1440/03/26
تحمیل
الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الفقه
40/03/26
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- شروط المتعاقدين - مسألة ( 58 ) شرطية البلوغ.
ونحن نقول للشيخ الأعظم(قده):- أنتم قلتم إنَّ المرفوع هو المؤاخذة ، ونحن نسأل ونقول: هل المرفوع هو فعلية العقاب والمؤاخذة أو أنَّ المرفوع هو الاستحقاق فضلاً عن الفعلية ؟ فإن قلت إنَّ المرفوع هو فعلية العقاب دون الاستحقاق – يعني فقط العقاب الفعلي مرفوع - فهذا معناه أنَّ استحقاق العقاب بَعدُ باقٍ ، ولازم بقاء استحقاق العقاب يعني أنَّ التكليف في الواقع باقٍ ، وإلا كيف يثبت الاستحقاق من دون وجود التكليف الواقعي ؟! ، وهذا لا يمكن أن يلتزم به أحد حتى أنت ، لأنَّ لازم هذا أنَّ المجنون وهكذا الصبي يستحق العقوبة على مخالفة التكاليف ، وبالتالي توجد تكاليف في حقه في حال كونه مجنوناً ، وكيف يوجّه إليه التكليف وهو مجنون أو صبي ؟!! ، فإذاً هذا الاحتمال باطل.
وإذا قلت إنَّ المرفوع هو الاستحقاق والفعلية معاً ، فإنَّ هذا يعني أنه لا يوجد تكليف واقعاً.فإذاً انتهينا إلى ما فررت منه ، لأنك كنت تريد أن تقول إنَّ حديث الرفع يرفع العقوبة فقط ولا يرفع التكليف ، وبناءً على هذا سوف يكون التكليف مرتفعاً فعُدنا إلى ما كنت تفرّ منه.وفي مقام المناقشة للشيخ الأعظم(قده) نقول:- إنه قد ذكرنا سابقاً والآن نكرر ونقول: إنَّ حديث الرفع لا يمكن التمسّك به لنفي الشرطية وأنَّ قصده كلا قصد وأن عقده لا يقع لا لما أفاده الشيخ الأعظم(قده) من أنه ناظر إلى رفع المؤاخذة فقط ، وإنما من جهة أنه بقرينة ( رفع ) يدل على أنَّ المقصود هو التخفيف على الصبي وإذا كان المقصود هو التخفيف ، فكل ما يكون في رفعه تخفيفاً يثبت ، أما الذي لا ربط له بالتخفيف بل هو عكس التخفيف فلا يشمله الحديث ، وحينئذٍ نقول إذا قلنا إنَّ البلوغ شرط فهذا معناه أنَّ الصبي مادام لم يبلغ خمسة عشر سنة لا يتمكن أن يجري عقداً فهو باطل ، وهذا ليس تخفيفاً في حقه ، إذاً الحديث لا يشمله من ناحية كلمة ( رفع ) حيث تدل على التخفيف ولا تخفيف في سلب الاعتبار عن العقد الصادر منه وعن قصده وعمّا يجريه من عقد ، هكذا ينبغي الجواب عن حدث رفع القلم ، لا بما أشرنا إليه الشيخ الأعظم(قده).
تراجع الشيخ الأعظم(قده) في المقام[1] :- إنَّ الشيخ الأعظم(قده) بعد أن أثبت أنَّ حديث الرفع لا يمكن التمسّك به لإثبات شرطية البلوغ لأنه يرفع المؤاخذة لا أكثر ، ثم تراجع وقال ( ولكن يمكن أن نتمسّك لبيان سوف نذكره ) ، وحاصل ما ذكره:- هو أنه توجد لدينا طائفتان من الأخبار ، الأولى تقول ( عمد الصبي وخطأه واحد )[2] ، والثانية ما كانت بلسان ( عمد الصبي خطأ[3] تحمله العاقلة وقد رفع عنه القلم ) ، فالشيخ تمسّك بـ( رفع ) التي جاءت ذيلاً لحديث ( عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة ) ، فإذاً الشيخ عنده طائفتان جديدتان.
