1440/08/16
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
40/08/16
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.
والخلاصة:- هل يمكن التمسك بالمفهوم لإثبات بطلان بيع الفضولي ؟
قلنا:- التقريب الأوّل وهو التمسك بمفهوم الحصر تام من خلال الفكرة البديلة ، وإذا كان تاماً ففقد يتصور أنَّ النتيجة هي بطلان بيع الفضولي ، وما هو الخلاص من هذه المشكلة. ؟
والجواب:- صحيح أنَّ الآية الكريمة فيها مفهوم حصر ولكن حصر التجارة عن تراضٍ ، وقد قلنا إنَّ التجارة عن تراضٍ بما أنه خطاب للملّاك أو أنَّ الاشتراط عقلائي فالنتيجة حينئذٍ لا تضرّنا ، فإذاً لا مشكلة في البين.
الاستشهاد بالسنَّة الشريفة لإثبات بطلان بيع الفضولي:-الرواية الأولى:- رواية سليمان بن صالح ، وهي قد ورد فيها أربع فقرات أحد هذه الفقرات ( نهى النبي عن بيع ما ليس عندك ) ، وقد قلنا أنَّ هذه الرواية قد وردت من طرقنا ، وقد ذكرها الشيخ الطوسي في التهذيب ، ولكن الذي نريد أن نقوله هو أنَّ الشيخ الأعظم(قده) في المكاسب أخذ يذكر روايات من طرق الغير ونسي أو تناسى هذه الرواية ، وكان من المناسب ذكرها ، لأنَّ دلالتها كدلالة غيرها من الروايات التي ذكرها من طرق الغير ، وهي واردة من طرقنا وسندها قد يمكن تتميمه ، فمن المناسب الاشارة إليها ، وهي ما رواه الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمد عن محمد بن الحسين عن علي بن أسباط عن سليمان بن صالح عن أبي عبد الله عليه السلام قال:- ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن سلف وبيع وعن بيعين في بيع وعن بيع ما ليس عندك وعن ربح ما لم يضمن )[1] .
والكلام تارة يقع بلحاظ فقرة الاستدلال ، وأخرى بلحاظ بقية الفقرات فإنَّ بقية الفقرات وإن كانت أجنبية عن المقام إلا أنه لا بأس بالاطلاع على مضمونها ، وأخرى بلحاظ سند الحديث.
أما بالنسبة إلى فقرة الاستدلال:- وهي فقرة ( لا تبع ما ليس عندك ) ، فإنَّ المقصود منها هو الشيء الذي ليس عندك ولا تملكه أنت تبيعه للآخرين ، كأن يأتيني شخص ويقول لي أريد تلك العباءة الجيدة التي للغير وأنا أقول له بعتكها بكذا ، فبعته شيئاً لم أملكه بَعدُ وأوجبت البيع قبل أن أتملّك ذلك المبيع فالرواية تقول ( لا تبع ما ليس عندك ) ، وهذا هو عبارة أخرى عن الفضولي ، وحيث إنَّ النهي متوجه إلى البيع نفسه فيدل على البطلان.
ونستدرك ونقول:- إنه لابد من حمل هذه الرواية على الشيء الجزئي ، أما الشيء الكلّي فهو خارج عنها للتسالم ، يعني مرة يأتيني شخص ويقول لي أريد عباءة بهذه المواصفات - أي عباء كلية - وأنا أقول له بعتك عباءة بهذه المواصفات بكذا ، ، ثم أذهب وأشتري له عباءة وأدفعها له ، فهذا هو بيع الكلّي وهو جائز بلا إشكال ، لأنَّ البيع لم يتوجه إلى عباءة خاصة وإنما إلى الكلّي ، وهذا بالتسالم وبالإجماع صحيح ، وهو خارج عن الرواية ، فإذاً المقصود من الرواية لأجل التسالم هو بيع الشيء الجزئي ، فإذاً الرواية دلت على بطلان بيع الجزئي غير المملوك ، وحيث إنَّ النهي متوجه إلى البيع فيدل ذلك على بطلان بيع الفضولي ، وهو المطلوب.
