1440/05/23
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/05/23
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه
ملاحظة ترتبط بالبحث السابق
بالنسبة الى قول السيد الماتن (قده) (ولا حدّ لأكثره) قد وضحنا ما هو المقصود منه، لكننا لم نبحث انه هل تشمل الزيادةُ بعضَ اليوم أو الليل أم لا فتكون بلحاظ الأيام (أي يوماً كاملاً)؟
قد يقال: ان الدليل لا يساعد على التعميم، وذلك بإعتبار ان الإعتكاف مشروط بالصوم، والصوم لا يشرع الا في اليوم التام، فالإعتكاف لا يكون مشروعاً الا في اليوم التام، فعند إرادة نية الإعتكاف يجوز له أن ينوي ما زاد على الثلاثة بلحاظ الأيام التامة فقط.
ولكن يمكن التأمل فيه بإعتبار انه لا ملازمة بين عدم مشروعية الصوم الا في اليوم التام وبين عدم مشروعية الاعتكاف الا في اليوم التام، فنلتزم بان الصوم لا يشرع الا في اليوم التام لكن لا مانع من الالتزام بمشروعية الاعتكاف فيما هو أقل من ذلك، لأن شرطية الصوم في الاعتكاف لا يفهم منها الا ان المعتكف حين الاعتكاف لابد ان يكون صائماً، بمعنى أن لا يكون زمان الإعتكاف اكثر من زمان الصوم -لان كون زمان الاعتكاف أزيد من زمان الصوم يعني ان المعتكف لا يكون صائماً في اعتكافه- وهذا يتحقق فيما اذا فرضنا العكس (أي فيما اذا فرضنا ان زمان الصوم كان أزيد من زمان الإعتكاف)، كما اذا نوى الاعتكاف في ثلاثة أيام و جزء من اليوم الرابع، لكن ينوي الصوم في اربعة أيام، ففي اليوم الرابع الذي نوى الإعتكاف في جزئه يكون صائماً، بل يمكنه ينوي اعتكاف ثلاثة أيام مع الليلة التي بعدها او التي تكون قبلها والحال ينوي صيام ثلاثة أيام؛ فهذا الدليل إنصافاً لا ينهض لإثبات عدم جواز نية اعتكاف ما هو اقل من اليوم التام.
والعمدة في عدم الجواز هو عدم الدليل على ذلك، لان عمدة الدليل في المقام (أي مسألة الزيادة على الثلاثة) عبارة عن روايات صيام النبي (صلى الله عليه وآله)، ومعتبرة البزنطي التي تدل على استحباب اعتكاف عشرة أيام من شهر رمضان -مع الأخذ بعين الاعتبار ان روايات استحباب اعتكاف شهرين دلالتها مخدوشة وفيها كلام-، وهي لا تشمل بعض اليوم او الليلة، بل لا تشمل الليلة الواحدة بأكملها، لانها ظاهرة في اعتكاف يوم كامل ازيد من الثلاثة.
وبناءاً على ذلك يكون كلام الماتن (وأما الأزيد فلا بأس به، وإن كان الزائد يوماً أو بعضه أو ليلة أو بعضها) بلحاظ الليلة الواحدة وبعض الليلة واليوم محل تأمل.
نرجع إلى ما إنتهينا إليه
كان كلامنا في مسألة وجوب إعتكاف اليوم الثالث كلما زاد يومين فيه، وقد تقدم أن وجوب ذلك في غير الثلاثة الأولى والثانية محل تأمل.
لكن قد يدعى أن مقتضى إطلاق صحيحة أبي عبيدة الحذاء المتقدمة هو ما ذهب إليه العلامة والشهيد من أنه كل من إعتكف يومين وجب عليه إعتكاف اليوم الثالث، من دون أن تختص بالثلاثة الأولى أو الثانية.
وفيه أن دعوى الإطلاق غير واضحة، لأن الرواية تتحدث عن صوم يومين من الثلاثة، والظاهر أن المقصود من (الثلاثة) في ذيلها هو نفس الثلاثة التي ذكرت في صدرها، حيث قال الإمام (عليه السلام) (...فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر وإن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر)، وقد فرضت أنها الثلاثة الثانية بعد الأولى، ومن هنا ذهب بعضهم إلى إختصاص وجوب الإتمام بالثلاثة الثانية -لهذه الرواية- والأولى -لصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة-، أما في غيرهما فمن الصعب الحكم بالوجوب لعدم تمامية دعوى الإطلاق.
