1440/04/14
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
40/04/14
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- حجية خبر الواحد.
خامساً:- إنَّ أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري - الثقة - ذهب إلى الكوفة ليأخذ اصلاً من الحسن بن علي الوشّاء فأخرج له هذا الأصل فقال له أحمد أنا أريد أن أسمعه منك فقال له الحسين اذهب واستنسخه ثم بعد ذلك تعال واسمعه منّي ، فقال له أحمد ( لا آمن الحِدثان[1] ) ، قال النجاشي في ترجمة الحسن بن علي الوشّاء:- ( إنَّ أحمد بن محمد بن عيسى قال خرجت إلى الكوفة في طلب الحديث فلقيت بها الحسن بن علي الوشّاء فسألته أن يخرج لي كتاب العلاء بن رزين القلى وابان بن عثمان الأحمر فأخرجهما إلي فقلت له احب أن تجيزهما لي[2] ، فقال لي:- يا رحمك الله وما عجلتك اذهب فاكتبهما واسمع من بعدُ ، فقلت: لا آمن الحِدثان )[3] .
وتقريب الدلالة هي أنه إذا كانت هذه الأصول متواترة فلا حاجة حينئذٍ إلى الاجازة والسماع.دعوى معاكسة:- وهناك دعوى أخرى تقول إنَّ هذه الأصول الأربعمائة ليست متواترة بحيث أنها لا تحتاج إلى طريق ، بل هي تحتاج إلى طريق ، ولكن لطريق لا ينفع ، لأجل أنَّ هذا الطريق هو طريق إلى صاحب الأصل وليس إلى النسخة ، كما هو الحال في إجازات المتأخرين كالأغا برزك الطهراني حيث كان يعطي اجازات لكنها اجازات لأجل أن يوصل طريقه إلى الشيخ الطوسي ، فمعناها إنَّ جميع الروايات التي وصلت إلى الشيخ الطوسي أنا أجيزها لك من طريق أساتذتي ، وهو قد أخذ الاجازة من أستاذه الميرزا النوري ، والميرزا النوري أخذ الاجازة من اساتذته .... وهكذا ، فصار طريقٌ إلى الشيخ الطوسي ، والشيخ الطوسي عنده طريق إلى الامام عليه السلام ، فيصير أنه أنا أروي عن الامام عليه السلام بهذا الطريق ، فحينئذٍ نقول إنَّ الاغا بزرك الطهراني حينما يجيز شخصٍ فهل يأتي له بنسخ معينة من الكتب ويقول له أنا أجيزك رواية هذه النخسة أو تلك ؟ كلا لا يوجد هذا ، وإنما هم يصرّحون بأنَّ فائدة هذه الاجازة هي اتصال السلسة بأهل العصمة والطهارة عليهم السلام ، فإذا كانت إجازات المتأخرين اجازات تبركية - يعني إلى صاحب الكتاب وليس إلى النسخة المعينة - فسوف لا تنفعنا ، لأنها ليست على نسخةٍ معيّنة وإنما تنتهي إلى الشيخ الطوسي لكن من دون ملاحظة نسخةٍ معيّنة ، وهكذا الشيخ الطوسي ، وهذا واضح في حقنا ، ولكن نحن ندّعي ذلك في حق الشيخ الطوسي أيضاً ، فالشيخ الطوسي حينما كانت عنده مشيخة فكلّها سوف تصير طرقاً إلى صاحب الأصل ، يعني مثلاً هي طرق إلى أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري لا إلى كتابٍ خاص ونسخةٍ معيّنة ، فإذاً هذه لا تنفعنا لإثبات وثاقة الطريق.
ومن الواضح أنَّ الفرق العملي بين هذه الدعوى وبين الدعوى السابقة هو أنه على تلك الطريقة السابقة التي تقول إنَّ تلك الأصول متواترة فبناءً عليه سوف لا نحتاج إلى طريق ، فحتى لو كان الطريق غير صحيح فهذا لا يؤثر لأنَّ الأصل الذي نقل منه الشيخ الطوسي متواتراً ، وسوف تصير النتيجة هي التوسعة ، فمن دون مراجعة المشيخة والفهرست نحن نأخذ بجميع روايات التهذيب ولا نلاحظ السند بين الشيخ وبين صاحب الأصل ، ولكن يلزم أن نلاحظ السند بين صاحب الأصل وبين الامام عليه السلام ولكن تلك قضية ثانية ، بينما بناءً على هذه الدعوى - التي تقول إنَّ هذه الطرق هي طرق إلى صاحب الأصل لا إلى نسخته - فسوف تصير النتيجة هي أنه لا توجد عندنا طرق معتبرة فيلزم الانسداد ، وبالتالي سوف يثبت حجية الظن ، فكلّ ما تظن به خذ به ، فتصير توسعة بهذا الشكل ، فإذاً ينبغي الالتفات إلى النتيجة.والآن نأتي إلى أصل هذه الدعوى - وهي أنه لماذا هذه الطرق التي يذكرها الشيخ في المشيخة وفي الفهرست كلّها إلى صاحب الأصل وليس إلى النسخة فسوف نصير انسداديين - فما هو الوجه بالنبة إليها ؟والجواب:- إنه مجرّد استبعاد فقط ، فيستبعد أنها كلّها كانت على نسخةٍ معيّنة ، يعني من المستبعد أن يجلس الشيخ الطوسي يومياً مع أساتذته على نسخة وينقلون له الحديث ويقرأون.
