجماع فإنه قد نقول الاتفاق وعدم الخلاف على عدم جواز التقديم للمختار، ونحن وإن كنّا لا نعتقد بحجيّة الإجماع المنقول خصوصاً في مثل المورد الذي توجد فيه رواياتٍ وإِعمالُ الاجتهاد شيءٌ محتملٌ ووجيهٌ إنه في مثل ذلك لا يكون للإجماع قيمة بعد احتمال كونه إجماعاً اجتهادياً ناشئاً من الاجتهاد وليس تعبّدياً قد وصل يداً بيد من المعصوم عليه السلام، ولكن مع ذلك يمكن إعطاؤه قيمة رغم أنه في نفسه ليس بحجّة فيمكن إعطاؤه قيمة كاملة أو شبه كاملة وذلك بالبيان الذي أشرنا إليه غير مرّة وذلك بأن يقال؛ إن المسألة ابتلائية ونفوس الحجيج قد تكون توّاقة إلى التقديم فيلزم أن يكون حكم المسألة واضحاً بعد فرض الابتلاء بها بالشكل المذكور ولا يحتمل أن ذلك الحكم الواضح هو جواز التقديم للجميع بما في ذلك المختار والحال أن المنعكس على فتاوى الفقهاء هو عدم الجواز، إن مصير الفقهاء إلى عدم الجواز يوجب أن يحصّل للفقيه اطمئناناً بأن ذلك الحكم الواضح والذي انعكس في أجواء المتشرعة ليس هو الجواز المطلق وإنما هو الجواز للمعذور فقط إذ من البعيد جداً أن يكون هناك وضوحٌ في الجواز المطلق ورغم ذلك يخالفه الفقهاء ويصيرون إلى المنع للمختار . وعلى هذا الأساس نتمكن أن نقول إن هذا الإجماع بهذا البيان يحصل بسببه الاطمئنان للفقيه بعدم الجواز في حقّ المختار وبالتالي يحول هذا دون النتيجة التي انتهينا إليها صناعياً، وإذا لم نَصِر إلى الفتوى بعدم جواز التقديم في حقّ المختار فلا أقل من الاحتياط الوجوبي . إذن النتيجة النهائية هي هذه كما أوضحت.
النقطة الثانية:- يجوز التقدم لثلاثة أو أربعة عناوين أعني الشيخ الكبير والمرأة التي خاف الحيض والمريض والخائف، وقد حذف(قده) المريض في بعض طبعات المتن ولا نرى وجهاً لحذفه فإنه مذكور في رواية اسماعيل بن عبد الخالق المتقدّمة وهي وإن ورد فيها إسماعيل بن مرار ولكّنه يبني على وثاقته، أما الخائف فسوف تأتي الإشارة إليه في المسألة التالية وكان من المناسب دمجها مع هذه المسألة. هذه عناوينٌ يجوز لأصحابها التقديم لدلالة الروايات على ذلك وهذا مطلب واضح ولا يحتاج إلى كلام.
إنما الكلام في أنه:- هل نقتصر على هذه العناوين الأربعة أو نتعدّى إلى كلّ صاحب عذر ؟ كما هو الحال في زماننا كما إذا فرضنا أن الحملة التي جاء فيها الشخص تريد الرجوع في اليوم الثاني عشر ولا يتكمن هذا الحاج بسبب قصر الفترة - لهذه النكتة أو لما شابه ذلك - الاتيان بالطواف بعد أعمال منى فهل يجوز لهؤلاء التقديم ونتعدّى إليهم أو نقتصر على هذه العناوين الأربعة ؟
والجواب:- إن مثل هذه القضيّة قابلة للأخذ والعطاء والمناسب الحكم بالتعميم وعدم الاقتصار على هذه العناوين الأربعة وذلك لوجهين:-
الوجه الأوّل:- إن من يلتفت إلى هذه العناوين الأربعة يفهم أنه لا خصوصيّة لها باستظهاره وبذوقه العرفي إما لأجل مناسبات الحكم والموضوع أو لأجل غير ذلك، كما لو فرض أن الإمام عليه السلام سئل عن الثوب يصيبه البول فقال يغسل مرّتين مثلاً فإنه بما أنّا عرفيّون سوف نتعدّى إلى مطلق الملابس أو إلى مطلق جنس القماش - سواءً كان مما يلبس أو لا - إن هذا استظهاراً عرفيٌّ من مناسبات الحكم والموضوع أو غير ذلك، فلنقل في مقامنا ذلك فمثل الشيخ الكبير هو لأجل الزحام لا يتمكّن من ذلك وكذلك المرأة التي تخاف الحيض فهذه أيضاً لأجل نكتة أنها لا تتمكن بعد ذلك وكذلك المريض، فيوجد مجالٌ لاستظهار التعميم لكلّ صاحب عذرٍ لا يتمكّن بعد ذلك من الاتيان بالطواف ولا خصوصيّة لهذه العناوين.
