1440/07/29
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/07/29
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ١٧ في نذر الإعتكاف
(مسألة ١٧): لو نذر زماناً معيناً شهراً أو غيره وتركه نسياناً أو عصياناً أو إضطراراً وجب قضاؤه.
تقدمت الإشارة الى هذا البحث في مسألة ١٤، وذكرنا فيها اننا نبني على وجوب القضاء كأصل موضوعي، وكنا نتكلم هناك عن كيفية القضاء وأنه هل يجب القضاء مع التتابع أو لا؟ وهل يقضى جميع ما فات، أو خصوص ما أخل به؟ ووعدنا بأننا سوف نتكلم عن أصل وجوب القضاء، والان حان الوفاء بما وعدنا به، فنقول:
أن هذه المسالة سيّالة وغير مختصة بالإعتكاف ولا مختصة بالنذر، فالكلام هنا في ان الواجب المعين بنذر ونحوه اذا أخل به المكلف -بأي سبب كان- هل يجب عليه قضاؤه، او يسقط عنه ولا يجب عليه شيء؟ (والفرق بين المعين وغير المعين واضح، فإن غير المعين يجب الإتيان به اذا أخل به تمسكاً بالأدلة الدالة على وجوب الوفاء بالنذر مثلاً، لفرض انه لم يفت المكلف بشيء عند ترك الواجب)
قالوا بانه لا خلاف في وجوب القضاء، ونقل عن صاحب المدارك انه مقطوع به في كلام الأصحاب. ويقع الكلام في الدليل على وجوب القضاء بعد كون مقتضى القاعدة هو عدم وجوب القضاء في جميع الموقتات كما تقدم، فانه مادام الواجب موقتاً بوقت فالدليل الدال على وجوبه يدل عليه في هذا الوقت خاصة، فاذا فات في الوقت سقط ولا يدل على وجوب الإتيان به في خارج الوقت؛ وقد تقدمت مناقشة الفكرة التي تؤدي الى كون القضاء على مقتضى القاعدة، وهي أن الأمر بالموقت ينحل الى أمرين، أمر بذات الفعل وأمر بالإتيان به في الوقت الخاص، فاذا لم يأت به في الوقت يكون قد عصى الأمر الثاني، أما الأول فيبقى على حاله وهو يدعو المكلف الى الإتيان بالفعل ولو في خارج الوقت، لمكان الإطلاق، وهو معنى وجوب القضاء.
و من هنا كان اللازم أن نتكلم عن الدليل على وجوب القضاء حتى نخرج بها عن مقتضى القاعدة، وقد ذكرت ادلة على ذلك في كلماتهم:-
الدليل الأول: التمسك بالنبوي المرسل الوارد بلسان (اقض ما فات كما فات)، أو بمرسل اخر مروي عنهم (عليهم السلام) بلسان (من فاتته فريضة فليقضها).
واستشكل في هذا الدليل -مضافاً الى ضعف سنده بالإرسال- بان ظاهرهما هو اعتبار المماثلة بين الأداء والقضاء وأنه يجب قضاء ما فات كما فات، فالدليل ليس ناظراً إلى إثبات أصل وجوب القضاء وانه يجب قضاء كل ما فات، وإنما هو ناظر الى أن القضاء بعد الفراغ منه يجب أن يكون مثل ما فات، فاذا كان الأداء صلاة قصر يكون القضاء كذلك، فلا تنفعان في محل الكلام لإثبات وجوب قضاء الإعتكاف المنذور المعين إذا فات.
الدليل الثاني: التمسك بصحيحة زرارة، حيث قال:
قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر، قال: يقضي ما فاته كما فاته، إن كانت صلاة السفر أداها في الحضر مثلها، وإن كانت صلاة الحضر فليقض في السفر صلاة الحضر كما فاتته.[1]
والإستدلال بهذه الرواية لابد أن يكون على أساس إفتراض أن عبارة (يقضي ما فاته كما فاته) الواردة فيها مطلقة وعامة ولا تختص بموردها الذي هو الصلاة، فيكون معناها وجوب قضاء كل ما فاته كما فاته، وذلك بدعوى أنّ ما الموصولة مطلقة فلا تختص بموردها، وتدل على مطلبين: أحدهما وجوب أصل القضاء، والثاني وجوب المماثلة بين القضاء والأداء، فيمكن الإستدلال بالصحيحة لإثبات كلا الأمرين في محل الكلام.
ويرد عليه ما ورد على المرسلات المتقدمة من أن السؤال في ظاهر الرواية يكون عن كيفية القضاء بعد الفراغ عن أصل وجوبه، وليس السؤال عن ثبوت أصل وجوب القضاء، فلا يمكن الإستدلال بها في محل الكلام لعدم وجود إطلاق في الرواية، فلا يمكن أن يستفاد منه ما يساوق عبارة كل ما فاتك يجب قضاؤه، بل الذي يستفاد منها أنه في الموارد التي ثبت فيها وجوب القضاء تعتبر المماثلة بين الأداء والقضاء؛ ثم أنه إن كانت دالة على وجوب القضاء فهي دالة عليه في خصوص مورده، بإعتباره أمراً مفروضاً في سؤال السائل، فإذا قلنا أن هذا المقدار يكفي لإستفادة الوجوب فنلتزم بدلالتها على وجوب القضاء في موردها وهو باب الصلاة.
