18-03-1435
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
35/03/18
بسم الله الرحمن الرحیم
الموضـوع:- مسألة (407 ) / الحلق والتقصير /
حج التمتع / مناسك الحج للسيد الخوئي(قد).
وأما المستند الثالث - أعني موثقة يونس بن يعقوب والتي كانت تقول:- ( قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام:- جعلت فداك رجل اكل فالوذج فيه زعفران بعد ان رمى الجمرة ولم يحلق، قال:- لا بأس ) – فيمكن النقاش فيه من حيث الدلالة ومن حيث السند:-
أما من حيث الدلالة:- فباعتبار أن المفروض في الرواية المذكورة هو السؤال عن رجل أكل ما فيه الرائحة الطيبة - أعني الزعفران - بعدما رمى وليس من البعيد أن يكون المنظور هو حالة النسيان أو الجهل والإمام عليه السلام قد نفى البأس بهذا الاعتبار وعدم استفصاله لعلّه من هذه الجهة - أي إنه عليه السلام فهم أن الشخص المذكور عادةً يكون جاهلاً أو ناسياً - وإلا فالمؤمن الآتي إلى الحج لا يقصد تعمّد المعصية والمخالفة . إذن هي من حيث الدلالة قاصرة كما أوضحنا.
وأما من حيث السند:- فلأنه قد رواها صاحب الوسائل(قده) عن قرب الاسناد عن محمد بن عبد الحميد عن يونس بن يعقوب والمشكلة هي المشكلة السابقة أعني من حيث كتاب قرب الاسناد حيث يروي عنه صاحب الوسائل(قده) بالمباشرة وقد تقدّم التأمل في ذلك.
ثم إنه لو سلّمنا تماميّة السند والدلالة في هذه الرواية وهكذا في الرواية السابقة - أعني رواية الحسين بن علوان - فيمكن أن نجيب أيضاً بجوابٍ آخر:- وهو أن هذين الخبرين مخالفان للسنّة القطعيّة إذ ذكرنا سابقاً عند التعرّض الى الرأي الأول من الآراء الثلاثة في هذا المجال أعني في مسألة أن الإحلال متى يحصل ؟ وذكرنا في الرأي الأوّل سبع روايات تدلّ على أن المحرِم يحلّ بالحلق والتقصير من جميع المحرمات عدى النساء والطيب، إن تلك الكثرة في عددها يمكن أن تشكل عنوان السنّة القطعيّة فتكون هاتان الروايتان مخالفتين لها فتسقطان عن الاعتبار لأجل المخالفة للسنّة القطعيّة.
هذا ولكن السيد الخوئي(قده) ناقش هاتين الروايتين بمناقشات ثلاث:-
المناقشة الأولى:- إن الروايتين المذكورتين مهجورتان بين الأصحاب - يعني أنه لا يوجد من يفتي على طبقهما -والهجران كما نعرف مسقطٌ للرواية عن الحجيّة.
ثم أضاف وقال:- ولو قيل إن الصدوقين(قده) قد عملا بهما فلا هجران . قلت:- إنهما لم يعملا بهما فإن هاتين الروايتين تدلّان على أنه بالرمي يحصل الاحلال من كلّ شيءٍ إلا النساء يعني أن الطيب أيضاً يحصل الاحلال منه وهذا لم يقله الصدوقان فإنهما يقولان إنه يحصل الاحلال بالرمي من كلّ شيءٍ عدى النساء والطيب وهذا معناه عدم عملهما بمضمون هذه الرواية فما تدلّ عليه هذه الرواية وهو الحليّة حتى من الطيب - يعني بالرمي - وهما لا يقولان بذلك.
وفي هذا المجال نقول:- هل أن عدم العمل ببعض مضمون الرواية يعد هجراناً لها أو لا ؟ إن هذه قضيّة لابد من الـتأمل فيها، فيمكن أن يقال هما بالتالي قد عملا بها غايته لا بعرضها العريض إذ مفهومها يدلّ على الحليّة حتى من الطيب وهما لا يرتضيان هذه السعة - يعني الحليّة حتى من الطيب بالرمي - فبالتالي يمكن أن يقال إن هذا نحو عملٍ بالرواية، إن هذه قضيّة لابد من التفات إليها وأنا لست من المدّعين بأن هذا ليس هجراناً وإنما أريد أن أقول أنا من المتردّدين، أي هي مسألة قابلة للتأمل والنظر والاعتماد على ذلك وأن الهجران متحقّق حتماً فهو شيءٌ قابلٌ للتأمّل.