إن قلت:- إنا لا نعرف ملاكات أحكام الشارع وهي ليست بأيدينا فكيف يمكن التعدّي من مورد الرواية إلى غيره بعدما كانت ملاكات الأحكام الشرعية ليست بأيدينا ؟ إنْ هذا إلا قياسٌ وإعمالٌ الرأي فلا يجوز والامام عليه السلام في صحيحة أبان الواردة في قضيّة قطع أصابع المرأة قد نهى أبان وقال له ( إن السُّنَّة إذا قيست محق الدين ) . فهذا العمل لا يجوز إذن ؟
قلت:- إنه يمكن أن يقال إنه في رواية أبان ذمَّ الامام عليه السلام ذلك باعتبار أن هناك سنَّة موجودة في هذا المجال وأن المرأة تعاقل الرجل إلى نصف الدية ومع وجود النصّ لا معنى لأن تترك النص وتأخذ بما تذهب إليه أيها الشخص إن هذا قياسٌ وتركٌ للسُّنَّة، فالذم ذمٌّ على هجر السنّة الموجودة فالمقصود هو أنه لماذا أنت لم تراجع السُّنَّة أوّلاً ؟! إنه لو راجعتها فسوف لا يحصل لك هذا الاطمئنان أو القطع فالذمّ من هذه الناحية، أما إذا فرض أنا راجعنا السنّة ولم نجد فيها ما يخالف ما انتهينا إليه من استظهارٍ فلا تصلح هذه الصحيحة للردع، قد يبقى أن تقول أنا أسلّم أنها لا تصلح للردع لأنها واردة في مجالٍ آخرٍ ولكن بالتالي نحن كيف نتعدّى أوَليس هذا التعدّي يحتاج إلى مجوّزٍ ومدرك ؟
وجوابه:- إنه لابد من التمييز بين قضيتين بين الاجتهاد خارج دائرة النص وبين الاجتهاد داخل دائرته، إن الذي لا يجوز هو الاجتهاد خارج الدائرة أما الاجتهاد داخل الدائرة فذاك قد أمرنا به أهل البيت عليهم السلام ولابد وأن نسير على طبقه وإلا فسوف تبقى كل قضيّة مختصّة بموردها حينئذٍ والحال أن الأئمة عليهم السلام طلبوا منّا الاجتهاد من قبيل لسان ( إنما علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع ) أو بغير ذلك، إن هذا لا يعني إِعمال الاجتهاد بل يعني إِعمال الظهور الذي استفدناه من العرف، فهذا إِعمالٌ وأَخْذٌ بالظهور ولا محذور فيه . إذن لا مشكلة من هذه الناحية . ولك الحق في أن تقول أنا لا أستظهر هذا المعنى وأما إذا قبلت به وقلت إن هذا شيئاً وجيهاً وأنه لا خصوصيّة لهذه العناوين مثل عنوان الثوب حيث لا خصوصيّة له فهنا كذلك أيضاً.
الوجه الثاني:- جاء في صحيحة ابن يقطين المتقدمة:- ( وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفاً )، إنه عليه السلام أعطى ضابطاً عاماً هنا حيث قال:- ( وكذلك أمراً لا يتهيأ له الانصراف ) كما لو فرض أن الحملة سوف تذهب ولا يتهيأ للحاج الذهاب إلى مكة وأداء أعمالها بعد أعمال منى، إن هذا يمكن أن يقال إنه ضابطٌ عامٌّ من قبل الإمام فيمكن الأخذ به والتعدي . إذن مَن رفض الأوّل يمكن أن يستعين بالثاني وهذا مطلبٌ واضح.
