1440/05/21
تحمیل
الأستاذ الشيخ هادي آل راضي
بحث الفقه
40/05/21
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: كتاب الإعتكاف، شروطه
كان الكلام في جواز الاعتكاف فيما زاد على ثلاثة ايام وقلنا ان السيد الماتن (قده) ذهب الى الجواز، وذكرنا انه استُدل على ذلك بادلةٍ، ووصل الكلام إلى الدليل الاول وهو التمسك باطلاق ما دل على مشروعية الإعتكاف حيث انه لم يقيد بحد خاص، فمقتضى اطلاقه جواز الزيادة، بل مقتضى اطلاقه جواز النقيصة عن ثلاثة أيام إلا أن الادلة دلت على انه لا يكون اقل من ثلاثة، لكن ليست هناك ادلة تدل على انه لا يجوز الزيادة على ثلاثة أيام، وقلنا أيضاً ان هذا الاطلاق ليس واضحاً في الايات القرانية، ولعله ليس واضحاً في السنة، نعم هناك رواية واحدة قد يقال بانها مطلقة وهي صحيحة داوود بن سرحان المتقدمة
قال: كنت بالمدينة في شهر رمضان، فقلت: لأبي عبد الله (عليه السلام): إني أريد أن أعتكف، فماذا أقول؟ وماذا افرض على نفسي؟ فقال: لا تخرج من المسجد إلا لحاجة لابدّ منها، ولا تقعد تحت ظلال حتى تعود إلى مجلسك.[1]
هذه الرواية استظهر السيد الخوئي (قده) منها سابقاً ان السؤال فيها وقع عن حقيقة الاعتكاف وماهيته، فقد يقال انه حيث ان السؤال وقع عن حقيقة الاعتكاف والامام (عليه السلام) في مقام الجواب لم يقل له لا يجوز الزيادة عن ثلاثة ايام فيمكن التمسك باطلاقها لاثبات جواز الزيادة على ثلاثة أيام.
لكن يمكن التأمل في ذلك بإعتبار ان الظاهر منها ان السوال ليس عن حقيقة الاعتكاف، بل السؤال عن كيفية النية عندما يريد الاعتكاف؛ هذا مضافاً الى ان الزيادة وعدمها ليست داخلة في حقيقة الاعتكاف، بل هي شروط موضوعة تضاف إلى الاعتكاف، فلذلك حتى لو سلمنا ان السوال كان عن حقيقة الاعتكاف والامام (عليه السلام) في مقام الجواب اقتصر على عدم جواز الخروج من المسجد وسكت عن عدم جواز الزيادة فهذا لا يعني ان الزيادة جائزة، لأنها خارجة عن حقيقته.
هذا تمام الكلام بلحاظ الدليل الأول.
أما الدليل الثاني فقد ذكرناه في الدرس السابق وهو ما إستفاده السيد الحكيم (قده) في المستمسك من معتبرة ابي عبيدة، حيث ورد فيها (من اعتكف ثلاثة أيام فهو يوم الرابع بالخيار إن شاء زاد ثلاثة أيام أخر وإن شاء خرج من المسجد، فإن أقام يومين بعد الثلاثة فلا يخرج من المسجد حتى يتم ثلاثة أيام أخر)
وكيفية الاستدلال بها -كما تقدم- ان مفهومها هو انه (اذا خرج قبل اليومين بعد الثلاثة فيكون خروجه جائزاً) وجواز الخروج من المسجد في هذه الحالة معناه جواز انهاء الاعتكاف من ذلك الوقت، وهذا يدل بالدلالة الالتزامية على انه يجوز نية هذا المقدار الزائد من البداية.