وبقطع النظر عن هذا هناك قضيّة فنية:- وهي أنه في الرأي السابق بنى السيد الخوئي(قده) على أن الاحوط وجوباً بقاء حرمة الصيد إلى زوال اليوم الثالث عشر باعتبار دلالة روايتين على ذلك وقال هما وإن كانتا مهجورتين بيد أنه يتعين المصير إلى الاحتياط لأجلهما - والمقصود هو الاحتياط الوجوبي دون الاستحبابي - .
إذن هو(قده) قد صار فيما سبق إلى الاحتياط الوجوبي رغم هجرانهما، بينما في مسألتنا هذه هو يعترف بأن مضمون هاتين الروايتين مهجورٌ ورغم ذلك جزم بأن التحليل يحصل بالحلق والتقصير وليس بالرمي، والمناسب لما سبق هو أن يقول:- ( الأحوط وجوباً عدم حصول التحلّل في الرمي بل لابد من الفراغ من الحلق أو التقصير ) فيصير إلى ذلك بنحو الاحتياط الوجوبي لا بنحو الفتوى لأنه توجد روايتان تدلّان على أنه يحصل التحلل بالرمي وهما وإن كانتا مهجورتين ولكن بالتالي لا نفتي بأن التحلّل يحصل بالحلق أو التقصير ولكن الأحوط وجوباً ذلك.
المناقشة الثانية:- إن هاتين الروايتين معارضتان للروايات المشهورة الدالة على أن التحلّل يحصل بالحلق دون الرمي.
وفيه:- إن مجرد مخالفة روايةٍ للروايات المشهورة لا يسقطها عن الاعتبار والحجيّة وإنما تسقط إذا كانت مخالفةً للسنّة القطعيّة أو للكتاب الكريم بنحو التباين أو العموم من وجه أما إذا كانت مخالفة للروايات المشهورة فهذا لا يكفي لإسقاطها عن الحجيّة، وليس من البعيد أن يقصد(قده) ما أشرنا إليه وإن كانت الألفاظ قاصرةٌ عن ذلك فهو يقصد من كونها مشهورةً الإشارة إلى أنها قطعيّة . والمهم عندي هو الالتفات إلى هذه الكبرى وهي أن المسقِط للرواية عن الحجيّة ليس هو مخالفتها للروايات المشهورة - يعني الكثيرة - وإنما المسقط لها عن الحجيّة هو مخافتها للدليل القطعي أعم من كونه سنّة أو كتاباً.
المناقشة الثالثة:- لو سلّمنا باستقرار التعارض وأن الاثنين هما معاً حجّة - أي هاتان الرويتان مع تلك الروايات السبع المشهورة التي أشرنا إليها سابقاً - فلو سلّمنا استقرار التعارض فيتساقطان والمرجع حينئذٍ هو إطلاق أدلّة المحرّمات يعني ما دلّ على أن النظر في المرآة حرامٌ نتمسك بإطلاقه وما دلّ على أن إخراج الدم حرامٌ فنتمسك بإطلاقه -، والمقصود هو التمسك بإطلاقه الأزماني يعني الى ما بعد الرمي أما بالحلق فنجزم بسقوط إطلاقه أما قبل ذلك فنشك في سقوط إطلاقه أو حجيّة اطلاقة فنتمسك بإطلاقه السابق .