وهناك كلام آخر:- وهو أنه هل يلزم في حقّ من أراد أن يقدّم الطواف كالمريض مثلاً أن يُحرِم قبل أن يطوف أو أنه يجوز له أن يطوف أوّلاً ثم بعد ذلك يُحرِم ويذهب إلى عرفات ؟ فهل يلزم الإحرام للطواف؟
والجواب:-
أولاً:- قد يقال بعدم لزوم ذلك - أي لا يلزم الاحرام للطواف الذي فرض تقديمه - باعتبار أنه لا دليل على ذلك ويكفينا عدم الدليل فنجري أصل البراءة فنشك هل أن الذمة اشتغلت بالحجّ المقيّد بالطواف المتقدّم عن إحرامٍ ؟ إن قيد ( عن إحرامٍ ) هل اشتغلت به بعد الجزم باشتغالها بأصل الحجّ الذي فرض فيه تقديم الطواف وإنما الكلام في الزيادة فنجري أصل البراءة.
وثانياً:- وفي المقابل قد يقال بلزوم ذلك كما يظهر من السيد الخوئي(قده) في المعتمد، وهذه قضيّة لم يتعرّض إليها في عبارة المتن ولذلك أنا لم أذكرها بعنوان نقطة ثالثة وإنما تعرض إليها في المعتمد، إنه قد يقال بلزوم ذلك لوجوه:-
الوجه الأول:- إن طواف الحجّ يلزم فيه أن يكون بعد الإحرام فالشخص يحرم ويأتي بالموقفين ثم بأعمال منى ثم يأتي بعد ذلك بطواف الحجّ فطواف الحجّ يصدر بعد الاحرام، نعم هو قد تحلل كاملاً أو نصف كاملٍ بالحلق أو التقصير ولكن بالتالي هذا الطواف قد وقع بعد الاحرام فيلزم فيه ذلك أيضاًلو قدّمناه - يعني أن يكون بعد الإحرام -، هكذا قد يقال.
وفيه:- إن هذا مصادرة - يعني جعل الدليل عين المتنازع فيه - فإنه في مقام المناقشة نقول:- نحن نسلّم بأن طواف الحجّ يلزم أن يكون بعد الإحرام ولكنّ ذلك لازمٌ في الطواف المتأخّر في حقّ المختار أما أنه يلزم ذلك في حقّ المعذور أيضاً فهذا هو عين المتنازع فيه !! فلا معنى لأن تقول إنه كما أنه يلزم في المتأخر فكذلك يلزم في المتقدّم إن النزاع هو هنا، إن هذا عبارة عن جعل الدليل عين المتنازع فيه وعين المدّعى، اللهم إلا أن يقصد شيئاً آخر سوف نشير إليه فيما بعد.
هذا وقد يقال في توجيه تقديم الطائفة الثانية على الأولى:- بأن لازم تقديم الأولى إلغاء العناوين المذكورة في الطائفة الثانية فإن الطائفة الثانية أخذت عناوين معيّنة وأثبتت الجواز لها وقالت لا بأس للشيخ الكبير والمرأة وغيرهما فلو قدّمنا الطائفة الأولى لزم إلغاء هذه العناوين بينما لو قدمنا الطائفة الثانية الذاكرة والمثبتة لهذه العناوين فلا يلزم إلغاء ما أخذ في الطائفة الأولى لأن ما أخذ هو أن المتمتّع يجوز له التقديم والـتأخير وهذا بتقديم الطائفة الثانية لا يلزم إلغاؤه من الأساس وإنما يلزم تضييقه - أي بالمتمتع الذي يكون معذوراً -، وهذا بخلاف العكس - يعني لو قدّمنا الطائفة الأولى وجوّزنا مطلقاً – فإنه يلزم أن عنوان الشيخ الكبير والمرأة التي تخاف الحيض وباقي هذه العناوين ليست لها أيّ مدخليّة، وكلّما دار الأمر بين بين أن يكون تقديم هذه الطائفة توجب إلغاء العناوين المأخوذة في الطائفة بخلاف العكس فنأخذ بما لا يلزم منه إلغاء العناوين المأخوذة في الطائفة الأخرى، يعني نأخذ بالطائفة الثانية في مقامنا إذ الأخذ بها لا يلزم منه إلغاء العناوين المذكورة في الطائفة الأولى .
