1441/04/20
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
41/04/20
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: - مسألة ( 73 ) حكم المال الذي باعه الفضولي عند عدم تحقق الاجازة من مالكه – شروط المتعاقدين.
تتمة توضيحية لما ذكرناه في المحاضرة السابقة:- انتهينا في المحاضرة السابقة إلى أنَّ المنافع المستوفاة للعين المغصوبة مضمونة، وبعد أن ذهبنا إلى انها مضمونة ذهبنا إلى ما هو الدليل على ذلك ذكرنا أربعة وجوه، ثم بعد ذلك ذكرنا الارتكاز العقلائي على الضمان منضماً إلى بعض الروايات، ثم بعد ذلك قلنا نتكلم بشكلٍ جزئي مختصر عن رواية ( الخراج بالضمان )، وقد قلنا إنَّ هذه العبارة وردت بهذا التعبير في بعض رواياتنا كما في عوالي اللآلي كما وردت في بعض كتب غيرنا وقد نقلنا ذلك، ثم قلنا إنها رويت بروحهما ومضمونها وبما يتلاءم معها في رواية زيد الشهيد عن آبائه عليهم السلام، فنقرأ هذه الرواية لتوضيحها لعل في بعض كلماتها شيء من الخفاء وكيف تتلاءم مع الخراج بالضمان، وهي:- ( أتاه رجل تكارى دابة فهلكت وأقر أنه جاز بها الوقت فضمّنه الثمن ولم يجعل عليه كراءً )، وما المقصود من الثمن فإنَّ المفروض أنه لا يوجد ثمن هنا وإنما كانت اجارة ؟! والجواب: - إنه حصلت مسامحة، فالمقصود من الثمن هنا هو القيمة، يعني أنَّ قيمة الدابة ضمَّنها الامام عليه السلام لهذا الشخص الذي تجاوز بالدابة المسافة المقررة.
يبقى شيء وهو ( ولم يجعل عليه كراءً )، أي أنَّ المسافة الزائدة لم يجعل الامام عليه السلام عليها كراءً زائداً، يعني من المناسب أن تكون هناك أجرة زائدة لأجل المسافة الزائدة وحيث إنها ماتت بسبب فعله فهو يضمن القيمة، فإذاً من المناسب أن يجتمع عليه أمران ضمان القيمة زائداً أجرة المسافة الزائدة التي سار فيها بالدابة من دون كسب إذنٍ مسبق من مالكها، ولكن الرواية تقول إنه جعل القيمة فقط ولم يجعل كراءً لا على المسافة الأولى ولا على المسافة الزائدة، وهذا واضح التلاؤم مع قضية الخراج بالضمان، يعني مادام قد ضمن الدابة بقيمتها بسبب هلاكها فكل ما يخرج منها من فوائد تكون للضامن الذي ضمن القيمة، فعليه أن يضمن القيمة فقط أما أجرة المسافة فليس بموجود.
فإذاً هي واضحة التلاؤم مع قضية الخراج بالضمان، وإلا إذا لم نؤمن بهذه القاعدة كان المناسب هو ضمان القيمة زائداً أجرة المسافة المقررة زائداً أجرة المسافة الزائدة، والرواية حينما قالت ( ولم يجعل عليه كراءً ) كأنها تريد أن تشير إلى هذا المعنى، فمادام قد ضَمَّنه القيمة فلا توجد أجرة على المسافة ، فإذاً هي تتلاءم مع قضية الخراج بالضمان، فلابد من حملها على التقية كما ذكرنا.
النقطة الثانية: - ضمان المنافع المستوفاة يكون على المستوفي.
وتوضيح ذلك: - إنَّ الشخص إذا أخذ سيارة الغير مثلاً ووضعها في داره من دون رضا صاحبها فهذا غصبٌ، ولكنه لكنه لم يستوفي منافعها بأن يركبها وإنما الذي استوفى منافعها بركوبها هو لده أو أخوه، والكلام هو أنَّ ضمان المنافع المستوفاة على من يكون، فهل يكون على صاحب اليد، أو على المستوفي، أو عليهما بنحو البدل أو التخيير؟
حكم السيد الماتن في عبارة المتن أنها على المستوفي، والمستوفي هنا هو الولد أو الأخ دون صاحب اليد - الغاصب للسيارة -.
