1441/05/23
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
41/05/23
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: - التنبيه الخامس ( الشبهة غير المحصورة ) - مبحث أصالة الاشتغال ( الشّك في المكلف به )- مبحث الأصول العملية.
وقد اتضح من خلال ما ذكرنا أنَّ المانع من اجراء الأصول الترخيصية في الشبهة المحصورة أحد أمور ثلاثة، الأول محذور الترخيص في المخالفة القطعية العملية، والثاني انصراف أدلة الأصول أطراف الشبهة المحورة فإنه يلزم أهمية الغرض الترخيصي على الالزامي فهو بعيد، والثالث محذور المناقضة، هذا في الشبهة المحصورة، وإذا جئنا إلى الشبهة غير المحصورة فالأول - وهو الترخيص في المخالفة القطعية العملية - لا يأتي فيها، لأنه لا يمكن ارتكاب جميع الأطراف لكثرتها وإلا كانت محصورة، وأيضاً لا يأتي ما ذكره السيد الشهيد(قده) في الشبهة المحصورة فيها بالبيان الذي ذكرناه سابقاً، من أنه لكثرة الأطراف الترخيصية سوف تصير الأغراض الترخيصية كثيرة فمن الوجيه أن يضحّي المولى بالغرض الالزامي الواحد في سبيل تلك الأغراض الترخيصية الكثيرة، فلا يوجد موجب لانصراف أدلة الأصول عن أطراف الشبهة غير المحصورة، هذه ثمرة لهذا الخلاف، بينما على ما ذكرناه محذور المناقضة كما هو موجود في الشبهة المحصورة موجود أيضاً في الشبهة غير المحصورة.ثم إنَّ لهذا الخلاف الذي أشرنا إليه ثمرة تظهر في بعض الموارد: -من قبيل: - ما لو كان عندنا إناءان ككلاهما نجس ثم علمنا أن أحدهما طرأ عليه التطهير فهنا هل يجري استصحاب النجاسة في كل من الطرفين فيلزم اجتنابهما معاً باعتبار أن الحالة السابقة هي النجاسة؟ لعل المعروف هو ذلك حيث قالوا يجري استصحاب النجاسة ولا يلزم من ذلك مخالفة عملية، لأن أقصى ما يلزم ترك الطاهر لأن واحداً مننهما طاهر وترك الطاهر ليس مخالفة عملية، لأنَّ المخافة العملية تتحقق بارتكاب النجس لا بترك الطاهر فقالوا لا محذور في جريان كلا الاستصحابين مادام لا يلزم من جريانهما مخالفة عملية، وهذا ما يعبر عنه بأن الأصول الإلزامية تجري في أطراف الشبهة المحصورة، والمقصود من الأصول الإلزامية هو استصحاب النجاسة، لأنه أصل إلزامي، يعني بتعبير آخر مثل ما لو كان الحالة السابقة هي الطهارة فيهما معاً ثم تنجس أحدهما هنا لو أرادت الأصول أن تجري فالاستصحاب يعبر عنه هنا بالصل الترخيصي لأنها رخصت بالارتكاب، فقالوا الأصول الترخيصية لا تجري في الأطراف لأنه تحصل مخالفة عملية أذ أحد الأطراف نجس، أما الأصول الإلزامية قالوا لا مانع من جريانها في كلا الطرفين إذ أقصى ما يلزم عدم ارتكاب الطاهر وهذا لا محذور فيه فكلا الاستصحابين يجري، هكذا قال المشهور تفريعاً على ما بنى عليه في المبنى السابق، وأما بناء على ما ذكرنا لا يجري الاستصحابان وذلك للزوم محذور المناقصة، فإنَّ العرف لا يتقبل ذلك، إذ كيف تحكم بنجاسة كلا الاناءين والمفروض أني أعلم بطهارة احدهما، فإذا كان المحذور هو محذور المناقضة فهو موجود في هذا المورد ولازمة سوف يختص دليل الاستصحاب بغير الشبهة المحصورة التي فيها الحالة السابقة هي النجاسة وقد علمت بطهارة أحدهما ففي مثل هذه الحالة محذور المناقضة موجود فدليل الاستصحاب لا يشمل هذا المورد هذه مرة بين ما ذهب إليه المشهور وبين ما سلكناه، فعلى ما ذهب إليه المشهور لا محذور من جريان كلا الأصلين الالزاميين إذ لا يلزم مخالفة عملية قطعية بينما على ما ذكرناه من محذور المناقضة نفس هذا المحذور يجعل دليل الاستصحاب منصرفاً وخاصاً بالشبهة البدوية دون الشبهة المقرنة بالعلم الإجمالي.
إذاً اتضح أن هذا الوجه ليس بتام على مبنانا.الوجه الثالث لجواز ارتكاب الشبهة غير المحصورة:- ما ذهب إليه الشيخ النائيني(قده)[1] ، وحاصله: إنَّ المخالفة القطعية في الشبهة غير المحصورة ليست محرمة والموافقة القطعية ليست واجبة.
أما أنَّ المخالفة القطعية ليست محرمة فلك باعتبار أن المخالفة القطعية ليست ممكنة ومادامت ليست مكنة فليست محرمة إذ حرمة الشيء فرع إمكانه وهي لا تمكن، لأنَّ كثرة الأطراف تمنع من إمكان ارتكابها جميعاً وإلا كانت محصورة، فمادام لا يمكن المخالفة القطعية فلا توجد حرمة للمخالفة القطعية، وبالتالي لا تكون محرمة عقلاً ولا شرعاً بعد عدم إمكانها.وأما بالنسبة إلى وجوب الموافقة القطعية، فإنَّ الموافقة القطعية ليست واجبة، وذلك باعتبار أنه إنما تكون واجبة إذا امكن ثبت حرمة المخالفة القطعية، فمتى ما أمكن ثبوت حرمة المخالفة القطعية يثبت وجوب الموافقة القطعية، أما إذا لم يمكن ثبوت حرمة المخالفة القطعية فلا يثبت وجوب الموافقة القطعية، ووجه ذلك هو إنما تجب الموافقة القطعية فيما إذا فرض أنَّ الأصول المؤمّنة - كالبراءة والطهارة - لم يمكن جريانها في الأطراف فحينئذٍ تجب الموافقة القطعية بترك كل الأطراف، أما إذا فرض أنه يمكن جريان الأصول المؤمّنة في جميع الأطراف فإذاً لا تلزم الموافقة القطعية بالترك بعد إمكان جريان الأصول، والمفروض أن الأصول المؤمّنة يمكن أن تجري، لأنَّ المخافة القطعية ليست محرمة لعدم إمكانها، فيمكن أن تجري الأصول المؤمّنة في الأطراف، فلا تجب آنذاك الموافقة القطعية.