ويمكن أن نقول:- إن هذا له وجاهةٌ لو فرض أنه تعذّر الحمل على الكراهة ففي مثل ذلك يتمّ هذا الكلام، أما لو فرض أنّا قلنا إن الحمل على الكراهة شيءٌ وجيهٌ كما صرنا إليه باعتبار أن ( لا بأس ) صريحٌ في الجواز و ( فيه بأسٌ ) ظاهر في الحرمة، إنه في مثله لا يلزم إلغاء هذه العناوين رأساً بل يكون لها المدخليّة في رفع الكراهة . فالنتيجة تصير هي أنه إذا لم يكن من أحد هذه العناوين فهو مكروهٌ - أي تقديم الطواف - وإذا كان من أحد هذه العناوين فهو ليس بمكروه، فهذه العناوين إذن لها مدخليّة ولكن مدخليتها هي في رفع الكراهة بعد الجواز المطلق فيجوز مطلقاً وبعد الجواز المطلق حينئذٍ يقال إنه وإن كان التقديم جائزاً مطلقاً ولكنّه مكروهٌ إذا لم تكن هذه العناوين موجودةٌ وليس مكروها إذا كان أحد هذه العناوين موجوداً . إذن حافظنا على مدخليّة هذه العناوين ولكن في رفع الكراهة.
ثم بعد هذا نقول:- إنه قد اتضح من كلّ ما أشرنا إليه أن الأرجح في نظرنا هو أنه يمكن الجمع بالحمل على الكراهة لأن تعبير ( لا بأس ) وتعبير ( فيه بأسٌ ) هما من قبيل الصريح والظاهر، فالمناسب إذن هو الجمع بالحمل على الكراهة.
ولكن يقف أمامنا شيء وهو الاجماع فإنه قد نقول الاتفاق وعدم الخلاف على عدم جواز التقديم للمختار، ونحن وإن كنّا لا نعتقد بحجيّة الإجماع المنقول خصوصاً في مثل المورد الذي توجد فيه رواياتٍ وإِعمالُ الاجتهاد شيءٌ محتملٌ ووجيهٌ إنه في مثل ذلك لا يكون للإجماع قيمة بعد احتمال كونه إجماعاً اجتهادياً ناشئاً من الاجتهاد وليس تعبّدياً قد وصل يداً بيد من المعصوم عليه السلام، ولكن مع ذلك يمكن إعطاؤه قيمة رغم أنه في نفسه ليس بحجّة فيمكن إعطاؤه قيمة كاملة أو شبه كاملة وذلك بالبيان الذي أشرنا إليه غير مرّة وذلك بأن يقال؛ إن المسألة ابتلائية ونفوس الحجيج قد تكون توّاقة إلى التقديم فيلزم أن يكون حكم المسألة واضحاً بعد فرض الابتلاء بها بالشكل المذكور ولا يحتمل أن ذلك الحكم الواضح هو جواز التقديم للجميع بما في ذلك المختار والحال أن المنعكس على فتاوى الفقهاء هو عدم الجواز، إن مصير الفقهاء إلى عدم الجواز يوجب أن يحصّل للفقيه اطمئناناً بأن ذلك الحكم الواضح والذي انعكس في أجواء المتشرعة ليس هو الجواز المطلق وإنما هو الجواز للمعذور فقط إذ من البعيد جداً أن يكون هناك وضوحٌ في الجواز المطلق ورغم ذلك يخالفه الفقهاء ويصيرون إلى المنع للمختار . وعلى هذا الأساس نتمكن أن نقول إن هذا الإجماع بهذا البيان يحصل بسببه الاطمئنان للفقيه بعدم الجواز في حقّ المختار وبالتالي يحول هذا دون النتيجة التي انتهينا إليها صناعياً، وإذا لم نَصِر إلى الفتوى بعدم جواز التقديم في حقّ المختار فلا أقل من الاحتياط الوجوبي . إذن النتيجة النهائية هي هذه كما أوضحت.
النقطة الثانية:- يجوز التقدم لثلاثة أو أربعة عناوين أعني الشيخ الكبير والمرأة التي خاف الحيض والمريض والخائف، وقد حذف(قده) المريض في بعض طبعات المتن ولا نرى وجهاً لحذفه فإنه مذكور في رواية اسماعيل بن عبد الخالق المتقدّمة وهي وإن ورد فيها إسماعيل بن مرار ولكّنه يبني على وثاقته، أما الخائف فسوف تأتي الإشارة إليه في المسألة التالية وكان من المناسب دمجها مع هذه المسألة. هذه عناوينٌ يجوز لأصحابها التقديم لدلالة الروايات على ذلك وهذا مطلب واضح ولا يحتاج إلى كلام.