ومرّة نتكلم في الطائفة الأولى وأخرى نتكلم في الطائفة الثانية:-الكلام في الطائفة الأولى:- إذنه ذكر أنه توجد عندنا عدّة روايات باللسان الأول وهو ( عمد الصبي وخطأه واحد ) ، من قبيل صحيحة محمد بن مسلم التي رواها الشيخ بإسناده عن محمد بن أبي عمير عن حمّاد بن عثمان عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام قال[4] :- ( عمد الصبي وخطأه واحد )[5] ، وبمضمونها موثقة اسحاق بن عمّار[6] ، ومن قبيل ما رواه الصدوق والشيخ بإسنادهما إلى السكوني[7] ، وهذه الطائفة لا يوجد فيها تعبير ( رفع القلم ) ، فالتعبير بالتراجع ليس بصحيح ولكن اقبل مني ذلك.
وتقريب الدلالة على أنها تدل على شرطية البلوغ:- هو أنه قال(قده) إنَّ الأصحاب وإن ذكروا هذه الروايات في باب الجنايات إلا أنَّ لسانها مطلق فنتمسّك بإطلاقها ، فعمد الصبي دائماً خطأ ، ومن الواضح أنه ينبغي أن نفسّر العمد هنا بالقصد ، فقصده سوف يصير بمثابة الخطأ ، يعني كلا قصد ، وإذا كانت مطلقة فسوف تشمل مقامنا ويثبت أنه حينما يجري العقد - ايجاب وقبول - فهذا كلا قصد ، يعني لا شيء ، ومما يدعم اطلاقها وعدم اختصاصها بباب الجنايات أن الشيخ وابن إدريس تمسّكا بهذا المضمون في باب محرّمات الاحرام ، فلو أحرم الصبي وارتكب بعض محرّمات الاحرام هل عليه شيء ؟ تمسّك هذان العلمان بهذه الطائفة وقالا ليس عليه شيء ، لأنَّ الرواية تقول ( عمد الصبي وخطأه واحد ) ، وهذا يعزز أنَّ هذا المضمون وهذا الحديث مطلق ولا يختص بباب الجنايات ، فإن قلت:- إنَّ موثقة اسحاق بن عمّار فيها عبارة توجب تخصيص الحديث بباب الجنايات ، فأنَّ الوارد فيها ( عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة ) فتعبير ( يحمل على العاقلة ) واضح في أنها واردة في الجناية ، قلت:- إنَّ هذه الرواية خاصة واختصاص هذه الرواية لا يوجب سلب العموم والاطلاق عن بقية الروايات.
قال(قده):- ( فكل حكم شرعي تعلق بالأفعال التي يعتبر في ترتب الحكم الشرعي عليها القصد بحيث لا عبرة بها إذا وقعت بغير القصد فما يصدر عنها عن الصبي قصداً بمنزلة الصادر عن غيره بلا قصد فعقد الصبي وايقاعه مع القصد كعقد الهازل والغالط والخاطئ وإيقاعاتهم[8] )[9] .
ونحن نساعده نقول:- إنه قد يقول قائل للشيخ إننا قرأنا في باب الاطلاق والتقييد إذا كانت هناك رواية مقيّدة فهي تقيّد المطلق ، فلو قال ( اعتق رقبة ) ثم قال ( اعتق رقبة مؤمنة ) فحينئذٍ ( أعتق رقبة مؤمنة ) يصير مقيداً للمطلق ، فما عدى مما بدى ، حيث قلت هنا لو كانت تلك الرواية مقيّدة تبقى هذه على اطلاقها وهذا خلاف ما بنينا عليه في الأصول ؟!!
ولكن يجاب:- بأنَّ هذا يتم فيما إذا فرض أنه كان المطلق قد قُيّدَ ، ولكن المفروض موثقة محمد بن مسلم لا يوجد فيها تقييد وإنما هي جملة ثانية ، حيث قيل هكذا: ( عمد الصبيان وخطأهم واحد يحمل على العاقلة ) فهذا ليس قيداً ، نعم يكون قيداً لو كان التعبير هكذا: ( عمد الصبيان خطأ في الجنايات ) فهذا يكون تقييداً ، ولكن هذا ليس موجوداً ، وإنما ما ذكر هو حكمٌ ثانٍ وهو ( تحمله العاقلة ) ، فهذا ليس من باب قيد ومقيّد ، فعلى هذا الأساس يبقى مجال لإطلاق باقي الروايات.
وقد تقول:- صحيحٌ أنَّ هذا ليس من القيد والمقيّد ولكن الفقيه حينما ينظر إلى المجموع فليس من البعيد أن يقول إنَّ هذه الروايات ناظرة إلى باب الجنايات
ولكن نقول:- إنَّ هذه قضية ليست علمية ، وإنما هي قضية استذواقية حدسية ، فلا تصير حجّةً ملزمةً للطرف.