ولكن يرد ذلك عدّة أمور:-الأول:- إنه إذا فرض أنَّ هذه الطرق كانت طرقاً إلى أصحاب الأصول ولست إلى النسخة فتسجيلها من قبل الشيخ الطوسي لا يسمن ولا يغني من جوع وكون تأليف الشيخ الطوسي للفهرست لغو وبلا فائدة ولا يكون لها أثر إلا التبرّك ، ولكن التبرك يكفي في ذكر طريق واحد وبه يحصل الاتصال بأهل البيت عليهم السلام ، أما أنه يذكر طرقاً متعددة إلى صاحب الأصل فلا داعي إليه ، فإذاً هذا الاحتمال لا يأتي هنا بعد ذكر الطرق الكثيرة.
الثاني:- إنَّ الشيخ الطوسي عبر في المشيخة وقال أنا أنقل هذه الطرق لتخرج الروايات من الارسال إلى الاسناد ، وبناءً على كون هذه الطرق إلى صاحب الأصل فسوف لا تخرج الروايات إلى الاسناد ، بل تبقى كلّها مراسيل ، لأنه لا يوجد عنده طريق إلى النسخة.
الثالث:- إنَّ الشيخ قال في ترجمة العلاء بن رزين في الفهرست قال إنَّ له كتاباً ولكتابه أربع نسخ النسخة الأولى أرويها بهذا الطريق والنسخة الثانية أرويها بهذا الطريق والثالثة أرويها بهذا الطريق والرابعة أرويها بهذا الطرق ، فيتّضح أنه يصرّح بأنَّ القضية كانت على النسخة[4] .
الرابع:- إنَّ الشيخ في ترجمة عليّ بن مهزيار الأهوازي ذكر كتبه وطرقه إلى تلك الكتب ، ثم قال ( إلا كتاب المثالب فإن العباس روى نصفه عن علي بن مهزيار )[5] ، فلو كانت هذه الطرق هي طرق إلى صاحب الأصل وليس إلى النسخة فالاستثناء بقوله ( إلا كتاب المثالب ) لا معنى له ، فتعبريه هذا يدل على أنه كان له طريق إلى كل كتابٍ كتاب لا إلى صاحب الأصل وإلا صار هذا الاستثناء في غير موقعه المناسب.
الخامس:- ذكر أيضاً في ترجمة محمد بن الحسن الصفّار أنه ( روى الصدوق كتبه إلا كتاب البصائر ) ، والتقريب نفس التقريب ، فإذا فرض أنَّ طرق الصدوق إلى صاحب الأصل وليس إلى الكتاب والنسخة فاستثناء كتاب البصائر لا داعي إليه.
السادس:- ذكر في ترجمة محمد بن علي الشلمغاني[6] ( أخبرنا جماعة بكتاب التكليف إلا حديثاً واحداً في باب الشهادة ) فهذا معناه أنَّ هذه الأحاديث كانوا يقرأونها ويكتبونها ويستنسخونها لا أن القضية كانت إلى صاحب الأصل نفسه.
السابع:- ذكر في الفهرست أيضاً عند ذكره للشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان بعدما استعرض كتبه قال:- ( سمعنا منه هذه الكتب كلّها بعضها قراءةً عليه وبعضها نقرأ عليه غير مرّة وهو يسمع )[7] .
الثامن:- وقال النجاشي في ترجمة محمد يعقوب الكليني:- ( كنت أتردد إلى المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤي وهو مسجد نفطويه النحوي أقرأ القرآن على صاحب المسجد وجماعة من أصحابنا يقرأون كتاب الكافي على أبي الحسن أحمد بن محمد الكوفي الكاتب حدّثكم محمد بن يعقوب الكليني )[8] .
فإذاً قضية السماع والكتابة كانت متداولة بينهم وهي عندهم درس من الدروس وواجب من الواجبات.ولعلّه توجد شواهد أخرى.وقد يقول قائل:- إنَّ هذا وجيه بالنسبة إلى الشيخ الطوسي ، فعرفنا أن الشيخ الطوسي طرقه ليست إلى صاحب الأصل وإنما على النسخ ، ولكن كيف الحال بالنسبة إلى الشيخ الكليني والشيخ الصدوق ؟
فنقول:-أما الشيخ الكليني:- فقد كفانا المؤنة ، لأنَّ طريقته هي أنه يذكر تمام السند ، لا أنه يذكر الطريق إلى صاحب الأصل حتى يقال إنَّ هذه القضية تبركية أو أنَّ هذا الطريق إلى صاحب الأصل وليست على نسخةٍ معيّنة ، فهذا الكلام لا يأتي فإنه كل رواية يرويها عنده سندها الخاص بها.