إنما الكلام في أنه:- هل نقتصر على هذه العناوين الأربعة أو نتعدّى إلى كلّ صاحب عذر ؟ كما هو الحال في زماننا كما إذا فرضنا أن الحملة التي جاء فيها الشخص تريد الرجوع في اليوم الثاني عشر ولا يتكمن هذا الحاج بسبب قصر الفترة - لهذه النكتة أو لما شابه ذلك - الاتيان بالطواف بعد أعمال منى فهل يجوز لهؤلاء التقديم ونتعدّى إليهم أو نقتصر على هذه العناوين الأربعة ؟
والجواب:- إن مثل هذه القضيّة قابلة للأخذ والعطاء والمناسب الحكم بالتعميم وعدم الاقتصار على هذه العناوين الأربعة وذلك لوجهين:-
الوجه الأوّل:- إن من يلتفت إلى هذه العناوين الأربعة يفهم أنه لا خصوصيّة لها باستظهاره وبذوقه العرفي إما لأجل مناسبات الحكم والموضوع أو لأجل غير ذلك، كما لو فرض أن الإمام عليه السلام سئل عن الثوب يصيبه البول فقال يغسل مرّتين مثلاً فإنه بما أنّا عرفيّون سوف نتعدّى إلى مطلق الملابس أو إلى مطلق جنس القماش - سواءً كان مما يلبس أو لا - إن هذا استظهاراً عرفيٌّ من مناسبات الحكم والموضوع أو غير ذلك، فلنقل في مقامنا ذلك فمثل الشيخ الكبير هو لأجل الزحام لا يتمكّن من ذلك وكذلك المرأة التي تخاف الحيض فهذه أيضاً لأجل نكتة أنها لا تتمكن بعد ذلك وكذلك المريض، فيوجد مجالٌ لاستظهار التعميم لكلّ صاحب عذرٍ لا يتمكّن بعد ذلك من الاتيان بالطواف ولا خصوصيّة لهذه العناوين.
إن قلت:- إنا لا نعرف ملاكات أحكام الشارع وهي ليست بأيدينا فكيف يمكن التعدّي من مورد الرواية إلى غيره بعدما كانت ملاكات الأحكام الشرعية ليست بأيدينا ؟ إنْ هذا إلا قياسٌ وإعمالٌ الرأي فلا يجوز والامام عليه السلام في صحيحة أبان الواردة في قضيّة قطع أصابع المرأة قد نهى أبان وقال له ( إن السُّنَّة إذا قيست محق الدين ) . فهذا العمل لا يجوز إذن ؟
قلت:- إنه يمكن أن يقال إنه في رواية أبان ذمَّ الامام عليه السلام ذلك باعتبار أن هناك سنَّة موجودة في هذا المجال وأن المرأة تعاقل الرجل إلى نصف الدية ومع وجود النصّ لا معنى لأن تترك النص وتأخذ بما تذهب إليه أيها الشخص إن هذا قياسٌ وتركٌ للسُّنَّة، فالذم ذمٌّ على هجر السنّة الموجودة فالمقصود هو أنه لماذا أنت لم تراجع السُّنَّة أوّلاً ؟! إنه لو راجعتها فسوف لا يحصل لك هذا الاطمئنان أو القطع فالذمّ من هذه الناحية، أما إذا فرض أنا راجعنا السنّة ولم نجد فيها ما يخالف ما انتهينا إليه من استظهارٍ فلا تصلح هذه الصحيحة للردع، قد يبقى أن تقول أنا أسلّم أنها لا تصلح للردع لأنها واردة في مجالٍ آخرٍ ولكن بالتالي نحن كيف نتعدّى أوَليس هذا التعدّي يحتاج إلى مجوّزٍ ومدرك ؟
وجوابه:- إنه لابد من التمييز بين قضيتين بين الاجتهاد خارج دائرة النص وبين الاجتهاد داخل دائرته، إن الذي لا يجوز هو الاجتهاد خارج الدائرة أما الاجتهاد داخل الدائرة فذاك قد أمرنا به أهل البيت عليهم السلام ولابد وأن نسير على طبقه وإلا فسوف تبقى كل قضيّة مختصّة بموردها حينئذٍ والحال أن الأئمة عليهم السلام طلبوا منّا الاجتهاد من قبيل لسان ( إنما علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع ) أو بغير ذلك، إن هذا لا يعني إِعمال الاجتهاد بل يعني إِعمال الظهور الذي استفدناه من العرف، فهذا إِعمالٌ وأَخْذٌ بالظهور ولا محذور فيه . إذن لا مشكلة من هذه الناحية . ولك الحق في أن تقول أنا لا أستظهر هذا المعنى وأما إذا قبلت به وقلت إن هذا شيئاً وجيهاً وأنه لا خصوصيّة لهذه العناوين مثل عنوان الثوب حيث لا خصوصيّة له فهنا كذلك أيضاً.
