1440/07/08
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/07/08
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: كتاب الإعتكاف، مسألة ١٢ و١٣ المرتبطتان بنذر الإعتكاف
رجوع الى المسألة التاسعةحيث قال السيد الماتن (قده) فيها: "لو نذر إعتكاف يوم قدوم زيد بطل، إلا أن يعلم يوم قدومه قبل الفجر"
قد يقال انه يمكن تصحيح الإعتكاف في صورة الجهل مع افتراض العلم الإجمالي، وتوضيحه ان الجهل -بقدوم زيد- قبل الفجر يمكن تصوره على نحوين مرة يجهل المكلف قدوم زيد مع احتمال عدم مجيء زيد كما اذا كان يحتمل انه مات، وأخرى يجهل زمان قدوم زيد بالتحديد مع علمه بأصل القدوم، وبعبارة اخرى يعلم إجمالاً بقدومه، كما اذا علم بقدوم زيد في احد الأيام الخمسة المقبلة. وفي النحو الثاني يمكن تصحيح الإعتكاف، إذ يجب عليه الإحتياط، فيعتكف في تمام هذه الأيام الخمسة، ويكون قد وفى بنذره. نعم يتجه الحكم بالبطلان في النحو الأول وتقدم وجهه عند ذكر المسألة سابقاً، فلا وجه لاطلاق الحكم بالبطلان من قِبل السيد الماتن.
لكن يجاب بما ذكروه من ان العلم الإجمالي لا يكون منجزاً في محل الكلام، والسر في ذلك هو المبنى الاصولي في باب العلم الإجمالي من ان العلم الإجمالي وإن كان علة تامة لحرمة المخالفة القطعية، لكنه ليس علة تامة لوجوب الموافقة القطعية وإنما هو مقتض لها، والذي ينجز وجوب الموافقة القطعية هو الإحتمال الذي لا يكون مقترناً بالتأمين لا عقلاً ولا شرعاً. وهذا الاحتمال إنما يكون عندما تتعارض الأصول في اطراف العلم الإجمالي وتتساقط، لان الذي يؤمن من التكليف هو الأصل العملي المؤمن. فاحتمال وجود التكليف في طرف معين لا يكون منجزاً اذا جرى الأصل فيه، لانه يكون مؤمناً له. بينما اذا لم يجر الأصل لتعارضه مع أصل آخر وسقوطهما بالمعارضة، فيبقى الاحتمال في كل من الطرفين بلا مؤمن فيتنجز عليه وجوب الموافقة القطعية.
والحاصل ان الذي ينجز وجوب الموافقة القطعية هو الاحتمال غير المقترن بالتأمين -وعدم اقتران الإحتمال بالتأمين انما يكون اذا تعارضت الأصول المؤمنة في الاطراف وتساقطت- لا نفس العلم الإجمالي.
وهذا مطلب كلي ويطبق على محل الكلام فيقال بانه في محل الكلام لا تنجيز لوجوب الموافقة القطعية -أي الإحتياط-، وذلك لان الأصول لا تتعارض في اطراف هذا العلم الإجمالي، بل هي تجري في بعض الأطراف دون البعض الآخر. فانه بمجرد عدم جريان الأصل العملي المؤمن في بعض الأطراف لا يكون هناك مانع من جريانه في الأطراف الأخرى، وإذا جرى في بعض الأطراف سوف لا تجب على المكلف الموافقة القطعية والإحتياط، لانه يجوز له ارتكاب هذا الطرف لوجود الاصل المؤمن السليم عن المعارض. نعم المخالفة القطعية لا تجوز و تكون منجزة عليه لما تقدم من ان العلم الاجمالي علة تامة لمنجزية حرمة المخالفة القطعية.
اما الطرف الذي لا يجري فيه الأصل المؤمن فهو اليوم الأخير -أي اليوم الخامس في صورة ما اذا علم إجمالاً بقدوم زيد في أحد الأيام الخمسة المقبلة-، لان المكلف يعلم فيه بقدوم زيد إجمالاً، بمعنى انه لا يعلم انه هل قدم في اليوم الأخير او قدم في الأيام السابقة عليه، فهو يعلم بقدومه فلا شك حتى يتمسك بأصالة عدم قدومه.
وبعبارة أكثر وضوحاً أن أصالة عدم قدوم زيد بقطع النظر عن هذه النكتة[1] تتعارض في الاطراف كأصالة الطهارة، فتجب الموافقة القطعية، لكن اذا لاحظنا هذه النكتة نجد ان اصالة عدم قدومه تجري في اليوم الأول بلا مانع، لانه لم يعلم بقدومه بعد، وهكذا تجري في اليوم الثاني والثالث والرابع، لكنه في اليوم الخامس بما انه يعلم بقدومه -وإن كان لا يعلم زمانه بالتحديد- فلا يمكنه إجراء الأصل فيه. وهذا معناه عدم وجوب الموافقة القطعية وعدم وجوب الإحتياط.