وفيه:- إن هذه المناقشة تستدعي أن نرجع إلى دليل كل محرّمٍ من تلك المحرّمات بخصوصه فنلاحظه ملاحظةً مستقلةً - يعني هل له إطلاق أزماني أو لا - ولعل مدرك بعضها ليس دليلاً لفظيّاً حتى يتمسك بإطلاقه . إذن لا يمكن أن نطلق الكلام من دون مراجعة كلّ نصّ بخصوصه ولا يبعد أن الأغلب أو الجميع مقيّد بحيثية الإحرام – يعني أنه مادام محرماً فيحرم عليه النظر في المرآة أو إزالة الشعر أو ما شاكل ذلك من محرّمات الإحرام - فموضوعها هو المحرِم ونحن نشك - كما أشرنا إلى ذلك سابقاً - بأن الاطلاق يمكن الخدش فيه بهذا الاعتبار يعني باعتبار أن موضوع الحكم هو المحرِم فإن قيد الاحرام والمحرِم أُخذ إما لفظاً أو تقديراً فلا إشكال في أن الحرمة ثابتة مادام الشخص محرِماً وبالرمي نشكّ هل زال الإحرام أو لم يزُل ؟ والشبهة من هذا الناحية شبهة مفهوميّة، فعلى هذا الأساس لا نجزم بثبوت الاطلاق إذ نشكّ في صدق عنوان المحرِم على الشخص المذكور ويكون المورد من التمسك بالاطلاق في موارد إجمال المفهوم وهو لا يجوز.
وإذا قلت:- بعد تعذّر التمسك بالاطلاق فلنرجع الى الاستصحاب - أي استصحاب بقاء حرمة هذه المحرمات - ؟
أجبنا:- بأن هذا الاستصحاب استصحابٌ في شبهةٍ مفهوميّةٍ، يعني نحن نشكّ في بقاء الحكم من ناحية أن عنوان المحرِم صادق بعدُ أو لا إذ موضوع الحرمة هو عنوان المحرِم ولا يجوز التمسك بالاستصحاب المذكور من ناحيتين الأولى مختصّة بمبناه حيث إنه يرى أن الاستصحاب في الشبهات الحكميّة لا يجري سواء كانت مفهوميّة أو حكميّة محضة من غير أن تكون مفهوميّة من قبيل استصحاب وجوب صلاة الجمعة إلى زمن الغيبة فإنه ليس ناشئاً من تردّد المفهوم فهو لا يقول بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة للمعارضة بين استصحاب بقاء الحكم الفعلي مع استصحاب عدم التشريع بالمقدار الزائد للفترة المشكوكة ولكن هذا مبنيّ على ما يراه، والناحية الثانية هي ليست مختصّة به(قده) وهي أن الاستصحاب لا يجري في الشبهات المفهوميّة من ناحية أن موضوع الحكم المستصحب لابد من إحراز بقائه حتى يجري الاستصحاب ونحن لا نحرز بقاء عنوان المحرِم حتى يمكن استصحاب الحكم فإن عنوان المحرِم نحتمل زواله بالرمي فعلى هذا الأساس لا يمكن استصحاب بقاء الحرمة.
وإذا قيل:- لم لا نستصحب المفهوم نفسه - أي عنوان المحرِم - فنقول هذا الشخص كان محرماً سابقاً والآن نشك في أنه محرم أو لا ؟
أجبنا بما تقدمت الاشارة إليه:- وهو أن الاستصحاب في باب المفاهيم أمرٌ غير ممكنٍ لأنك تستصحب المفهوم بأي معنى ؟ فهل هو بمعنى أنه من لم يرمِ ؟! وهذا نجزم بزواله، أو تستصحب الاحرام بمعنى من لم يحلِق ؟! وهذا نجزم ببقائه، وإذا قلت:- نستصحب عنوان المحرِم بما هو لفظٌ من دون ملاحظة كونه مرآةً، قلنا:- إن اللفظ بما هو لفظٌ ليس موضوعاً للحكم ولا أثر له.
إذن محاولة التمسّك بإطلاق أدلّة المحرّمات شيءٌ مشكلٌ لما أشرنا إليه، والمناسب المناقشة بما أشرنا إليه سابقاً وهو أن هاتين الروايتين لو تمّتا سنداً ودلالةً فهما معارضتان للسنّة القطعيّة . هذا كلّه في المستند الثالث.
