1440/05/26


تحمیل

الأستاذ الشيخ هادي آل راضي

بحث الفقه

40/05/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه

 

قال السيد الماتن (قده): (ويدخل فيه الليلتان المتوسطتان)

هذا هو المعروف والمشهور ولم يعرف الخلاف في هذه المسألة الا ما عن الشيخ الطوسي في الخلاف مما يعني ان الاعتكاف يتحقق بثلاثة نهارات من دون الليلتين المتوسطتين، إذ قال: (إذا قال لله عليّ أن أعتكف ثلاثة أيام بلياليهن، لزمه ذلك. فإن قال: متتابعة لزمه بينها ليلتان، وإن لم يشرط المتابعة جاز له أن يعتكف نهاراً ثلاثة أيام لا للياليهن)[1] ، فانه وان ذكر هذا الكلام في النذر الا انه لا فرق بين النذر وبين محل الكلام، حيث ان الدليل دل -في محل الكلام- على انه يستحب اعتكاف ثلاثة أيام واليوم عبارة عن النهار.

واستدل على ما ذكره بأن اليوم عبارة عما بين طلوع الفجر وغروب الشمس -وذكر كلمات اللغويين في هذا المجال- وهذا المكلف لم يذكر الليل في نذره، وانما قال (لله عليّ ان اعتكف ثلاثة أيام) فيجب عليه الاعتكاف في النهار فقط.

هذا، ويستدل لرأى المشهور بما دل على حرمة الجماع في الليل على المعتكف، وبصحيحة أبي عبيدة الحذاء المتقدمة حيث ورد فيها (فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر)، فان ظاهرها انه يجب عليه المكث في المسجد الى آخر اليوم السادس، وهذا يشمل ليلة اليوم السادس فيجب عليه البقاء في المسجد في هذه الليلة، وذلك لان اليومين اللذين اعتكف فيهما بعد الثلاثة ينتهيان بغروب الشمس من اليوم الخامس، والرواية تقول مَن اعتكف يومين بعد الثلاثة (أي اعتكف خمسة أيام) يجب عليه ان يبقى في المسجد الى غروب الشمس من اليوم السادس، فيكشف هذا عن ان الليل داخل في الإعتكاف.

هذا هو وجه مختار المشهور ولم يخالف فيه الا الشيخ كما تقدم، الا انه ايضاً وافق المشهور في موضع من الخلاف وفي كتبه الأخرى.

 

قال السيد الماتن (قده): (وفي كفاية الثلاثة التلفيقية إشكال)

الثلاثة التلفيقية هي أن يبدأ الإعتكاف من ظهر يوم وينتهي في ظهر اليوم الرابع، فيكون أحد الأيام ملفقاً من يومين، نصف من يوم ونصف من يوم اخر، واستشكل السيد الماتن في كفايتها، وهذا هو المعروف بل التزموا بعدم كفايتها، والسر في ذلك ان اليوم في ادلة الاعتكاف لا يراد به الاشارة الى زمان محدد من قبيل ١٢ ساعة مثلاً، بل يراد به هو الزمان الممتد من طلوع الفجر الى غروب الشمس بالتحديد، فالمطلوب في الاعتكاف هو اعتكاف ثلاثة أيام من هذا القبيل أي ثلاثة نهارات، والليليتين المتوسطتين ايضاً تدخلان في ذلك لكن لا باعتبار شمول الأيام لها بل لدلالة الأدلة على ذلك، ولا يصدق اليوم على اليوم الملفق بل هو عبارة عن نصفين من يومين، فلا يصدق على من اعتكف كذلك انه اعتكف ثلاثة نهارات بل هو اعتكف نهارين و نصفين من نهارين آخرين،

فالصحيح انه لا تكفي الأيام الملفقة بل لابد من ان تكون الأيام تامة؛ نعم ثبت جواز التلفيق في موارد خاصة بأدلة خاصة كما في مسألة العدة، وأقل الحيض، وهي مفقودة في محل الكلام.