قال السيد الماتن (قده): (واليوم من طلوع الفجر)
أما كون اليوم من طلوع الفجر فهذه قضية مسلمة في المقام وهو الصحيح، وقول أهل اللغة والعرف يساعد على ذلك، بل حتى من يناقش في ذلك ويذهب إلى أن اليوم يبدأ من طلوع الشمس كالسيد الخوئي (قده) يعترف أن يوم الإعتكاف يبدأ من طلوع الفجر لدليل خاص على خلاف القاعدة التي إلتزم بها، وهو (أي الدليل الخاص) أن الظاهر من أدلة شرطية الصوم في الإعتكاف أن يوم الإعتكاف هو يوم الصوم، وهو (أي يوم الصوم) يبدأ من الفجر بلا إشكال، فيوم الإعتكاف يكون كذلك.
ولكن يرد على هذا الدليل أن شرطية الصوم لا تدل على أكثر من أن المعتكف لابدّ أن يكون صائماً حين إعتكافه، فلو فرضنا أن الصوم يبدأ من الفجر والإعتكاف يبدأ من طلوع الشمس فيتحقق هذا الشرط، فإذا دل الدليل على أن اليوم يبدأ من طلوع الشمس نلتزم به، وشرطية الصوم في الإعتكاف لا تمنع من ذلك، لتحقق الشرط كما ذكرنا.
ثم قال (قده): (إلى غروب الحمرة المشرقية)
أو إستتار القرص على الخلاف في تحقق الغروب بين ذهاب الحرمة المشرقية كما إختاره السيد الماتن (قده)، وبين ذهاب الشمس وإستتار القرص كما هو الرأي الآخر ولعله هو المعروف.
قال السيد الماتن (قده): (فلا يشترط إدخال الليلة الأولى)
وذلك لأن اليوم يبدأ من طلوع الفجر والإعتكاف يشترط فيه أن يكون في ثلاثة أيام.
وعبارة (لا يشترط) فيها إشارة إلى عدم وجود مانع من إدخال الليلة الأولى فيه، لكن إدخالها ليس شرطاً في الإعتكاف وهذا هو المعروف والمشهور، وهو مبني على أن المراد باليوم ما يساوق معنى النهار، ولذا يجعل في قبال الليل فيقال (يوم وليلة) مثلاً، والآية الشريفة تقول ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ﴾[1] ، فاليوم المراد به هو النهار، وبناءاً عليه قالوا أن الليلة الأولى لا تدخل في الإعتكاف.
نعم حكي الخلاف في ذلك عن العلامة وثاني الشهيدين حيث ذهبا إلى دخول الليلة الأولى في الإعتكاف، وهذا مبني على الرأي الآخر في المقام القائل بأن المراد باليوم هو مجموع الليل والنهار، ولازمه دخول الليلة الأولى في الإعتكاف لأنها جزء من اليوم الأول، وأستدل لهذا الرأي:-
أولاً بأن الإستعمال يساعد على ذلك.
وثانياً بمسألة دخول الليلتين المتوسطتين في الإعتكاف -كما سيأتي-، فإن دخولهما دليل على أن المراد باليوم هو مجموع الليل والنهار، فاليوم الثاني يبدأ من الليلة الثانية فكذا اليوم الأول، فيبدأ من الليلة الأولى.
وأجيب عنهما:-
أما الدليل الأول بأن الإستعمال أعم من الحقيقة، والإستعمال هنا مجازي، بإعتبار تصريح أهل اللغة أن المراد باليوم هو النهار، ويستشهد بكلام أهل اللغة في هذا المجال.
وأما الدليل الثاني بإن دخول الليلتين المتوسطتين ليس لنكتة أن المراد من اليوم هو مجموع الليل والنهار، وإنما لأدلة خاصة -يأتي الكلام عنها- نقول بدخولهما في الإعتكاف - نعم يوجد رأي شاذ يقول بعدم دخولهما فيه-، ولو لا تلك الأدلة الخاصة لما إلتزموا بدخولهما في الإعتكاف، وهي تختص بالليلتين المتوسطتين ولا تشمل غيرهما.
ثم قال (قده): (ولا الرابعة، وإن جاز ذلك كما عرفت)
وليس هناك وجه لتوهم دخولها في الإعتكاف حتى على القول الآخر في المقام وهو أن المراد باليوم مجموع النهار والليل، وذلك لأن الليلة تتبع اليوم اللاحق دون السابق كما يستفاد ذلك من رواية عمر بن يزيد[2] ، فالليلة الرابعة تكون تابعة لليوم الرابع وهو خارج عن الإعتكاف.