1440/08/08


تحمیل

الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الفقه

40/08/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- بيع الفضولي– شروط المتعاقدين.

وذكر الحاج مبرزا علي الايرواني(قده) أنَّ الوارد في الراية هو تعبير ( لا يصلح بوضيعة ) وكلمة ( لا يصلح ) لا تدل على عدم الجواز وإنما تدل على الكراهة وبالتالي الحكم الذي بينه الامام عليه السلام وأنه إذا باع الثوب بالأزيد أرجع الزائد إلى المشتري الأول كله حكم غير إلزامي وبالتالي تكون الرواية تساعد ما ذهب إليه ابن الجنيد من أنَّ الاقالة بوضيعة جائزة ولكنها مكروهة.

ونحن أردنا بيان هذا المعنى:- وهو أنَّ بعض الصيغ يوجد كلام في انها تدل على الالزام أو لا تدل عليه مثل ( من شك بين كذا وكذا يعيد صلاته ) ، فلعل المشهور وأنا وأنت نفهم من ذلك لزوم الاعادة ، ولكن مرّ بنا عن النراقي في مواضع متعددة أنه يقول لا تدل على الإلزام وإنما تدل على الرجحان ، وكذلك تعبير ( لا ينبغي ) لعلّها أوضح في دلالتها على الكراهة ، لا أنها تدل على الالزام ، فهذه أمور استظهارية يوجد فيها مجال لتحكيم النظر والذوق ، نعم قد تساعدك أنظار الآخرين في ذلك ولكن هذه أمور تتبع الاستظهار ، فكملة ( لا يصلح ) حملها الحاج ميرزا علي الايرواني(قده) الكراهة ، بينما المشهور الذي عرفناه أنَّ المعنى هو أنه لا يجوز ، فالمقصود نحن أردنا لفت النظر إلى هذه القضية ولا توجد لدينا مناقشة للحاج ميرزا علي الايرواني(قده) لأنها مسألة استظهار ، وهذه قضية ليست مهمة ، قال(قده):- ( ظاهر التعبير بلفظ لا يصلح في الصحيحة وظاهر تعليق ردّ ما زاد على بيع ما أخذه بأكثر مما أخذ دليل الكراهة وأن ردّ ما زاد على وجه الاستحباب فتدل على صحة الاقالة بوضيعة ....... فالصحيحة دليل لابن الجنيد القائل بصحة الاقالة بوضيعة )[1] .

فالمقصود أنَّ هذا ليس مطلباً علمياً وإنما أردنا لفت النظر إلى أن المسألة ليست صافية ومجمع عليها ، بل يوجد رأي مخالف وهو مبتنٍ على مسألة استظهارية وهو أنَّ ( لا يصلح ) تدل على التحريم أو تدل على الكراهة.

الطائفة الحادية عشر:- ما رواه الكليني عن حميد بن زياد عن الحسن بن محمد بن سماعة عن غير واحدٍ عن أبان بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله[2] قال:- ( سألت أبا عبد الله عليه السلام عن السمسار أيشتري[3] بالأجر فيُدفَع إليه الرَوِق ويشترط عليه أنك تأتي بما تشتري فما شئتُ أخذته وما شئتُ تركتُه ، قال: لا بأس )[4] .

وهذه الرواية قد رواها المحمدون الثلاثة ، ومضمونها واضح ، وهو أنَّ دلّالاً عمله بالأجرة يأتينا ونحن نعطيه الدراهم ونقول له اشترِ بها ولكن الذي يعجبنا مما تشتريه نأخذه والذي لا يعجبنا فلا نأخذه ، والامام عليه السلام قال لا بأس بذلك.

والشيخ الأعظم(قده) استدل بها على صحة بيع الفضولي حيث قال إنه توجد احتمالات ثلاثة في السمسار:-

الأول:- أن يفترض أنَّ الورِق يدفع له من باب القرض وهو يشتري الأشياء لنفسه ونحن نقول له إنَّ الأشياء التي تشتريها لنفسك إن رغبناها فنشتريها وإلا فلا ، فالمورد مورد القرض وهو يشتري لنفسه لأنه سوف يملك القرض فيشتري لنفسه ونحن إذا رغبنا بشيءٍ فنشتريه منه وإلا فلا.

وقد يقول قائل:- عن هذا الاحتمال ينافيه قوله ( يشتري بالأجر ) ، وبناءً على هذا لا يصدق أنه يشتري بالأجر ، إذ على هذا الاحتمال أنه يشتري لنفسه وبملكه لأنه اقترض منّا فليس هذا شراءً بالأجر ؟

أجاب وقال:- إنَّ أصل حرفته مبنية على الأجرة ولكن هذا لا ينافي أحياناً أنها لا تبتني على الأجرة ، كما إذا أخذ المال منّا قرضاً.

الثاني:- أنَّ المال هو مالنا ونحن ندفعه إليه ويبقى مالنا وليس ماله ولكنّا نوكّله في أن يشتري بهذا المال بعض الأمتعة فما رغبنا به أخذنا وما لا نرغب به تركناه ، وبناءً على هذا تكون الرواية أجنبية عن مسألة بيع الفضولي.

فإذاً الاحتمال الأول والثاني لا يرتبطان ببيع الفضول.