الوجه الثاني:- جاء في صحيحة ابن يقطين المتقدمة:- ( وكذلك من خاف أمراً لا يتهيأ له الانصراف إلى مكة أن يطوف ويودّع البيت ثم يمرّ كما هو من منى إذا كان خائفاً )، إنه عليه السلام أعطى ضابطاً عاماً هنا حيث قال:- ( وكذلك أمراً لا يتهيأ له الانصراف ) كما لو فرض أن الحملة سوف تذهب ولا يتهيأ للحاج الذهاب إلى مكة وأداء أعمالها بعد أعمال منى، إن هذا يمكن أن يقال إنه ضابطٌ عامٌّ من قبل الإمام فيمكن الأخذ به والتعدي . إذن مَن رفض الأوّل يمكن أن يستعين بالثاني وهذا مطلبٌ واضح.
وهناك كلام آخر:- وهو أنه هل يلزم في حقّ من أراد أن يقدّم الطواف كالمريض مثلاً أن يُحرِم قبل أن يطوف أو أنه يجوز له أن يطوف أوّلاً ثم بعد ذلك يُحرِم ويذهب إلى عرفات ؟ فهل يلزم الإحرام للطواف؟
والجواب:-
أولاً:- قد يقال بعدم لزوم ذلك - أي لا يلزم الاحرام للطواف الذي فرض تقديمه - باعتبار أنه لا دليل على ذلك ويكفينا عدم الدليل فنجري أصل البراءة فنشك هل أن الذمة اشتغلت بالحجّ المقيّد بالطواف المتقدّم عن إحرامٍ ؟ إن قيد ( عن إحرامٍ ) هل اشتغلت به بعد الجزم باشتغالها بأصل الحجّ الذي فرض فيه تقديم الطواف وإنما الكلام في الزيادة فنجري أصل البراءة.
وثانياً:- وفي المقابل قد يقال بلزوم ذلك كما يظهر من السيد الخوئي(قده) في المعتمد، وهذه قضيّة لم يتعرّض إليها في عبارة المتن ولذلك أنا لم أذكرها بعنوان نقطة ثالثة وإنما تعرض إليها في المعتمد، إنه قد يقال بلزوم ذلك لوجوه:-
الوجه الأول:- إن طواف الحجّ يلزم فيه أن يكون بعد الإحرام فالشخص يحرم ويأتي بالموقفين ثم بأعمال منى ثم يأتي بعد ذلك بطواف الحجّ فطواف الحجّ يصدر بعد الاحرام، نعم هو قد تحلل كاملاً أو نصف كاملٍ بالحلق أو التقصير ولكن بالتالي هذا الطواف قد وقع بعد الاحرام فيلزم فيه ذلك أيضاًلو قدّمناه - يعني أن يكون بعد الإحرام -، هكذا قد يقال.
وفيه:- إن هذا مصادرة - يعني جعل الدليل عين المتنازع فيه - فإنه في مقام المناقشة نقول:- نحن نسلّم بأن طواف الحجّ يلزم أن يكون بعد الإحرام ولكنّ ذلك لازمٌ في الطواف المتأخّر في حقّ المختار أما أنه يلزم ذلك في حقّ المعذور أيضاً فهذا هو عين المتنازع فيه !! فلا معنى لأن تقول إنه كما أنه يلزم في المتأخر فكذلك يلزم في المتقدّم إن النزاع هو هنا، إن هذا عبارة عن جعل الدليل عين المتنازع فيه وعين المدّعى، اللهم إلا أن يقصد شيئاً آخر سوف نشير إليه فيما بعد.