1440/08/16
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/08/16
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ٣٢ لو غصب مكاناً من المسجد
كان الكلام في الجواب عن الإعتراض الأول الذي اورد على الإستدلال برواية طلحة بن زيد وذكرنا جوابين عنه، وقلنا بان الرواية لها ظهور في ان تشبيه السوق بالمسجد من جهة مدة الحق وأنه إلى الليل، ولا يمكن القول بان التشبيه في أصل ثبوت الحق وأنه كما يثبت الحق للسابق في المسجد يثبت للسابق إلى السوق، وأي تفسير مخالف لهذا يكون خلاف الظاهر.
والذي يمكن أن يقال في المقام كجواب عن الإعتراض هو أنه يحتمل في الرواية أن يكون قوله (عليه السلام) (فمن سبق إلى مكان فهو أحق به إلى الليل) تحديداً للحق في السوق فقط وليس تحديداً للحق في كلٍ من السوق والمسجد، وأما قوله (عليه السلام) في صدر الرواية (سوق المسلمين كمسجدهم) يراد به التشبيه في أصل الحق، بنكتة أن الرواية مسوقة لبيان حكم السوق وثبوت هذا الحق فيه، وليست ناظرة إلى حكم المسجد، والتشبيه بالمسجد محاولة لإقناع الطرف المقابل فحسب، بإعتبار أن ثبوت حق السبق في المسجد واضح لدى الطرف المقابل، فيكون الكلام اللاحق له كلاماً مستأنفاً لبيان مدة ثبوت الحق في السوق فقط، وتجعل مرسلة إبن أبي عمير[1] مؤيدة لهذا الفهم، حيث إن المستفاد من التفسير الوارد فيها بقوله (يعني إذا سبق الخ) هو أن الراوي فهم من هذا النص (سوق المسلمين كمسجدهم) أنه تشبيه في أصل ثبوت الحق، وهذا يكون واضحاً بعد ما تقدم منا من أنه لا يمكن الأخذ بظاهر الرواية، حيث إن ظاهر قوله (كان له) الملكية، فيتعين حملها على ثبوت الحق.
وهذا المطلب إذا تم يندفع به الإعتراض السابق، لأن الرواية لا يستفاد منها إمتداد حق السبق إلى الليل في المسجد حتى يقال بأنه خلاف ما عليه الأصحاب، بل هي تبين إمتداد هذا الحق إلى الليل في السوق فقط.
الاعتراض الثاني: هو مسألة التعبير بالأحقية في الرواية وأنه هل فيها دلالة على إختصاص هذا الحق بالسابق وعدم ثبوته للاحق، أو أنه لا دلالة فيها إلا على مجرد الأولوية؟
وبعبارة أكثر وضوحاً أن التعبير ب(أحق) -الذي يكون على وزان أفعل التفضيل- هل تطبق فيه القاعدة العامة لأفعل التفضيل من الإشتراك في المبدأ مع التفاضل وهذا نتيجته أن الحق يثبت لكليهما وبالتالي يثبت القول الثاني، أو أن صيغة التفضيل في موردنا لا يراد بها التشريك في المبدأ وإنما إستعملت في غير ما وضعت له وتدل على إختصاص الحق بالسابق دون اللاحق؟
فالإعتراض الثاني مبني على أن المراد من صيغة التفضيل هنا هو الدلالة على التشريك في المبدأ مع التفضيل وهذا يعني عدم سلب الحق عن اللاحق، فإشغال المكان للسابق في المسجد لا يخرج الغير عن شمول الحق العام في الوقف له، غاية الأمر أنه تثبت للسابق الأولوية، وعليه فلا يمكن أن نستفيد من هذه الروايات أن للسابق حقاً دون غيره، والذي يترتب عليه عدم بطلان إعتكاف اللاحق.
وفيه أنه لا قائل بأن شغل السابق للمسجد يخرج اللاحق من شمول الوقف له، لكن الكلام في أنه هل يجوز له الإستفادة من الموضع الذي يشغله الغير (هذا الإحتمال يكون بناءً على إستفادة حرمة المزاحمة فقط دون حق الإختصاص من الروايات)، أو ليس له ذلك كما هو الحال في الملك، غاية الأمر في المقام يثبت حق الإختصاص، لأن المسجد لا يملك؟ إذن لابد من تحقيق ما هو المراد من أفعل التفضيل، هل هو إختصاص الحق أو التشريك في المبدأ مع الأولوية كما هي القاعدة في باب التفضيل؟ وسيأتي تفصيل الكلام فيه.
الإعتراض الثالث: ما ذكره السيد الخوئي (قده) من أن حمل الرواية على ثبوت الحق للسابق وعدم ثبوته لغيره بالسبق يحتاج إلى مؤنة وقرينة زائدة بعد الفراغ من أن المكان مشترك بين الجميع وشمول الوقفية لكل منهما، فإختصاص الحق يحتاج إلى دليل، ولا دليل لدينا سوى النصوص السابقة التي المتيقن منها هو عدم جواز مزاحمة السابق وإزالته عن مكانه، فهي تتعرض لحكم ما قبل الإزالة، وأما بعد الإزالة فالروايات ساكتة عنه ولا تتعرض إلى حكم التصرف ما بعد الإزالة للغاصب أو لغيره، ولذا يقول (قده) لو فرضنا أن الغاصب لم يجلس في المكان بل جاء شخص ثالث وجلس فيه فلا نبحث عن جواز إعتكافه فيه أو عدم الجواز، لوضوح الجواز، وهذا يعني عدم ثبوت حق للسابق بعد إزالته، وإلا لإستشكلنا في إعتكاف الشخص الثالث.
وعليه فبعد الإزالة لا يوجد حق للسابق في المكان ولا يحرم عليه شغل هذا المكان، لأن الأدلة تثبت حرمة المزاحمة قبل الإزالة، وأما بعدها فهي ساكتة عن ثبوت الحق وحرمة تصرف الغير، فالمكان باقٍ على وقفيته الأصلية، ولا دليل على حرمة المكث فيه.ثم يقول أن نظير هذا ما ذكرناه في بحث الصلاة على الميّت، حيث دلت الأدلة على أن أولى الناس بميراث الميّت هو أولى الناس بالصلاة عليه، فليس المقصود منها عدم جواز الصلاة عليه لغيره، بل المقصود عدم جواز مزاحمته لو أراد الصلاة عليه، فلا تدل هذه الأدلة على ثبوت حق له بحيث يحتاج الغير للصلاة عليه أن يأخذ الإذن منه.[2]
قد يقال في الجواب عنه أنه يمكن التمسك بإطلاق الرواية لإثبات تعرضها إلى حكم ما بعد الإزالة كما هو الحال فيما قبلها، حيث لا يوجد فيها[3] ما يشير إلى تقييد الأحقية -بأي معنى فسرناها- بخصوص ما قبل الإزالة.
ويمكن ردّه بأن الظاهر أن مقصود السيد الخوئي (قده) هو أن المتيقن من الروايات هو حرمة مزاحمة السابق في مكانه تكليفاً، لأنه لا إشكال في ثبوت الحرمة التكليفية، وإنما الكلام فيما زاد عليها من ثبوت حق للسابق يختص به ولا يشمل غيره، وحينئذٍ تختص بما قبل الإزالة، إذ لا معنى لحرمة المزاحمة بعد إزالته عن مكانه. نعم، لو كان يستفيد من الأحقية الواردة في الرواية ثبوت الحق للسابق مضافاً إلى الحرمة التكليفية فعندئذٍ يأتي الجواب السابق من التمسك بالإطلاق، لكن هذا ليس مقصوده ظاهراً.