والجواب:-أولاً:- إنه قد ذكرنا أكثر من مرّة أنه لابد من التفرقة بين ( نهى ) الانشائية و( نهى ) الاخبارية ، فتارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ( أنهاكم عن بيع ما ليس عندكم ) أو ( أنهاكم عن التبوّل واقفاً ) ، فهنا ( أنهاكم ) يدل على التحريم ، لأنه نهي بنحو الانشاء ، وأخرى يأتي الحديث ويخبر بأنه قد صدر نهي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كذا ، فهذا النهي الإخباري الذي يخبر عن صدور نهي لا يمكن أن نستفيد منه التحريم والبطلان ، لأنه إخبارٌ وهو يلتئم مع كون الصادر منه نهياً تحريمياً كما يلتئم مع كونه نهياً الكراهتياً ، فبالتالي سواء كان النهي الصارد تحريمياً أو كراهتياً فإنه يصح أن يقال ( نهى النبي عن بيع ما ليس عندك ) ، فإذاً لا يمكن أن نستفيد من كلمة ( نهى ) النهي التحريمي - أي البطلان - إذ غاية ما تدل عليه كلمة ( نهى ) أنه قد صدر نهيٌ وذلك النهي الصادر يحتمل أنه يتلاءم مع النهي الكراهتي ، فلا يمكن أن يستفاد منه البطلان ، وهذه نكتة ظريفة ينبغي التأمل فيها..
ثانياً:- إنَّ غاية ما تدل عليه الرواية هو أنَّ البيع لا يقع عنك أيها الفضولي فـ ( لا تبع ما ليس عندك ) أقصى ما تدل عليه أنك أيها الفضولي إذا بعتك ما ليس عندك فهذا البيع منهي عنه بلحاظك ، فتدل على بطلان البيع بلحاظ الفضولي نفسه وأنه لا يقع له ، أما أنه لا يقع للمالك لو أجاز فهي ساكتة عنه ولا يمكن أن نستفيد منها أنَّ البيع لا يقع عن المالك أيضاً لو أجاز.
ثالثاً:- لو فرضنا أنَّ الرواية تدل على البطلان حتى بلحاظ المالك لو أجاز - الذي هو محل كلامنا - فنقول إنَّ هذه الرواية معارضة ببعض روايات صحة بيع الفضولي ، من قبيل صحيحة محمد بن قيس والتي انتهينا فيها إلى أنه لا بأس بدلالتها على صحة بيع الفضولي مع تمام سندها ، فإذا دلت على صحة بيع الفضولي وأنه يقع عن المالك إذا أجاز فنضعها إلى جانب هذه الرواية ، فتلك مادامت دالة على الصحة فتصير قرينة على حمل هذه الرواية التي قتول ( لا تبع ما ليس عندك ) على الكراهة ، إما الكراهة التكليفية أو الكراهة الوضعية - إن فرض تصوّر كراهة وضعية - فهي بالتالي تدل على الكراهة لا على عدم الصحة بقرينة تلك الرواية جمعاً بينهما.
إن قلت:- إنَّه قلنا في الجواب الثاني إنَّ الرواية تدل على البطلان بلحاظ الفضولي أما بلحاظ المالك فهي ساكتة ، ولكن ربَّ قائل يقول: إنَّ لسان الرواية فيه اطلاق حيث قالت ( لا تبع ما ليس عندك ) وبالتالي لا يقع البيع لك ولا للمالك لو أجاز.
قلنا:-أولاً:- إنَّ لسانها يتلاءم مع عدم الوقوع عن البائع ، لأنَّ النهي موجّه إلى الفضولي البائع حيث قيل له ( لا تبع ) أي لا تبع أنت ، فكيف تشمل البيع عن المالك أيضاً وبالتالي تدل على البطلان بلحاظ المالك ؟!! ، بل لسانها يتلاءم مع النظر إلى الفضولي البائع وأنه لا يقع عنه.
ثانياً:- إنه حتى لو فرضنا أنها مطلقة ولكن صحيحة محمد بن قيس الدالة على الصحة بلحاظ المالك تكون موجبة لرفع اليد عن ظهور هذه الرواية على البطلان ، وبالتالي الحمل على الكراهة.