الثالث:- وهو المهم ، وهو أن نفترض أنَّ المال يُدفَع إليه لا من باب القرض ولا من باب الوكالة وإنما من باب الأمانة وهو يتاجر بهذه الأموال فصار فضولياً ، وبالتالي الأشياء التي يجلبها ما رغبنا به أخذناه وما لا نرغب به تركناه.

وبناءً على هذا الاحتمال يصير المورد مورد بيع الفضولي ، وحيث عن الامام عليه السلام قال في آخر الرواية ( لا بأس ) ولم يستفصل بين الاحتمالات الثلاثة فذلك يدل على الصحة على جميع التقادير الثلاثة بما فيها التقدير الثالث ، يعني أنَّ العملية صحيحة فإنه فضولي فإنَّ الذي ترغبه وتأخذه فهذه اجازة أما الذي لا ترغب به ولا تأخذه فهذا معناه عدم اجازة ، فإذاً الرواية بعدم استفصال الامام عليه السلام بين الاحتمالات الثلاثة واعطاء جواب واحد وهو أنه لا بأس نفهم أن البيع صحيح على التقادير الثلاثة ومنها الاحتمال الثالث الذي تكون فيه المعاملة فضولية ، وبذلك ثبت المطلوب ، قال(قده) بعد أن ذكر هذه الاحتمالات الثلاثة:- ( إذا احتمل مورد السؤال لهذه الوجوه وحكم الامام عليه السلام بعدم البأس من دون استفصال عن المحتملات أفاد ثبوت الحكم على جميع الاحتمالات )[5] .

ويرد عليه:-

أولاً:- إنَّ الشيخ الأعظم(قده) تمسك في المقام بقاعدة ترك الاستفصال يدل على العموم - يعني عموم نفي البأس للاحتمالات الثلاثة - ، ولكن نقول في المقام إنَّ هذه القاعدة ليست مقبولة بعرضها العريض وإنما هي مقبولة في دائرة أضيق - وهذا فائدة من الفوائد ترتبط بقاعدة ترك الاستفصال دليل العموم - وهو أنَّ ترك الاستفصال إنما يكون دليلاً على العموم فيما إذا فرض أنه لم يحتمل فهم الطرف لشقٍ من الشقوق بعينه ، أما إذا احتملنا ولو لظروف ذلك الزمن أنه فهم من هذا السؤال أحد الشقوق المعينة فلا معنى لتطبيق قاعدة ترك الاستفصال ، وفي مقامنا نحتمل أنَّ عمل السمسار كان المعروف بينهم والامام عليه السلام كان ينظر على هذا المعروف بينهم وهو أنَّ عمله إما الوكالة بأن تدفع إليه الأموال من باب الوكالة السائل لم يبين ذلك وامام عليه السلام لم يسأل عن ذلك اعتاداً على السوط المعروف بينهم ، وهذه قضية نحتملها ، أما أنَّ الشيخ الأعظم(قده) يضيف احتمالاً ثالثاً وهو أنه كان المال بيده أمانة وهو خالف الامانة وأخذ يتاجر بالمال فضولاً فهذه حالة ليست متعارفة بينهم ، فالإمام عليه السلام حينما لم يستفصل فهو لم يستفصل لأنه فهم من السؤال الحالة الأولى أو الثانية أو الحالتان معاً أما الحالة الثالثة فلم تكن مألوفة بينهم ، فلا نتمكن أن نتمسّك هنا بقاعدة ترك الاستفصال يدل على العموم.

ومن الأمثلة الصحيحة لتطبيق قاعدة ترك الاستفصال يدل على العموم بأنَّ سائلاً يسأل الامام عليه السلام ويقول ( أنا افطرت في شهر رمضان متعمداً فاعتقت رقبةً فأجاب عليه السلام وقال أجزاك ذلك ) فهنا نتمسّك بترك الاستفصال ونقول إنَّ الرقبة التي اعتقها هل هي مؤمن أو هي كافرة ، وهل هي كبيرة أو هي صغيرة .... وغير ذلك ، فهذه احتمالات واقعية موجودة على مرّ الزمن ولا تختص بزمنٍ دون آخر ، فهنا يأتي ترك الاستفصال دليل العموم ، أما متى احتملنا في المورد أنَّ الفهم العام يختص بهذا المعنى وبهذا الفرد فلا معنى لتطبيق قاعدة ترك الاستفصال يدل على العموم ، وحيث إنه في موردنا يحتمل أنَّ الامام عليه السلام والسائل فهما وكان المعروف بينهما أحد الاحتمالين الأوّلين فلا يمكن التمسّك بهذه القاعدة.

ثانياً:- إنَّ هذا الاحتمال بعيد في حدّ في نفسه ، ولا ندري كيف خطر إلى ذهن الشيخ الأعظم(قده) ، فإنه احتمال لا يخطر إلى الذهن ، وغريب أنه خطر إلى ذهنه ، وكأن الحاجة الى الاستدلال بالحديث جعلته يفكّر إلى أن عثر على هذا الاحتمال.


[1] حاشية المكاسب، الحاج ميرزا علي الايرواني، ج2، ص222.
[2] وهو عبد الرحمن بن ابي عبد الله البصري وهو من ثقات اصحابنا.
[3] هذا ما هو موجود في الوسائل ولكن في بعض النسخ الأخرى الموجود هو ( يشتري ) من دون الهمزة.