 

قال السيد الماتن (قده): (السادس: أن يكون في المسجد الجامع)

أما أصل شرطية كون الإعتكاف في المسجد فمما لا خلاف فيه، لأن حقيقة الإعتكاف هو اللبث في المسجد وهو شرط مقوم للإعتكاف إضافة إلى أن الروايات تفترض المفروغية عن هذا الشرط، وإنما الخلاف في خصوصيات تضاف إلى المسجد الذي يقع فيه الإعتكاف، فالكلام يقع في الخصوصية التي تكون معتبرة في المسجد حتى يصح الإعتكاف فيه، والأقوال مختلفة في ذلك لكن يمكن جمعها في قولين، وقد يتفرع عليهما أقوال أخرى:

القول الأول: يعتبر في المسجد الذي يصح فيه الإعتكاف أن يكون النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو وصي النبي قد أقام فيه صلاة الجمعة أو صلاة جماعة.

ويتفرع على هذا القول عدة أقوال من جهة الإختلاف في المصاديق لهذا العنوان، فذهب البعض ممن ذهب إلى هذا القول إلى إنحصار المصداق في المساجد الأربعة (مكة والمدينة والكوفة والبصرة) كالشيخ الصدوق في الفقيه، والسيد المرتضى في الإنتصار، والشيخ الطوسي في النهاية والمبسوط، وأبي الصلاح الحلبي في الجواهر، والشيخ إبن إدريس في السرائر، والعلامة في المختلف. لكن والد الشيخ الصدوق أبدل مسجد البصرة بمسجد المدائن، والشيخ الصدوق في المقنع جمع بينهما فجعل الإعتكاف في المساجد الخمسة. وهذا في الحقيقة إختلاف في المصاديق بعد الاتفاق على شرطية إقامة الصلاة فيه من قبل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو وصيه.

نعم إختلفوا في أن المعتبر هل هو إقامة صلاة الجمعة أم تكفي صلاة الجماعة؟ فعن السيد في الإنتصار والشيخ الطوسي في المبسوط التصريح بأن المعتبر إقامة صلاة الجمعة، وعن الصدوقين الإكتفاء بمطلق صلاة الجماعة. وقالوا أن الثمرة تظهر في مسجد المدائن حيث روي أن الإمام الحسن (عليه السلام) صلى فيه جماعة دون الجمعة.

القول الثاني: أنه لا يعتبر في المسجد صلاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو وصيه فيه، وذهب إلى ذلك الشيخ المفيد في المقنعة، والمحقق في الشرائع، والشهيدين في اللمعة والروضة، وظاهر عبارة أبي عقيل العماني؛ والمحقق في المعتبر نسب هذا القول إلى الأعيان من فضلاء الأصحاب.

 

وأما الروايات فبالمراجعة إليها يمكن أن يقال أن معظم روايات هذا الباب ظاهرة في القول الثاني، ونذكرها:-

الأولى: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا اعتكاف إلا بصوم في مسجد الجامع.[2]

وهذا عنوان عام يصدق على كثير من المساجد .

 

الثانية: مرسلة الشيخ الصدوق قال: روي لا اعتكاف إلا في مسجد تصلى فيه الجمعة بامام وخطبة.[3]

 

الثالثة: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال: لا يصلح العكوف في غيرها، - يعني: غير مكة - إلا أن يكون في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو في مسجد من مساجد الجماعة.[4]

ولعل المراد من الجماعة هي صلاة الجمعة أو الجماعة، لكن على كلا التقديرين الصحيحة لا تساعد على القول الأول.

 

الرابعة: رواية علي بن غراب (أو علي بن عمران) عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه قال: المعتكف يعتكف في المسجد الجامع.[5]

صاحب الوسائل بسبب إختلاف الراوي عن الإمام (عليه السلام) جعلها روايتين، ولكن الظاهر أنها رواية واحدة، غاية الأمر الراوي يكون مردداً بين إبن غراب الذي فيه كلام وبين إبن عمران الثقة، فلا إحراز لصحة السند. وأما من حيث الدلالة فهي واضحة على المطلب.

 

الخامسة: رواية أبي الصباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن الاعتكاف في رمضان في العشر الأواخر؟ قال: إن علياً (عليه السلام) كان يقول لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام أو في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو في مسجد جامع.[6]

ولا إشكال في السند إلا من جهة محمد بن علي المردد في هذه الطبقة بين محمد بن علي -أبو جعفر القرشي- الملقب بأبي سمينة المنصوص على ضعفه، وبين محمد بن علي بن محبوب الثقة المعروف. والرواية من حيث الدلالة صريحة في القول الثاني.