ولكن يوجد رأي للقدماء يقول: - إنَّ الضمان ثابت على صاحب اليد، وقد ذهب إلى ذلك صاحب الشرائع، وله عبارة في هذا المجال، فهو في البداية قال إذا تعذر دفع العين فعليه دفع البدل، ثم قال بعد ذلك ويرجع بقيمة المنافع عليه - أي على الغاصب -، ولكن توقف من ناحية أنه هل يأخذ قيمة المنافع إلى حين دفع البدل أو إلى حين تسليم العين، فيظهر عنده أنه من الواضح أن يكون ضمان القيمة على الغاصب صاحب اليد وليس على المستوفي - أي الولد في مثالنا -، قال: - ( وإذا تعذر تسليم المغصوب دفع الغاصب البدل ........ وعلى الغاصب الأجرة إن كان مما له أجرة في العادة من حين الغصب إلى حين دفع البدل قيل إلى حين إعادة المغصوب والأول أشبه ) [1]
ولا يقول قائل: - إنَّ هذه العبارة ناظرة إلى المنافع غير المستوفاة، فهو لم يفرضها مستوفاةً وكلامنا في المستوفاة، فهذه العبارة لا تنفع.
قلت: - إنَّ ذلك يثبت بالأولوية، فإنه إذا كان يرجع عليه بالمنافع غير المستوفاة فبالأولى الرجوع عليه بالمنافع المستوفاة.
فإذا عبارته واضحة في أنَّ الضامن للمنافع المستوفاة هو الغاصب وليس هو المستوفي، ولكن سيأتي التعليق على ذلك، والصحيح كما سوف نبيّن أنها مضمونة على المستوفي.
وبهذا يتضح الفرق بين ضمان العين وضمان المنافع، فالعين نفسها مضمونة على من أخذها أو من هي بيده الآن، كالسيارة أخذها الأب من المالك فصار هذا السارق صاحب يدٍ فيكون ضامناً للعين، وإذا أخذها منه ولده وركبها أيضاً صار صاحب يد، فكلٌّ منهما يكون ضامناً العين لمالكها، وأما بالنسبة إلى المنافع المستوفاة كركوب السيارة فمن ركبها واستفاد من تلك المنافع يكون هو الضامن للمنافع، فدعوى السيد الماتن هي هكذا، ولا يبعد أن تكون وجيه.
والدليل على ذلك هو الارتكاز العقلائي، وسيرة العقلاء هي على ذلك، فكل من صارت له يد على العين - كالسيارة - فتلتف فالعقلاء يقولون برجوع المالك على من صارت يده عليها سواء كان الأب الذي أخذها أو الابن الذي صارت له يدٌ أيضاً على العين، والارتكاز العقلائي والسيرة العقلائية غير المردوع عنهما هما على ذلك.
وأما بالنسبة إلى المنافع المستوفاة: - فالعقلاء يرجعون على من استوفى المنافع، كمن ركب السيارة، أما من لم يركبها فهو ضامن للعين، أما ضمانه للمنافع فلا.
إذاً هذه التفرقة هي تفرقة عقلائية بحسب الارتكاز العقلائي والسيرة العقلائية وحيث لا ردع عن ذلك فيثبت الامضاء.
النقطة الثالثة: - الزيادات العينية كاللبن والصوف ونحو ذلك مضمونة على من استولى عليها.
كما لو كانت العين بقرة أو نعجة وغصبها شخص وجاء شخص آخر وشرب حليبها أو نفس الغاصب فعل ذلك، فأيّ شخص شرب الحليب يكون هو الضامن لقيمته، وكذلك لو جزّ صوفها يكون ضامناً لقيمته، ومدرك هذا واضح، فإنَّ العقلاء يرون أنَّ من أتلف واستولى على هذه المنافع يكون ضامناً لها، فسواء أتلفها أو لم يتلفها فهو مادام قد استولى عليها فنفس هذا الاستيلاء بالنظر العقلائي موجب للضمان، وحيث لا ردع فيثبت الامضاء.
النقطة الرابعة: - المنافع غير المستوفاة.
كالسيارة غصبها شخص من آخر وتركها من دون أن يستوفي منافعها والحال أن لها منافع في كل يوم ولكنه لم يستوفِها، فالبحث في حكم المنافع غير المستوفاة.
وقد بحث الشيخ الأعظم(قده)[2] هذه القضية، ويوجد في كلامه كرٌّ وفرّ، وفي البداية مال إلى الضمان من دون جزم، ثم ناقش الحكم بالضمان، وهذا يحسب تراجعاً منه، ثم توقف في ذلك، ثم بعد ذلك نقل عن العلامة اتفاق واجماع على الضمان فجزم به.