وأما المستند الرابع - أعني رواية الجعفريات -:- فهي من حث الدلالة واضحة ومقاربة للرواية الأولى - أي لرواية الحسين بن علوان - لو لم تكن نفسها فإن الروايتين تنقلان معاً مقالةً عن أمير المؤمنين عليه السلام وهي:- ( إذا رميت جمرة العقبة فقد حللت من كلّ شيءٍ حرم عليك إلا النساء )، فالمنقول عنه هو أمير المؤمنين والتعبير واحدٌ وهذا ليس بمؤثر وإنما أردت الاشارة إلى واقع الحال لا أكثر، إلا أن المشكلة هي في كتاب الجعفريات وأنه معتبر أو لا ؟
وأما المستند الثالث - أعني موثقة يونس بن يعقوب والتي كانت تقول:- ( قلت لأبي الحسن موسى عليه السلام:- جعلت فداك رجل اكل فالوذج فيه زعفران بعد ان رمى الجمرة ولم يحلق، قال:- لا بأس ) – فيمكن النقاش فيه من حيث الدلالة ومن حيث السند:-
أما من حيث الدلالة:- فباعتبار أن المفروض في الرواية المذكورة هو السؤال عن رجل أكل ما فيه الرائحة الطيبة - أعني الزعفران - بعدما رمى وليس من البعيد أن يكون المنظور هو حالة النسيان أو الجهل والإمام عليه السلام قد نفى البأس بهذا الاعتبار وعدم استفصاله لعلّه من هذه الجهة - أي إنه عليه السلام فهم أن الشخص المذكور عادةً يكون جاهلاً أو ناسياً - وإلا فالمؤمن الآتي إلى الحج لا يقصد تعمّد المعصية والمخالفة . إذن هي من حيث الدلالة قاصرة كما أوضحنا.
وأما من حيث السند:- فلأنه قد رواها صاحب الوسائل(قده) عن قرب الاسناد عن محمد بن عبد الحميد عن يونس بن يعقوب والمشكلة هي المشكلة السابقة أعني من حيث كتاب قرب الاسناد حيث يروي عنه صاحب الوسائل(قده) بالمباشرة وقد تقدّم التأمل في ذلك.
ثم إنه لو سلّمنا تماميّة السند والدلالة في هذه الرواية وهكذا في الرواية السابقة - أعني رواية الحسين بن علوان - فيمكن أن نجيب أيضاً بجوابٍ آخر:- وهو أن هذين الخبرين مخالفان للسنّة القطعيّة إذ ذكرنا سابقاً عند التعرّض الى الرأي الأول من الآراء الثلاثة في هذا المجال أعني في مسألة أن الإحلال متى يحصل ؟ وذكرنا في الرأي الأوّل سبع روايات تدلّ على أن المحرِم يحلّ بالحلق والتقصير من جميع المحرمات عدى النساء والطيب، إن تلك الكثرة في عددها يمكن أن تشكل عنوان السنّة القطعيّة فتكون هاتان الروايتان مخالفتين لها فتسقطان عن الاعتبار لأجل المخالفة للسنّة القطعيّة.
هذا ولكن السيد الخوئي(قده) ناقش هاتين الروايتين بمناقشات ثلاث:-
المناقشة الأولى:- إن الروايتين المذكورتين مهجورتان بين الأصحاب - يعني أنه لا يوجد من يفتي على طبقهما -والهجران كما نعرف مسقطٌ للرواية عن الحجيّة.
ثم أضاف وقال:- ولو قيل إن الصدوقين(قده) قد عملا بهما فلا هجران . قلت:- إنهما لم يعملا بهما فإن هاتين الروايتين تدلّان على أنه بالرمي يحصل الاحلال من كلّ شيءٍ إلا النساء يعني أن الطيب أيضاً يحصل الاحلال منه وهذا لم يقله الصدوقان فإنهما يقولان إنه يحصل الاحلال بالرمي من كلّ شيءٍ عدى النساء والطيب وهذا معناه عدم عملهما بمضمون هذه الرواية فما تدلّ عليه هذه الرواية وهو الحليّة حتى من الطيب - يعني بالرمي - وهما لا يقولان بذلك.
وفي هذا المجال نقول:- هل أن عدم العمل ببعض مضمون الرواية يعد هجراناً لها أو لا ؟ إن هذه قضيّة لابد من الـتأمل فيها، فيمكن أن يقال هما بالتالي قد عملا بها غايته لا بعرضها العريض إذ مفهومها يدلّ على الحليّة حتى من الطيب وهما لا يرتضيان هذه السعة - يعني الحليّة حتى من الطيب بالرمي - فبالتالي يمكن أن يقال إن هذا نحو عملٍ بالرواية، إن هذه قضيّة لابد من التفات إليها وأنا لست من المدّعين بأن هذا ليس هجراناً وإنما أريد أن أقول أنا من المتردّدين، أي هي مسألة قابلة للتأمل والنظر والاعتماد على ذلك وأن الهجران متحقّق حتماً فهو شيءٌ قابلٌ للتأمّل.