(مسألة ١٢): لو نذر إعتكاف شهر يجزيه ما بين الهلالين وإن كان ناقصاً[2]
قد لاحظ المحشون على قول السيد الماتن (قده) حيث عبر بالإجزاء، والصحيح أن يعبر بأنه يتعين عليه أن يعتكف ما بين الهلالين، لإنصراف نذر الشهر إلى الشهر الهلالي وهو ما بين الهلالين وإن كان ناقصاً. وقد يفهم من قوله (يجزيه) أنه لا يتعين عليه ذلك بل يجزيه الملفق من شهرين، ولذلك أُشكل عليه بعدم جواز الملفق حتى لو صام ثلاثين يوماً، لأنه ليس شهراً هلالياً، فالصحيح أن يعبر بأنه يتعين عليه أن يعتكف ما بين الهلالين. هذا في الشهر المعين -كأن نذر أن يعتكف شهر رجب- واضح جداً، وأما إذا نذر أن يعتكف شهراً غير معين فالظاهر أنّ حاله حال المعين من جهة وجوب صيام ما بين الهلالين وإن كان ناقصاً، لإنصراف الشهر إلى الهلالي منه، بل قيل أنه هو معنى الشهر حقيقة، لغة وعرفاً وشرعاً، وإطلاق الشهر على الثلاثين يوماً نوع من التوسع، وكذلك لا يجزي الملفق حتى لو أكمله ثلاثون يوماً، لأن الملفق ليس شهراً هلالياً فليس هو المنذور ليجزيه إعتكافه.
ثم قال: ولو كان مراده مقدار شهر وجب ثلاثون يوماً.
مقدار الشهر غير الشهر، بل هو عبارة عن ثلاثين يوماً، فلا يجزيه أن يعتكف شهراً هلالياً إن كان ناقصاً.
(مسألة ١٣): لو نذر إعتكاف شهر وجب التتابع، وأما لو نذر مقدار الشهر جاز له التفريق ثلاثة ثلاثة إلى أن يكمل ثلاثون، بل لا يبعد جواز التفريق يوماً فيوماً ويضم إلى كل واحد يومين آخرين، بل الأمر كذلك في كل مورد لم يكن المنساق منه هو التتابع.[3]
وهذا مبني على ما قلناه من أنّ الشهر حقيقة هو الشهر الهلالي، فعند نذر إعتكاف شهرٍ ينصرف نذره إلى الشهر الهلالي، وهذا يعني أنه نذر إعتكاف أجزاء الشهر الهلالي، ولما كانت هذه الأجزاء متتابعة بذاتها وطبيعتها فكأنه نذر التتابع في إعتكافه، غاية الأمر أنه لم يذكر التتابع لفظاً في نذره لكنه موجود معنى، وهذا هو الذي يعبر عنه بأنه المنساق منه هو التتابع. هذا بالنسبة إلى الفرع الأول فيها.
وأما الفرع الآخر فحكم في المتن بجواز التفريق، لأنه ليس في منذوره أي شيء يدل على إعتبار التتابع، فعندما ينذر إعتكاف ثلاثين يوماً فكما يمكن أن يتحقق منذوره بالتتابع كذلك يمكن أن يتحقق بالتفريق، فيتحقق النذر والمنذور، والإمتثال يمكن أن يكون بكل منهما، فلا وجه لإشتراط التتابع، غاية الأمر أنّ السيد الماتن ذكر طريقتين للتفريق:-
الأولى: أن يعتكف ثلاثة ثلاثة متفرقاً.
الثانية: أن يعتكف يوماً فيوماً، لكن إذا إختار هذه الصورة فلابد أن يضم لكل يوم يومين آخرين، لأنّ الإعتكاف الشرعي لا يكون أقل من ثلاثة أيام.
والفرق بينهما هو أنه في الطريقة الأولى تمام الثلاثة تكون من النذر، لأن الناذر قصد أن تكون الثلاثة وفاء لنذره، فلو إعتكف عشر مرات -ولو متفرقة- تحقق المنذور، وأما في الطريقة الثانية فما يحسب من النذر هو اليوم الأول من الثلاثة، لتعلق قصده باليوم الأول فقط وأنه هو يكون وفاء لنذره، واليومان الآخران يجب الإتيان بهما من باب التتميم والتكميل، لأنّ الإعتكاف لا يكون أقل من ثلاثة أيام، فحينئذٍ لابد له من إعتكاف تسعين يوماً -ولو متفرقة- حتى يتحقق المنذور.
ويلاحظ على ما ذكره أن إحتساب اليومين الآخرين من النذر أو عدم إحتسابهما منه لا يكون منوطاً بقصد الناذر، لأن وجوب الوفاء بالنذر يكون وجوباً توصلياً، بمعنى أن هذا الوجوب يسقط بمجرد الإتيان بمتعلقه كيف ما إتفق. ففي الطريقة الثانية اليومان الآخران يكونان من المنذور وإن لم يقصدهما.