لكن هذه الدلالة الالتزامية المدعاة غير واضحة كما ذكر ذلك السيد الخوئي (قده)، فإن جواز الخروج قبل اليومين بعد الثلاثة لا يعني الا جواز رفع اليد عن الاعتكاف في هذه الحالة وفسخه كما ورد في بعض الروايات، وهذا لا يدل بأي نوع من أنواع الدلالات الثلاثة على مشروعية الاعتكاف في ذلك الوقت، كما اذا قال يجوز رفع اليد عن الصلاة في الركعة الأولى في بعض الحالات فهل هذا يفهم منه جواز نية الركعة الواحدة من البداية؟! كذلك في مورد كلامنا، فلا توجد ملازمة بين جواز الخروج من الإعتكاف وفسخه وبين جواز نيته من البداية في الزائد. وما يدل على عدم الملازمة المذكورة هي صحيحة محمد بن مسلم، إذ ورد فيها (إذا اعتكف يوماً ولم يكن اشترط فله أن يخرج ويفسخ الاعتكاف)[2] فإنها تدل على جواز فسخ الإعتكاف في اليوم الأول من الأيام الثلاثة ولكن هذا لا يعني جواز أن ينوي إعتكاف اليوم الأول فقط من البداية.
وكذلك يشهد لما ذكره السيد الخوئي (قده) من نفي الملازمة المتقدمة صحيحة أبي عبيدة الحذاء نفسها، فإنه يستظهر -والله العالم- من قوله (عليه السلام) في ذيلها (فإن إقام يومين منها…) أنه متفرع على قوله (فإن زاد ثلاثة أيام…)، فيأتي التفصيل فيما إذا أقام منها يومين فلا يجوز له الخروج، أما إذا أقام أقل من يومين فيجوز له الخروج، فجواز الخروج فُرض فيه نية الإعتكاف ثلاثة أيام، فلا دلالة فيها على جواز الإعتكاف في الزائد على ذلك.
بل أكثر من ذلك يقال وهو أنها (أي صحيحة أبي عبيدة) فيها ظهور في عدم جواز الزيادة، لأنه بعد ثلاثة أيام خيره الإمام (عليه السلام) بين أحد أمرين: إما أن يزيد ثلاثة أيام أخرى، وإما أن يخرج من المسجد، وظاهر هذا التخيير عدم جواز الزيادة في الإعتكاف وإلا لكانت هذه أحدى الخيارات للمكلف.
وعليه يظهر أن الدليل الثاني على جواز الزيادة غير تام.
الدليل الثالث: أنه وردت روايات كثيرة في تحديد الإعتكاف من طرف القلة، ولم ترد أي رواية في تحديده من طرف الزيادة، وهذا قد يكون شاهداً على عدم وجود تحديد من ناحية الكثرة لعدم التعرض لذلك لا في الروايات ولا في كلمات الأصحاب، وعليه فيجوز الإعتكاف في المقدار الزائد عن ثلاثة أيام.
لكن يلاحظ عليه أن الروايات لعلها ذكرت التحديد من ناحية القلة رداً على العامة الذين ذهبوا إلى جواز الإعتكاف في الأقل من ثلاثة أيام بل ذهب بعضهم إلى جوازه في أقل من يوم واحد، وعليه فلا دلالة في الروايات على جواز الزيادة، فهي لم تذكر التحديد من ناحية الكثرة لعدم وجود سبب لذكره، وهذا بخلاف التحديد من ناحية القلة.
ويرد على هذه الملاحظة أن العامة يرون أيضاً جواز الزيادة على ثلاثة أيام، فلو كان منظور الروايات هو الرد على العامة لكان من المناسب أن تذكر الروايات التحديد من ناحية الكثرة كما ذكرته من ناحية القلة، فالملاحظة لا تصلح للرد على الدليل.
ولكن يمكن أن يكون جواز الزيادة بثلاثة أيام مبرراً لعدم التحديد من ناحية الكثرة، وعليه لا يكون هذا الدليل تاماً، فلا يثبت جواز الزيادة في أقل من ثلاثة أيام.
الدليل الرابع: الروايات الكثيرة التي دلت على أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعتكف لمدة عشرة أيام، وفيه زيادة يوم على ثلاثة أيام لكل إعتكاف؛ وكذلك الروايات التي دلت على إستحباب إعتكاف شهرين متتابعين، فلو إفترضنا أن الشهرين كانا ناقصين أو كان أحدهما ناقصاً فتكون هناك زيادة يوم واحد -كما في الفرض الأول- أو يومين -كما في الفرض الثاني-. فهذه الروايات تدل على جواز الزيادة.