وبقطع النظر عن هذا هناك قضيّة فنية:- وهي أنه في الرأي السابق بنى السيد الخوئي(قده) على أن الاحوط وجوباً بقاء حرمة الصيد إلى زوال اليوم الثالث عشر باعتبار دلالة روايتين على ذلك وقال هما وإن كانتا مهجورتين بيد أنه يتعين المصير إلى الاحتياط لأجلهما - والمقصود هو الاحتياط الوجوبي دون الاستحبابي - .
إذن هو(قده) قد صار فيما سبق إلى الاحتياط الوجوبي رغم هجرانهما، بينما في مسألتنا هذه هو يعترف بأن مضمون هاتين الروايتين مهجورٌ ورغم ذلك جزم بأن التحليل يحصل بالحلق والتقصير وليس بالرمي، والمناسب لما سبق هو أن يقول:- ( الأحوط وجوباً عدم حصول التحلّل في الرمي بل لابد من الفراغ من الحلق أو التقصير ) فيصير إلى ذلك بنحو الاحتياط الوجوبي لا بنحو الفتوى لأنه توجد روايتان تدلّان على أنه يحصل التحلل بالرمي وهما وإن كانتا مهجورتين ولكن بالتالي لا نفتي بأن التحلّل يحصل بالحلق أو التقصير ولكن الأحوط وجوباً ذلك.
المناقشة الثانية:- إن هاتين الروايتين معارضتان للروايات المشهورة الدالة على أن التحلّل يحصل بالحلق دون الرمي.
وفيه:- إن مجرد مخالفة روايةٍ للروايات المشهورة لا يسقطها عن الاعتبار والحجيّة وإنما تسقط إذا كانت مخالفةً للسنّة القطعيّة أو للكتاب الكريم بنحو التباين أو العموم من وجه أما إذا كانت مخالفة للروايات المشهورة فهذا لا يكفي لإسقاطها عن الحجيّة، وليس من البعيد أن يقصد(قده) ما أشرنا إليه وإن كانت الألفاظ قاصرةٌ عن ذلك فهو يقصد من كونها مشهورةً الإشارة إلى أنها قطعيّة . والمهم عندي هو الالتفات إلى هذه الكبرى وهي أن المسقِط للرواية عن الحجيّة ليس هو مخالفتها للروايات المشهورة - يعني الكثيرة - وإنما المسقط لها عن الحجيّة هو مخافتها للدليل القطعي أعم من كونه سنّة أو كتاباً.
المناقشة الثالثة:- لو سلّمنا باستقرار التعارض وأن الاثنين هما معاً حجّة - أي هاتان الرويتان مع تلك الروايات السبع المشهورة التي أشرنا إليها سابقاً - فلو سلّمنا استقرار التعارض فيتساقطان والمرجع حينئذٍ هو إطلاق أدلّة المحرّمات يعني ما دلّ على أن النظر في المرآة حرامٌ نتمسك بإطلاقه وما دلّ على أن إخراج الدم حرامٌ فنتمسك بإطلاقه -، والمقصود هو التمسك بإطلاقه الأزماني يعني الى ما بعد الرمي أما بالحلق فنجزم بسقوط إطلاقه أما قبل ذلك فنشك في سقوط إطلاقه أو حجيّة اطلاقة فنتمسك بإطلاقه السابق .
وفيه:- إن هذه المناقشة تستدعي أن نرجع إلى دليل كل محرّمٍ من تلك المحرّمات بخصوصه فنلاحظه ملاحظةً مستقلةً - يعني هل له إطلاق أزماني أو لا - ولعل مدرك بعضها ليس دليلاً لفظيّاً حتى يتمسك بإطلاقه . إذن لا يمكن أن نطلق الكلام من دون مراجعة كلّ نصّ بخصوصه ولا يبعد أن الأغلب أو الجميع مقيّد بحيثية الإحرام – يعني أنه مادام محرماً فيحرم عليه النظر في المرآة أو إزالة الشعر أو ما شاكل ذلك من محرّمات الإحرام - فموضوعها هو المحرِم ونحن نشك - كما أشرنا إلى ذلك سابقاً - بأن الاطلاق يمكن الخدش فيه بهذا الاعتبار يعني باعتبار أن موضوع الحكم هو المحرِم فإن قيد الاحرام والمحرِم أُخذ إما لفظاً أو تقديراً فلا إشكال في أن الحرمة ثابتة مادام الشخص محرِماً وبالرمي نشكّ هل زال الإحرام أو لم يزُل ؟ والشبهة من هذا الناحية شبهة مفهوميّة، فعلى هذا الأساس لا نجزم بثبوت الاطلاق إذ نشكّ في صدق عنوان المحرِم على الشخص المذكور ويكون المورد من التمسك بالاطلاق في موارد إجمال المفهوم وهو لا يجوز.