الدليل الثالث: التمسك بالأدلة الدالة على وجوب قضاء الصوم المنذور المعين -وقد تقدمت في بحث الصوم-، فيتمسك بهذه الأدلة لإثبات وجوب القضاء في الإعتكاف المنذور المعين، بإعتبار أن الصوم شرط في الإعتكاف، فكأنه نذر الصوم في هذا الزمان المعين.
وفيه أنه في المقام لم ينذر الصوم بل نذر الإعتكاف، فالتعدي يحتاج إلى مؤنة وقرينة، وإلا فما ذكر لوحده لا يكفي للتعدي إلى محل الكلام مع عدم ثبوت ملازمة بين وجوب قضاء الصوم المنذور المعين، ووجوب القضاء في الإعتكاف المنذور المعين، إذ يوجد فرق بين أن يكون الصوم شرطاً في منذور معين، وبين أن يكون هو بنفسه منذور معين، والأدلة دلت على وجوب القضاء في الثاني دون الأول.
الدليل الرابع: الإستدلال بالروايات الدالة على وجوب القضاء على المعتكفة إذا عرض عليه الحيض، وكذلك من عرض عليه المرض ومنعه من إكمال إعتكافه، فيتمسك بهذه الأدلة لإثبات وجوب القضاء في محل الكلام مع أن الموانع المذكورة في الأدلة هي المرض والحيض وهي موانع غير إختيارية خارجة عن إختيار المكلف، أما في موردنا فقد إفترضنا أنّ الإعتكاف فات إما عصياناً أو نسياناً أو إضطراراً، وهذا غير مورد الروايات، فالإستدلال مبني على التعدي إلى كل مورد يوجب فوات الإعتكاف وإن كان عمداً كالإبطال العمدي أو الإضطرار الذي بالنتيجة يدخل تحت الإختيار. وهذا الدليل هو أهم الأدلة التي تذكر في محل الكلام لإثبات وجوب القضاء في باب الإعتكاف. فعلينا أن نراجع هذه الروايات:-
الرواية الأولى: موثقة أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: وأي امرأة كانت معتكفة ثم حرمت عليها الصلاة فخرجت من المسجد فطهرت فليس ينبغي لزوجها أن يجامعها حتى تعود إلى المسجد وتقضي اعتكافها.[2]
والتعبير ب(حرمت عليها الصلاة) كناية عن مفاجأة الحيض لها. والرواية معتبرة سنداً وإن كانت موثّقة بإعتبار أنّ (علي بن أسباط) فطحي المذهب، و(يعقوب الأحمر) الوارد في سندها هو (يعقوب بن سالم الأحمر) المنصوص على وثاقته.
الرواية الثانية: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج
عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا مرض المعتكف أو طمثت المرأة المعتكفة فإنه يأتي بيته ثم يعيد إذا برئ ويصوم.[3]
والرواية صحيحة السند، إذ طريق الشيخ الصدوق إلى (صفوان) تام؛ وورد فيها التعبير بالإعادة بخلاف السابقة التي عبر فيها بالقضاء؛ والإمام (عليه السلام) تحدث عن المعتكف، ولكن يفهم منه حكم المعتكفة.
الرواية الثالثة: صحيحة أبي بصير
عن أبي عبد الله (عليه السلام) في المعتكفة إذا طمثت، قال: ترجع إلى بيتها، فإذا طهرت رجعت فقضت ما عليها.[4]
وتقريب الإستدلال هو بأن يقال أن هذه الروايات دلت على وجوب القضاء عند عروض المرض أو الحيض، أو بشكل عام عند عروض ما يمنع من إتمام الإعتكاف، فحينئذ يثبت هذا الحكم وهو وجوب القضاء عند فواته في محل الكلام -أي فواته نسياناً أو عصياناً أو إضطراراً- إمّا بتقريب أن ثبوت الحكم لمحل الكلام يكون أولى من ثبوته لمورد الروايات، أو مساوياً له على الأقل، وذلك بإعتبار أن مورد الروايات هو الأسباب غير الإختيارية، بينما العصيان أو الإضطرار من الأسباب الإختيارية، فإن المضطر يترك الإعتكاف عامداً عالماً وإن كان سبب الترك هو الإضطرار؛ وإمّا بتقريب عدم القول بالفصل -كما عن بعضهم-، فإما أن نقول بوجوب القضاء في جميع الأسباب أو نقول بعدمه فيها، ولا قائل بالتفصيل بين الحيض والمرض وبين سائر الأسباب.
وأجاب السيد الخوئي (قده) عن هذا الدليل بجوابين كما يفهم من تقريراته:-
الجواب الأول: أن هذه الروايات مختصة بغير محل الكلام وهو الواجب المعين، فإنها مختصة بالإعتكاف الندبي أو بالواجب الموسع منه، وحينئذ المقصود بالقضاء -كما ورد في بعضها- هو الإعادة لا معناه الإصطلاحي، والإعادة تختص بالإعتكاف المندوب أو بالإعتكاف الواجب الموسع دون المعين، إذ لا يصح التعبير بالإعادة عن الإتيان الواجب المعين في خارج وقته بل يعبر عنه بالقضاء، وهي (الإعادة) تارة تكون واجبة كما إذا كان الإعتكاف واجباً موسعاً، وأخرى تكون مستحبة كما إذا كان الإعتكاف ندبياً. بل ذكر (قده) أنه لا يمكن حمل الروايات على المنذور المعين، لأنه يلزم منه تخصيص المطلق على الفرد النادر وهو مستهجن، فلابد من حملها على غير محل الكلام.[5]