 

السادسة: صحيحة يحيى إبن العلاء الرازي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: لا يكون اعتكاف إلا في مسجد جماعة.[7]

ودلالتها واضحة.

 

السابعة: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سئل عن الاعتكاف، قال: لا يصلح الاعتكاف إلا في المسجد الحرام، أو مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو مسجد الكوفة، أو مسجد جماعة، وتصوم ما دمت معتكفاً.[8]

 

الثامنة: ما يرويه العلامة في المختلف عن ابن الجنيد أنه قال: روى ابن سعيد - يعني: الحسين - عن أبي عبد الله (عليه السلام) جواز الاعتكاف في كل مسجد صلى فيه إمام عدل صلاة الجمعة جماعة، وفي المسجد الذي تصلى فيه الجمعة بامام وخطبة.[9]

وليس المقصود من (إمام عدل) المعصوم (عليه السلام) فقط، بل يشمل كل من يكون عادلاً كالشاهد العدل.

 

التاسعة: معتبرة داود بن سرحان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) - في حديث - قال: إن علياً (عليه السلام) كان يقول: لا أرى الاعتكاف إلا في المسجد الحرام، ومسجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، أو مسجد جامع، ولا ينبغي للمعتكف أن يخرج من المسجد إلا لحاجة لابدّ منها، ثم لا يجلس حتى يرجع والمرأة مثل ذلك.[10]

وهذه الرواية على نقل الكافي ضعيفة ب(سهل بن زياد)، ولكنها معتبرة على نقل الفقيه، لصحة طريق الشيخ الصدوق إلى البزنطي.

هذه هي الروايات التي يستدل بها على القول الثاني.

 

أما الروايات التي تدل على القول الأول:-

الأولى: معتبرة عمر بن يزيد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ما تقول في الاعتكاف ببغداد في بعض مساجدها؟ فقال: لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة قد صلى فيه إمام عدل صلاة جماعة، ولا بأس أن يعتكف في مسجد الكوفة والبصرة ومسجد المدينة ومسجد مكة.[11]

بإعتبار أن المقصود من (إمام عدل) هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو وصيه، فتدل على القول الأول. لكن أجيب بأنها على عكس المطلوب أدل، إذ لا قرينة على ما ذكر فيكون المقصود منه هو أعم من المعصوم (عليه السلام). ومن حيث السند هي معتبرة على نقل الفقيه دون الكافي.

 

الثانية: مرسلة المفيد في المقنعة قال: روي أنه لا يكون الاعتكاف إلا في مسجد جمع فيه نبي أو وصي نبي، قال: وهي أربعة مساجد: المسجد الحرام جمع فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومسجد المدينة جمع فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام)، ومسجد الكوفة ومسجد البصرة جمع فيهما أمير المؤمنين (عليه السلام).[12]

ورواها أيضاً الشيخ الصدوق مرسلة.

 

والحمد لله رب العالمين


[1] الخلاف ج٢ ص٢٩٩.
[2] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥٣٨، كتاب الإعتكاف، ب٣، ح١، ط آل البيت.
[3] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥٣٨، كتاب الإعتكاف، ب٣، ح٢، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥٣٩، كتاب الإعتكاف، ب٣، ح٣، ط آل البيت.
[5] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥٣٩، كتاب الإعتكاف، ب٣، ح٤، ط آل البيت.
[6] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥٣٩، كتاب الإعتكاف، ب٣، ح٥، ط آل البيت.
[7] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥٣٩، كتاب الإعتكاف، ب٣، ح٦، ط آل البيت.
[8] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥٤٠، كتاب الإعتكاف، ب٣، ح٧، ط آل البيت.
[9] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥٤٢، كتاب الإعتكاف، ب٣، ح١٤، ط آل البيت.
[10] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥٤١، كتاب الإعتكاف، ب٣، ح١٠، ط آل البيت.
[11] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥٤٠، كتاب الإعتكاف، ب٣، ح٨، ط آل البيت.
[12] وسائل الشيعة ج١٠، ص٥٤٢، كتاب الإعتكاف، ب٣، ح١٢، ط آل البيت.