وإذا قلت:- بعد تعذّر التمسك بالاطلاق فلنرجع الى الاستصحاب - أي استصحاب بقاء حرمة هذه المحرمات - ؟
أجبنا:- بأن هذا الاستصحاب استصحابٌ في شبهةٍ مفهوميّةٍ، يعني نحن نشكّ في بقاء الحكم من ناحية أن عنوان المحرِم صادق بعدُ أو لا إذ موضوع الحرمة هو عنوان المحرِم ولا يجوز التمسك بالاستصحاب المذكور من ناحيتين الأولى مختصّة بمبناه حيث إنه يرى أن الاستصحاب في الشبهات الحكميّة لا يجري سواء كانت مفهوميّة أو حكميّة محضة من غير أن تكون مفهوميّة من قبيل استصحاب وجوب صلاة الجمعة إلى زمن الغيبة فإنه ليس ناشئاً من تردّد المفهوم فهو لا يقول بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة للمعارضة بين استصحاب بقاء الحكم الفعلي مع استصحاب عدم التشريع بالمقدار الزائد للفترة المشكوكة ولكن هذا مبنيّ على ما يراه، والناحية الثانية هي ليست مختصّة به(قده) وهي أن الاستصحاب لا يجري في الشبهات المفهوميّة من ناحية أن موضوع الحكم المستصحب لابد من إحراز بقائه حتى يجري الاستصحاب ونحن لا نحرز بقاء عنوان المحرِم حتى يمكن استصحاب الحكم فإن عنوان المحرِم نحتمل زواله بالرمي فعلى هذا الأساس لا يمكن استصحاب بقاء الحرمة.
وإذا قيل:- لم لا نستصحب المفهوم نفسه - أي عنوان المحرِم - فنقول هذا الشخص كان محرماً سابقاً والآن نشك في أنه محرم أو لا ؟
أجبنا بما تقدمت الاشارة إليه:- وهو أن الاستصحاب في باب المفاهيم أمرٌ غير ممكنٍ لأنك تستصحب المفهوم بأي معنى ؟ فهل هو بمعنى أنه من لم يرمِ ؟! وهذا نجزم بزواله، أو تستصحب الاحرام بمعنى من لم يحلِق ؟! وهذا نجزم ببقائه، وإذا قلت:- نستصحب عنوان المحرِم بما هو لفظٌ من دون ملاحظة كونه مرآةً، قلنا:- إن اللفظ بما هو لفظٌ ليس موضوعاً للحكم ولا أثر له.
إذن محاولة التمسّك بإطلاق أدلّة المحرّمات شيءٌ مشكلٌ لما أشرنا إليه، والمناسب المناقشة بما أشرنا إليه سابقاً وهو أن هاتين الروايتين لو تمّتا سنداً ودلالةً فهما معارضتان للسنّة القطعيّة . هذا كلّه في المستند الثالث.
وأما المستند الرابع - أعني رواية الجعفريات -:- فهي من حث الدلالة واضحة ومقاربة للرواية الأولى - أي لرواية الحسين بن علوان - لو لم تكن نفسها فإن الروايتين تنقلان معاً مقالةً عن أمير المؤمنين عليه السلام وهي:- ( إذا رميت جمرة العقبة فقد حللت من كلّ شيءٍ حرم عليك إلا النساء )، فالمنقول عنه هو أمير المؤمنين والتعبير واحدٌ وهذا ليس بمؤثر وإنما أردت الاشارة إلى واقع الحال لا أكثر، إلا أن المشكلة هي في كتاب الجعفريات وأنه معتبر أو لا ؟